ربما‭ ‬كانت‭ ‬صدمة‭ ‬أعادة‭ ‬انتخاب‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب‭ ‬رئيسًا‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬ضرورية‭. ‬حيث‭ ‬أصبح‭ ‬هناك‭ ‬فجأة‭ ‬طلب‭ ‬عام‭ ‬بأن‭ ‬تستند‭ ‬سياساتنا‭ ‬الأمنية‭ ‬والخارجية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬إلى‭ ‬مصالحنا‭ ‬الخاصة‭. ‬وهو‭ ‬الامر‭ ‬الذي‭ ‬أجده‭ ‬جيداً‭. 

لكن‭ ‬ما‭ ‬هي‭ ‬مصالحنا؟‭ ‬إن‭ ‬الإجابة‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬السؤال‭ ‬تبدو‭ ‬صعبةً‭ ‬علينا‭ ‬أيضًا‭ ‬لأننا‭ ‬كنا‭ ‬قد‭ ‬اعتدنا‭ ‬العيش‭ ‬بشكلٍ‭ ‬مريح‭ ‬في‭ ‬ظلِّ‭ ‬نظامٍ‭ ‬دوليٍّ‭ ‬قائمٍ‭ ‬على‭ ‬القواعد،‭ ‬حيثُ‭ ‬كانَ‭ ‬هناكَ‭ ‬مهيمنٌ‭ ‬خيّرٌ‭ ‬يضع‭ ‬القوانين‭ ‬والقواعد‭ ‬الدولية،‭ ‬بينما‭ ‬تولَّت‭ ‬منظماتٌ‭ ‬دوليةٌ‭ ‬ذاتُ‭ ‬بيروقراطياتٍ‭ ‬واسعة‭ ‬مهمةَ‭ ‬الحفاظِ،‭ ‬بدرجة‭ ‬أو‭ ‬بأخرى،‭ ‬على‭ ‬النظام‭ ‬والاستقرار‭. ‬لكن‭ ‬مؤسسات‭ ‬مثل‭ ‬البنك‭ ‬الدولي،‭ ‬ومنظمة‭ ‬التجارة‭ ‬العالمية،‭ ‬وصندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي،‭ ‬والتي‭ ‬كنا‭ ‬نأمل‭ ‬أن‭ ‬تحمينا‭ ‬من‭ ‬الانزلاق‭ ‬إلى‭ ‬الفوضى‭ ‬العالمية،‭ ‬أصبحت‭ ‬الآن‭ ‬موضع‭ ‬تساؤل‭. ‬لا‭ ‬أحد‭ ‬يستطيع‭ ‬أن‭ ‬يضمن‭ ‬حاليًا‭ ‬أنها‭ ‬ستوفر‭ ‬الاستقرار‭ ‬حتى‭ ‬على‭ ‬المدى‭ ‬المتوسط‭. ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬الحالي‭ ‬يتصرف‭ ‬وكأنه‭ ‬‮«‬المدمر‮»‬‭ ‬لسياسة‭ ‬التوازن‭ ‬الهشة‭ ‬التي‭ ‬خدمت‭ ‬المصلحة‭ ‬العالمية‭. 

نحن‭ ‬الآن‭ ‬منشغلون،‭ ‬وقد‭ ‬أصابنا‭ ‬الذعر،‭ ‬بحلف‭ ‬الناتو،‭ ‬وروسيا،‭ ‬وأوكرانيا،‭ ‬وبقايا‭ ‬العلاقات‭ ‬عبر‭ ‬الأطلسي‭ ‬المتدهورة،‭ ‬وبتحقيق‭ ‬تماسك‭ ‬سريع‭ ‬مع‭ ‬شركائنا‭ ‬في‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭. ‬وبالتأكيد‭ ‬من‭ ‬الصحيح‭ ‬القول‭ ‬ان،‭ ‬‮«‬الأولويات‭ ‬تأتي‭ ‬أولًا‮»‬‭. ‬لكن‭ ‬عند‭ ‬تحديد‭ ‬خياراتنا‭ ‬ومواقفنا‭ ‬الاستراتيجية،‭ ‬لا‭ ‬ينبغي‭ ‬لنا‭ ‬أن‭ ‬ننسى‭ ‬منطقة‭ ‬أهملناها‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الماضية‭: ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬جيراننا‭ ‬المباشرون‭ ‬جنوب‭ ‬البحر‭ ‬الأبيض‭ ‬المتوسط‭. 

من‭ ‬الحكمة‭ ‬أن‭ ‬تعمل‭ ‬الحكومة‭ ‬الألمانية‭ ‬الجديدة‭ ‬في‭ ‬أسرع‭ ‬وقت‭ ‬ممكن‭ ‬على‭ ‬تطوير‭ ‬استراتيجية‭ ‬جديدة‭ ‬للشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬تلبي‭ ‬مصالح‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية‭ ‬والاتحاد‭ ‬الأوروبي‭. ‬هناك‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬نقاط‭ ‬التقاطع،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬فرصًا‭ ‬جيدة‭ ‬لكي‭ ‬تتمكن‭ ‬ألمانيا‭ ‬والاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬من‭ ‬إيجاد‭ ‬موطئ‭ ‬قدم‭ ‬قوي‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المنطقة‭ ‬ذات‭ ‬الأهمية‭ ‬الجيوسياسية،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬التنافس‭ ‬بين‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬والصين،‭ ‬مع‭ ‬تحقيق‭ ‬مصالحهما‭ ‬الخاصة‭. ‬ينبغي‭ ‬علينا‭ ‬هنا‭ ‬أن‭ ‬نحدد‭ ‬مصالحنا‭ ‬بوضوح‭ ‬وأن‭ ‬نعمل‭ ‬على‭ ‬تحقيقها‭. 

من‭ ‬المدهش‭ ‬أن‭ ‬نلاحظ‭ ‬أن‭ ‬المحادثات‭ ‬حول‭ ‬التسوية‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا‭ ‬تعقد‭ ‬في‭ ‬الرياض،‭ ‬عاصمة‭ ‬المملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية‭. ‬من‭ ‬ناحية،‭ ‬يُعدّ‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬إخفاقًا‭ ‬للاتحاد‭ ‬الأوروبي،‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يتمكن‭ ‬من‭ ‬بناء‭ ‬سياسة‭ ‬أمنية‭ ‬مشتركة‭ ‬وفعالة‭. ‬لكن‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى،‭ ‬يشير‭ ‬هذا‭ ‬إلى‭ ‬الأهمية‭ ‬المتزايدة‭ ‬للعالم‭ ‬العربي‭.‬

الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬يشهد‭ ‬حاليًا‭ ‬أكبر‭ ‬تحول‭ ‬جيوسياسي‭ ‬منذ‭ ‬أزمة‭ ‬السويس‭ ‬عام‭ ‬1956م‭. ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬الركيزة‭ ‬التي‭ ‬يعتمد‭ ‬عليها‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬بثقة‭ ‬كاملة‭. ‬هذا‭ ‬التحول‭ ‬بدأ‭ ‬قبل‭ ‬فترة‭ ‬طويلة‭ ‬من‭ ‬عهد‭ ‬ترامب‭. ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الحالي،‭ ‬أصبحت‭ ‬الصين‭ ‬الشريك‭ ‬التجاري‭ ‬الأهم‭ ‬للمملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية،‭ ‬متجاوزةً‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال‭. ‬الاقتصاد‭ ‬الصيني‭ ‬يستثمر‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬مشاريع‭ ‬مشتركة‭ ‬مع‭ ‬الدول‭ ‬الخليجية،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬المتقدمة‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الصين‭ ‬تلعب‭ ‬دورًا‭ ‬سياسيًا‭ ‬متزايدًا،‭ ‬حيث‭ ‬ساعدت‭ ‬الحكومة‭ ‬الصينية‭ ‬في‭ ‬تسهيل‭ ‬المحادثات‭ ‬التاريخية‭ ‬للتقارب‭ ‬بين‭ ‬الرياض‭ ‬وطهران‭.‬

الاهتمام‭ ‬الكبير‭ ‬من‭ ‬الصين‭ ‬يعكس‭ ‬العملية‭ ‬الديناميكية‭ ‬التي‭ ‬تمر‭ ‬بها‭ ‬الاقتصادات‭ ‬العربية‭ ‬حاليًا‭. ‬بقيادة‭ ‬خطط‭ ‬تنموية‭ ‬متوسطة‭ ‬وطويلة‭ ‬المدى،‭ ‬تُعرف‭ ‬باسم‭ ‬‮«‬الرؤى‭ ‬الوطنية‮»‬،‭ ‬تتخلص‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬تدريجيًا‭ ‬من‭ ‬اعتمادها‭ ‬على‭ ‬النفط‭ ‬والغاز،‭ ‬وتقوم‭ ‬ببناء‭ ‬اقتصادات‭ ‬حديثة‭ ‬بسرعة‭ ‬مذهلة‭. ‬يبدو‭ ‬هذا‭ ‬التوجه‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬النواحي‭ ‬أكثر‭ ‬تطلعًا‭ ‬للمستقبل‭ ‬وواعدًا‭ ‬بالنجاح‭ ‬مقارنة‭ ‬بمحاولاتنا‭ ‬الأقل‭ ‬حيوية‭ ‬لإعادة‭ ‬إحياء‭ ‬الاقتصاد‭.‬

المشاريع‭ ‬العملاقة‭ ‬لتطوير‭ ‬المدن‭ ‬أطلقت‭ ‬طفرة‭ ‬في‭ ‬التخطيط‭ ‬الحضري‭ ‬المتقدم‭ ‬تقنيًا‭ ‬والمستدام،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭. ‬يشهد‭ ‬القطاع‭ ‬الصحي‭ ‬تطورًا‭ ‬غير‭ ‬مسبوق،‭ ‬حيث‭ ‬لاحظ‭ ‬الخبراء‭ ‬تحولًا‭ ‬في‭ ‬اتجاهات‭ ‬السياحة‭ ‬العلاجية‭: ‬فبينما‭ ‬كان‭ ‬المرضى‭ ‬العرب‭ ‬يتدفقون‭ ‬بأعداد‭ ‬كبيرة‭ ‬إلى‭ ‬المستشفيات‭ ‬الألمانية‭ ‬في‭ ‬الماضي،‭ ‬أصبح‭ ‬الأطباء‭ ‬والعلماء‭ ‬الألمان‭ ‬يتوجهون‭ ‬الآن‭ ‬إلى‭ ‬الخليج‭ ‬بسبب‭ ‬الظروف‭ ‬المتميزة‭ ‬التي‭ ‬يوفرها‭ ‬لهم‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬المستشفيات‭ ‬والجامعات‭ ‬هناك‭.‬

أصبحت‭ ‬الإمارات‭ ‬العربية‭ ‬المتحدة‭ ‬وقطر‭ ‬والبحرين‭ ‬مراكز‭ ‬رئيسية‭ ‬للتكنولوجيا‭ ‬المالية‭ (‬Fin-Tech‭) ‬في‭ ‬السوق‭ ‬الآسيوية،‭ ‬ويتم‭ ‬ضخ‭ ‬مليارات‭ ‬الدولارات‭ ‬الناتجة‭ ‬عن‭ ‬عائدات‭ ‬النفط‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي،‭ ‬والأتمتة،‭ ‬والروبوتات‭. ‬كما‭ ‬أصبحت‭ ‬الموانئ‭ ‬العملاقة‭ ‬والمطارات،‭ ‬مثل‭ ‬تلك‭ ‬الموجودة‭ ‬في‭ ‬قطر‭ ‬ودبي،‭ ‬مراكز‭ ‬مهمة‭ ‬في‭ ‬اللوجستيات‭ ‬العالمية‭ ‬لنقل‭ ‬البشر‭ ‬والبضائع‭.‬

في‭ ‬هذا‭ ‬السياق،‭ ‬تظهر‭ ‬فرصة‭ ‬استراتيجية‭ ‬للاقتصاد‭ ‬الألماني‭ ‬والأوروبي‭. ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬الجهود‭ ‬الكبيرة‭ ‬التي‭ ‬تبذلها‭ ‬الصين‭ ‬واستعداد‭ ‬العرب‭ ‬للتعاون‭ ‬المربح‭ ‬معها،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬لم‭ ‬يتم‭ ‬استبعاده‭ ‬من‭ ‬حسابات‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭. ‬بل‭ ‬على‭ ‬العكس،‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬التقدير‭ ‬لخدماتنا‭ ‬ومنتجاتنا‭ ‬مرتفعًا‭ ‬جدًا‭. ‬لكن‭ ‬السؤال‭ ‬الذي‭ ‬يُطرح‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مكان‭ ‬هو‭: ‬‮«‬لماذا‭ ‬لا‭ ‬تظهرون؟‮»‬‭. ‬لا‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬وألمانيا‭ ‬قد‭ ‬فهما‭ ‬الفرص‭ ‬الحقيقية‭ ‬المتاحة‭ ‬للاقتصاد‭ ‬الألماني‭ ‬هناك‭. ‬غالبًا‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬تشارك‭ ‬الشركات‭ ‬الألمانية‭ ‬في‭ ‬المناقصات‭ ‬الخاصة‭ ‬بالمشاريع‭ ‬المستقبلية،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الاستثمارات‭ ‬الألمانية‭ ‬المباشرة‭ ‬نادرة‭ ‬جدًا‭. ‬في‭ ‬المقابل،‭ ‬قامت‭ ‬قطر‭ ‬والإمارات‭ ‬باستثمارات‭ ‬بمليارات‭ ‬الدولارات‭ ‬في‭ ‬الشركات‭ ‬الألمانية‭.‬

هناك‭ ‬تصور‭ ‬في‭ ‬الخليج‭ ‬بأن‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬ومجلس‭ ‬التعاون‭ ‬الخليجي‭ (‬GCC‭) ‬يمكنهما‭ ‬تنفيذ‭ ‬مشاريع‭ ‬عملاقة‭ ‬مشتركة‭ ‬في‭ ‬آسيا‭ ‬الوسطى،‭ ‬مثل‭ ‬اقتصادات‭ ‬أوزبكستان‭ ‬وكازاخستان‭ ‬سريعة‭ ‬النمو‭. ‬الفكرة‭ ‬هي‭ ‬أن‭ ‬الجمع‭ ‬بين‭ ‬الخبرة‭ ‬ورأس‭ ‬المال‭ ‬الكافي‭ ‬والفهم‭ ‬الاستباقي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬تنفيذ‭ ‬مشاريع‭ ‬مشتركة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الدول،‭ ‬بعيدًا‭ ‬عن‭ ‬التأثيرات‭ ‬الأمريكية‭ ‬أو‭ ‬الصينية‭ ‬أو‭ ‬الروسية،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الطاقة‭ ‬المتجددة‭. ‬وبهذه‭ ‬الطريقة،‭ ‬يمكن‭ ‬تحقيق‭ ‬مصالح‭ ‬جيوسياسية‭ ‬مشتركة‭.‬

في‭ ‬أكتوبر‭ ‬الماضي،‭ ‬عُقد‭ ‬في‭ ‬بروكسل‭ ‬أول‭ ‬قمة‭ ‬بين‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬ومجلس‭ ‬التعاون‭ ‬الخليجي،‭ ‬بحضور‭ ‬23‭ ‬من‭ ‬قادة‭ ‬الدول‭ ‬والحكومات‭ ‬من‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬ودول‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون‭ ‬الخليجي‭. ‬وكان‭ ‬الحوار‭ ‬الأوروبي‭ ‬الخليجي‭ ‬قد‭ ‬بدأ‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬1989م،‭ ‬ولهذا‭ ‬أُطلق‭ ‬على‭ ‬الحدث‭ ‬في‭ ‬بروكسل‭ ‬والخليج‭ ‬وصف‭ ‬‮«‬التقدم‭ ‬التاريخي‮»‬‭. ‬جميع‭ ‬زعماء‭ ‬الخليج‭ ‬حضروا‭ ‬القمة،‭ ‬لكن‭ ‬الحكومة‭ ‬الألمانية‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬ممثلة‭ ‬بمستوى‭ ‬عالٍ،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يُقابل‭ ‬بردود‭ ‬فعل‭ ‬إيجابية‭. ‬

تتوقع‭ ‬القيادات‭ ‬السياسية‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬تنفيذ‭ ‬الاتفاقيات‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬التوصل‭ ‬إليها‭ ‬في‭ ‬بروكسل‭ ‬بسرعة‭. ‬مناطق‭ ‬التجارة‭ ‬الحرة،‭ ‬اتفاقيات‭ ‬الضرائب،‭ ‬تسهيلات‭ ‬التأشيرات،‭ ‬اتفاقيات‭ ‬الاستثمار‭ ‬المتبادل‭. ‬قائمة‭ ‬الموضوعات‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تجعل‭ ‬هذه‭ ‬المنصة‭ ‬محركًا‭ ‬لتعميق‭ ‬العلاقات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والجيوسياسية‭ ‬طويلة‭. ‬لكنها‭ ‬تواجه‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬الذي‭ ‬يظهر‭ ‬هنا‭ ‬أيضًا‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬بيروقراطي‭ ‬وبطيء‭ ‬وضعيف‭ ‬في‭ ‬اتخاذ‭ ‬القرارات‭.‬

في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه،‭ ‬تتطور‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬بسرعة‭ ‬كبيرة‭. ‬حتى‭ ‬في‭ ‬التقنيات‭ ‬التي‭ ‬تُعرف‭ ‬ألمانيا‭ ‬تقليديًا‭ ‬بتقدمها‭ ‬فيها،‭ ‬تتفوق‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭: ‬أكبر‭ ‬محطات‭ ‬الطاقة‭ ‬الشمسية‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬موجودة‭ ‬أو‭ ‬قيد‭ ‬الإنشاء‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭. ‬هناك‭ ‬استثمارات‭ ‬ضخمة‭ ‬مخططة‭ ‬لإنتاج‭ ‬الهيدروجين‭ ‬وتقنيات‭ ‬التقاط‭ ‬وتخزين‭ ‬الكربون‭.‬

لكن‭ ‬ليست‭ ‬منطقة‭ ‬الخليج‭ ‬فقط‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬تستحق‭ ‬الاهتمام‭ ‬المتزايد‭ ‬من‭ ‬السياسة‭ ‬والاقتصاد‭ ‬الألماني‭. ‬فعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬تحقق‭ ‬المغرب‭ ‬نجاحًا‭ ‬كبيرًا‭ ‬باستراتيجية‭ ‬تحديث‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تصبح‭ ‬بوابة‭ ‬أوروبا‭ ‬إلى‭ ‬السوق‭ ‬الأفريقية‭. ‬مصر،‭ ‬التي‭ ‬يبلغ‭ ‬عدد‭ ‬سكانها‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬100‭ ‬مليون‭ ‬نسمة،‭ ‬ليست‭ ‬فقط‭ ‬سوقًا‭ ‬مهمة‭ ‬للمنتجات‭ ‬الألمانية،‭ ‬بل‭ ‬تظهر‭ ‬أمثلة‭ ‬مذهلة‭ ‬للتعاون‭ ‬ووجود‭ ‬إمكانات‭ ‬كبيرة‭ ‬للخبراء‭ ‬المؤهلين‭ ‬تأهيلًا‭ ‬عاليًا‭ ‬الذين‭ ‬يمكن‭ ‬دمجهم‭ ‬بسرعة‭ ‬في‭ ‬الشركات‭ ‬الألمانية‭ ‬التي‭ ‬تستقر‭ ‬في‭ ‬مصر‭.‬

في‭ ‬مصر،‭ ‬يتحدث‭ ‬حوالي‭ ‬500‭ ‬ألف‭ ‬شخص‭ ‬اللغة‭ ‬الألمانية‭. ‬من‭ ‬خلال‭ ‬عروض‭ ‬مستهدفة‭ ‬للشركات‭ ‬الألمانية‭ ‬وحملة‭ ‬توظيف‭ ‬مناسبة‭ ‬للعاملين‭ ‬المهرة،‭ ‬يمكن‭ ‬إنشاء‭ ‬مصدر‭ ‬للعمالة‭ ‬الماهرة‭ ‬التي‭ ‬نحتاجها‭ ‬بشدة‭ ‬في‭ ‬ألمانيا‭. ‬هناك‭ ‬بالفعل‭ ‬مبادرات‭ ‬مذهلة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الصدد،‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬أخرى،‭ ‬لاستخدام‭ ‬هذا‭ ‬النقل‭ ‬للمعارف‭ ‬والقوى‭ ‬العاملة‭ ‬لتحقيق‭ ‬منفعة‭ ‬متبادلة‭. ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يصبح‭ ‬هذا‭ ‬محورًا‭ ‬رئيسيًا‭ ‬لتعاون‭ ‬الحكومة‭ ‬الألمانية‭ ‬المستقبلي‭.‬

وينطبق‭ ‬هذا‭ ‬بشكل‭ ‬أكبر‭ ‬على‭ ‬سوريا‭. ‬تواجه‭ ‬البلاد،‭ ‬بعد‭ ‬14‭ ‬عامًا‭ ‬من‭ ‬الحرب‭ ‬والصراع‭ ‬الداخلي،‭ ‬مهمة‭ ‬ضخمة‭ ‬لإعادة‭ ‬الإعمار‭. ‬هنا‭ ‬توجد‭ ‬فرص‭ ‬استثنائية‭ ‬للاقتصاد‭ ‬الألماني،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬قطاعات‭ ‬الطاقة‭ ‬والصحة‭ ‬والإسكان‭. ‬يقوم‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬حاليًا‭ ‬بتنسيق‭ ‬الأنشطة‭ ‬المشتركة‭ ‬والتمويل‭. ‬يمكن‭ ‬للسوريين‭ ‬المقيمين‭ ‬في‭ ‬ألمانيا‭ ‬أن‭ ‬يصبحوا‭ ‬جسرًا‭ ‬مهمًا‭ ‬بين‭ ‬الشركات‭ ‬الألمانية‭ ‬والمؤسسات‭ ‬الحكومية‭ ‬أو‭ ‬الخاصة‭ ‬التي‭ ‬ستقوم‭ ‬ببناء‭ ‬سوريا‭ ‬الجديدة،‭ ‬وذلك‭ ‬بفضل‭ ‬خبرتهم‭ ‬والمعرفة‭ ‬التي‭ ‬اكتسبوها‭ ‬هنا‭. ‬ولكي‭ ‬يزدهر‭ ‬الاقتصاد‭ ‬في‭ ‬سوريا،‭ ‬يجب‭ ‬رفع‭ ‬العقوبات‭ ‬بشكل‭ ‬نهائي،‭ ‬وإلا‭ ‬فلن‭ ‬تستقر‭ ‬هناك‭ ‬شركات‭ ‬أجنبية‭.‬

سوريا‭ ‬تظهر‭ ‬أيضًا‭ ‬الأهمية‭ ‬المركزية‭ ‬للظروف‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والسياسية‭ ‬المستقرة‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭. ‬من‭ ‬يرغب‭ ‬في‭ ‬مكافحة‭ ‬أسباب‭ ‬الهجرة،‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬لديه‭ ‬مصلحة‭ ‬في‭ ‬اقتصاد‭ ‬عربي‭ ‬مزدهر‭. ‬الأمر‭ ‬لا‭ ‬يتعلق‭ ‬بـ‭ ‬‮«‬المساعدات‭ ‬الإنمائية‮»‬،‭ ‬التي‭ ‬في‭ ‬رأيي‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬مراجعة‭ ‬في‭ ‬جوهرها‭. ‬الأمر‭ ‬يتعلق‭ ‬بتحديد‭ ‬المصالح‭ ‬من‭ ‬كلا‭ ‬الجانبين‭. ‬يتعلق‭ ‬الأمر‭ ‬باستكشاف‭ ‬إمكانيات‭ ‬التعاون‭ ‬على‭ ‬قدم‭ ‬المساواة‭ ‬وسياسة‭ ‬دعم‭ ‬اقتصادي‭ ‬مستهدفة‭ ‬لتحقيق‭ ‬منفعة‭ ‬متبادلة‭.‬

تسمح‭ ‬ألمانيا‭ ‬لنفسها‭ ‬برفاهية‭ ‬ممارسة‭ ‬السياسة‭ ‬الخارجية‭ ‬والتعاون‭ ‬الدولي‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬عدة‭ ‬وزارات‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬الوقت،‭ ‬غالبًا‭ ‬تعمل‭ ‬بشكل‭ ‬متوازي،‭ ‬بأهداف‭ ‬مختلفة‭ ‬وبدون‭ ‬تنسيق‭. ‬هذا‭ ‬الوضع‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬مستدامًا،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬الموارد‭ ‬المالية‭ ‬المحدودة‭. ‬يجب‭ ‬التفكير‭ ‬في‭ ‬إلغاء‭ ‬وزارة‭ ‬التعاون‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والتنمية‭ (‬BMZ‭) ‬في‭ ‬شكلها‭ ‬الحالي‭.‬

بعض‭ ‬الموضوعات‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬تصنيفها‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬تطوير‭ ‬‮«‬القوة‭ ‬الناعمة‮»‬‭ ‬الألمانية‭ ‬في‭ ‬الخارج‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تنتقل‭ ‬إلى‭ ‬وزارة‭ ‬الخارجية‭. ‬لكن‭ ‬معظم‭ ‬الموضوعات‭ ‬ستكون‭ ‬أفضل‭ ‬حالًا‭ ‬في‭ ‬وزارة‭ ‬الاقتصاد‭ ‬لتحقيق‭ ‬سياسة‭ ‬اقتصادية‭ ‬خارجية‭ ‬أكثر‭ ‬فعالية‭. ‬وهذا‭ ‬يشمل‭ ‬تخصيص‭ ‬موارد‭ ‬مستهدفة‭ ‬للقضاء‭ ‬على‭ ‬أسباب‭ ‬الهجرة‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭.‬

من‭ ‬أجل‭ ‬خلق‭ ‬قبول‭ ‬رسمي‭ ‬وشعبي‭ ‬في‭ ‬ألمانيا‭ ‬لإنفاق‭ ‬أموال‭ ‬الضرائب‭ ‬الألمانية‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬دعم‭ ‬التنمية‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬أخرى،‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬هناك‭ ‬اهتمام‭ ‬بأن‭ ‬يتم‭ ‬أخذ‭ ‬مصالح‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الألماني‭ ‬في‭ ‬الاعتبار‭ ‬أيضًا‭. ‬لن‭ ‬يكون‭ ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬بعد‭ ‬الآن‭ ‬تفهّم‭ ‬الممارسة‭ ‬الشائعة‭ ‬المتمثلة‭ ‬في‭ ‬إنفاق‭ ‬أموال‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬بنك‭ ‬التنمية‭ ‬وإعادة‭ ‬الاعمار‭ ‬الألماني‭ (‬KfW‭) ‬أو‭ ‬من‭ ‬وزارة‭ ‬ما‭ ‬على‭ ‬مشاريع‭ ‬ضخمة‭ ‬يتم‭ ‬منح‭ ‬تنفيذها‭ ‬لشركات‭ ‬حكومية‭ ‬صينية‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭. ‬وبالتالي،‭ ‬فإن‭ ‬تنسيق‭ ‬الأدوات‭ ‬المختلفة‭ ‬للتعاون‭ ‬الإنمائي،‭ ‬مثل‭ ‬مؤسسة‭ ‬الـ‭ ‬giz،‭ ‬وسياسة‭ ‬التعاون‭ ‬الاقتصادي‭ ‬يعد‭ ‬من‭ ‬المهام‭ ‬الأساسية‭ ‬لسياسة‭ ‬شرق‭ ‬أوسطية‭ ‬استراتيجية‭ ‬جديدة‭ ‬للحكومة‭ ‬الألمانية‭ ‬الجديدة‭.‬

يُشار‭ ‬دائمًا‭ ‬إلى‭ ‬عدم‭ ‬الاستقرار‭ ‬السياسي‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬كسبب‭ ‬لتردد‭ ‬الاستثمارات‭ ‬الخاصة‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭. ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬الأساس‭ ‬الاقتصادي‭ ‬السليم،‭ ‬يشمل‭ ‬الاستقرار‭ ‬نظامًا‭ ‬حكوميًا‭ ‬قويًا‭. ‬ألمانيا‭ ‬ليست‭ ‬قوة‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬فرض‭ ‬النظام‭ ‬والاستقرار‭. ‬حتى‭ ‬على‭ ‬المدى‭ ‬المتوسط،‭ ‬سيكون‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬ككل‭ ‬فقط‭ ‬قادرًا‭ ‬على‭ ‬توفير‭ ‬القوة‭ ‬والموارد‭ ‬الكافية‭ ‬لدعم‭ ‬المناطق‭ ‬التي‭ ‬يشكل‭ ‬فيها‭ ‬عدم‭ ‬الاستقرار‭ ‬خطرًا‭. ‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬يجب‭ ‬على‭ ‬الحكومة‭ ‬الألمانية‭ ‬الجديدة‭ ‬العمل‭ ‬بجد‭ ‬لتحقيق‭ ‬ذلك‭.‬

يجب‭ ‬على‭ ‬دول‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬أن‭ ‬تنجح‭ ‬أخيرًا‭ ‬في‭ ‬التحدث‭ ‬بصوت‭ ‬واحد‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالمنطقة‭ ‬المجاورة‭ ‬ذات‭ ‬الأهمية‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاستراتيجية‭ ‬الكبيرة‭. ‬في‭ ‬دول‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬مثل‭ ‬فرنسا‭ ‬وإيطاليا‭ ‬وإسبانيا‭ ‬واليونان،‭ ‬التي‭ ‬تعد‭ ‬جيرانًا‭ ‬مباشرين‭ ‬لمنطقة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬وشمال‭ ‬أفريقيا،‭ ‬يتم‭ ‬فهم‭ ‬هذا‭ ‬بشكل‭ ‬أفضل‭ ‬مما‭ ‬هو‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬ألمانيا‭. ‬لكن‭ ‬الحكومة‭ ‬الألمانية‭ ‬لم‭ ‬تنضم‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬إلى‭ ‬محاولات‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬الملحوظة‭ ‬لإنشاء‭ ‬موقف‭ ‬مشترك،‭ ‬ومن‭ ‬بين‭ ‬الأسباب‭ ‬التي‭ ‬تفسر‭ ‬هذا‭ ‬الموقف‭ ‬الالماني،‭ ‬يمكن‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬العلاقة‭ ‬الخاصة‭ ‬بين‭ ‬الألمان‭ ‬وإسرائيل‭. ‬هذه‭ ‬العلاقة‭ ‬ستستمر‭ ‬ويجب‭ ‬أن‭ ‬تستمر‭ ‬بالطبع‭. ‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬لن‭ ‬نكسب‭ ‬ثقة‭ ‬الجيران‭ ‬العرب‭ ‬كألمانيا‭ ‬وكاتحاد‭ ‬أوروبي‭ ‬طالما‭ ‬نواجه‭ ‬اتهامات‭ ‬باستخدام‭ ‬معايير‭ ‬مزدوجة‭ ‬عندما‭ ‬يتعلق‭ ‬الأمر‭ ‬بتطبيق‭ ‬المعايير‭ ‬الإنسانية‭ ‬الدولية‭.‬

الازدواجية‭ ‬في‭ ‬المعايير‭ ‬ليست‭ ‬أخلاقية‭. ‬إذا‭ ‬كنا‭ ‬نريد‭ ‬أن‭ ‬ننفذ‭ ‬سياسة‭ ‬شرق‭ ‬أوسطية‭ ‬ناجحة،‭ ‬فلا‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نخلط‭ ‬بينها‭ ‬وبين‭ ‬السياسة‭ ‬الداخلية‭ ‬الألمانية‭. ‬وهذا‭ ‬يشمل‭ ‬أيضًا‭ ‬جميع‭ ‬السمات‭ ‬الفريدة‭ ‬للسياسة‭ ‬الخارجية‭ ‬التي‭ ‬جعلت‭ ‬ألمانيا‭ ‬لا‭ ‬تترك‭ ‬فقط‭ ‬إجماع‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي،‭ ‬بل‭ ‬تسببت‭ ‬أيضًا‭ ‬في‭ ‬ردود‭ ‬فعل‭ ‬متزايدة‭ ‬من‭ ‬الجيران‭ ‬العرب‭. ‬ان‭ ‬رفع‭ ‬الإصبع‭ ‬بالتحذير‭ ‬ليس‭ ‬إيماءة‭ ‬مفيدة‭ ‬لسياسة‭ ‬ناجحة‭ ‬قائمة‭ ‬على‭ ‬التعاون‭. ‬إنه‭ ‬يشير‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الطرف‭ ‬الآخر‭ ‬لا‭ ‬يُفهم‭ ‬حقًا‭ ‬كشريك‭ ‬متساوٍ‭.‬

لقد‭ ‬فتح‭ ‬الجيران‭ ‬العرب،‭ ‬وخاصة‭ ‬الدول‭ ‬الغنية‭ ‬في‭ ‬الخليج،‭ ‬أذرعهم‭ ‬على‭ ‬نطاق‭ ‬واسع‭ ‬لتعميق‭ ‬الشراكة‭ ‬مع‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭. ‬خلال‭ ‬العام‭ ‬2025م،‭ ‬وبسبب‭ ‬الأوضاع‭ ‬الجيوسياسية،‭ ‬يجب‭ ‬ان‭ ‬تتطور‭ ‬العلاقات‭ ‬بين‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬والاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬إلى‭ ‬تحول‭ ‬جوهري‭. ‬يجب‭ ‬على‭ ‬الحكومة‭ ‬الألمانية‭ ‬الجديدة‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬تطوير‭ ‬هذه‭ ‬العلاقات،‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬رفعها‭ ‬إلى‭ ‬مستوى‭ ‬استراتيجي‭ ‬في‭ ‬أكتوبر‭ ‬الماضي،‭ ‬بشكل‭ ‬مستهدف‭ ‬وبقوة‭ ‬كبيرة‭.‬

ستُعقد‭ ‬القمة‭ ‬القادمة‭ ‬بين‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬ومجلس‭ ‬التعاون‭ ‬الخليجي‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2026م،‭ ‬في‭ ‬الرياض‭. ‬وحتى‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت،‭ ‬يمكن‭ ‬وضع‭ ‬الأسس‭ ‬لشراكة‭ ‬استراتيجية‭ ‬شاملة‭.‬

بقلم‭ ‬سيغمار‭ ‬جابرييل‭ ‬
نائب‭ ‬المستشار‭ ‬ووزير‭ ‬الخارجية‭ ‬السابق‭