تمثل حماية البيئة ومنذ اكثر من عشر سنوات احد المواضيع والاهتمامات الرئيسية للحكومات الألمانية المختلفة والتي صاغت القوانين من اجل تحقيق الحياد المناخي وضمان حماية البيئة، ومع قرار المحكمة الدستورية العليا نهاية شهر ابريل هذا العام بعدم كفاية قانون حماية البيئة الذي اقرته الحكومة عام 2019م، اقرت الحكومة منتصف شهر مايو تعديلات على القانون، تهدف هذه التغييرات في قانون حماية المناخ إلى تحديد موعد ابكر للوصول الى الحياد المناخي في ألمانيا وتحديد شكل مسار حماية المناخ بعد عام 2030م، حيث تم إقرار ان تصبح ألمانيا محايدة مناخياً بحلول عام 2045م.

 تقديم موعد الحياد المناخي لألمانيا بخمس سنوات هو امر ممكن تنفيذه، وذلك بحسب دراسة لعدد من معاهد الأبحاث والمؤسسات والتي تضم Stiftung Klimaneutralität وAgora Energiewende وAgora Verkehrswende. على شرط ان يتم تسريع عدد من الخطوات الأساسية فيما يتعلق بحماية المناخ، على سبيل المثال، التخلص التدريجي المبكر من الفحم، والمزيد من السيارات الإلكترونية والتوسع في تقنيات انتاج الكهرباء الخضراء. اذ يجب وفقا للدراسة تكثيف استخدام تقنيات كفاءة الطاقة الى جانب التوسع في تطوير الطاقات المتجددة وطاقة الهيدروجين بشكل أسرع. كما انه من الضروري على وجه التحديد لألمانيا التخلص التدريجي من محطات توليد الطاقة التي تعمل بالفحم بحلول عام 2030م بدلا عن الموعد المقرر حتى الآن وهو العام 2038م على أبعد تقدير.

وتعتبر الدراسة أن التوسع بشكل كبير في بناء محطات توليد الطاقة عبر الرياح وعبر الطاقة الشمسية أصبح ضرورة ملحة. كما أصبح لطاقة الهيدروجين الاخضر أهمية متزايدة، حيث يجب ان يحل الهيدروجين بعد عام 2040م محل الغاز الطبيعي باعتباره أهم وسيلة لتخزين الطاقة المتولدة عبر طاقة الرياح والطاقة الشمسية لتعويض الطاقة الكهربائية في الأوقات التي يقل فيها انتاج هذين النوعين من الطاقة. بالإضافة إلى ذلك، ووفقًا للدراسة، يجب أن يتم الانتقال الى السيارات الكهربائية بشكل أسرع، اذ يفترض ان يبلغ عدد السيارات الكهربائية في شوارع ألمانيا أكثر من 14 مليون سيارة بحلول العام 2030م، كما يجب ان يتوقف انتاج السيارات بمحركات الاحتراق الداخلي بحلول العام 2032م، وبحلول عام 2045م، سيتعين استبدال جميع المركبات المزودة بمحركات احتراق داخلي تقريبًا بسيارات إلكترونية.

مختلف هذه الإجراءات والسياسات التي تستهدف ان تصبح ألمانيا محايدة مناخياً في عام 2045م، تتطلب استثمارات اجمالية تبلغ حوالي خمس تريليونات يورو وذلك وفقا لدراسة أجراها معهد Nextra  للاستشارات ومعهد الاستثمارات الرأسمالية المستدامة (NKI) لحساب بنك إعادة الاعمار والتنمية الحكومي KfW ،  وعلق كبير الاقتصاديين في بنك التنمية الألماني   Fritzi Köhler-Geib على هذا بالقول” انه مبلغ ضخم بالفعل لكن من الممكن جمعه وتنفيذ الإجراءات الازمة لتحقيق الحياد المناخي، على انه ينبغي توجيه الاموال الحكومية الى الاستثمارات المناسبة لأهداف الحياد المناخي الى جانب حشد وتجميع الاستثمارات الخاصة لنفس الهدف”،  خصوصا ان جزءً كبيرا من هذا المبلغ هي استثمارات مخططه وسيجري تنفيذها بالفعل في جميع الأحوال، لكن يجب فقط توجيه هذه الأموال أكثر نحو البدائل التي تساهم في الحياد المناخي. ووفقًا للدراسة، فإن الاستثمارات الإضافية المتعلقة بشكل مباشر في تنفيذ إجراءات الوصول الى الحياد المناخي قد تصل إلى 1.9 تريليون يورو وهذا يساوي استثمارات إضافية سنوية بمتوسط ​​72 مليار يورو حتى عام 2045م.

ويذكر الباحثون والخبراء أن تحقيق هدف الحياد المناخي يتطلب تحولًا واسع النطاق في جميع القطاعات الاقتصادية، بداية من قطاع النقل مروراً بقطاع الصناعة حتى الوصول إلى قطاع بناء وصيانة المنازل. ووفقاً لبنك إعادة الاعمار والتنمية KfW، فان هذه الاستثمارات تعتبر استثمارات جيدة لأن استثمارات حماية المناخ توفر أيضًا فرصة لتحسين القدرة التنافسية لألمانيا من خلال تطوير تقنيات جديدة يمكن أن تعزز ألمانيا كموقع صناعي موجه للتصدير على المدى الطويل، وبما يمكن أيضا أن تولد ألمانيا دخلاً من شأنه أن يغطي ثلثي الاستثمارات الإضافية الضرورية.

وبحسب الدراسة فأن الجزء الأكبر من الاستثمارات الموجه لتحقيق هدف الحياد المناخي سوف تكون في قطاع النقل حيث تبلغ 2.1 تريليون يورو، لكن الجزء الأكبر من هذا المبلغ هي استثمارات مخططة بالفعل ويتعلق الأمر فقط بإعادة تنظيم وتوجيه هذه الاستثمارات وبالتالي فإن الاستثمارات الإضافية الفعلية أقل بكثير حيث تصل الى 153 مليار يورو فقط. وتأتي الاستثمارات في قطاع الطاقة في المركز الثاني بقيمة 840 مليار يورو سيوفر القطاع الخاص 636 مليار يورو منها، كما ان الاستثمارات الجديدة اللازمة في هذا القطاع من غير المبالغ المخططة بالفعل تبلغ 254 مليار يورو. بينما سيتعين على القطاع الصناعي استثمار حوالي 620 مليار يورو، منها 462 مليار يورو استثمارات إضافية، ويعود السبب في كبر حجم الاستثمارات الإضافية في قطاع الصناعة الى ان التحول في قطاع الصناعة الى أساليب انتاج صديقة للبيئة يحتاج الى تقنيات جديدة تماما وجهود إضافية في تعديل عمليات التصنيع.