تمتلك المانيا واحد من أفضل النظم الصحية في العالم، سواءً كان من ناحية المباني والمنشآت او من ناحية الأطباء والمهن الطبية المساعدة او كذلك في جانب الصناعات الدوائية وصناعة التقنيات الطبية ناهيك عن البحث العلمي ونظام التعليم الطبي المتقدم. ولهذا وعند ظهور فيروس كورونا وانتشاره في العالم، صنفت المانيا كواحدة من الدول الأكثر قدرة ونجاحا في مواجهته بالمقارنة مع العديد من الدول الأخرى، ويظهر ذلك على سبيل المثال في عدد اسرة العناية المركزة بالنسبة لكل 100ألف مواطن، حيث اظهر تقرير لمكتب الإحصاء الاتحادي (Destatis) تمتع ألمانيا بكثافة عالية في عدد اسرة العناية المركزة بالمقارنة مع عشر دول من الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي (OECD) واستنادًا إلى بيانات مختلفة خلال الفترة ما قبل جائحة كورونا والممتدة من 2013م إلى 2020م. كان هناك 33,9 سريرًا للعناية المركزة لكل 100 ألف نسمة في ألمانيا، في النمسا كان هنالك 28,9 سريرًا للعناية المركزة لكل 100 ألف شخص، اما في الولايات المتحدة فبلغ عدد اسرة العناية المركزة 25,8 سريراً لكل 100 ألف من السكان. وعلى العكس من ذلك أظهرت البيانات مقدار تراجع قدرات البلدان التي تضررت بشدة من جائحة كورونا: حيث تمتلك إسبانيا 9,7 سريرا للعناية المركزة لكل 100 ألف من السكان بينما تملك إيطاليا 8,6 فقط من أسرة العناية المركزة لكل 100 ألف نسمة.
ومع هذه القدرات المميزة للنظام الصحي الألماني في مواجهة فيروس كورونا الا ان الجائحة تركت اثار كبيرة على هذا النظام سواء في الجوانب المالية او في جوانب القدرة على الاستمرار في تقديم خدمات الرعاية الطبية او حتى في مجال الكشف عن جوانب قصور بعض القطاعات المرتبطة بالرعاية الصحية، مثل المستلزمات الطبية او مجال أبحاث تطوير اللقاحات والأدوية.
البنية التحتية لنظام الرعاية الصحية في ألمانيا
يتكون نظام الرعاية الصحية في المانيا بشكل أساسي من ثلاث عناصر، الأول هو عدد الأطباء الممارسين، الثاني: عدد المستشفيات وعدد الاسرة التي تقدمها للمرضى، اما العنصر الثالث فيتمثل في حجم الانفاق على الرعاية الصحية.
استمر عدد الأطباء في المانيا في الارتفاع حيث سجلت الجمعية الطبية الألمانية في نهاية عام 2020م، 409121 طبيبًا عاملاً في جميع أنحاء البلاد. فبالمقارنة مع العام 1990م، زاد عدد الأطباء العاملين بنحو 65 في المئة. كما تضاعف عدد الأطباء غير الممارسين في نفس الفترة وبلغ 127800 طبيب في عام 2020م، (من ضمنهم الأطباء المتقاعدون الذين يشكلون ما يقرب من 70 في المئة من الأطباء غير الممارسين بالإضافة الى أسباب أخرى مثل التواجد في فترة رعاية الأطفال او لأسباب مرضية).
وقد ازدادت كثافة الأطباء في ألمانيا بشكل مستمر خلال السنوات والعقود القليلة الماضية، بحيث أصبح المتوسط الوطني لعدد الأطباء بالنسبة لعدد السكان في ألمانيا في عام 2020م، طبيب واحد لكل 203 من السكان. وبهذا المعدل، وبالمقارنة بالمتوسط العالمي لعدد الأطباء بالنسبة لعدد السكان، تحتل ألمانيا المركز الأول.
في مجال المستشفيات استمر تراجع عدد المستشفيات في ألمانيا، من حوالي 2400 مستشفى العام 1991م الى 1914م مستشفى العام 2019م، ومع ذلك ارتفعت نسبة المستشفيات التابعة للقطاع الخاص من 21.7 في المئة في عام 2000م إلى حوالي 37.8 في المئة في عام 2019م. ومع تراجع عدد المستشفيات انخفض أيضًا عدد الأسرة ليصل عددها في عام 2019م، لما يقرب من نصف مليون سرير.
ويرجع السبب في انخفاض عدد المستشفيات في المانيا، بشكل رئيسي، الى عدم قدرت العديد من المنظمات والجمعيات الخيرية الغير هادفة للربح على الاستمرار في تمويل المستشفيات التي تملكها مما دفعها الى اغلاقها. الا انه ومع تراجع عدد المستشفيات الا ان عدد من تلقوا رعاية وعلاجا طبيا فيها قد ارتفع بنسبة 25 في المئة بالمقارنة ببداية التسعينات حيث تم معالجة ما يقرب من 19,4 مليون حالة العام 2019م.
وفي سياق متصل، ووفقا لبيانات مكتب الإحصاء الاتحادي، بلغ الإنفاق على قطاع الرعاية الصحية في ألمانيا في العام 2019م 410.8 مليار يورو. وهو ما يمثل 11,9 في المئة من الناتج المحلى الإجمالي في العام وبزيادة 0.2 نقطة مئوية عن عام 2018م، كما يعني أيضا ان متوسط النفقات الصحية للفرد بلغ 4944 يورو. وارتفع الإنفاق الصحي بواقع 19.3 مليار يورو أو 4.9 في المئة مقارنة بعام 2018م. وبهذا أيضا يكون الانفاق الصحي في المانيا قد تجاوز حاجز 400 مليار يورو وذلك بعد وصل الى حاجز 300 مليار يورو في العام 2011م وحاجز 200 مليار يورو في العام 1998م. وبهذا تقلصت الفترة الزمنية اللازمة لرفع الانفاق الصحي بقيمة 100 مليار يورو من 14 عاماً الى 7 أعوام فقط.
وقد مثلت شركات التامين الصحي الحكومية أكبر مساهم في نفقات الرعاية الصحية في العام 2019م حيث بلغت قيمة مساهمتها 233 مليار يورو وبنسبة 56,7 في المئة، وبالتالي كانت أكثر بقيمة 10,9 مليار يورو أوما نسبته 4.9 في المئة مما كانت عليه في 2018م. في المركز الثاني أتت المنظمات الخاصة غير الهادفة للربح والتي ساهمت بمبلغ 54.8 مليار يورو أو ما نسبته 13.3 في المئة من اجمالي نفقات الرعاية الصحية، وبزيادة بقيمة 2,3 مليار يورو او 4,4 في المئة مقارنة بالعام السابق.
بينما تحمل التأمين الاجتماعي للرعاية طويلة الأجل نحو 42,1 مليار يورو او 10.3 في المئة من الإنفاق الصحي في عام 2019م. وبزيادة بقيمة 2,6 مليار يورو او نسبة 6,6 في المئة مقارنة بالعام 2018م. اما شركات التامين الخاص فساهمت بقيمة 34,6 مليار يورو في الانفاق الصحي وبما يمثل نسبة 8,4 في المئة من اجمالي هذا الانفاق وبزيادة 1,4 مليار يورو او 4,1 في المئة مقارنة بالعام السابق.
اثار كورونا على القطاع الصحي
يعد النظام الصحي في ألمانيا خط المواجهة الأول لجائحة كورونا، ومن اجل ذلك قررت الحكومة الاتحادية، بداية من منتصف شهر مارس 2020م، الطلب من المستشفيات تعليق وتأجيل كل العمليات المخطط لها كإجراء وقائي بهدف توفير العدد الكافي من الاسرة في المستشفيات، خاصة في وحدات العناية المركزة، لمرضى فيروس كورونا. وهكذا جرى تفريغ المستشفيات واعطاء الاولوية لعلاج المصابين بالفيروس وتوقفت باقي اقسام المستشفيات وبقية التخصصات الطبية عن استقبال الحالات المرضية الأخرى غير الضرورية وغير الملحة.
الا ان تطور الجائحة وعدد المصابين بالفيروس الذين يحتاجون الى رعاية طبية مكثفة والى البقاء في المستشفيات ضل منخفضاً نسبيا بالمقارنة مع عدد المرضي المصابين بالفيروس والحالات الحرجة التي تم تسجيلها في عدد من الدول الأوروبية كفرنسا واسبانيا وإيطاليا، مع فارق الإمكانات الصحية الكبيرة التي تتمتع بها ألمانيا بالمقارنة مع هذه الدول. اذ وبحسب الاتحاد الألماني متعدد التخصصات للعناية المركزة وطب الطوارئ (DIVI) فمن ضمن ما يقرب من 40 ألف سرير عناية مركزه متوفر في ألمانيا تم فقط اشغال 19 ألف سرير، ويدخل ضمن هذا العدد ما يقرب من 2500 سرير فقط لمصابين بفيروس كورونا.
التأثير على المستشفيات
من جهتها اكدت جمعية المستشفيات الألمانية (DKG) ان القرار بتأجيل كل العمليات غير الضرورية استعداداً لجائحة كورونا أدى الى بقاء نحو 150 ألف سرير في المستشفيات فارغة وهو ما يمثل ما بين 30 الى 40 في المئة من مجموع عدد الأسرة المتاحة والذي يقترب من نصف مليون سرير. وبحسب اراء الخبراء في معهد لايبنز للأبحاث الاقتصادية Leibniz-Institut für Wirtschaftsforschung، فان عدد الاسرّة غير المشغولة في مستشفيات ألمانيا خلال العام 2020م قد وصل الى 50 في المئة من مجموع اجمالي الاسرّة، بعد ان كان متوسط اشغال الاسرّة في المستشفيات يصل الى 77,8 في المئة في العام 2019م، وقد عنى ذلك استمرار الأعباء المالية على المستشفيات مع تراجع إيراداتها بسبب عدم التشغيل الكامل لإمكانياتها وانعكاس ذلك على سوق الرعاية الصحية الذي تبلغ ايراداته أكثر من 90 مليار يورو. وعلى الرغم من رفع شركات التأمين الصحي المبلغ المخصص كتكاليف رعاية طبية لكل مريض بواقع 40 يورو إضافة الى المبلغ الاساسي البالغ 185 يورو، والتعويضات التي اقرتها الحكومة الاتحادية بواقع 560 يورو يوميا عن كل سرير غير مشغول سواءً للمستشفيات الخاصة او الجامعية، فانة ونتيجة لانخفاض عدد المرضى الذين يتلقون العناية او نتيجة لتأجيل الحالات المرضية غير الملحة او الخطيرة، او بسبب عزوف الكثير من المرضي عن الذهاب الى المستشفيات خشية الإصابة بالعدوى بفيروس كورونا، فقد واجهت العديد من المستشفيات صعوبات مالية كبيرة. وفي هذا الإطار قال Thomas Lemke رئيس مجلس إدارة شبكة مستشفيات Sanaالخاصة « سوف نستمر لوقت طويل في العمل من اجل استعادة ثقة المريض بالذهاب الى المستشفى دون الخشية من الإصابة بعدوى فيروس كورونا»، مضيفاً « ان الازمة الحقيقية بالنسبة للمستشفيات قادمة، حيث من المتوقع بعد انتهاء ازمة كوفيد-19 اجراء نقاش جذري حول الكيفية التي يجب ان يكون عليها نظامنا الخاص بالرعاية الطبية».
من جانبها تعمل وزارة الصحة الاتحادية على إعادة العمل في المستشفيات الى حالته الطبيعية مرة أخرى حيث اعدت لأجل هذا الغرض ورقة مبادئ تتضمن ان تكون المستشفيات قادرة خلال عدة أيام على ان توفر اسرّة عناية مركزه كافية وذلك لو عادت حالات الإصابة بالفيروس الى الارتفاع بعد تخفيف إجراءات العزل الاجتماعي، من خلال وضع خطة مرحلية للعودة الى المستوى الطبيعي لعمل المستشفيات تشمل تخصيص المستشفيات لـ 25 في المئة من اسرّة العناية المركزة للمرضى المصابين بفيروس كورونا، وان تكون المستشفيات قادرة خلال 72 ساعة على تنظيم امكانياتها في اسرّة العناية المركزة وأجهزة التنفس الاصطناعي، بالإضافة، وكخطوة أولى، إبقاء 70 في المئة من قدرة اجراء العمليات مخصصة للعمليات الاعتيادية والمخططة، على ان ترتفع هذه النسبة بـ 10 في المئة كل أسبوعين وفي مرحلة إضافية ترتفع إمكانيات استعادة العمل الاعتيادي لطاقة العمليات بنسبة 5 في المئة كل ثلاثة أسابيع.
التأثير على الطواقم الطبية
الى جانب معاناة المستشفيات من اثار جائحة كورونا، امتدت اثار الجائحة أيضا الى الطواقم الطبية العاملة في المستشفيات والعيادات من أطباء وطواقم تمريض والتي وجدوا انفسهم مهددين بفقد وظائفهم بعد تعليق وتأجيل كل العمليات الغير ضرورية وتركيز المستشفيات على توفير الإمكانات لرعاية مرضى كورونا، وفي هذا الجانب تقدم 1200 مستشفى وأكثر من 48 ألف عيادة طبيب اختصاصي وطبيب اسنان بطلبات لتسجيل موظفيها في برنامج الدوام المختصر الحكومي والذي يقدم تعويضات للموظفين المتوقفين عن العمل، حيث سجلت هذه العيادات والمستشفيات في ذروة نتشار عدوى الفيروس نحو 410 ألف من موظفيها، من بينهم أطباء ومختصين بالرعاية الصحية، في البرنامج.
لقد وجدت العديد من الأقسام الطبية المختلفة، والتي ليس لها علاقة بمرضى فيروس كورونا، نفسها في حالة انخفاض شديد في العمل ان لم يكن توقفا تاما له، وبقاء الأطباء والطواقم الطبية الأخرى بغير نشاط يذكر. فعلى سبيل المثال بلغ عدد العمليات الجراحية التي تم تأجيلها لمرضى السرطان نحو 50 ألف عملية حتى منتصف شهر يونيو 2020م، (بحسب المركز الألماني لأبحاث السرطان Deutsche Krebsforschungszentrum يتوقع ان تبلغ عدد الإصابات الجديدة بالسرطان في ألمانيا في العام 2020م أكثر من 500 ألف شخص). يضاف الى ذلك تجنب المرضى زيارة ومراجعة المستشفيات خشية الإصابة بالفيروس والتي تسببت أيضا في تراجع العمل داخل هذه المستشفيات.
الى جانب ذلك لم يشكل العدد المحدود نسبيا من المصابين بفيروس كورونا والذين تم نقلهم الى المستشفيات أي ضغط على الطواقم الطبية التي خصصت للرعاية بهم وظلت هنا أيضا العديد من الطواقم الطبية بدون نشاط حقيقي. علاوة على ذلك، وبحسب اتحاد أطباء التأمين الصحي الحكومي (Kassenärztliche Bundesvereinigung) KBV تراجع خلال ذروة انتشار فيروس كورونا نهاية شهر مارس 2020م، التواصل الشخصي بين المرضي واطبائهم بنسبة تتراوح بين 37 إلى 64 في المئة اعتمادا على التخصص بالمقارنة بنفس الفترة من العام الذي سبق، وهو الامر الذي دفع بالأطباء الى تسجيل العاملين في عياداتهم او حتى أنفسهم في برنامج العمل بدوام مختصر.
في جانب الاثار المالية لجائحة كورونا على الانفاق الصحي، ومع التقديرات التي تتوقع زيادة الانفاق الصحي في ألمانيا في العام 2020م ليصل الى 435,1 مليار يورو، وهو ما يمثل زيادة بحوالي 14,3 مليار يورو او ما نسبته 3,5 في المئة بالمقارنة مع الانفاق الصحي للعام 2019م، فمن الصعب حاليًا تحديد «نسبة تكلفة جائحة كورونا « من النفقات الصحية المقدرة. الا ان هنالك استثناءات قليلة متعلقة بخطط الحكومة على برامج محددة، على سبيل المثال، تم إنفاق 1.6 مليار يورو من احتياطي صندوق الرعاية الصحية بشكل مباشر لتمويل برامج لمواجهة جائحة كورونا، تتكون هذه النفقات بشكل أساسي من حوالي 700 مليون يورو لمدفوعات التعويض للمستشفيات لتوفير أسرة العناية المركزة وأجهزة التنفس الصناعي، و491 مليون يورو للأقنعة الواقية، وحوالي 286 مليون يورو لاختبارات فيروس كورونا.
اثار جائحة كورونا على الصناعات الطبية وتطوير اللقاحات والأدوية
لقد كشفت جائحة كورونا بعض الإشكاليات التي تعاني منها صناعة المستلزمات الطبية في ألمانيا والتي تعد من القطاعات الأكثر أهمية ليس على مستوى المانيا فقط ولكن على مستوى أوروبا والعالم وكذلك الامر مع البحث العلمي وتطوير الادوية في ألمانيا والذي يتمتع هو الاخر بسمعة دولية عالية.
في قطاع صناعة المستلزمات الطبية، تسببت جائحة كورونا في زيادة هائلة في استهلاك معدات الحماية الطبية (مثل الأقنعة الواقية ونظارات الحماية وملابس الحماية وغيرها) سواءً تلك التي تستخدمها الطواقم الطبية او تلك التي تستخدم من المواطنين العاديين. ونتيجة الارتفاع الكبير في الطلب على هذه المعدات حصل بداية الازمة نقص شديد حيث أشارت 23 جمعية تمريضية في رسالة الى وزير الصحة الاتحادية Jens Spahn إلى مدى خطورة الوضع «والتوتر الشديد» في الوقت الحالي لمن يحتاجون إلى الرعاية ومقدمي الرعاية الطبية. واختتمت الرسالة بالمطالبة « بالتأكد على الفور من توفير معدات الحماية بكميات ونوعية كافية في أقرب وقت ممكن». وفي هذا الإطار أكد وزير الاقتصاد في الحكومة الاتحادية بيتر التماير انه يتم انتاج 90 في المئة من معدات الحماية في دول اسيوية، وأشار ألتماير إلى ان الحاجة إلى الأقنعة من مختلف الفئات «ستبلغ عدة مليارات»، وبحسب وزير الصحة في الحكومة الاتحادية فإن قطاع الصحة وحده يستهلك حاليا 450 مليون قناع FFP2 ومليار قناع جراحي سنويا. ومن اجل ذلك تسعى الحكومة الاتحادية الى تعزيز إنتاج معدات الحماية الطبية في ألمانيا وأوروبا. وأكدت المستشارة أنجيلا ميركل أن هذا لا ينبغي اعتباره مهمة وطنية فحسب، بل يجب مناقشته مع الشركاء في الاتحاد الأوروبي.
وعلى الرغم من وجود شركات ألمانية تعمل في صناعة معدات الحماية الطبية فان الإشكالية الرئيسية تتمثل في المواد الأولية اللازمة لصناعتها حيث يعتمد انتاج هذه الشركات الى حد كبير على الاستيراد، وخصوصا منسوجاتMeltblown المكونة من طبقات عديدة من الألياف الدقيقة التي تقوم بشكل موثوق بتصفية حتى أصغر الجسيمات من تدفق هواء التنفس، وهو ما يعد الشرط الأساسي لصناعة الأقنعة الطبية المناسبة لعلاج مرضى كورفيد-19 مقارنة بتلك المصنوعة من الأقمشة القطنية العادية. لقد أظهرت الجائحة مدى اعتماد ألمانيا في معدات الحماية الطبية على الأسواق الاسيوية بشكل عام والصينية بشكل خاص، ومع غياب المعالجات الحكومية فان هذا الاعتماد سيستمر خلال السنوات القادمة.
اما في مجال تطوير اللقاحات والأدوية، وبالرغم من تقدم المانيا في هذا المجال، والتي تم اثباته أيضا خلال الجائحة بعد ان تمكنت شركة Biontech الألمانية، وبالتعاون مع شركة فايزر الامريكية في تطوير اول لقاح ضد فيروس كورونا، الا ان البنية التحتية الازمة والضرورية لاختبار اللقاح وبالتالي اقراره والحصول على ترخيص بإنتاجه، ما تزال في ألمانيا بحاجة الى التطوير، فعلى سبيل المثال، يقول المطلعون انه لم يكن ممكنا لشركة Biontech هذا التطوير السريع والعالمي للقاح كورونا بدون الشركة الأمريكية، التي تكفلت الى حد بعيد بتنفيذ المرحلة المركزية والأغلى إلى حد بعيد في تطوير اللقاحات، وهي الدراسات السريرية التي يتم فيها اختبار اللقاح على البشر، فمن بين 155 عيادة ومركزًا للأبحاث حول العالم التي شاركت في الدراسة السريرية الحاسمة للقاح، كان ستة منها فقط في ألمانيا، بينما شارك 133 مركزا وعيادة في الولايات المتحدة الأمريكية.
وبشكل عام ما يزال تأثير جائحة كورونا على القطاع الصحي في ألمانيا لم يأخذ شكلة ومداه الأخير، انطلاقا من استمرار الجائحة وإمكانية بقائها لفترة طويلة في المستقبل وأيضا اعتمادا على الاثار الغير مباشرة او طويلة المدى التي قد تظهر في المستقبل.