قام البنك المركزي الأوروبي (ECB)، في 21 يوليو 2022م، برفع سعر الفائدة في منطقة اليورو بواقع 0.50 نقطة مئوية، وذلك للمرة الأولى منذ أحد عشر عامًا. ويأتي رفع سعر الفائدة في إطار مكافحة معدلات التضخم غير المسبوقة التي يعاني منها اقتصاد منطقة اليورو. كما يتوقع الخبراء الاقتصاديون مزيدا من رفع سعر الفائدة في شهر سبتمبر القادم بناءً على وعود، Christine Lagarde رئيسة البنك المركزي الأوروبي، وكذلك اعتماداً على معدلات التضخم العالية التي تتطلب مستويات فائدة أعلى.

 وبعد رفع سعر الفائدة، ووفقًا لدراسة أجرتاها شركة PwC للاستشارات، فإن إيرادات البنوك الألمانية وارباحها من الأعمال المالية سيتضاعف خلال العام الحالي بثلاثة أضعاف ليصل إلى 3.3 مليار يورو. وستصل في العام القادم 2023م، الى 14.8 مليار يورو، وفي العام 2024م، الى 12.6 مليار يورو. والى جانب هذا المستوى من الأرباح، يظهر مديرو البنوك الألمانية ارتياحهم من التخلص من أسعار الفائدة السلبية وأيضًا إزالة رسوم الحفظ لعملائهم.

 الا انه ومع التفاؤل الذي تظهره البنوك الألمانية من زيادة الاعمال وارتفاع الإيرادات بعد التحول في أسعار الفائدة، تسود أيضا المخاوف من حدوث ركود اقتصادي، نتيجة الخشية من عدم توفر امدادات كافية من الغاز الطبيعي او من اثار الحرب في أوكرانيا، حيث انه في حال ما حدث ركود اقتصادي فان حالات التخلف عن سداد القروض سوف ترتفع بشكل حاد. إذ يحذر Martin Faust، أستاذ الإدارة المصرفية في مدرسة فرانكفورت للتمويل والإدارة، من أن الركود سيحبط الآثار الإيجابية لتحول أسعار الفائدة. حيث “ستزيد مخصصات خسائر القروض بشكل كبير، وستكون هناك أيضًا تعديلات على قيمة استثمارات البنوك الخاصة”.  في سيناريو الركود الاقتصادي، يرى Faust “أن المخاطر تواجه مؤسسات الائتمان التي تمول مطوري العقارات بشكل كبير. بالإضافة الى ان القطاع يعاني من ارتفاع تكاليف البناء بسبب التضخم “، ويشير Faust ايضاً الى ان العديد من بنوك الادخار والبنوك التعاونية قامت بتوسيع أعمالها في مجال التمويل العقاري بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة.  

 من وجهة نظر Magdalena Stoklosa، الخبيرة المالية في مؤسسة الخدمات المالية والاستثمارية الأمريكية Morgan Stanley، فإنه لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت الآثار الإيجابية لتحول أسعار الفائدة ستفوق الآثار السلبية للتخلف عن سداد القروض بالنسبة للبنوك. من حيث المبدأ، فإن ارتفاع أسعار الفائدة قد عمل على ” تغيير قواعد اللعبة” بالنسبة للمؤسسات المالية الأوروبية.  حيث تؤكد Stoklosa “منذ إدخال أسعار الفائدة السلبية، انخفضت ربحية القطاع المصرفي الأوروبي بشكل كبير”. حيث  “لم يكن أي بنك يمتلك نموذج أعمال مناسب لمثل هذا السيناريو”.

 وفي سياق متصل، أظهرت دراسة لوكالة التصنيف الائتماني موديز، أن البنوك الكبيرة في ألمانيا ستستفيد أكثر من ارتفاع أسعار الفائدة مقارنة بالمؤسسات المالية الصغيرة التي تركز على العملاء من القطاع الخاص. وقال Bernhard Held الخبير المصرفي في الوكالة “نتوقع أن تستفيد البنوك الأكبر في ألمانيا لأن آثار إعادة تسعير معدلات الإقراض ستعوض الزيادة في تكاليف التمويل والمخاطر”. من ناحية أخرى، تمتلك البنوك الأصغر نسبة كبيرة نسبيًا من القروض العقارية بأسعار فائدة ثابتة وطويلة الأمد في ميزانياتها العمومية، ووفقًا لدراسة موديز، سيمر وقت طويل قبل أن تجري هذه البنوك تعديلات على الأسعار. هذا بالإضافة الى ان البنوك الصغيرة غالبًا ما تستثمر ودائعها الزائدة في السندات طويلة الأجل بأسعار فائدة منخفضة نسبيًا والتي فقدت جزء من قيمتها الآن بسبب ارتفاع أسعار الفائدة في السوق.

 في غضون ذلك دعا عضو مجلس إدارة البنك المركزي الألماني Joachim Wuermeling، المؤسسات المالية إلى توخي الحذر. مؤكداً على أن “التحول في أسعار الفائدة إيجابي للقطاع المصرفي الألماني على المدى المتوسط ​​، لكنه سيؤدي في البداية إلى أعباء على العديد من البنوك”. حيث سيؤدي ارتفاع أسعار الفائدة في السوق، الى ان تصبح إعادة تمويل البنوك أكثر تكلفة، بينما تستمر القروض منخفضة الفائدة في الوقت الحالي. بالإضافة إلى ذلك، انخفضت قيمة العديد من الأسهم والسندات في الميزانيات العمومية للبنوك. ومع ذلك، يجب أن يتحسن وضع الأرباح على المدى المتوسط ​​إلى الطويل، نتيجة لتحول أسعار الفائدة. وقال Wuermeling: “وفقًا لتحليلاتنا، يمكن أن يتوقع 90 في المئة من البنوك آثارًا إيجابية في العام الثاني بعد رفع أسعار الفائدة”.

 علاوة على ذلك، سيؤدي رفع أسعار الفائدة وارتفاع ربحية البنوك الألمانية الى تقليص الفجوة بينها وبين البنوك الأوروبية الأخرى في هامش الربحية، حيث ان القطاع المصرفي الألماني، وبحسب Lutz Diederichs رئيس فرع ألمانيا لبنك (BNP)، أكبر بنك فرنسي، يتأثر بشدة بأعمال الودائع، وبالتالي فهو يعتمد أيضًا بشكل كبير على تطورات أسعار الفائدة. ويضيف Diederichs  “في السياق الأوروبي، لم تكن السوق المصرفية الألمانية هي الأقوى في السنوات الأخيرة”. ولكن بفضل التحول في أسعار الفائدة، فإنه سيكون بإمكانها الآن “اللحاق بالركب “.