أجمع خبراء الاقتصاد والمال في ألمانيا على أن اقتصاد البلاد حقق قفزة قوية في الربع الأول من السنة الحالية بعد أن سجّل الناتج القومي فيه نمواَ قدره 0,6 في المئة مقابل 0,4 في المئة نمو في الربع الأخير من العام الفائت 2016. كما توقعوا تحقيق نمو جيد في الربع الثاني الذي ينتهي في نهاية شهر يونيو الحالي. ويمكن وصف أجواء أرباب العمل والشركات الألمانية بالممتازة حالياً، خاصة وأنها انعكست زيادة ملحوظة في استثماراتهم الإنتاجية بمقدار 1,2 في المئة من حيث زيادة الآلات وتشغيل المزيد من العاملين بعد ارتفاع الطلب على انتاجهم في الداخل والخارج. وارتفعت الاستثمارات في قطاع البناء بمعدل 2,3 في المئة في الفترة ذاتها، ولا تزال البطالة بالبلاد في تراجع.
وعلى الرغم من ارتفاع معدل التضخم والأسعار في البلاد لم يتوقف المستهلكون الألمان عن المزيد الاستهلاك منذ بداية العام الجاري، والابتعاد عن التقشف والادخارفي ظل بقاء الفائدة في حدود الصفر. ولا تزال المصاريف التي خصصتها الدولة لمليون لاجئ تنعش عمليات الشراء والنمو الاقتصادي. إلى جانب كل ذلك يشير الخبراء إلى التجارة الخارجية الألمانية التي لا تزال تحقق منذ سنوات فائضاً كبيراً لصالح الاقتصاد الألماني. وأظهر استطلاع أجراه اتحاد غرف التجارة والصناعة الألمانية DIHK مع أرباب عمل ومسؤولي 25 ألف شركة في البلاد، ونشر نتائجه في 25 مايو الفائت، أن غالبية الشركات الألمانية تنظر بارتياح شديد إلى وضع أعمالها، وبصورة تذكر بالانتعاش الكبير الذي حصل بعد الوحدة الألمانية عام 1990. ورفع الاتحاد بالتالي تقديره لمعدل النمو المتوقع للعام 2017 من 1,6 إلى 1,8 في المئة. وذكر الاتحاد أن الشركات الألمانية تتوقع تأمين نصف مليون فرصة عمل جديدة في العام الجاري.
وارتفع مؤشر البحوث الاقتصادية Ifo الشهر الماضي من 112,9 إلى 114,6 نقطة بصورة فاقت كثيراً توقعات الخبراء الذين توقعوا 113,1 نقطة. وقال رئيس المعهد Clemens Fuest الذي يستطلع آراء مسؤولي سبعة آلاف شركة في البلاد شهرياً إن ارباب العمل “يعيشون حالياً أجواء احتفالات لأن عدد النقاط التي سجلت في مايو هي الأعلى منذ عام 1991. وعقبّ خبير المعهد Klaus Wohlrabe على التطور الإيجابي في الاقتصاد الألماني بالقول “إن فوز Emanuel Macron في انتخابات رئاسة الدولة “إشارة إيجابية إلى أن الاتحاد الأوروبي لم يعد يعاني من ضغط كبير كما كان الأمر قبل عام واحد”. مع ذلك ذكر خبراء مثل الخبير الاقتصادي Andreas Scheuerle من مصرف Deka و Thomas Gitzel كبير خبراء مصرفVP Bank أن الاقتصاد الألماني “في وضع جيد ويتحسن”، لكن لا يمكن القول بأنه في أفضل أيامه، خاصة وأن الاقتصاد الأميركي كمحرك للنمو العالمي تعرض أخيراً إلى تباطؤ. وارتفع مؤشر معهد البحوث الأوروبية ZEW في مانهايم بدوره من 19,5 في أبريل إلى 20,6 نقطة في مايو متجاوزاً أيضاً التوقعات، إلا أنه بعيداً بعض الشيء عن رقم 23,9 نقطة الذي سجله آخر مرة عام 1991.
وفي المقابل حققت دول منطقة اليورو الـ 19 نمواً جيداً في الفصل الأول من العام الجاري مقداره 0,6 في المئة متجاوزة بثلاثة أضعاف معدل 0,2 في المئة نمو سجلته الولايات المتحدة في الفصل الأول على حد ما ذكره مكتب الإحصاء المركزي الأوروبي Eurostat بعد تصحيح معلوماته إلى الأعلى. وقال الخبير أعلاه Gitzel إن النمو بهذا المقدار “فاجأ الجميع وأظهر القوة الاقتصادية لمنطقة اليورو”. وأضاف أن منطقة اليورو “بقيت لفترة طويلة بمثابة الرجل المريض، لكنها تجاوزت هذا الوضع الآن، خاصة وأن سعر اليورو المنخفض يساعدها على التصدير أكثر والاستفادة من تحسن الاقتصاد العالمي وتراجع البطالة فيها بصورة ملحوظة”. ويتوقع الخبراء الآن استناداً إلى بيانات اقتصادية إيجابية أن تحقق دول منطقة اليورو معدل نمو عال أيضاً في الفصل الثاني من هذا العام. ويعتقد مراقبون ماليون أن البنك المركزي الأوروبي لن يرفع الفائدة من موقع الصفر على المدى المتوسط، خاصة وأنه لا يتوقع ارتفاع معدل التضخم إلى اثنين في المئة قبل نهاية عام 2019 حيث ستراوح بين 1,6 و1,7 في المئة، كما سيبقى اليورو حتى ذلك الحين أيضاً أضعف من الدولار، ما يسهل التصدير.
سوق العمل: تراجع مستمر في البطالة والمؤشرات إيجابية
واصلت البطالة في ألمانيا تراجعها في شهر مايو الفائت فسجلت 2,498 مليون شخص بانخفاض بلغ 71 ألفاً عن شهر أبريل الماضي و166 ألفاً عن الشهر ذاته من العام 2016 بحسب ما ذكرته وكالة العمل الاتحادية BA في نورنبيرغ. وبذلك انخفض معدل البطالة في البلاد بمقادر 0,2 في المئة من 5,8 إلى 5,6 في المئة. ويعكس التراجع في أعداد العاطلين عن العمل واقع استمرار النمو الحاصل في الاقتصاد الألماني منذ أشهر عديدة، على حد ما ذكرته الوكالة، وإن كان فصل الربيع يلعب دوراً موسمياً في ازدياد مجالات التشغيل من جديد.
لكن الأهم من كل ذلك بحسب خبراء الوكالة هو القوة الذاتية المتنامية للاقتصاد الألماني وقدرته على التصدير في الوقت الراهن المستندة بدورها إلى القوة الذاتية المكتسبة داخل الاقتصاد العالمي ككل وقدرته على الشراء. وتوقع خبراء ألمان كثر استمرار المؤشرات الايجابية في سوق العمل في البلاد في الفترة المقلبة، وبقاء معدل البطالة فيه في حدود 2,5 في المئة. وتشدد وكالة العمل على التذكير في كل شهر بوجود نحو مليون شخص آخر لا يعملون لأنهم إما يجرون دورات تدريب وتخصص إضافية أو جديدة لتحسين فرصهم بالحصول على عمل، ويتلقون خلال ذلك مساعدة مالية شهرية من صندوق الوكالة ، وإما يعانون من أمراض مزمنة وخطرة تفرض عليهم التوقف عن العمل ويتلقون مساعدة مالية أيضاً طيلة غيابهم عنه. ولولا هذه المساعدة لتم حسبان هؤلاء عاطلين عن العمل ولارتفع العدد إلى 3,526 مليون شخص.
ووضع معهد البحوث الاقتصادية DIW في برلين أخيراً دراسة قارن خلالها تطور الانتاج في البلاد مع تطور أجور العاملين فتبين للخبراء الذين وضعوها أن هامش رفع الأجور لم يستغل كما كان يجب من جانب أرباب العمل لزيادة المعاشات خلال السنوات العشر الماضية، وأن الأجور بقيت خلال هذه الفترة أقل بنسبة 0,3 في المئة سنوياً عما كان يمكن دفعه للعمال والمستخدمين. وبحسب الخبراء واضعي الدراسة كان من الممكن أيضاً دفع هامش مادي أكبر للعاملين في القطاع الصناعي بصورة خاصة.
وقال خبير الوكالة في شؤون العمل Karl Brenke إن المقاربات التي أجريت بين إفادة أرباب العمل وإفادة العمال جاءت بوضوح لمصلحة أرباب العمل, وأضاف أن المفاجأة كانت في أن مصانع وشركات صناعية هامة كانت مسؤولة عن حرمان عمالها من الحصول على زيادة أجور مناسبة، علماً أن الأجور فيها عالية تقليديا، إضافة إلى أن استفادة أرباب العمل من النمو الاقتصادي كان أكبر من المعتاد. وأظهرت الدراسة أيضا أن الأمر هذا كان يختلف بصورة ملموسة من قطاع اقتصادي مثل الصناعة إلى قطاع اقتصادي آخر مثل تجارة القطعة أو الخدمات.
إلى ذلك ذكر معهد سوق العمل وبحوث المهن IAB التابع لوكالة العمل الاتحادية في دراسة أخيرة له أن كل ثاني عامل أوعاملة فقط في معامل ألمانيا، أي نحو خمسين في المئة من العاملين في البلاد فقط، يحصلون على أجور تنص عليها التعرفة المتفق عليها بين نقابات العمال وأرباب العمل، والسبب يعود إلى خروج أرباب العمل أكثر فأكثر من عضوية منظمات أرباب العمل بهدف التهرب من اعتماد تعرفات العمل، الأمر الذي يؤدي أيضاً إلى تراجع أهمية منظمات أرباب العمل.
وجاء في الدراسة التي أجريت مع 15 ألف شركة في ألمانيا أن 52 في المئة من مجموع العاملين في البلاد كانوا في عام 2009 يقبضون أجورهم استناداً التي التعرفة المتفق عليها مقابل 67 في المئة في عام 1996، بتراجع مقداره 15 في المئة. والتراجع الأكبر سُجل في شرق المانيا حيث بلغ 18 في المئة، أي من 56 إلى 38 في المئة. صحيح أن النسبة المئوية زادت بمقدار واحد في المئة فقط عام 2001 في غرب ألمانيا لتصبخ 56 في المئة ، إلا أن الرقم لا يزال أقل بـ 14 نقطة عنه في عام 1996 حيث سجّل 70 في المئة في حينه. وحذر المعهد من نتائج هذا التراجع السلبي على أجور العاملين في البلاد وعلى حقوقهم المشروعة.
برلين تقرّ مع ولايات ألمانيا الـ 16 حزمة تعديلات مالية جديدة
بعد مجلس النواب الاتحادي Bundestag أقر مجلس الولايات الألمانية الاتحادي Bundesrat في جلسة عقدها في الثاني من شهر يونيو الجاري، وبعد سنوات عدة من النقاشات، اتفاقاً مالياً جديداً بين الحكومة الاتحادية الألمانية والولايات الألمانية الـ 16 يتضمّن سلسلة من الاصلاحات المالية تستفيد منها حكومات الولايات الألمانية بمليارات اليورو أكثر من السابق مقابل تخلّي الولايات عن بعض صلاحياتها لصالح الحكومة الاتحادية في برلين. وتم الاتفاق على تنفيذ الاصلاح المالي الجديد ابتداء من عام 2020، وأن تحصل الولايات من برلين على دعم مالي يبلغ عشرة مليارات يورو سنوياً على أن يرتفع المبلغ سنة بعد سنة .
ومع هذا الاتفاق ينتهي بعد عامين ونصف العام العمل بقانون التعاضد المالي المشترك المعمول به حالياً بين الولايات الألمانية، والمستند إلى مبدأ أن الولايات القوية مالياً تساعد نظيراتها الضعيفة، لتصبح المهمة لاحقاً مهمة الدولة الاتحادية. وستخصص الدولة جزءأ من الضريبة المضافة التي تدخل صندوقها بما قيمتة نحو عشرة مليارات يورو فيما تحتفظ كل ولاية مستقبلاً بقسم هام من مدخول الضرائب فيها الذي تجمعه سنوياً، ما يعني إضافة هامة إلى مدخولها الذي سيأتي من الدولة الاتحادية. مقابل ذلك ستتخلى الولايات للدولة عن حقوق تتعلق بكفية تقرير أوضاع الطرق والاوتوسترادات السريعة والبعيدة، وكيفية إدارة الضرائب وتمويل التعليم. واتفق الطرفان على أن تبلغ مدة العمل بالإصلاح المالي الجديد بين الطرفين مدة عشر سنوات على أن يعاد تقييمه من جديد وتعديله في حال الضرورة. وللوصول إلى الاتفاق المنشود تمّ تعديل 13 مادة في الدستور الألماني.
وإلى جانب مبدأ حصول كل ولاية على حصتها استناداً إلى عدد سكان كل منها تتمثل أهم التعديلات التي أقرت على الشكل التالي:
1ـ اقرار تأسيس مؤسسة عامة غير ربحية وغير مطروحة للتخصيص مهمتها السهر على أوضاع الاوتوسترادات والطرقات السريعة في جميع الولايات تكون لها صلاحية وضع الخطط وتنفيذها.
2ـ إزالة الحاجز الدستوري الذي كان يمنع الدولة من المشاركة مع الولايات الراغبة في الاستثمار في تحسين وتعزيز المدارس والتعليم بصورة عامة وتقديم الأموال اللازمة لذلك من صندوق دعم بلدي مشترك يتضمن 3,5 مليار يورو. وسيكون لمجلس الرقابة المالي الاتحادي الحق في مراقبة كيفية صرف الأموال المخصصة لتعزيز مستوى التعليم.
3ـ ابتداء من عام 2020 سيتشكل مجلس اسمه “مجلس الحفاظ على الاستقرار” لتعزيز أعمال مراقبة موازنة الحكومة الاتحادية وموازنات الولايات الألمانية والسهر على كبح الدين فيها كما حصل أخيراً مع موازنة الدولة ابتداء من عام 2016 الماضي.
4ـ يحق للدولة الاتحادية في المستقبل التدخل في شؤون جمع الضرائب في الولايات وإدارتها ومراقبتها مقابل المساعدة المالية السنوية الهامة التي تقدمها للحكومات المحلية من الصندوق الاتحادي، وهذا أمر لم يكن يحدث سابقاً.
الصين والهند لعلاقة أوسع بألمانيا وأوروبا بعد تحفّظ واشنطن
تعهدت ألمانيا والصين والهند، وكذلك أوروبا والصين مضاعفة الجهود لإنقاذ كوكب الأرض من ظاهرة الاحتباس الحراري، في تحدٍ واضح لقرار الرئيس الأميركي Donald Trump سحب بلاده من اتفاق باريس التاريخي للمناخ. كما تأكدت رغبة ألمانيا وأوروبا في التعاون بصورة أوثق مع الصين ومع الهند على المستويين التجاري والاستثماري. وخلال استقبال المستشارة Angela Merkel لرئيس حكومة الصين Li Keqiang ورئيس حكومة الهند Narendra Modi كل على حدة في برلين مطلع الشهر الجاري أجمع المراقبون على أنه بعد اعتماد الرئيس الأميركي Donald Trump سياسته التجارية الحمائية، وابتعاده عن أوروبا مع تخليه عن حماية المناخ العالمي، فتحت أوروبا وألمانيا والصين والهند الباب واسعاً امام المزيد من التعاون المشترك.
وقالت المستشارة مركل خلال افتتاحها ملتقى تطويرياً ألمانيا ـ صينياً مشتركاً في برلين إنها فرحة لكون الصين على استعداد للعمل سوياً على قاعدة مبادئ محددة لتأمين تجارة حرة وأسواق تجارية مفتوحة. ولقي كلام مركل عن أن الولايات المتحدة لم تعد حليفاً يعتمد عليه، وأن على أوروبا أخذ مصيرها بيدها، صدى إيجابياً في الصين ورغبة كبيرة في توطيد العلاقات الاقتصادية مع ألمانيا وأوروبا بعد تغيّر السياسة الخارجية الأميركية في ظلّ ترامب. وكي لا تبدو الأمور وكأن الصين تبحث لنفسها فقط عن شروط أفضل في أوروبا قال رئيس حكومتها إن بلده تريد تعزيز العلاقات بين الشركات الصينية الصغيرة والمتوسطة مع مثيلاتها الألمانية والأوروبية، وبخاصة على مستوى تطوير الأفكار والمنتجات. وأضاف أنه في المقابل سوف يعمل على تحسين شروط وامكانات الاستثمارات الاجنبية في بلده، طالباً من الشركات الاجنبية تفهم أن مثل هذه الخطوة الإصلاحية تتطلب وقتاً قد يطول بعض الشيء.
وردت مركل بالدعوة إلى تعزيز العلاقات الألمانية الصينية ، داعية بكين إلى الانفتاح أكثر على الشركات الأجنبية. وحضت نظيرها الصيني على تأمين المجال أمام المنظمات العلمية الأجنبية والمنظمات والمؤسسات غير الحكومية للعمل بكامل طاقاتها في الصين من دون عرقلة ما بسبب شروط التسجيل المعقدة التي ينص عليها القانون الحالي المعتمد. ولمناسبة الزيارة وقّع مسؤولو شركات ألمانية وصينية اتفاقات مختلفة بينهما، واتفق الجانبان على تعميق التعاون في مجال البحوث الخاصة بالذكاء الاصطناعي وتأسيس صندوق مالي مشترك لتمويل بحوث التطوير. وأعلنت مركل أن وزارة البحوث الاتحادية ستخصص للصندوق أربعة ملايين يورو من موازنتها. وعلم أن الزيارة جاءت للتحضير أيضاً لقمة الدول العشرين التي ستعقد في هامبورغ في 7 و 8 يوليو المقبل ولزيارة الرئيس الصيني Xi Jinping إلى برلين لاجراء محادثات سياسية واقتصادية مع المستشارة قبل الانضمام إلى قمة هامبورغ التي دعت إليها مركل. في المقابل، ورغم نجاح زيارة رئيس الحكومة الصينية في بروكسيل، لم يصدر بيان ختامي مشترك عنها بسبب بعض الآراء المختلفة حول السياسة التجارية. تجدر الإشارة إلى أن التبادل التجاري الألماني الصيني بلغ قيمته العام الماضي 2016م (169,9) مليار يورو، منها صادرات ألمانية بواقع ( ,0876 ) مليار يورو وواردات من الصين بقيمة (93,83 ) مليار يورو. علاوة على ذلك تنشط الألاف من الشركات الألمانية في السوق الصيني، كما هو الحال للإستثمارات الصينية في الإقتصاد الألماني الذي ارتفع بوتيرة مُتسارعة خلال الأعوام القليلة الماضية.
أما الهند فتُعتبر كذلك بعدد سكانها البالغ 1,3 مليار نسمة من أهم الدول النامية الصاعدة اقتصادياً وصناعياً، لذا تأمل ألمانيا كدولة كبيرة مصدرة إلى العالم الاتفاق مع الهند على تعاون وثيق. وتسعى الهند بدورها إلى تعزيز علاقاتها مع ألمانيا على مختلف الصعد، الأمر الذي يسهّل التعاون بين البلدين وتعميقه. واتفقت المستشارة مركل وضيفها رئيس حكومة الهند Modi على وضع موازنة انمائية مشتركة تخصص لها ألمانيا مبلغ مليار يورو سنوياً على حد قول مركل خلال الاجتماع المشترك الذي ضم وزراء من الحكومتين الألمانية والهندية. وستخصص الموازنة الانمائية لمسائل البحوث المتعلقة ببناء “المدن الذكية” و “الطاقات البديلة” و “الصناعة الشمسية”. وستدعم برلين الهند أيضاً لتحقيق أهداف “اتفاق باريس” لحماية البيئة والمناخ. ورفعت زيارة رئيس الحكومة الهندية من آمال زيادة التجارة بين البلدين المهددة بالتراجع بسبب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي والتجارة الحمائية التي قرر الرئيس الأميركي ممارستها مع الخارج، وما يزال التبادل التجاري الألماني الهندي محدوداً بعض الشيء إذ بلغ قيمة التبادل التجاري الألماني الهندي العام الماضي 2016م ما قيمته (17,4) مليار يورو.
بركزيت: May تصاب بهزيمة وبريطانيا تشعر بثقل الخروج
يرى مراقبون ألمان وأوروبيون أن رئيسة الحكومة البريطانية Theresa May قامرت باجراء الانتخابات البرلمانية المبكرة في بلدها لتقوية موقعها التفاوضي في محادثات الخروج من الاتحاد الأوروبي فخسرت رهانها بصورة مدوّية بعد أن تمكن حزب العمال البريطاني من اضعافها وخفض غالبيتها في البرلمان إلى حد فقدان قدرتها على تشكيل حكومة دون دعم حزب صغير أكثر محافظة ورفضاً للاتحاد الأوروبي منها. وتجدر الإشارة إلى أن موعد الجولة الأولى من المفاوضات حول شروط “البريكزت” في بروكسيل حُدّد في 19 الشهر الجاري، ما أكدته لندن. ويجعل ضعف موقف ماي بعد فقدانها الأغلبية النيابية الكبيرة التي كانت تتمتع بها، وتضاؤل ثقة الشعب في شخصها، هدفاً لمعارضيها داخل حزبها وخارجه، ومحل ابتزاز منهم ومن الحزب الصغير الذي يدعمها مع بدء ترجيح المراقبين بأنها لن تكون قادرة على البقاء طويلاً في منصبها.
ولم يكن مفاجئاً بالطبع تراجع قيمة الجنيه البريطاني أمام اليورو والدولار فور إعلان النتائج، ولا البلبة القائمة حالياً أيضأ حول التكتيك الذي ستتبعه ماي في المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي. وثمة خلاف بين المراقبين والمعلقين، إذ أن قسماً منهم يعتبر أن ضعف رئيسة الحكومة البريطانية سيجعلها أقل تشدداً ومطالبة، فيما القسم الآخر يعتقد أن الضعف سيفرض عليها أن يكون موقفها أصلب للحصول على أفضل النتائج والشروط من بروكسيل، ما يمكّنها من استعادة الثقة من شعبها ومعارضيها المحافظين. وبالفعل تميل ردود الفعل الأولى غير الرسمية القادمة من بروكسيل إلى أن التفاوض سيكون الآن أصعب وأعقد لأنها لن تكون في موقع قوي كما تمنّت من أجل تقديم تنازلات يقبلها المحافظون في بلدها. من هنا فان امكانية فشل مفاوضات الخروج من خلال انسحاب بريطانيا منها امكانية فعلية قد تهدد بها وتستخدمها لتقوية موقعها التفاوضي. وفي كل الأحوال يرى البعض الآخر أن نتيجة الانتخابات هذه أظهرت أن الشعب البريطاني لم يعط حكومتها تفويضاً بتحقيق خروج مدوٍّ.
وفي نظرة إلى الوضع الاقتصادي الراهن في بريطانيا منذ أن بدأ الحديث عن “البركزيت” أعلن مكتب الأحصاءات الوطني البريطاني ONS أخيراً أن اقتصاد البلد وسكانه بدآ يشعران الآن أكثر فأكثر بتداعيات قرار الانسحاب من الاتحاد الأوروبي. وبعد أن أعلن المكتب بداية أن معدل النمو الاقتصادي في بريطانيا حقق في النصف الأول من العام الجاري 0,3 في المئة، عاد وصحح الرقم في بيان لاحق مخفّضاً إياه إلى 0,2 في المئة. ومعلوم أن معدل النمو الوسطي في دول منطقة اليورو بلغ 0,6 في المئة، ما يدلّ بوضوح على سبب التراجع في بريطانيا، خاصة وأنها سجلت في الفصل الأخير من العام الماضي نمواً من 0,7 في المئة، ما يعني أن دينامية التراجع الكبير أكثر وضوحاً كسبب مباشر.
إلى جانب ذلك سبّب تراجع الجنيه المستمر امام اليورو والدولار وغيرهما من العملات الصعبة منذ التصويت على الخروج في شهر يونيو 2016 ارتفاعاً في أسعار السلع والبضائع المستوردة من خارج بريطانيا. ومذ ذلك لم تلحق الأجور والمعاشات في البلد بمستوى ارتفاع الأسعار ومعدل التضخم.
ويبقى السؤال الأساس: إلى أي حد سيؤثر “بركزيت” على الاقتصاد الألماني؟ في دراسة جديدة وضعها أخيراً معهد البحوث الاقتصادية الألمانية Ifo في ميونيخ بطلب من وزارة الاقتصاد والطاقة الألمانية، يتبيّن أن اقتصاد ألمانيا لن يصاب بخسارة كبيرة، لكنه سيتأثر تبعاً للاتفاق المشترك الذي سيتوصل إليه المفاوضون من الطرفين في بروكسيل. ففي حال فشل المفاوضات وعدم الوصول إلى اتفاق سيخسر الناتج القومي السنوي الألماني ما يعادل 0,2 في المئة منه في ثلاث قطاعات. لكن الخسارة التي ستتعرض لها بريطانيا في هذه الحالة ستكون أكبر بكثير بحسب خبراء المعهد. وبالأرقام سيخسر الناتج القومي البريطاني السنوي نحو 1,7 في المئة. وفي حال توصل الطرفان إلى اتفاق شامل مشترك لتنظيم الانفصال وإلى اتفاق تجاري جديد بينهما سيتراجع الناتج القومي السنوي البريطاني بنسبة 0,6 في المئة مقابل تراجع 0,1 في المئة فقط لألمانيا.
وقالت وزيرة الاقتصاد والطاقة الألمانية Brigitte Zypries تعقيباً على الدراسة إنه “حتى في ظل شروط غير موآتية سيتحمل اقتصاد الاتحاد الأوروبي، والاقتصاد الألماني بشكل أخص”، أضرار تبعات خروج بريطانيا”.. وتابعت الوزيرة تقول إن ثلاثة قطاعات ألمانية يمكن أن تعاني من مسألة الخروج أولها قطاع انتاج الأدوية، ثانيها قطاع صناعة السيارات، وثالثها قطاع تصنيع آلات الانتاج، وهي قطاعات تصدّر تقليدياً الكثير من انتاجها إلى بريطانيا. ويُنتظر أن ترتفع أسعارها لاحقاً بسبب الضرائب الجمركية العالية التي سيتم اعتمادها. وتأتي بريطانيا بعد الولايات المتحدة وفرنسا على لائحة أكثر الدول استيراداً من هذه القطاعات الألمانية الثلاثة. وبلغت قيمة صادرات هذه القطاعات إلى الدول الثلاث 86 مليار يورو في عام 2016. في المقابل سيكون القطاع المالي الألماني المستفيد الأول من الخروج لأن عددا من كبار المصارف يخطط للانتقال من لندن إلى فرانكورت لضمان استمرار مصالحها.
التبادل التجاري العربي الألماني يناير – مارس 2017م
حقق التبادل التجاري العربي الألماني خلال الفترة من يناير إلى مارس عام 2017م إرتفاعاً بواقع ( 3,9 ) في المئة مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي 2016م، ورغم إنخفاض قيمة الصادرات الألمانية الى الدول العربية خلال هذه الفترة بنسبة ) -2,13 ( في المائة لتصل قيمتها الى 9,7 مليار يورو، إلا أن قيمة الواردات الألمانية من الدول العربية إرتفعت بنسبة ( 35,5 ) في المائة ووصلت قيمتها إلى 2,5 مليار يورو. وتصدّرت دولة الإمارات العربية المتحدة قائمة مستوردي السلع الألمانية من الدول العربية (2933,4 مليون يورو)، تليها المملكة العربية السعودية (1862,1 مليون يورو)، فجمهورية مصر العربية (1538 مليون يورو)، في حين تصدّرت ليبيا قائمة الدول العربية المصدّرة إلى ألمانيا (472,2 مليون يورو)، تليها تونس ثم مصر فالمغرب.