خلال قمة الدول السبع الصناعية الكبرى (G7) في بريطانيا أوائل شهر يونيو اتفق وزراء مالية هذه الدول والتي تضم الولايات المتحدة، بريطانيا، فرنسا، ألمانيا، كندا، إيطاليا واليابان على فرض ضريبة عالمية على الشركات العابرة للقارات بنسبة 15 في المئة على الأقل، ووصفت هذه الدول الاتفاق بأنه “تاريخي” كونه يعمل على توزيع العائدات الضريبية من الشركات المتعددة الجنسيات، خصوصا شركات التكنولوجيا العملاقة بصورة أفضل وأكثر عدالة. من جهته وصف وزير المالية الألماني أولاف شولتز الاتفاق بانه “ثورة ضريبية”، كما وصف وزير المالية البريطاني ريشي سوناك الاتفاقية بأنها “تاريخية”، وأكدت وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين أنها “خطوة غير مسبوقة”.

     ومن اجل ان تصبح الاتفاقية سارية المفعول فإنها تنتظر موافقة قمة مجموعة العشرين، التي تضم اهم 20 دولة صناعية وناشئة في العالم، والتي ستعقد في شهر يوليو في البندقية على الاتفاقية. وإذا ما كان إقرار الاتفاقية متوقعا خلال القمة الا ان اراء دول أساسية مثل الصين وروسيا والبرازيل ما تزال غير معروفة تماما. وتأتي هذه الخطوة بعد موافقة  جميع الدول المنضمّة الى مشروع “مكافحة تآكل الوعاء الضريبي وتحويل الأرباح BEPS” والبالغ عددها 139 دولة، تحت مظلة منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD.

     تهدف الضريبة العالمية الى إلزام الشركات بدفع الضرائب في الدول التي حققت فيها الأرباح، اذ يجب ألا تخضع الشركات للضريبة في المستقبل فقط في أماكن وجود مقراتها الرئيسية، ولكن في كل مكان تبيع فيه سلعها أو خدماتها. ويعني هذا بعبارة أخرى مكافحة الملاذات الضريبية والتي تتمثل في عدد من الدول التي تفرض ضرائب منخفضة او حتى لا تفرض ضرائب بالمطلق على الشركات العالمية التي تتخذ منها مقرا رئيسيا، وبالتالي تتمكن الشركات العملاقة من تحويل أرباحها من الدول التي تحقق فيها هذه الأرباح الى الملاذات الضريبية التي يقع فيها مقرها.

     وهنا تخشى عدد من الدول، التي تقدم ضرائب مخفضة، خسارة عائدات كبيرة بسبب إقرار الحد الأدنى من الضريبة العالمية، اذ تخشى إيرلندا من حدوث نقص كبير في الإيرادات، حيث تدفع الشركات هناك ضريبة بنسبة 12.5 في المئة فقط، ولهذا السبب يقع المقر الرئيسي لشركتي Apple وGoogle في أوروبا في ايرلندا. يمكن نظرياً أن يدفع الحد الأدنى البالغ 15 في المئة المزيد من الأموال في خزائن الدولة الأيرلندية، ولكن ما إذا كان عمالقة التكنولوجيا سيستمرون بعد ذلك في الاستقرار في الجزيرة الخضراء أمر مشكوك فيه، ولا يتوقع وزير المالية الأيرلندي باسشال دونوهو هذا بل يتوقع خسائر سنوية تصل إلى 2.4 مليار يورو لبلده.  تثير الاتفاقية القلق في سويسرا أيضاً، حيث يوجد المقر الرئيسي لحوالي 100 شركة كبيرة، خصوصاً ان بعض الكانتونات تفرض ضرائب على الشركات تبلغ حوالي 10 في المئة فقط، خاصة في كانتونات أبنزل وزوغ وفي العاصمة برن.

     في سياق متصل يختلف الخبراء في تقدير الطرف الأكثر ربحا من الحد الأدنى للضرائب العالمية، وان كانت الولايات المتحدة الامريكية تمثل الرابح الأكبر باعتبار ان اغلب الشركات العملاقة هي شركات أمريكية وتعد الولايات المتحدة مجال عملها ونشاطها الأكبر.  الا ان استفادة دول كبرى أخرى من هذه الاتفاقية ما يزال مجال بحث، فعلى سبيل المثال، لا يتوقع الخبراء استفادة الخزينة الألمانية من عائدات ضخمة من هذه الضريبة العالمية، حيث يشير Clemens Fuest رئيس معهد ifo الى ان خسائر المانيا من تحويل أرباح الشركات العالمية تصل الى 5,7 مليار يورو سنويا بينما وبعد الاتفاقية لن يدخل الى الخزينة الألمانية الا اقل من ملياري يورو.

     كذلك يمكن ان تكون للاتفاقية عواقب أخرى، فبالنسبة الى ألمانيا الذي يعتمد اقتصادها على التصدير والتي، على سبيل المثال، يبيع مصنعو السيارات فيها جزءاً كبيرا من منتجاتهم في الولايات المتحدة الامريكية والصين لكنهم يدفعون ضرائبهم حالياً بشكل أساسي في ألمانيا، فانه وبحسب Fuest “إذا تم تحويل الحقوق الضريبية إلى دول المبيعات في المستقبل، فقد تفقد ألمانيا عائداتها الضريبية”.

 واعتمادا على نفس المنطق فانه من المشكوك فيه ما إذا كان الاتحاد الأوروبي سيكسب بالفعل 50 مليار يورو سنوياً نتيجة للإصلاح الضريبي العالمي، كما كانت المفوضية الأوروبية قد أعلنت في وقت سابق.

     من جانبها تلقت الشركات العملاقة الاتفاقية بقليل من القلق والانزعاج، حيث قال متحدث باسم شركة أمازون العملاقة للشحن عبر الإنترنت إن اتفاقية مجموعة السبع “خطوة مرحب بها” ستساعد على استقرار النظام الضريبي الدولي. ويرجع هذا الارتياح من قبل الشركات العملاقة الى عدة أسباب، منها انها كانت تتوقع ان يتم فرض ضريبة اعلى لا تقل عن 20 في المئة، كما وعد الرئيس الأمريكي جون بايدن خلال حملته الانتخابية، كما ان ضريبة 15 في المئة قريبة من نسبة الضريبة في العديد من الملاذات الضريبية مثل إيرلندا أو سويسرا أو سنغافورة. يضاف الى ذلك الى ان فرض ضريبة عالمية كان امرا متوقعا جدا خصوصا مع الانتقادات المتزايدة للعديد من الدول بخصوص عدم دفع الشركات العملاقة عابرة الجنسيات لضرائب عن أرباحها والضغوط المتزايدة التي كانت تمارسها على هذه الشركات، الى جانب بدء العديد من الدول في فرض ضرائب على عدد من الشركات التكنولوجية العملاقة، كما حصل مؤخرا من اجبار استراليا منصة فيسبوك على دفع ضرائب على الإعلانات التي تنشرها.

 

Photo: Von The White House – P20210611AS-0528, Gemeinfrei