لم يرتبط اسم دولة في العالم باسم صناعة كما ارتبط اسم ألمانيا بصناعة السيارات، فإلى جانب ان اختراع السيارة كان اختراعاً ألمانيا في الأساس، اشتهرت السيارات المصنعة في ألمانيا بالجودة العالية والاعتمادية على مدى السنوات، كما كانت شركات صناعة السيارات الألمانية واحدة من أهم المساهمين في تطوير مختلف التقنيات الحديثة والابتكارات الجديدة في السيارات. داخل ألمانيا يعد قطاع صناعة السيارات اهم قطاع صناعي من ناحية الإيرادات كما مثلت السيارات وقطع غيارها أهم صادرات ألمانيا لسنوات طويلة.
هذه الريادة الألمانية في هذه الصناعة تشهد في الوقت الحاضر تحديات متنوعة، فمن ناحية تشهد صناعة السيارات منذ عدة سنوات وبشكل متزايد التحول من نموذج السيارات التي تعمل بمحركات الاحتراق الداخلي بوقود البنزين او الديزل الى السيارات التي تعمل بمحركات كهربائية. ويأتي هذا التحول ضمن إطار حماية المناخ والذي تتبناه بشكل أساسي الدول الأوروبية وعلى رأسها ألمانيا. الا ان تأخر شركات صناعة السيارات الألمانية في تطوير قدراتها في تقنيات التنقل الكهربائي وتمسكها بمحركات الاحتراق الداخلي الذي تمتلك فيه تقدما ملحوظا عن غيرها من المصنعين، الى جانب اعتمادها على استيراد واحدة من اهم أجزاء السيارات الكهربائية، وهي البطاريات، من الخارج، قد تسبب في ضعف قدرتها التنافسية مقارنة بالمصنعين الاخرين. ومن ناحية أخرى، أدى نمو الأسواق الخارجية للسيارات خصوصا في أسيا وبالتحديد في الصين، والتي أصبحت اليوم السوق الأكبر في العالم للسيارات، الى ظهور شركات صينية منافسة تستفيد من ظروف السوق المحلي والدعم الحكومي على حساب الشركات الألمانية.
هذه التحديات تسببت في انخفاض ربحية الشركات الألمانية وتراجع حصتها من سوق السيارات العالمي الى الدرجة التي دفعت شركة فولكسفاجن أكبر واهم شركات صناعة السيارات الألمانية الى التفكير في اغلاق عدد من مصانعها في ألمانيا وذلك للمرة الأولى في تاريخها، في مؤشر الى مدى جدية التحديات التي تواجهها وضرورة مراجعة هذه الشركات لاستراتيجيات أدائها ونماذج اعمالها من اجل الحفاظ على ريادتها العالمية.
الأهمية الاقتصادية لصناعة السيارات في ألمانيا
صناعة السيارات هي أكبر قطاع في مجال التصنيع في ألمانيا من حيث الإيرادات، وهي أيضًا القطاع الصناعي الأهم بفارق كبير. وقد حققت الشركات في هذا القطاع إيرادات قدرها 564 مليار يورو في عام 2023م، ووفرت وظائف مباشرة لحوالي 780,000 شخص.
يساهم مصنعو السيارات والمحركات بأكثر من ثلاثة أرباع (458 مليار يورو) من إجمالي إيرادات صناعة السيارات. وحققت شركات توريد قطع الغيار نحو 16.3 في المئة (92.1 مليار يورو)، فيما حقق مصنعو الهياكل والمقطورات حوالي 2.6 في المئة (14.5 مليار يورو). وتمكنت شركات صناعة السيارات الألمانية من تحقيق ثلثي إيراداتها (393 مليار يورو) من الأسواق الخارجية، خاصة من دول خارج الاتحاد الأوروبي. حيث يعتمد موقع ألمانيا في صناعة السيارات على الأسواق المفتوحة والتصدير. في عام 2023م، تم إنتاج 4.1 مليون سيارة ركاب جديدة في ألمانيا، في حين تم إنتاج حوالي 10 ملايين سيارة تابعة للعلامات التجارية الألمانية في الخارج. كما تم في نفس العام تصدير حوالي 76 في المئة من السيارات المنتجة في ألمانيا إلى بلدان أخرى.
كما يُعد الابتكار محوراً رئيسياً لنجاح صناعة السيارات الألمانية عالمياً. ووفقاً لاتحاد صناعة السيارات الألمانية (VDA)، ستستثمر الشركات الألمانية أكثر من 280 مليار يورو في البحث والتطوير خلال الفترة من 2024م إلى 2028م. وتتيح شبكات التعاون الوثيقة بين شركات السيارات والمعاهد البحثية والجامعات تطوير ابتكارات فريدة متعددة التخصصات. وقد ساعد ذلك في الحفاظ على مستوى عالٍ من الباحثين والمطورين في صناعة السيارات بألمانيا، ذات الأجور المرتفعة، لأكثر من عشرين عاماً. ففي عام 2021م، كان هناك 147,551 موظفاً في مجال البحث والتطوير في قطاع صناعة السيارات، ما يمثل 27 في المئة من إجمالي العاملين في هذا المجال في جميع قطاعات الاقتصاد الألماني.
التحديات التي تواجه صناعة السيارات في ألمانيا
تواجه شركات صناعة السيارات الألمانية مخاطر تراجع حصتها في اهم أسواق السيارات في العالم في أوروبا، الولايات المتحدة والصين. وكما تظهر بيانات شركتي التحليل « Marklines» و» Dataforce « للسيارات، قامت الشركات الألمانية VW، أودي، بورشه، BMW ومرسيدس بتسليم 7.2 مليون سيارة في أهم أسواقها خلال الارباع الثلاثة الاولى من العام 2024م. وهو ما يمثل انخفاضا في مبيعات هذا القطاع بنسبة 2.1 في المئة مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي، على الرغم من أن تجارة السيارات في هذه المناطق قد شهدت زيادة في المبيعات. وتراجعت حصة المصنعين الألمان في سوق السيارات العالمي إلى 20.4 في المئة، بعد أن كانت حوالي 22 في المئة في عام 2019م، قبل جائحة كورونا. وقد استفاد منافسون مثل BYD من الصين، هيونداي وكيا من كوريا الجنوبية، وتيسلا من الولايات المتحدة من هذا التراجع، إذ تمكنت هذه الشركات جميعًا من زيادة حصتها السوقية منذ عام 2019م.
وفي هذا الإطار تبدو الاستراتيجية التقليدية لشركات صناعة السيارات الألمانية، التي كانت تعتمد على إنتاج عدد أقل من السيارات للحفاظ على الطلب العالي من العملاء ورفع أسعار السيارات الجديدة، أقل فعالية. حيث ان العديد من المستهلكين لم يعودوا مستعدين لدفع أسعار مرتفعة بعد سنوات من التضخم العالي. حتى الأثرياء في الصين يميلون الى الاحتفاظ بأموالهم بدلاً من استعراض نجاحاتهم بسيارة فاخرة من الغرب.
وتقول Vittoria Ferraris، محللة ائتمانية في وكالة التصنيف S&P Global، «سيكون من الصعب على معظم مصنّعي السيارات العالميين زيادة هامش أرباحهم في السنوات القادمة، حيث سيواجهون ضغوطًا متزايدة لخفض الأسعار بسبب المنافسة القوية». وهناك بالفعل معركة خفض أسعار جارية، خاصة بالنسبة للسيارات الكهربائية بالكامل.
وقال Oliver Blume، الرئيس التنفيذي لشركة فولكسفاجن، مشيرًا إلى الوضع في أوروبا: «لقد تقلصت حصة ألمانيا من كعكة السوق وأصبح لدينا المزيد من الضيوف على الطاولة». ووصف Ola Källenius، رئيس مرسيدس، الوضع بـ»حرب أسعار». وأصبحت «أزمة السيارات» موضوعًا يناقشه الجميع في ألمانيا، بما في ذلك المستشار الألماني Olaf Scholz.
وأشار Frank Schwope، المحاضر في اقتصاد السيارات بجامعة العلوم التطبيقية في هانوفر (FHM)، إلى أن هذه الأزمة قد وصلت إلى أبعاد تهدد الوجود لبعض مصنعي السيارات. لكنه أكد أن كل شركة من شركات السيارات الألمانية الثلاث الكبرى من المتوقع أن تحقق هذا العام أرباحًا تشغيلية تزيد على 14 مليار يورو. ورغم ذلك، حذر Schwope من خطر كبير، إذ تواجه شركات صناعة السيارات الألمانية وخصوصا الشركات الكبرى فولكسفاجن، بي إم دبليو، ومرسيدس احتمال الانزلاق نحو دوامة تراجعية إذا لم تتمكن من السيطرة على أربع مشكلات كبيرة:
1. الكثير من السيارات بمحركات الاحتراق
لا تزال النسبة الأكبر من السيارات التي تنتجها الشركات الألمانية تعمل بمحركات الاحتراق الداخلي. ففي أوروبا، وحتى نهاية أغسطس 2024م، كانت 87 في المئة من السيارات التي انتجتها شركة فولكسفاجن، أكبر شركة لصناعة السيارات في ألمانيا وأوروبا، تعمل بمحركات الاحتراق الداخلي بوقود البنزين او الديزل. بينما كانت نسبة السيارات العاملة بمحرك الاحتراق الداخلي والمنتجة في السوق الأوروبية في نفس الفترة نحو 80 في المئة. في حين بلغت نسبة السيارات الكهربائية المباعة في أوروبا نحو 13 في المئة من اجمالي مبيعات السيارات، كما ان السيارات الكهربائية مثلت 10.6 في المئة فقط من اجمالي انتاج فولكسفاجن من السيارات.
في الصين، الوضع أكثر حدة، حيث شكلت سيارات محركات الاحتراق نسبة تزيد على 90 في المئة من مبيعات فولكسفاجن، بينما انخفضت حصة مبيعات السيارات ذات محركات الاحتراق في السوق الصيني إلى 57 في المئة. أما نسبة السيارات الكهربائية المسجلة حديثًا في الصين، فهي تبلغ حوالي 25 في المئة، في حين شكلت السيارات الكهربائية أقل من 9 في المئة من مبيعات فولكسفاجن. بالإضافة إلى ذلك، لا تزال نسب مبيعات شركات BMW، مرسيدس، وأودي في الصين من السيارات ذات محركات الاحتراق والسيارات الكهربائية بعيده عن متوسط مبيعات هذه السيارات في السوق. ونتيجة لذلك، تواجه جميع الشركات الألمانية هذا العام انخفاضًا كبيرًا في مبيعاتها في الصين، على الرغم من نمو سوق السيارات الصيني بأكثر من 3 في المئة مقارنة بالعام الماضي.
حتى في الولايات المتحدة، التي تعد أقل تحولًا نحو السيارات الكهربائية مقارنة بأوروبا والصين، تشهد فولكسفاجن فائضًا في انتاج السيارات العاملة بمحركات الاحتراق. ففي الربع الثالث من العام 2024م، كانت 94 في المئة من سيارات فولكسفاجن المسجلة في الولايات المتحدة تعمل بالبنزين، بينما كانت نسبة اجمالي السيارات ذات محركات الاحتراق في السوق الأمريكية حوالي 90 في المئة. تشير هذه التحولات إلى أن مصنّعي السيارات الذين يستمرون في انتاج نسب عالية من السيارات ذات محركات الاحتراق يفقدون حصصهم في السوق، بينما تشهد العلامات التجارية ذات النسب الأعلى من انتاج السيارات الكهربائية والهجينة المزيد من المكاسب السوقية.
ويرى Horst Schneider، المحلل في بنك أوف أمريكا، أن خطر تجاوز الشركات الألمانية قائم. قائلًا إن «المشكلة التي تواجه المصنّعين الألمان هي أنهم لم يشاركوا في ازدهار الإنتاج في الصين، حيث تتقاسم السوق المتنامية بشكل رئيسي العلامات التجارية المحلية وشركة تيسلا».
2. معايير أكثر صرامة لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون
في هذا العام، تراجع الإقبال على السيارات الكهربائية في أوروبا، ويرجع ذلك بشكل أساسي إلى انخفاض المبيعات في ألمانيا. ومع ذلك، من المتوقع أن يتغير هذا الوضع ابتداءً من العام القادم، حيث ستدخل معايير أكثر صرامة لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون حيز التنفيذ في الاتحاد الأوروبي. اعتبارًا من عام 2025م، لن يُسمح للسيارات التي تُسجَّل في أوروبا حديثًا بإصدار أكثر من 94 غرامًا من ثاني أكسيد الكربون لكل كيلومتر، مقارنةً بالحد الحالي البالغ حوالي 115 غرامًا.
حاليًا، وبالاعتماد على مزيج السيارات المتوفرة من محركات الاحتراق والسيارات الكهربائية والهجينة، فإن شركة BMW فقط من بين الشركات الألمانية هي التي تلتزم بالحدود الجديدة. بينما تواجه فولكسفاجن احتمال دفع غرامات بالمليارات، كما يجب على مرسيدس أن تعزز مبيعاتها من السيارات الكهربائية بشكل عاجل.
ورغم ذلك، يمكن أن تستفيد كل من أودي ومرسيدس من إطلاق سيارات كهربائية جديدة في العام المقبل، تعتمد على منصات تكنولوجية أكثر تنافسية. أما فولكسفاجن، فعليها الاعتماد على الطرازات الكهربائية الحالية لزيادة المبيعات حتى يتم إطلاق طراز ID.2، وهو سيارة كهربائية صغيرة بسعر معقول، متوقع في عام 2026م. ويتوقع الرئيس التنفيذي للشركة، Oliver Blume، عامًا صعبًا بسبب هذه المعايير الصارمة، واصفًا عام 2025م، بأنه «عقبة كبيرة». كما انه من المتوقع أن يزداد الضغط على أسعار السيارات الكهربائية لفولكسفاجن في العام المقبل، نظرًا لأن الطرازات الحالية تجد صعوبة في جذب المشترين في أوروبا بدون الحوافز المالية. ويُتوقع حدوث «معركة تخفيضات هائلة» في هذا القطاع، مما سيؤدي إلى تآكل هوامش الربح لدى الشركات المصنعة.
3. تطورات السوق الصينية
على مدى سنوات، كانت أرباح شركات السيارات الألمانية قوية بفضل النمو المستمر في الصين. في أوجها، كانت فولكسفاغن، وBMW، ومرسيدس تحقق ما يُقدر بأكثر من نصف أرباحها من الصين، بفضل مبيعات سيارات الرفاهية الفاخرة والموديلات المنتجة محليًا. إلا أن هذه الفترة المزدهرة قد ولَّت. إذ يتوقع فريق بقيادة Patrick Hummel، المحلل في البنك الاستثماري السويسري UBS، أن تساهم الصين هذا العام بنحو 30 إلى 45 في المئة من الأرباح قبل الضرائب للشركات الألمانية. ورغم أن هذه النسبة لا تزال مرتفعة للغاية، إلا أن السوق الصينية لم تعد تقدم نفس الضمانات السابقة للربحية. فقد تواجه فولكسفاجن وحدها انخفاضًا في أرباحها في الصين من 2.6 مليار يورو إلى 1.3 مليار يورو في وحدات الإنتاج المشتركة مع شركات سايك وفاو الصينية. وللمقارنة، كانت فولكسفاجن تحقق حوالي 4.6 مليار يورو سنويًا من هذه الشراكات في عام 2018م.
العائدات المرتفعة من الصين قد غطت لفترة طويلة على العديد من المشاكل الهيكلية في فولكسفاجن في أوروبا والولايات المتحدة. لكن الآن، يحذر Hummel، من أن مصنعي السيارات الغربيين قد يصبحون «أقل فائدة» في الشرق الأقصى. حتى أقوى الشركات قد تواجه تهديدًا من الشركات المحلية الناجحة مثل BYD وGeely بسياراتها الكهربائية، حيث تظهر الأرقام أن مبيعات مجموعة فولكسفاجن في الصين تراجعت بأكثر من 10 في المئة خلال الأشهر التسعة الماضية من العام 2024م. والأسوأ من ذلك، حتى في قطاع السيارات الفاخرة، الذي كان الأكثر نجاحًا للشركات الألمانية، أصبحت تلك الشركات عرضة للتحديات. فخلال الربع الثالث من العام 2024م، تراجعت مبيعات مرسيدس في الصين بنسبة 13 في المئة، بورشه بنسبة 19 في المئة وBMW بنسبة 30 في المئة.
أما مرسيدس فقد شهدت انخفاضًا كبيرًا في مبيعات سيارتها GLS الفاخرة، حيث بيعت منها 970 وحدة فقط من طراز Maybach مقارنة بـ 2310 وحدة في العام السابق. كما انخفضت مبيعات سيارتها الكهربائية الفاخرة EQS إلى 45 سيارة فقط شهريًا، فيما تراجعت مبيعات طراز S-Class بمحركات الاحتراق الداخلي بنسبة 19 في المئة. وفي الوقت نفسه، تراجعت مبيعات سيارة Taycan الرياضية الكهربائية من بورشه بشكل كبير، وعانت أودي من تراجع في طلبات شراء طراز A8 الفاخر، بينما تقلصت مبيعات سيارة X7 الرياضية الكبيرة من BMW.
أما بالنسبة لشركة Li Auto، التي تعد واحدة من الشركات الرائدة في صناعة السيارات الكهربائية في الصين، فقد تجاوزت بالفعل الشركات الألمانية في مبيعات سيارات SUV. حتى أن علامة Aito التابعة لشركة هواوي التقنية تسعى الآن للاستحواذ على حصة من السوق على حساب الشركات الألمانية.
4. طاقة الإنتاج الزائدة وتكاليف العمل المرتفعة
مع تراجع مبيعات الشركات الألمانية، أصبحت مسألة استغلال الطاقة الإنتاجية للمصانع، وخاصة في ألمانيا، محور التركيز. حيث ان المصانع المحلية ذات سعة إنتاجية كبيرة، وأحيانًا زائدة عن الحاجة. وعادةً ما تسعى الشركات إلى استغلال 80 في المئة من طاقة مصانعها لتغطية تكاليف المعدات والمواد والعمالة بشكل جيد.
ففي Wolfsburg، انتجت فولكسفاجن حوالي 490,000 سيارة فقط في العام الماضي، وهو ما يمثل 61 في المئة فقط من طاقة المصنع الأساسية. في مصنعها في Dresden، استخدمت الشركة 30 في المئة فقط من قدرتها الإنتاجية. ولم يكن الوضع أفضل بكثير بالنسبة لمرسيدس، حيث أنتج مصنعها في Sindelfingen نحو 222,000 سيارة فقط في حين تبلغ الطاقة الإنتاجية الممكنة للمصنع 500,000 سيارة، مما يعني أن الطاقة المستغلة بلغت 44 في المئة فقط. في المتوسط، تشهد مصانع السيارات في ألمانيا فائضًا في الطاقة الإنتاجية يصل إلى نحو الثلث. ويشير الخبير Stefan Randak، إلى أن هذه الفوائض كانت «تتجاهل لفترة طويلة، لتجنب إثارة استياء النقابات العمالية المحلية». ويرى Randak، أن إدارة شركات فولكسفاغن، وBMW، ومرسيدس أهدرت «السنوات الذهبية» بدلًا من استغلالها لتطوير الشركات. ويوضح أن صناعة السيارات ارتكبت أخطاء كبيرة خلال العقد الماضي، بما في ذلك أخطاء إدارية.
حاليًا، تبلغ تكلفة ساعة العمل في صناعة السيارات الألمانية حوالي 62 يورو، وهو الأعلى في أوروبا. في المقابل، تبلغ تكلفة ساعة العمل في فرنسا 47 يورو، في إيطاليا 33 يورو، في إسبانيا 29 يورو، وفي المجر 16 يورو فقط. كما أن تكاليف الطاقة والنفقات المرتبطة بغياب العمالة تشكل عبئًا إضافيًا.
وفي المنظور العام إذا لم تسارع شركات صناعة السيارات الألمانية لمعالجة هذه التحديات الأساسية ووضع خطط استراتيجية لتطوير تقنيات السيارات الكهربائية وتوطين انتاج اهم مكوناتها مثل البطاريات، في المانيا، فان الخط التراجعي الذي شهدته مبيعات هذه الشركات في الأسواق الدولية سوف يستمر وستتراجع قدرتها التنافسية امام شركات أجنبية قادمة بقوة الى سوق السيارات العالمي سواء بفضل استثماراتها العالية في التقنيات الحديثة او بفضل السياسات الحمائية والدعم المقدم لها من حكوماتها.