تشتكي ثلثا الشركات الصناعية في المانيا من نقص المواد الخام والمنتجات الوسيطة وارتفاع أسعار الشراء، ووفقا لآخر مسح أجراه معهد Ifo، ترى 64 في المئة من الشركات الصناعية أن الاختناقات في الإمدادات تمثل عقبات أمام إنتاجها. كما قال أكثر من 40 في المئة من تجار التجزئة انهم لم يستلموا كل الطلبات التي قدموها وترجع إشكالية الاختناقات في تسليم البضائع والمواد الأولية والوسيطة اللازمة للإنتاج الى عدة أسباب، من أهمها تراجع حجم الطلب على المواد الأولية خلال ازمة كورونا وبالتالي نقص المخزون لدى الشركات الألمانية، ومع عودة دورة الاقتصاد وبداية الانتعاش الاقتصادي ارتفع الطلب على هذه المواد، ليس فقط محليا، ولكن على مستوى العالم وتسابقت الشركات على تعزيز مخزونها من المواد الخام والمواد الوسيطة، ونتيجة ان الانتعاش الاقتصادي بدأ في اقتصاديات الولايات المتحدة الامريكية والصين مبكرا مقارنة ببداية انتعاش اقتصاديات أوروبا والاقتصاد الألماني، استحوذت الشركات الامريكية والصينية بالجزء الأكبر من هذه المواد.
يضاف الى ذلك صعوبات الشحن البحري التي تواجهها التجارة العالمية والتي أدت الى ارتفاع تكلفة الحاوية الواحدة من متوسط الفين دولار الى ما يقرب من 16 ألف دولار. وترجع هذه الصعوبات والاختناقات في الشحن البحري الى عدة عوامل، منها تزاحم السفن قبالة الموانئ الامريكية وتأخرها في تفريغ حمولتها والناتج عن الطلب المتزايد للبضائع والمواد الأولية في السوق الأمريكي، كما تعمل الولايات المتحدة حاليًا مثل الثقب الأسود للحاويات، اذ يتم إرسال كميات كبيرة من البضائع إلى الولايات المتحدة، لكن الحاويات تبقى هناك لان الصادرات الامريكية اقل بكثير من حجم الواردات ولا أحد يريد إعادة الحاويات فارغة. بالإضافة الى ذلك ساهم في تراجع حجم الشحن البحري العالمي اغلاق الصين لبعض موانئها بسبب موجة جديدة من فيروس كورونا، حيث تم، على سبيل المثال، اغلاق ميناء Ningbo-Zhoushan مؤقتاً، والذي يعد ثاني أكبر ميناء للحاويات في الصين ورابع أكبر ميناء في العالم.
هذه الاختناقات في تسليم المواد الوسيطة والمواد الخام بالإضافة الى تأخر الشحن البحري انعكست على المستهلكين في ألمانيا في شكل ارتفاع اسعار العديد من السلع والبضائع، بداية من أسعار الدراجات الهوائية والتي من المتوقع ارتفاع سعرها بنسبة تتراوح ما بين 10-15 في المئة، مرورا بالسيارات، والتي يعاني مصنعوها من نقص أساسي في رقائق الكمبيوتر واشباه الموصلات، والتي يتوقع ان يبلغ الارتفاع في أسعارها نحو 10 في المئة، وصولا الى المواد الأساسية التي تدخل في صناعة البناء والتي ارتفعت بنسب كبيرة، حيث ارتفعت أسعار اخشاب البناء بنسبة 38 في المئة وارتفعت أسعار حديد التسليح بنحو 46 في المئة كما وصل ارتفاع أسعار العوارض المستخدمة في السقوف الى نسبة 46 في المئة. هذا بالإضافة الى الاضرار والتكاليف الإضافية الناتجة عن التأخر في انجاز مشاريع البناء. كما ارتفعت أسعار العديد من المعادن، حيث وصل سعر الطن من معدن النحاس الى 9451 دولار في يوليو 2021م بالمقارنة بنحو 6372 دولار للطن الواحد في شهر يوليو من العام 2020م. كما ارتفعت أسعار خامات الحديد بنسبة تتجاوز 76 في المئة مقارنة بين سعرها في شهر ابريل 2021م ونفس الشهر من العام الماضي. كما ارتفعت أسعار المنتجات البترولية بنسبة 76.6 في المئة، وارتفع سعر الغاز الطبيعي بنسبة 57.6 في المئة. ولا يقتصر تأثير ارتفاع أسعار مواد الانتاج الوسيطة والمواد الخام الأخرى على ارتفاع أسعار عدد معين من السلع والبضائع، بل يعتقد الخبراء أن ارتفاع أسعار المواد الاولية سيزيد من الضغوط التضخمية، فوفقا لتقرير لمكتب الإحصاء الاتحادي، بلغ معدل التضخم في ألمانيا في شهر يوليو 2021م، 3,8 في المئة، وهو المعدل الأعلى منذ نحو 13 عاماً، وبالمقارنة بشهر يونيو وحده، ارتفعت أسعار المستهلك الألماني بنسبة 0.9 في المئة. وليس هناك نهاية تلوح في الأفق في الوقت الحالي، على العكس من ذلك، يتوقع رئيس البنك المركزي الألماني ينس ويدمان أن يصل معدل التضخم في نهاية العام الحالي الى مستوى 5 في المئة.
Photo:Von Naturally Selenator – Eigenes Werk, CC BY-SA 4.0