انخفض الناتج الصناعي الالماني خلال شهر ابريل الماضي بنسبة 1 في المئة بعد ان كان سجل في الشهر السابق مارس نموا بنسبة 2،2 في المئة، ويأتي هذا الانخفاض على الرغم من ارتفاع الطلبات على المنتجات الصناعية محليا ودوليا، الا ان النقص في العديد من المواد الاولية ادي الى ايقاف الانتاج في أكثر من قطاع من اهمها صناعة السيارات وصناعة البناء.

     وتركز النقص في المنتجات الوسيطة من اشباه الموصلات والتي تستخدم في صناعة السيارات والصناعات الالكترونية، بالإضافة الى الاخشاب والتي تعد من المواد الاساسية في صناعة البناء وكذلك صناعة الأثاث. وبشكل عام انخفض الانتاج في قطاع الصناعة، ما عدا صناعة البناء. بنسبة 0،7 في المئة، وقد عانت صناعة السيارات وقطع غيارها بشكل أكبر، حيث تراجع الانتاج في هذا القطاع في شهر ابريل بنسبة 5،6 في المئة، مقارنة بالشهر الذي قبله، كما تراجع الانتاج في صناعة الآلات والمعدات بنسبة 0،3 في المئة، فيما تراجع الانتاج في صناعة البناء بنسبة 4،3 في المئة.

     لقد ادى النقص في أشباه الموصلات إلى إبطاء إنتاج السيارات في جميع أنحاء العالم، لأن صناعة السيارات أصبحت تعتمد بشكل متزايد على تكنولوجيا المعلومات الحديثة والمكونات المطلوبة لها، بحيث يتم الآن التحكم إلكترونياً في معظم عمليات المركبات المعقدة بشكل متزايد. في المانيا اضطرت مصانع Ford في كولونيا أن تخفض إنتاجها بسبب نقص الرقائق الدقيقة، وبنفس الطريقة وجدت شركات Daimler وAudi الي جانب شركة فولكس فاجن نفسها مضطرة الى خفض انتاجها هي الاخرى، واشارت مصادر شركة VW الى ان انتاجها العام الماضي انخفض بنحو 100 ألف سيارة بسبب النقص في اشباه الموصلات.

     هذا ومن المحتمل أن يستمر النقص في أشباه الموصلات لفترة أطول مما كان متوقعا، مع إمكانية ان تتأثر صناعة الهواتف الذكية وصناعة الأجهزة المنزلية بهذا النقص. فقد أعلنت شركة Flex، ثالث أكبر شركة مصنعة لرقاقات اشباه الموصلات في العالم، والتي يقع مقرها في سنغافورة، أنه يمكن توقع حدوث نقص في العرض لمدة عام آخر على الأقل، فبما يتوقع خبراء اخرون أن تستمر المشكلة حتى عام 2023م.

     وفي سياق متصل يعاني قطاع البناء في ألمانيا ايضاً من نقص في الاخشاب والحديد الصلب ومواد العزل، وقد تفاقم النقص المتزايد في مواد البناء في شهر مايو، اذ وبحسب مسح أجراه معهد Ifo، أفادت 43.9 في المئة من الشركات العاملة في مجال تشييد المباني أنها واجهت مشاكل في شراء مواد البناء في الوقت المحدد، وتمثل هذه النسبة من الشركات ضعف ما كان عليه في أبريل تقريباً، عندما اشتكت 23.9 في المئة فقط من شركات القطاع من مثل هذه المشاكل. وقال Felix Leiss الخبير في المعهد ان ” المزيد والمزيد من الشركات قلقة بشأن اختناقات استلام وشراء المواد الاولية”. مؤكداً ان “أسعار الأخشاب ارتفعت بشكل كبير جدا في الأشهر القليلة الماضية، كما أصبح الفولاذ أكثر تكلفة بكثير، بالإضافة الى وجود نقص في المواد العازلة ومختلف أنواع البلاستيك”.

     ولا تشتكي صناعة البناء فقط من نقص المواد، بل إن صناعة الأثاث تُبلّغ الآن أيضاً عن اختناقات في توافر المواد الأولية اللازمة للصناعة، حيث تشعر العديد من الشركات بقيود كبيرة على الإنتاج، خصوصا مع النقص المتزايد في المنتجات الوسيطة من الالواح الخشبية إلى رغوة التنجيد. وذكر اتحاد صناعة الأثاث الألماني (VDM) ان نقص المواد الأولية تسبب في “تقييد الإنتاج في حوالي نصف الشركات العاملة في الصناعة”.

     ونشأت مشكلة نقص المواد الأولية بسبب خفض النشاط الاقتصادي في الكثير من القطاعات الصناعية بسبب ازمة كورونا العام 2020م، وكذلك خفض الطلب على السيارات، فيما زاد الطلب على الإلكترونيات الترفيهية، مثل وحدات التحكم في الألعاب أو أجهزة التلفزيون، بشكل كبير. وبعد استعادة الاقتصاد في العالم وفي ألمانيا لنشاطه وعودة الإنتاج الى مستويات قريبة لمستوياته قبل الازمة، ارتفع الطلب بشكل كبير على اشباه الموصلات وعلى مختلف المواد الأولية مما تسبب في قلة توافر هذه المواد وتأخر وصولها. هذا الى جانب احتكار تصنيع اشباه الموصلات وقلة عدد الدول المنتجة لها، حيث تمتلك تايوان وحدها ثلثي القدرة العالمية لتصنيع الرقائق والمعالجات، وتعتبر شركة تصنيع أشباه الموصلات التايوانية ” TSMC”، الشركة الأكبر عالميا في هذا المجال.

     ولحل مشكلة توافر اشباه الموصلات وكسر احتكار تصنيعها من قبل عدد محدود من المنتجين تعمل المانيا، بشكل خاص والاتحاد الأوروبي بشكل عام، على تطوير صناعة أشباه الموصلات داخليا، عبر إقامة تحالفات من الشركات الأوروبية في نموذج مشابه للتحالف الذي دعمة الاتحاد الأوروبي لصناعة بطاريات السيارات الكهربائية داخل الاتحاد، حيث يظهر الآن أيضاً تحالف لتصنيع أشباه الموصلات على مستوى أوروبا. ويعد السوق الداخلي للاتحاد الأوروبي هو القوة الدافعة وراء المشروع. حيث وضعت المفوضية الأوروبية هدفا لنفسه يتمثل في مضاعفة حصة الشركات الأوروبية في إنتاج أشباه الموصلات من عشرة إلى 20 في المئة بحلول عام 2030م. ويركز التحالف بشكل خاص على انتاج رقائق النانومتر فائقة النحافة، والتي يتم تصنيعها حالياً من قبل شركات آسيوية وأمريكية فقط.

     في ألمانيا افتتحت شركة Bosch للتكنولوجيا وصناعة أجزاء السيارات مصنعها الجديد لتصنيع اشباه الموصلات عالية التقنية في دريسدن، بعد ما يقرب من ثلاث سنوات من وضع حجر الأساس، ومن المقرر البدء الكامل للإنتاج في نهاية عام 2021م، مع توقع بيع الشرائح الأولى في منتصف عام 2022م. وقد استثمرت الشركة نحو مليار يورو في انشاء المصنع كما تلقت دعما من الحكومة الاتحادية بنحو 140 مليون يورو. وتعد هذه الخطوة جزء من الاستراتيجية الألمانية لتوطين صناعة اشباه الموصلات وتطويرها وإعادة تشكيل سلسلة التوريد لتجنب الاختناقات او النقص في المواد الأولية اللازمة لاستمرار الصناعة في الإنتاج.