يتوقع الخبراء في صندوق النقد الدولي (IMF) ان يحقق الاقتصاد الألماني نموًا بنسبة 0.5 في المئة فقط خلال عام 2024م. وبالتالي ستكون ألمانيا أضعف الدول الصناعية من حيث النمو خلال العام الحالي بينما من المتوقع أن ينمو الاقتصاد الأمريكي بنسبة 2.1 في المئة، وان تحقق الصين نموًا بواقع 4.6 في المئة، وفرنسا بنسبة 1 في المئة. وتؤشر هذه التوقعات الى استمرار الأوضاع الاقتصادية الضعيفة في ألمانيا، حيث شهد الناتج المحلي الإجمالي الألماني انكماشًا بنسبة 0.3 في المئة في الربع الرابع من عام 2023م، وكان هذا هو اسوء أداء لاقتصاد أوروبي في الربع الأخير من العام الماضي بعد أداء الاقتصاد الأيرلندي.
وحتى توقعات صندوق النقد الدولي بنمو محدود خلال عام 2024م، ليست ثابتة. ففي يناير، شهد مؤشر مناخ الاعمال في ألمانيا الصادر عن معهد ifo انخفاضًا ملحوظًا بشكل مفاجئ، وبالتالي يتوقع المعهد انكماشًا في الناتج المحلي الإجمالي في ألمانيا خلال الربع الأول من العام الجاري بواقع 0.2 في المئة، ومع انكماش الاقتصاد في الربع الأخير من العام الماضي والذي يعني حصول انكماش لربعين متتابعين يدخل اقتصاد ألمانيا فيما يسمى بالركود الفني. وكان معهد ifo قد خفض توقعات النمو للعام 2024م إلى 0.7 في المئة فقط.
بالإضافة إلى التضخم والتغييرات في أسعار الفائدة، لا تزال الحرب الروسية الأوكرانية تؤثر بشكل كبير على الاقتصاد الألماني، حيث يشير Ferdinand Fichtner، خبير الاقتصاد من جامعة التكنولوجيا والاقتصاد في برلين (HTW) الى ان ” الاعتماد السابق على امدادات الطاقة من روسيا هو السبب الرئيسي للتطور الاقتصادي الحالي غير الموات مقارنة بالمستوى الدولي.” وعلى الرغم من توقع صندوق النقد الدولي انخفاض أسعار النفط بنسبة 2.3 في المئة هذا العام، إلا أنه يبدو أنها ستظل مرتفعة بشكل دائم في ألمانيا مقارنة ببقية دول أوروبا، وهو ما يؤثر بشكل كبير على الشركات ذات الاستهلاك العالي للطاقة، فمنذ بدء الحرب انخفض إنتاج هذه الشركات بنسبة تقارب 14 في المئة، وهذا يضع ضغطًا كبيرًا على الاقتصاد خاصة أن شركات صناعة المنتجات الكيميائية وشركات صناعة الحديد والصلب في ألمانيا تمثل نسبة كبيرة من القيمة المضافة الصناعية. ولهذا فقد انخفض إنتاج الصناعة الألمانية بمختلف قطاعاتها بنسبة 3 في المئة منذ ربيع عام 2022م، بينما بالمقارنة ارتفع الإنتاج الصناعي في فرنسا بنسبة 0.6 في المئة.
كما تتسبب النزاعات في الشرق الأوسط والحرب في أوكرانيا الى جانب التوترات بين الصين والولايات المتحدة في التأثير السلبي على الاقتصاد العالمي ووفقًا لبيانات ” Global Trade Alert “، تم فرض حوالي 3000 قيد تجاري جديد في عام 2023م، مقارنة بحوالي 1100 قيد في عام 2019م. ويتأثر الاقتصاد الألماني بشكل خاص من تراجع الاقتصاد العالمي لأنه يعتمد بشكل كبير على التجارة الخارجية. ففي العام 2022م، بلغت قيمة واردات وصادرات السلع في الاقتصاد الألماني حوالي ثلاث تريليونات يورو، محتلا المركز الأول على مستوى أوروبا بينما تأتي هولندا في المرتبة الثانية بـ 1.7 تريليون يورو، وفرنسا، في المرتبة الثالثة بـ 1.3 تريليون فقط.
كذلك تتسبب حالة عدم اليقين الناتجة عن الخلافات داخل الحكومة الائتلافية في تراجع الاستهلاك الخاص حيث يتجه المواطنون الالمان الى الادخار بدلا من الانفاق خوفاً من أوقات أسوأ، وبلغ متوسط معدل الادخار في ألمانيا 21 في المئة في الربع الثالث من عام 2023م، فيما كان المتوسط في الاتحاد الأوروبي 13 في المئة فقط. كما تؤدي حاله عدم اليقين هذه بالإضافة الى الصعوبات العالمية الى احجام الشركات الألمانية عن زيادة الاستثمارات الرأسمالية ففي حين ظلت حصة استثمارات الشركات في الناتج الاقتصادي في ألمانيا ثابتة منذ عام 2020م، زادت بنسبة 2.3 نقطة مئوية في المجر وبنحو 1.3 نقطة مئوية في إيطاليا.
وفي مسودة التقرير الاقتصادي السنوي، الذي من المقرر تقديمه في نهاية شهر فبراير، قدرت وزارة الاقتصاد الاتحادية أن متوسط النمو السنوي المتوقع للأعوام 2024م حتى عام 2028م يتراوح بين 0.6 إلى 0.8 في المئة فقط، بينما كان هذا المتوسط بين عامي 1996م و2022م يبلغ 1.2 في المئة.