اجرت صحيفة اليوم السابع المصرية لقاءًا مع الأمين العام الأستاذ عبد العزيز المخلافي تحدث فيه عن أبرز جوانب العلاقات الاقتصادية العربية الألمانية ودور الغرفة في تعزيزها الى جانب مميزات الاقتصاد الألماني وضرورة عدم اقتصار العلاقات العربية مع المانيا على الاستيراد والتصدير ولكن أيضا تعزيز التعاون في مجالات التعليم والتدريب ونقل التكنولوجيا مشددا على ان قرار الاستثمار في المانيا في أي منطقة في العالم هو قرار الشركات الخاصة وليس قرار الحكومة.

نص الحوار:

على أنغام موسيقى صينية في النادي الصيني بمدينة برلين الألمانية وبالقرب من بوابة براندنبورج الشهيرة الرمز التاريخي الألماني المجاورة لمبنى البرلمان كان اللقاء مع واحد من العقول العربية في ألمانيا.. قضى بين جنباتها نحو 30 عاما من العمل الدبلوماسي والعمل كأمين عام للغرفة العربية الألمانية.. لا يقتصر دور السفير عبد العزيز المخلافى أمين عام الغرفة على العمل التجاري فحسب بل يمتد إلى تدعيم أواصر العلاقات الاقتصادية بين العرب وبين المانيا ودعم تلك العلاقات عبر سنوات طويلة.

والحديث مع السفير عبد العزيز المخلافي كان مختلفا لم يقتصر فقط على الجوانب الاقتصادية فالرجل الذي تعلم الدبلوماسية في مصر على حد قوله يرى أن أهمية الغرفة العربية الألمانية لكونها تضم عرب والمان وخليط من الجانبين، لأنها ليست عربية خالصة ولا أجنبية وإنما هي خليط من الجانبين هذا الامر يجعلنا نفكر ما هي مصلحة الجميع.

يضيف المخلافي – بينما تضع النادلة الطعام الصيني أمامنا وسط ترقب منى كيف سأكل بالأعواد الصينية وأنا من اعتدت على الأكل على طريقتنا – ” أنا سعيد للعمل في الغرفة ومن خلالها لخدمة العلاقات الاقتصادية العربية الألمانية علاوة على ذلك ومن خلال واجبى كمنسق لكل الغرف العربية الأجنبية في العالم. طبعاً العمل الدبلوماسي ممتع وشيق والتحقت بالسلك الدبلوماسي عن رغبة وإرادة لكنّى وجدت العمل في الغرفة ما يشبع فضولي ورغبتي أيضا ويكون لدى من المرونة للعمل مع المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص من الجانبين ولا سيما أن دراساتي كانت عن دور ألمانيا في تطور مؤسسات الاتحاد الأوروبي”.

يضيف ” عملي ليس فقط دور وظيفي، وإنما دور أكبر من ذلك وفيه بعض من تحقيق الذات. انتمى إلى المنطقة العربية وأعتز بذلك لكنّى أحترم بنفس القدر ألمانيا والثقافة الألمانية. منذ جئت من اليمن قبل نحو 30 عاما هنا إلى المانيا أستطيع أن أتحدث بإيجابية عن هذه الرحلة المشوقة بين العالم العربي وألمانيا علاوة على اكتسابي لخبرات تواصل مع مختلف دول العالم. 

ألمانيا بلد كبير في منظومة الاتحاد الأوروبي وتحتل المرتبة الرابعة بين أكبر اقتصادات العالم، ومع ذلك فهي تواجه تحديات كما مختلف دول العالم وبالذات بعد أزمة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية وغيرها من الأزمات الدولية، لكن ما يميزها عن غيرها من الاقتصادات المتقدمة أنها تمتلك قطاعا صناعيا كبيرا يساهم بما يقارب ٣٠ في المائة من الناتج المحلى الإجمالي الألماني، وهذا ليس موجودا في أي بلد اخر من المجتمعات الصناعية المتقدمة يرافق ذلك اهتمامها الكبير بالبحث العلمي وهناك الكثير من الشركات التي تستثمر بالمليارات في البحث العلمي لمواكبة التطور الصناعي العالمي والتطوير الدائم للقطاع الصناعي وكلها عوامل قوة “.

وبينما بدأت أتحسس الأعواد الصينية لتناول الطعام منتظرا وصول الطبق الرئيسي لأتخلص من تلك الأعواد، يضيف السفير عبد العزيز المخلافي أن الضغوط الاقتصادية العالمية كبيرة وألمانيا تخضع لمنافسة شديدة وأكثر ما يقلق المانيا هو التطور الديموغرافي والهرم السكاني المقلوب ومع ذلك ألمانيا فيها 83 مليون منهم 46 مليون يذهبون إلى العمل نحو نصف السكان قوة منتجة لكن اذا تدحرجت هذه النسبة إلى اقل من 50% بحكم الشيخوخة والاعباء الاجتماعية فهذا تحدى حقيقي سيواجه الدولة للاستمرار في المنافسة العالمية والمحافظة على المستوى المتقدم حيث يتطلب ذلك ناس مؤهلين ومدربين

ويواصل عميد الدبلوماسيين العرب في المانيا حديثه حول العلاقات العربية الألمانية ” انه لابد من النظر اليها من جوانب أخرى غير جوانب الصادرات والاستثمارات والتبادل التجاري، وهي بالطبع جوانب مهملكن لابد أن ننظر إلى تفاعلات الأجيال العربية في ألمانيا ووجود عشرات الآلاف من الباحثين والعاملين والمتخصصين في مؤسسات وجامعات ألمانيا، وهذا الأمر من المهم تسليط الضوء عليه في الإعلام وهناك قصص نجاح عربية كبيرة في ألمانيا منها مثلا إنه يوجد أكثر من 1000 طبيب يمنى يعملون في ألمانيا”.

وسألت أمين عام الغرفة العربية الألمانية عن العلاقات مع العالم العربي؟ 

فيجيب “انا أتابع هذا الأمر حقيقة منذ ثلاثة عقود ولا انظر للأمر من واقع تبادل تجارى أو استثمارات مباشرة هنا أو هناك رغم أهميتها. أنا أنظر إلى تفاعلات أجيال كثيرة.. اليوم ألمانيا فيها عشرات الآلاف من الباحثين العرب والمسؤولين في الشركات والمستشفيات والالاف من الباحثين والعاملين العرب في مراكز الأبحاث.. طبعاً هناك بعض السلبيات في أوساط بعض الجاليات العربية لكن الإيجابيات أكبر بكثير ومع الأسف ما يظهر في الإعلام أكثر ما هو سلبي، لكن الإيجابي لا يتم الحديث عنه بشكل مناسب وعلى سبيل المثال يوجد من اليمن أكثر من 1000 طبيب يعملون في المستشفيات الألمانية وهي قصص نجاح تحتاج لتسليط الإعلام الضوء عليها.

الإعلام العربي ليس قويا في ألمانيا عكس بعض الدول الأخرى فرنسا مثلا أو بريطانيا فهو موجود لكنه ليس مؤثرا.

يضيف: ” ومع ذلك اليوم نتحدث عن تبادل تجارى عربي ألماني بنحو 50 مليار يورو سنويا، واستثمارات عربية في المانيا فوق الـ 100 مليار يورو معظمها لدول مجلس التعاون الخليجية خاصة الكويت أقدم المستثمرين والاستثمارات في صناديق استثمار وأسهم وشركات هناك قطاع خاص مصري أيضا في المانيا، وكلها مؤشرات إيجابية لكنها محدودة”.

ويشير إنه إذا أردنا أن نطور الصناعة في البلدان العربية لابد أن نصل إلى التكنولوجيا ولن يتأتى ذلك سوى بالتعليم والتدريب المهني ونقل التكنولوجيا، وأن يتوسع الاستثمار العربي في قطاع الصناعة الألماني ليس فقط في الشركات الكبيرة إنما في الشركات الصغيرة والمتوسطة التي تعتبر عماد الصناعة والاقتصاد الألماني وتمتلك التكنولوجيا المتقدمة ومن خلال الاستثمار في هذه الشركات سيسهل العمل على نقل التكنولوجيا إلى مجتمعاتنا. وأضاف الشركات الألمانية تمتلك تكنولوجيا متقدمة، والقطاع الصناعي في ألمانيا يمثل نحو 30% من الناتج المحلى الإجمالي للبلد وهذا الرقم غير موجود في أي دولة من دول العالم المتقدم وبالذات المجتمعات الأوروبية والغربية بشكل عام، وبالتالي فإن حرص ألمانيا على المحافظة على هذا المستوى يتحقق من خلال الاستثمار في مراكز الأبحاث والجامعات التطبيقية، ويتم إنفاق أكثر من مائة مليار يورو سنوياً على البحث العلمي فقط.

الغرفة تعمل على التعريف بهذه الجوانب من خلال فعالياتها وأنشطتها المختلفة دورنا مكمل للدور الرسمي وليس بديلاً عنه كما أننا نجتهد لكننا لا ندعى الكمال ولا أداء هذا الدور لوحدنا نحن جزء من منظومة من شبكة العلاقات الرسمية وغير الحكومية.

وتساءلت حول كيفية جذب الاستثمارات الألمانية إلى مصر ومنطقتنا العربية؟

فيشير السفير المخلافي أن الطرفين موجودان والاجتماعات الدورية تضم الشركات من الجانبين وهناك أفكار تتدارس وفى تصوري طموحاتنا أكبر من مجرد إقامة مشاريع مشتركة هناك تحديات يتم تعميمها على كل المنطقة العربية وهذا يخلق إرباكا لدى المستثمرين وأصحاب الصناعة لأن الشركات العائلية في ألمانيا تخطط على المدى المتوسط والطويل من 10 و15 و20 سنة ومن هذا المنظور يمكن البدء في التعاون والمصلحة المشتركة بين الشركات من الجانبين وبالذات مع الشركات العائلية التي تعد أساس الاقتصاد الألماني.

هناك ما بين ال 1500 إلى 2000 شركة عائلية لديها تكنولوجيا متقدمة ومنتجاتها تتواجد في مختلف دول العالم علاوة على الشركات الكبيرة والمتخصصة في صناعة معينة كصناعة السيارات والمعدات الثقيلة أو الصناعات الفضائية.

القرار في الشركات العائلية واستثماراتها في الخارج يعتمد بجانب الأبعاد المختلفة للاستثمار يخضع لأبعاد عائلية أيضا وليس بالسهل انتقالها للعمل في أماكن إنتاج أخرى إلاً بهذه القناعات. قناعتي أن الاستثمار المباشر في هذه الشركات المتوسطة والعائلية والتواصل والتعاون المباشر مع مالكيها كفيل بالتسريع على نقل المعرفة والتكنولوجيا وبالذات على ضوء برامج التحديث والتنويع الاقتصادي في بعض مجتمعاتنا العربية.

يسترسل في حديثه بأن شراء السلع في عالم اليوم صار سهلاً وبالكمبيوتر من أي مكان كما هو الحال في الاستثمار في الشركات المساهمة من خلال البورصات العالمية لكن نقل المعرفة والتكنولوجيا ليس أمراً سهلاً ويتطلب عمل منتظم ومستدام وهو ما تعمل الغرفة على القيام به من خلال جمع رجال الأعمال والمستثمرين العرب والألمان.

من المهم جداً إيجاد المنصات المناسبة وتوسيع الفرص للقاءات المباشرة. بدأنا نلحظ اهتمام أكبر من الشركات العائلية العربية بهذا الاتجاه وأحيي دور مكتب التمثيل التجاري المصري في ألمانيا الدكتور عبد العزيز الشريف الوزير المفوض التجاري والذي يعمل بجهود حثيثة في هذا الاتجاه.

لكن هل ترتبط تلك الشركات بسياسة المانيا للاستثمار في أي منطقة ما؟

فيرد ” لا، العمل الاقتصادي ونشاط الشركات مرتبط بثقافة المنفعة المتبادلة والدولة هنا في ألمانيا لا تتدخل إلاّ في حدود ضمان الاستثمار أما قرار الاستثمار ذاته فهو خاضع لقرار الشركات. نقل التكنولوجيا والمعرفة مرتبط أساسا بالتعليم أولا والتعاون في إطار البحث العلمي ثانياً، والاستثمار في الشركات الصناعية ثالثاً. الصناعة في المانيا محورها الشركات العائلية والجامعات التقنية ومراكز الابحاث العلمية.

بعد أن وصل الطبق الرئيسي من الأسماك الصينية الشهيرة قلت للسفير عبد العزيز المخلافي أن مصر لديها منطقة لوجستية مهمة في مصر محور قناة السويس كيف نقنعهم لعمل منطقة صناعية في مصر؟

يجيب أن الثقافة في ألمانيا تعمل في إطار المنافسة، وليس من خلال تجمع للشركات تقوم بها الحكومة الألمانية. الشركات ذاتها هي من تبحث عن الفرص والمنافسة العالمية لاجتذاب الشركات الألمانية قوية.

قرار الاستثمار في أي منطقة في العالم هو في المقام الأول قرار القطاع الخاص وليس قرار الحكومة والأخيرة قد تعمل عل توفير ضمانات أو حوافز، لكن قرار الاستثمار يبقى في يد الشركات نفسها. الشركات في ألمانيا تفضل التعاون مع القطاع الخاص والعمل معه وليس مع القطاع العام الا في حدود ضيقة مثل الإشراك في مناقصة أو تنفيذ مشروعات.

لكن في تصورك هل العلاقات الاقتصادية العربية الألمانية ساهمت في تغيير وجهة نظر المانيا نحو القضايا العربية وما دور الغرفة نفسها؟

دعني أقول أولاً أن هناك فهم أكثر عمقاً للمنطقة العربية في ألمانيا عن السابق.. قبل عقدين أو ثلاثة كان من النادر جدا أن تجد متخصصين يعرفون شؤن المنطقة العربية..

لا أجزم أن هناك تطوراً كبيراً في تغير وجهة النظر الألمانية الرسمية تجاه القضايا العربية لكن ما أستطيع الحديث عنه بوضوح أن هناك فهم أكثر لوضع المنطقة العربية.

 التواصل الرسمي وجهد الكثير من مراكز الأبحاث والخبراء والتعاون العلمي والأكاديمي والتواصل الثقافي والسياحي والاقتصادي أسهم في توسيع هذا الفهم.

الغرفة لها دور وموجودة من نحو 50 سنة وتحولت خلال السنوات الأخيرة إلى مؤسسة تقدم الخدمات وجاذبة في عضويتها للكثير من الشركات العربية والألمانية ولديها أنشطة مختلفة في هذه الاتجاه من ملتقيات ومنتديات اقتصادية ومجموعات عمل كما أن لديها بنك معلومات ودارسات وأبحاث اقتصادية عربية وألمانية يغطى جوانب العلاقات الاقتصادية. فعاليات وأنشطة الغرفة تحظى باحترام وتقدير من الجانبين العربي والألماني، وشخصياً أعتز بدور الغرفة أنها تجمع ولا تفرق بين العرب وبين الالمان.

ومع الانتهاء من الطبق الرئيسي، والبدء في احتساء فنجانا من الشاي الأسود، بينما يحتسى السفير الشاي الأخضر، سألته لماذا تتركز مصانع ألمانيا على أوروبا الشرقية مثل بولندا أو الصين أين المنطقة العربية من ذلك؟
 

أجاب أن الاستثمارات الألمانية مع الأسف محدودة في المنطقة العربية، ولا تشكل سوى أقل من 1% من الاستثمارات الألمانية في العالم.

انتقلت الاستثمارات إلى الصين وشرق أسيا نظراً لحجم السوق الكبير والنمو الاقتصادي المرتفع علاوة على ارتفاع القوة الشرائية في هذه البلدان على سبيل المثال أضحت السوق الصينية تستهلك أكثر من ثلث صناعة السيارات الألمانية.

وفيما يتعلق بأوروبا الشرقية انتقلت الصناعة إلى هناك مع التحولات السياسية وانضمام معظم دول المجموعة إلى منظومة الاتحاد الأوروبي. السياسات الأوروبية بشكل عام نحو العالم العربي لم تكن أولويتها اقتصادية كما يرى البعض، بل ذات اهداف سياسة لا علاقة لها والجوانب الاقتصادية أو التنموية ذات الأبعاد الاستراتيجية لأن الأمر لو كان كذلك لتم تأسيس شبكة مؤسسات مالية وخدمية في هذا الاتجاه كما حصل مع دول أوروبا الشرقية.

السوق الألمانية والأوروبية سوق واسعة والقرب الجغرافي قد يساعد على التفكير على تعاون استراتيجي.

أوروبا وألمانيا لا يمكن لها تحقيق أهدافها في التحول إلى الطاقة النظيفة إلاّ من خلال التعاون مع الدول العربية والألمان يدركون ذلك. قد نرى تعاون استراتيجي في هذا الاتجاه علاوة على توسيع الصادرات من الأغذية والنسيج والنفط والغاز والصناعات البتروكيماوية.

 رابط المقابلة