أولاف هوفمان هو واحد من أبرز رجال الاعمال الألمان الناشطين بكثافة في العالم العربي منذ ما لا يقل عن عقدين من الزمن رافق خلالها من خلال عمله مختلف التطورات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي شهدها العالم العربي، كما كرس الكثير من جهده في تعزيز العلاقات الاقتصادية بين المانيا والدول العربية والتعاون بين رجال الاعمال من الجانبين من خلال عضويته في الغرفة وبشكل أكثر وضوحا بعد ان أصبح نائب رئيس الغرفة منذ العام 2012م. يتحدث أولاف هوفمان في هذه المقابلة من واقع معرفته وخبرته بالعالم العربي عن التغيرات والتطورات المتسارعة التي تشهدها الدول العربية وعن ضرورة إيجاد ألمانيا لمقاربة جديدة للتعاون مع العالم العربي والتعامل معه.
السوق: سيد هوفمان، أنت تعمل كرجل أعمال في العالم العربي منذ ما يقرب من عقدين من الزمن، وانت أيضًا نائب رئيس الغرفة منذ 12 عامًا. لذلك لديك معرفة واسعة بالعالم العربي، ما الذي تعتقد انه تغير في الدول العربية؟
هوفمان: اليوم، يصعب فهم التنوع والديناميكية التي يتميز بها العالم العربي بنظرة واحدة، وما زال من الحكمة التمييز بين الدول الغنية بالنفط وتلك التي لا يعتمد اقتصادها على النفط والغاز.
تواجه البلدان غير النفطية بعض التحديات، ولكنها تتميز أيضًا بالفرص التي يجلبها معها سكانها الشباب المتعلمون جيدًا. كان لما يسمى «الربيع العربي» في أوائل عام 2011م تأثير عميق على العديد من هذه البلدان، ورغم أنه لا يزال هناك نقص في فرص العمل، فإن هذه البلدان تحرز تقدما في مجال التصنيع، بل وتصبح في بعض الأحيان رائدة في مجال الطاقات المتجددة، كما يظهر ذلك في المغرب على سبيل المثال.
ومن ناحية أخرى، نلاحظ في البلدان المنتجة للنفط والغاز تطوراً مزدوجاً: من ناحية، الاستثمار المستمر في البنية التحتية اعتمادًا على الإيرادات من النفط والغاز، ومن ناحية أخرى، الإعداد الاستراتيجي لعصر ما بعد النفط مع استثمارات متنوعة في مجالات السياحة والأمن الغذائي والخدمات اللوجستية، هذه الخطط تذهب إلى ما هو أبعد من المشاريع التي يتم الاستشهاد بها، إلى تخطيط ذكي وبعيد النظر للمستقبل.
وبشكل عام، يمكن القول إن فترة العقدين الماضيين قد عززت التعاون الاقتصادي بين البلدان النفطية وغير النفطية في المنطقة العربية. كما شكلت عودة العمال المدربين تدريبًا جيدًا من دول الخليج إلى بلدانهم الأصلية، على سبيل المثال في شمال أفريقيا، مثالا يحتذى به لنقل المعرفة والخبرات الاقتصادية.
السوق: من خلال خبرتك الطويلة هل بين الدول الغنية بالنفط ما يعتبر تقدمها أو تجربتها جديرة بالاهتمام بشكل خاص؟ هل هناك نموذج أو أنماط مختلفة؟
هوفمان: جميع الدول الغنية بالنفط والغاز في العالم العربي اتبعت رؤى وخطط مستقبلية وواضحة. ومنذ العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، قدمت هذه الدول استراتيجيات وطنية مثيرة للإعجاب للبنية التحتية والتوسع الحضري والتنمية الصناعية، مثل «رؤية قطر الوطنية 2030»، و»رؤية أبو ظبي الاقتصادية 2030»، و»رؤية السعودية 20230». وعلى الرغم من التقلبات والتحديات الاقتصادية العالمية مثل جائحة كورونا، إلا أن الجميع تمسكوا بخططهم طويلة المدى وخطوا خطوات ملحوظة نحو تحقيق أهدافهم الطموحة. إن حقيقة أن هذه التطورات قد تحققت في فترة قصيرة نسبياً لم تتجاوز 15 عاماً تستحق تقديراً خاصاً. لقد حقق جيل العرب الذين تتراوح أعمارهم الآن بين 50 و60 عاما إنجازا هائلا لبلدانهم في هذين العقدين، ويمثل هذا الإنجاز الجماعي رؤية ناجحة وبشكل ملحوظ تركت بصماتها على المشهد الاقتصادي والاجتماعي لهذه الدول.
السوق: تعمل الدول الغنية بالنفط في الخليج الآن كمحركات للتنمية، مع بعض النتائج المذهلة، مثل الرحلة الإماراتية إلى كوكب المريخ وكذلك تنظيم نهائيات كأس العالم الناجحة للغاية في قطر عام 2022م. هل هذا طموح مبالغ فيه أم أنه يعكس قوى التنمية الحقيقية؟
هوفمان: إنني ألاحظ تقدما مثيرا للإعجاب في مختلف البلدان والقطاعات. خذ على سبيل المثال «رؤية أبو ظبي الاقتصادية 2030» – فهي مثال رئيسي على كيفية ترجمة التخطيط الاستراتيجي إلى واقع ناجح. إننا نرى أن التركيز على البنية التحتية والسياحة والتقدم العلمي أمر مثير للإعجاب حقًا. وكذلك في مجال الأمن الغذائي الذي لا يحظى بتسليط ضوء كاف ولكنه بالغ الأهمية، إذ توجد استثمارات ضخمة هنا، وهو مجال نأخذه على محمل الجد.
وفي المملكة العربية السعودية، أرى كيف تقوم الحكومة بدمج الشباب في سوق العمل من خلال برامج مثل «السعودة». وهذا نهج ذكي لدمج المجتمع في الاقتصاد وخلق الاستقرار الاجتماعي. ثم هناك قطر، وهي دولة صغيرة ولكنها ديناميكية للغاية من الناحية الاقتصادية، وتجري هناك محاولة لخلق عامل جذب للصناعات والشركات العالمية من أجل ترسيخ نفسها كمركز عالمي.
السوق: أصبح الترفيه وإدارة الفعاليات قطاعين اقتصاديين مهمين في قطر منها تنظيم كأس العالم 2022 ومؤخرًا كأس آسيا.
هوفمان: بالتأكيد، كان كأس العالم علامة فارقة بالنسبة لقطر وأظهر مدى جدية الدولة في تنويع اقتصادها. الأحداث الرياضية الكبرى والفعاليات الترفيهية هي أكثر بكثير من مجرد أحداث قصيرة المدى، إنها جزء من استراتيجية طويلة المدى لتصبح مرئية على خريطة العالم السياسية والاقتصادية. وهذا لا ينطبق على قطر فحسب، بل على دبي أيضًا، التي أصبحت نقطة جذب ومقر لأسلوب حياة متميز ووسائل الاعمال الرقمية.
لقد أعادت هذه المناطق تعريف الطريقة التقليدية التي يُنظر بها إلى السياحة والفعاليات. إنهم يستفيدون من موقعهم الجغرافي الفريد والملائم جدًا لأنه في متناول مليارات الأشخاص في العديد من المناطق الزمنية في أوقات مناسبة تقريبًا في وقت واحد، على سبيل المثال من خلال البث المباشر للأحداث. كما قامت إمارة دبي أيضًا بتوسيع بنيتها التحتية بذكاء لترسيخ نفسها كمراكز عالمية للحركة الجوية والشحن. وكل ذلك جزء من صورة أكبر لكيفية تشكيل هذه البلدان لمستقبلها بشكل فعال.
السوق: المملكة العربية السعودية أطلقت رؤيتها للتنمية والتطوير متأخرة نوعا ما عن الدول الأخرى. هل يحدث التغيير هناك بشكل أسرع الآن؟
هوفمان: صحيح ان المملكة العربية السعودية ربما قد تكون بدأت في وقت لاحق، ولكن الوتيرة والتصميم اللذين تتبعهما المملكة في متابعة «رؤية السعودية 2030» لافت للنظر. قد تكون الدول الصغيرة قادرة على تنفيذ التغييرات الاجتماعية بسرعة أكبر لأن قنوات الاتصال أقصر والمرونة أكبر. ومع ذلك، في المملكة العربية السعودية كانت هناك حاجة واضحة والدافع الصحيح لمعالجة التغيير الاجتماعي. وحقيقة أن البلاد تتصرف الآن بهذه السرعة والتصميم أمر مثير للإعجاب. وفي منتصف القرن الحادي والعشرين، لن يكون من المهم ما إذا كانت هذه التغييرات قد بدأت قبل عام أو بعد ذلك بعام، ما يهم هو النتائج التي تم تحقيقها والتغيير المستدام.
السوق: لم تعد الشركات الألمانية تظهر في العقود الكبيرة التي تبلغ قيمتها مليارات الدولارات لمشاريع البنية التحتية الكبرى في المنطقة العربية. في الماضي، قامت شركات مثل Holzmann وHochTief ببناء الموانئ والمطارات والطرق السريعة. وفي أعقاب ذلك، نشطت مئات الشركات الألمانية المتوسطة الحجم في مواقع البناء هذه.
هوفمان: لم تعد شركات البناء الألمانية تلعب دورا قياديا في مشاريع البنية التحتية الكبيرة حقا، كما كان ذلك في الماضي. ومع ذلك، لا تزال هناك شركات إنشاءات ألمانية تبلغ مبيعاتها المليارات وتقوم بتنفيذ مشاريع مهمة في المنطقة. لقد زادت المنافسة، لكن الجودة والمعايير التي تضعها الشركات الألمانية لا تزال معترف بها في جميع أنحاء العالم. تعتبر صناعة آلات البناء لدينا على وجه الخصوص ذات الجودة والسمعة الأفضل. ومن ناحية أخرى، نجحنا في مجموعة دورش جلوبال في ترسيخ أنفسنا في مجال تخطيط المدن والبنية التحتية على مدى العقدين الماضيين ونشارك في تنفيذ مشاريع ضخمة في جميع أنحاء العالم. نحن لا نقوم بتصدير المعرفة التقنية فحسب، بل نقوم أيضًا بتصدير المعايير الألمانية في مجالات الصحة والسلامة وحماية البيئة، والتي أصبحت ذات أهمية متزايدة.
السوق: يبدو أن التغييرات تحدث في هذا الجانب، خاصة من حيث الجودة.
هوفمان: تجلب الرقمنة معها تغييرات كبيرة، ونحن بالفعل عند نقطة تحول. نحن الآن قادرون على تخطيط وتحسين دورة البنى التحتية بأكملها باستخدام النماذج الرقمية وعمليات المحاكاة. تلعب تكاليف التشغيل أو دورة الحياة دورًا مهيمنًا بشكل متزايد كمعيار لصنع القرار فيما يتعلق بالاستثمارات.
نحن فخورون بقدرتنا على تقديم مساهمة إيجابية من خلال معاييرنا البيئية والاجتماعية والحوكمة العالية وتركيزنا على الاستدامة. ونحن في شركة «Deutsche Wasser» نعكس هذا التطور من خلال التخصص في تشغيل البنية التحتية للمياه والصرف الصحي. وبهذه الطريقة، يمكننا تقديم قيمة مضافة ليس فقط خلال مرحلة البناء، ولكن طوال دورة الحياة بأكملها، وبالتالي إنشاء آلية سوق جديدة لتشغيل البنية التحتية. وهذا يعني أننا كشركة «Deutsche Wasser» نعد حاليًا الشركة الألمانية الوحيدة التي تضع نفسها على المستوى الدولي في هذا الاتجاه.
السوق: مع مجموعة Dorsch Global والآن أيضًا مع شركة “Deutsche Wasser” أنتم فاعلون في مجال البنية التحتية الأساسية وتخطيطها في المنطقة العربية. هل يمكنك أن تخبرنا عن مشروع له طابع متميز بالنسبة لك؟
هوفمان: نعم، يعد أحد مشاريعنا علامة فارقة بالنسبة لنا، والامر يتعلق بالعاصمة الإدارية الجديدة في مصر، والتي هي قيد الإنشاء منذ عام 2015م ويتم تشغيلها الآن. تعد «العاصمة الإدارية الجديدة» جزءًا من «رؤية مصر 2030» والتي ستوفر مساكن جديدة لـ 6.5 مليون نسمة على مساحة 700 كيلومتر مربع.
وقعت شركة «Deutsche Wasser» عقدًا مدته 20 عامًا لتشغيل البنية التحتية للمياه والصرف الصحي بالكامل. تُظهر هذه المهمة، بمسؤولياتها بعيدة المدى، النطاق الكامل لصناعة التشغيل التي ندخلها. إن الإمكانات التي توفرها للمستقبل هائلة بالنسبة لشركات مثل «Deutsche Wasser». إن قضية المياه هي مهمة مستقبلية لم يتم تقييمها بعد بشكل كاف من حيث أبعادها الاقتصادية والاجتماعية.
السوق: لقد قمت مؤخرًا بعملية استحواذ كبيرة في مصر مع شركة Dorsch، ويعتبر هذا الأمر أيضًا بمثابة خطوة رائدة. ما هو النموذج المثالي في الشراكة مع الشريك المصري؟
هوفمان: إن عملية الاستحواذ التي قمنا بها في مصر العام الماضي هي شراء حصة في مجموعة ECG للاستشارات الهندسية، الشركة الرائدة في السوق في مجال تخطيط الأبنية والبنية التحتية في مصر. توظف شركة ECG اليوم أكثر من 3000 شخص. ونخطط معًا للتعامل مع المشاريع ليس فقط في مصر، ولكن أيضًا في الدول العربية المجاورة، وعلى المدى المتوسط، في جميع أنحاء أفريقيا. تعتبر مصر بوابة ممتازة للشركات الألمانية إلى أفريقيا.
توقيت الاستثمار يعد مثاليًا، إن مشاركتنا في مصر تسمح لنا، ليس فقط، بالإنتاج في البلاد ولكن أيضًا بتقديم الخدمات والمنتجات في البلدان المجاورة. وهذا أمر جذاب بشكل خاص لأنه يسمح لنا بالعمل بشكل أكثر تنافسية في الأسواق المرتبطة بالدولار.
وكان العامل الحاسم الآخر في قرارنا هو الإمكانات الهائلة للمتخصصين والمهندسين الشباب المدربين تدريباً جيداً في مصر. في أوروبا، يعتبر نمو المهارات محدودا، في حين أن أفريقيا قارة مليئة بالفرص. ولا يمكننا أن ننتظر حتى نجد العدد الكافي من الألمان الراغبين في الذهاب إلى أفريقيا ولذلك فإن التعاون مع العمالة المحلية أمر ضروري. وبالمناسبة، فإن شراكتنا مع ECG تسير بشكل رائع. نحن نتشارك ثقافة مؤسسية مماثلة والتواصل ممتاز، وهذا يدل على أن التعاون مع الشركات العربية يمكن أن يكون ناجحا للغاية لكلا الجانبين.
السوق: كيف تقيمون الوضع الحالي في مصر ولماذا كان التوقيت مناسبا جدا لعملية الاستحواذ؟
هوفمان: تقييمي لمصر إيجابي، على الرغم من بعض التحديات مثل التضخم وانخفاض قيمة الجنيه المصري. وقد نفذت الحكومة المصرية مشاريع استثمارية استراتيجية على مدى العقد الماضي وحققت نجاحات ملحوظة. فكر فقط في نقص الطاقة قبل 10 سنوات، اليوم تتمتع مصر بإمدادات طاقة موثوقة للصناعة والمواطنين وتم تنفيذ المشاريع الكبرى، مثل توسعة قناة السويس، بسرعة وكفاءة، وساهمت بشكل كبير في رفد الموارد العامة. وقد تم الدفع بالعديد من مشاريع البنية التحتية إلى الأمام لتوفير فرص عمل لعدد متزايد من السكان الشباب الحاصلين على تعليم جيد.
ولا ينبغي التغاضي عن هذه الإنجازات رغم الصعوبات الحالية. فهي رائعة من منظور الأعمال، حتى لو كانت تنطوي على تحديات. ومن خلال استثمارنا في الشركة الرائدة في السوق المحلية في صناعتنا، أكدنا أننا نرى مصر موقعًا واعدًا للصناعة الألمانية، خاصة إذا اخترت نموذج العمل الصحيح، أي حصة تصدير عالية إلى الدول المجاورة واستراتيجية استثمار حكيمة.
السوق: هل ندرك في ألمانيا بشكل صحيح ما هي التغييرات التي طرأت على الدول العربية ككل؟
هوفمان: أعتقد أننا في ألمانيا بحاجة إلى تحديث صورتنا عن الدول العربية. إن التغيرات الكبرى التي شهدتها السنوات الخمس عشرة الماضية، وخاصة الاستعدادات لعصر ما بعد النفط والغاز والتغيرات التي حدثت في المجتمعات التي مرت بمرحلة الثورات العربية، تحتاج إلى إدراك أفضل. لقد حان الوقت للاعتراف بإنجازات هذه البلدان بدلاً من تكرار الروايات القديمة. ينبغي لنا أن ننظر الى المنطقة العربية بالديناميكية والرؤى الحديثة التي هي عليها، على الرغم من التحديات الموجودة في المنطقة. في الواقع، غالبًا ما تكون هذه الأمور معقدة ويمكن أن تختلف اختلافًا كبيرًا من بلد إلى آخر.
هناك حاجة ملحة إلى إعادة تقييم العالم العربي على قدم المساواة وهذا لا ينطبق فقط على ان تكون التقارير عادلة بل ايضًا يتعين على الجهات الاخرى في ألمانيا أيضاً أن تدرك ضرورة تقديرنا وأخذنا على محمل الجد باعتبارنا شريكاً سياسياً واقتصادياً في المنطقة إذا أردنا تحقيق النجاح، وهذا أمر بالغ الأهمية عندما نتحدث عن التحالفات الدفاعية أو اتفاقيات الهجرة أو شراكات الطاقة. ولن نتمكن من إرساء الأساس لتعاون بناء وموجه نحو المستقبل مع الدول العربية إلا من خلال نهج واقعي وغير متحيز.
ومن الملاحظ بالطبع أننا نولي أهمية كبيرة للدول العربية عندما يتعلق الأمر بقضايا الطاقة ولكن من الملاحظ أيضًا أننا لا نأخذ القضايا الأخرى على محمل الجد ونصر على آراء مختلفة. هذا لا يسير على ما يرام في كل مكان ويتعين علينا أن ندرك أن الثقة بالنفس في هذه البلدان قد زادت بشكل كبير ولها ما يبررها.
السوق: تظهر الدراسات الاستقصائية الدولية أن سمعة الاتحاد الأوروبي وألمانيا قد تراجعت. كيف تفسر فقدان السمعة هذا؟
هوفمان: أعتقد أن ألمانيا لا تزال تتمتع بسمعة ممتازة. ومع ذلك، فإننا نتعامل مع اقتصاد عالمي ديناميكي تحقق فيه بلدان أخرى، وخاصة في العالم العربي، تقدما سريعا. لقد قامت هذه الدول بزيادة معاييرها التعليمية بشكل كبير. اعتاد الشباب العرب الذهاب إلى القاهرة للدراسة، لكنهم اليوم يتواجدون في جامعات النخبة حول العالم، ومن ثم يعودون إلى بلدانهم الأصلية بفهم شامل للعالم، مما يؤدي إلى تقييم مهاراتنا ومقارنتها من منظور مختلف.
لا يمكننا أن نتوقع أن يُنظر تلقائيًا إلى المنتجات والخبرات الألمانية على أنها الأفضل. لقد أصبح العالم أكثر تنوعا وتقدم بلدان أخرى صفات مماثلة. ولا يزال دورنا كشركاء موضع تقدير، ولكن الشراكة يجب أن تكون متبادلة، لا يمكننا أن نكون مجرد موردين يقدمون خدماتهم ثم يغادرون. وبدلا من ذلك، يتعين علينا أن نبذل التزاما طويل الأمد وأكثر كثافة من أجل المشاركة بشكل ثنائي في هذه التطورات.
السوق: ما هي الدول التي تنافسنا؟ وفيما يتميز الصينيون أو الكوريون الجنوبيون الذين يعمل بعضهم بنجاح كبير في المنطقة العربية عن ألمانيا؟
هوفمان: قامت الصين بتوسيع وجودها في المنطقة بشكل كبير، وهو ما يمكن رؤيته في حقيقة أنها صدرت في عام 2023م من البضائع إلى المملكة العربية السعودية أربعة أضعاف ما قامت به ألمانيا، وهذه علامة واضحة على أنهم يقدمون منتجات مطلوبة حاليًا والتي قد لا نتمكن من توفيرها بهذا الشكل. سيكون من قصر النظر للغاية أن نقول إن الصينيين لم ينجحوا إلا بسبب الأسعار المنخفضة والجودة المنخفضة. علينا أن نبرر أسعارنا المرتفعة بجودة عالية. تعد كوريا الجنوبية منافسًا قويًا آخر، خاصة في مجالات مثل تكنولوجيا المعلومات والبرمجيات، حيث قد تتقدم علينا بخطوات. إن نموها السريع من دولة صناعية تعتمد على صناعة الصلب وقطاع الشحن البحري إلى دولة ذات تكنولوجيا عالية في غضون بضعة عقود فقط هو أمر مثير للإعجاب. وتضاهي المنتجات الكورية المنتجات الألمانية من حيث الجودة وليست أرخص في السعر، مما يجعلها منافسًا مباشرًا.
التحدي الذي يواجهنا هو أن ندرك أن هناك آخرين إلى جانبنا يقومون أيضًا بعمل رائع. في الماضي، كانت السيارة الجيدة هي السيارة الألمانية تلقائيًا اليوم هناك بدائل. علينا أن نواجه حقيقة أننا فقدنا الريادة في بعض مجالات التكنولوجيا مثل البرمجيات. ويصبح هذا أكثر وضوحا في عالم رقمي متزايد مع التركيز على الذكاء الاصطناعي. وعلينا أن نواجه الظروف الحالية ونحدد دورنا في هذه البيئة الجديدة.
السوق: مشاكلنا في مشروع مطار برلين أو في شركة القطارات الألمانية، كأمثلة، تثير احباط الكثير من الأصدقاء العرب، وكذلك السياسة تجاههم التي يُنظر إليها أحياناً على أنها متعالية. ما هي المساهمة التي يمكن أن تقدمها أدوات سياسة التجارة الخارجية الألمانية لمعالجة هذا الأمر وتعزيز أهمية الاقتصاد الألماني في المنطقة؟
هوفمان: في الواقع، تعكس بعض المشاريع الاستراتيجية الألمانية صورة لم تعد تتوافق مع معايير الجودة السابقة في ألمانيا. بالإضافة إلى ذلك، هناك نقص ملحوظ لدينا في فهم الظروف السياسية، الأمر الذي يؤدي إلى عدم تفهم في المنطقة العربية.
من خلال محادثاتي مع الشركاء العرب، أعلم أنهم يفتقدون العلاقة الوثيقة السابقة بين السياسة الخارجية الألمانية والسياسة الاقتصادية. في الماضي، كانت القوة الاقتصادية والنفوذ السياسي وجهين لعملة واحدة. حيث لم يتم تعزيز الأهداف السياسية من خلال الترويج فحسب، بل من خلال دعم الصادرات أيضًا. ويبدو أن هذا الربط بين السياسة والاقتصاد قد انفك في السنوات الأخيرة، وهو الأمر الذي لا يتم استقباله بشكل إيجابي دائمًا. ولذلك ينبغي ربط سياسة التجارة الخارجية بشكل أوثق بالاقتصاد بأكمله. ونحن في احتياج إلى استراتيجية متكاملة تجمع بين الأهداف الاقتصادية والسياسية حتى نتمكن من الاستمرار في تحقيق النجاح على المستوى الدولي.
السوق: نظراً لأهمية العالم العربي باعتباره جارنا الجنوبي والتأثير المتزايد للقوى الفاعلة الأخرى، هل تحتاج ألمانيا إلى تطوير استراتيجية جديدة للشرق الأوسط؟
هوفمان: أنا مقتنع بأن علاقتنا مع شمال أفريقيا تتميز بالفعل بشراكة سياسية قوية ويتم تنفيذ الكثير من العمل هناك من خلال برامج مثل «الاتفاق مع أفريقيا». اما فيما يتعلق الأمر بالعالم العربي ككل، يجب علينا أن ندرك أن سمعة القوى الفاعلة الأخرى مثل الصين قد نمت بشكل هائل. إن سياسة التجارة الخارجية الصينية التي تقوم على تبادل المواد الخام مقابل تنفيذ مشاريع البنية التحتية وتوفير مختلف المنتجات، كانت ناجحة للغاية في أفريقيا وأميركا الجنوبية لسنوات عديدة. ونحن نشهد الآن نفس النهج في العالم العربي. وبالنسبة لألمانيا فإن هذا يعني أننا قد نضطر إلى تكييف استراتيجيتنا بحيث تعكس الحقائق الجيوسياسية الجديدة. ولم يعد يكفي الاعتماد فقط على نقاط قوتنا التقليدية، وبدلا من ذلك، يتعين علينا أن نجد وسيلة لتعزيز علاقاتنا الاقتصادية من خلال شراكة سياسية قوية مع مراعاة الفروق الثقافية والسياسية الدقيقة في المنطقة. هذه هي الطريقة الوحيدة التي يمكننا من خلالها ضمان أن سمعتنا وأهميتنا في العالم العربي لن تستمر فحسب، بل ستنمو أيضًا.
السوق: سيد هوفمان، لقد توليت أكثر من منصب قيادي في الغرفة لسنوات عديدة، بما في ذلك منصب نائب رئيس الغرفة منذ 12 عاما. بنظرة إلى الوراء: كيف تغيرت الغرفة؟
هوفمان: خلال السنوات التي عملت فيها، شهدنا في الغرفة تطوراً ملحوظاً. تعتبر الاستمرارية والالتزام الشخصي لأعضائنا من السمات المميزة للغرفة. لقد قام أميننا العام عبد العزيز المخلافي ببناء شبكة ممتازة من العلاقات والشراكات على مدى عقدين من الزمن سواء في داخل ألمانيا او في الدول العربية. وقد خلق هذا ثقة قوية في شركائنا.
ومع توماس باخ، الذي يشغل الآن منصب رئيس اللجنة الأولمبية الدولية، كان لدينا رئيس يتمتع بسمعة طيبة للغاية على المستوى العالمي، وخاصة في العالم العربي. رئيسنا الحالي د. بيتر رامزاور، وزير النقل الاتحادي السابق، نجح في بناء علاقات ثقة في برلين والدول العربية من خلال عمله بما في ذلك مع وسائل الإعلام.
وبفضل هذه الشخصيات التي ذكرتها هنا فقط كأمثلة، وبفضل قدراتها، تمكنا من تحقيق استقرار هائل رغم كل التحديات مثل الأزمة المالية العالمية وأزمة اليورو وجائحة كورونا. وقد كان هذا مفيدًا جدًا لتحقيق تفاهم أفضل بين ألمانيا والعالم العربي ولبناء الثقة وتوسيع الرؤية سواء على الصعيد الدولي أو داخل ألمانيا. لقد حققت الغرفة مكانة ممتازة، وهو ما ينعكس أيضًا في وضع مالي سليم للغرفة.
لقد ظلت مهام الغرفة على حالها، حيث تهدف الغرفة في الأساس إلى تعزيز العلاقات الثنائية بشكل فعال وتعزيز التفاهم المتبادل بين الدول العربية وألمانيا ولكننا أثبتنا ايضًا أن الغرفة قادرة على التكيف بمهنية ومرونة مع الظروف المتغيرة.
السوق: سيد هوفمان، نود أن نشكرك كثيرًا على هذه المحادثة الثرية بالمعلومات.
أجرى المقابلة يورجن هوغريفه