تُصنف صناعة الحديد والصلب في ألمانيا من ضمن الصناعات الثقيلة والتي تتقاطع ويتشابك عملها بكثافة مع غيرها من القطاعات الصناعية الأخرى، وكما يمثل قطاع صناعة الحديد والصلب أهمية خاصة للاقتصاد الألماني على المستوى الداخلي فانة أيضا وعلى المستوى القاري والدولي يعد من الأكبر والاهم إذ تعد ألمانيا أكبر دولة في الاتحاد الأوروبي في انتاج الحديد والصلب حيث تنتج ربع الانتاج الإجمالي لدول الاتحاد من الحديد والصلب فيما تعد ثامن أكبر دولة منتجة له على مستوى العالم. اذ بلغت كمية ما أنتجه قطاع صناعة الحديد والصلب الألماني، بأرقام العام 2020م، ما يقرب من 36 مليون طن وهو ما يمثل نسبة 25 في المئة من الإنتاج الإجمالي لدول الاتحاد الأوروبي من الحديد والصلب.

أهمية صناعة الحديد والصلب في ألمانيا

الأهمية الخاصة التي تمثلها صناعة الصلب والحديد الألمانية في الاقتصاد الألماني لا تتأتى من حجم الإيرادات التي يجنيها القطاع والتي بلغت ما يقرب من 40 مليار يورو بحسب ارقام العام 2021م كذلك ليس فقط في عدد فرص العمل التي يوفرها هذا القطاع بشكل مباشر والتي تبلغ 87 ألف وظيفة، لكن أهميته تكمن في مدى مساهمته وحيويته بالنسبة للقطاعات الصناعية والخدمية الأخرى. وبالنظر الى القطاعات الاكثر استهلاكا وطلبا على المنتجات المختلفة لصناعة الصلب والحديد سنجد التوزيع التالي: يذهب نحو 35 في المئة من انتاج الحديد والصلب الألماني الى قطاع البناء فيما تذهب نسبة 26 في المئة من هذا الإنتاج الى قطاع صناعة السيارات، قطاع انتاج السلع والبضائع المعدنية يستهلك ما يقرب من 12 في المئة من الإنتاج الألماني من الحديد والصلب، اما قطاع صناعة الآلات والمعدات فيحصل على 11 في المئة من انتاج الحديد والصلب، كما تحصل صناعة الانابيب على 10 في المئة من مجمل الإنتاج، بينما يقتصر استهلاك قطاع صناعة الأجهزة المنزلية على نسبة 2 في المئة فقط من الإنتاج الإجمالي لصناعة الحديد والصلب.

ويبلغ عدد المشتغلين في هذه القطاعات التي تعتمد على الاستخدام المكثف للحديد والصلب والتي تصنف كذلك باعتبارها صناعات معدنية نحو 4 مليون موظف وعامل وهو ما يعني ان كل اثنين من ثلاثة عمال في القطاع الصناعي الألماني يعملان في القطاعات الصناعية المرتبطة بقطاع صناعة الحديد والصلب. هذا من جهة، في الجهة الأخرى يمثل هذا القطاع أهمية للعديد من القطاعات الصناعية الأخرى التي تقوم بتزويده باحتياجاته المتعلقة بالإنتاج وذلك بدلالة ان كمية الخامات والاجزاء المصنعة المختلفة والمتنوعة والتي يتم نقلها من والى قطاع صناعة الحديد والصلب الألماني تبلغ ما يقرب من 145 مليون طن سنويا.

تنافسية صناعة الحديد والصلب الألمانية

تتركز محددات القدرة التنافسية لصناعة الحديد والصلب في ألمانيا في محددين رئيسيين، يتعلق المحدد الأول بمدى ضمان وسهولة امداد هذه الصناعة بما يلزمها من الخامات الأولية الأساسية لاستمرار ها في العمل والإنتاج، والضمانة لاستمرار هذه الإمدادات تعني مدى قدرة واستقلالية صناعة الصلب في الحصول على حاجاتها من المواد الخام بالكمية التي تحتاجها وفي الوقت الذي تحدده وبالسعر الأكثر مناسبة، وفي هذا الجانب احتاجت ألمانيا في العام 2020م، ومن اجل انتاج 35.7 مليون طن من الحديد والصلب الى ما يقرب من 91 مليون طن من المواد الخام والتي تضمنت نحو 43 مليون طن من خام الحديد و 19 مليون طن من الحديد الخردة بالإضافة الى 15 مليون طن من أنواع مختلفة من الفحم الداخل في صناعة الحديد والصلب. وتعتمد صناعة الحديد والصلب الألمانية على الاستيراد لتلبية الجزء الأكبر من احتياجاتها من المواد الخام وكذلك على إعادة تدوير الحديد الخردة محليا وبالنظر الى سيطرت كبرى الدول المنتجة للحديد الخام على الأسواق العالمية فان ذلك يعني التأثير سلبا على القدرة التنافسية لصناعة الصلب الألمانية دوليا. هذا من جانب من جانب اخر وفيما يتعلق بالمحدد الثاني للقدرة التنافسية لهذا القطاع فيتمثل في تميز صناعة الصلب الألمانية باستخدامها لأحدث التقنيات في عملية الإنتاج وتطوير الياته ووسائله المستمر والذي يظهر جليا في عدد من الجوانب منها نجاح صناعة الصلب في ألمانيا في خفض كمية المواد الخام اللازمة لعملية انتاج الحديد والصلب حيث استطاعت في تخفيض هذه الكمية خلال عشرين عاما بمقدار 10 ملايين طن سنويا إضافة الى ذلك تظهر كفاءة عملية تدوير الحديد الخردة في ألمانيا من خلال النجاح في ان تبلغ مساهمة إعادة تدوير الحديد في انتاج الصلب بمقدار النصف تقريبا (20 مليون طن) وهي الكمية التي تعادل إعادة تدوير 8 أبراج ايفل يوميا. كما استطاع القطاع تعزيز قدرته التنافسية أيضا عبر تطوير اليات وتقنيات الإنتاج والتي أدت الى تقليل الاعتماد على العنصر البشري في هذه الصناعة وبالتالي خفض تكلفة العمالة حيث انخفض عدد العاملين بشكل مباشر في قطاع صناعة الحديد والصلب من حدود 288 ألف موظف وعامل في العام 1980م الى 87 ألف موظف وعامل فقط في العام 2021م، وهو ما يعني انخفاضا بنسبة 71 في المئة من اجمالي القوة العاملة. ومن كل ذلك يمكن القول انه وبالرغم من حدة التنافس في الأسواق الدولية وسيطرت كبار منتجي خام الحديد على الأسواق والذي يؤدي الى الضغط على أسعار الصلب العالمية وتراجعها المستمر فان صناعة الحديد والصلب الألمانية ما تزال تتمتع بقدرة تنافسية تمكنها من الاستمرار كأحد اهم منتجي ومصنعي الحديد والصلب في العالم.

ترتيب ألمانيا في سوق الصلب والحديد الأوروبي والعالمي

أوروبيا تعد ألمانيا أكبر منتج للحديد والصلب ضمن دول الاتحاد الأوربي، حيث بلغ انتاجها في العام 2020م نحو 35.7 مليون طن وهو ما يمثل نسبة 25.6 في المئة من اجمالي انتاج دول الاتحاد من الحديد والصلب والبالغ 139.3 مليون طن في العام 2020م. تليها إيطاليا بأكثر من 20 مليون طن ونسبة 14.7 في المئة، كما تأتي فرنسا في المرتبة الثالثة في قائمة أكبر منتجي الحديد والصلب بإنتاج سنوي يقترب من 11.6 مليون طن وبنسبة 7.9 في المئة من الإنتاج الأوروبي، وبنسبة مشابهه وبحجم انتاج بلغ 11 مليون طن جاءت اسبانيا في المركز الرابع في انتاج الحديد والصلب. اما بولندا فجاءت في المركز الخامس وبكمية انتاج بلغت 7.6 مليون طن وبنسبة 5.6 في المئة.

عالميا جاءت الصين في المركز الأول كأكبر منتج للحديد والصلب في العالم بحجم انتاج بلغ 1068 مليون طن من ضمن اجمالي الإنتاج العالمي الذي وصل في العام 2020م، الى 1877.5 مليون طن، أي ان الصين مسؤوله عن انتاج ما يتجاوز 57 في المئة من انتاج الحديد والصلب العالمي وبفارق شاسع عن أقرب منافسيها الهند والتي بلغ انتاجها في العام 2020م، نحو 100.2 مليون طن، في المركز الثالث أتت اليابان بإنتاج يقترب من 83.2 مليون طن، تليها الولايات المتحدة الامريكية بكمية انتاج بلغت 72.7 مليون طن، رابعا جاءت روسيا بإنتاج بلغ في العام 2020م 71.6 مليون طن، وحلت كرويا الجنوبية في المركز الخامس بإنتاج بلغ 67.1 مليون طن، فيما حلت تركيا في المركز السابع بإنتاج بلغ 35.8 مليون طن، ومن ثم جاءت، وبفارق ضئيل ألمانيا في المركز الثامن في ترتيب منتجي الحديد والصلب في العالم في العام 2020م بإنتاج بلغ 35.7 مليون طن.

التحديات التي تواجه صناعة الحديد والصلب

على الرغم من القدرة التنافسية العالية لقطاع صناعة الحديد والصلب في ألمانيا والاهمية التي يمثلها لباقي الصناعات المعدنية الأخرى الا ان القطاع يواجه تحديات رئيسية ثلاثة، منها ما هو متعلق بالعدالة التنافسية وسياسة الدول الأخرى المنتجة للحديد والصلب في دعم وتقوية صناعتها المحلية، بينما تتمثل التحديات الأخرى في السياسة البيئية للاتحاد الأوروبي والتي يتم تنفيذها بدون مراعاة خصوصية القطاعات الصناعية وقدرتها على النمو او حتى الاستمرار في الإنتاج.

التحدي الأول، انخفاض الاسعار: بسبب واردات الحديد والصلب الرخيصة من الصين والتي يتم اغراق أسواق الاتحاد الأوروبي بها ضمن إطار حرية التجارة العالمية وحرية الأسواق، الا ان شركات انتاج الحديد والصلب الألمانية والأوروبية تشتكي من ان الشركات الصينية لا تتنافس بعدالة حيث تتلقي الشركات الصينية دعما مباشراً من الحكومة الى جانب السياسات الحمائية من نموذج تخفيض ضريبة الْقِيمَةِ الْمُضَافَةِ على الصادرات بالإضافة الى منع الاستثمارات الاجنبية المباشرة في هذا القطاع.

هذه الإجراءات والسياسات الحمائية ليست هي العامل الوحيد في عدم عدالة التنافس في أسواق الحديد والصلب العالمية بل تساهم عوامل أخرى مهمة في الضغط على أسعار الحديد والصلب نزولا وبما يهدد ربحية هذا القطاع الصناعي خصوصا في الدول التي ترتفع فيها كلفة الإنتاج نتيجة اعتمادها على استيراد خامات الحديد وكذلك لارتفاع تكلفة العمالة مقارنة بدول اخري ولعل اهم هذه العوامل هي اغراق الأسواق بمنتجات الحديد والصلب الأقل سعرا وكذلك السيطرة على جزء كبير من المصادر الطبيعية ومناجم الحديد والتحكم بإمداداته الى الاسوق العالمية وتعد الصين مسؤولة عن الجزء الأكبر من هذه العوامل فالصين تعد المنتج الأكبر للحديد والصلب في العالم بنصيب من حجم السوق يتجاوز 56 في المئة بالإضافة الى انها تمتلك تقريبا نصف حجم احتياطيات العالم المسجلة من خامات الحديد.

التحدي الثاني، تكلفة الانبعاثات: يهدف الاتحاد الأوروبي من منح الشركات الصناعية شهادات ثاني أكسيد الكربون عن كل كمية إضافية يتم انتاجها من الغازات العادمة إلى خلق حوافز للشركات لجعل الإنتاج أكثر صداقة للبيئة. وفي الوقت الحالي تنتج صناعة الحديد والصلب الألمانية الآن بشكل أكثر كفاءة وصديقة للمناخ من أي صناعة أخرى. ومع ذلك، يريد الاتحاد الأوروبي رفع قيمة هذه الشهادات مما سيؤدي الى إثقال كاهل الصناعة بالمليارات وهو ما يهدد بالتأثير على قدرة هذه الشركات على ضخ مزيد من الاستثمارات وتطوير الصناعة ورفع قدرتها التنافسية، خصوصا ان منتجي الصلب خارج الاتحاد الأوروبي وبدرجة رئيسية في اسيا، حيث التلوث البيئي أعلى بكثير، لا يواجهون هذه التكاليف الإضافية.

التحدي الثالث، معالجة التلوث الذاتي: يترافق مع عملية انتاج الحديد والصلب انتاج ما يسمى بالغازات العادمة والتي تقوم شركات الصلب بإعادة استخدامها لتشغيل محطات الطاقة وبالتالي إنتاج ما يقرب من نصف احتياجاتها من الكهرباء بنفسها. الا ان الحكومة الألمانية تخضع هذه الطاقة المنتجة لضريبة الطاقة المتجددة (EEG) وهو ما يضع تكاليف إضافية على شركات الصلب على الرغم من انها وعبر استخدامها لهذه الغازات العادمة في توليد الكهرباء تراعي حماية البيئة والمناخ.

تطورات سوق الحديد والصلب العام 2021م

تميز عام 2021م بانتعاش كبير في الطلب على منتجات الحديد والصلب مع استمرار العقبات التي تعترض النمو الاقتصادي بسبب آثار جائحة كورونا، حيث أدت الاختناقات في توريد المواد الخام وأشباه الموصلات وكذلك التأخير في قطاع الخدمات اللوجستية إلى عدم استخدام كامل طاقة الانتاج، بحيث تجاوزت الطلبات الواردة غالبًا الإنتاج، مما أدى غالبًا إلى فترات تسليم أطول.

أدت الزيادة المتجددة في الطلب على الطاقة إلى انتعاش سوق النفط والغاز، مما ساهم بالتالي في ارتفاع الطلب من صناعة الطاقة لأنابيب حقول النفط وهو ما ادي الى زيادة في إنتاج الأنابيب الفولاذية، وان كان هذه الزيادة محدودة بنحو 3 في المئة بالمقارنة مع حجم الإنتاج في العام 2020م والذي شهد تراجعا كبيرا في الطلب، وقد بلغ حجم انتاج ألمانيا من الانابيب الفولاذية المخصصة لصناعة الطاقة في العام 2021م، حوالي 1.8 مليون طن فيما ارتفع انتاج الاتحاد الأوروبي من 10.2 إلى 11 مليون طن، اما الإنتاج العالمي فقد بلغ في العام 2021م مستوى 151 مليون طن وبزيادة بنسبة 2 في المئة مقارنة بالعام السابق. اما بالنسبة للطلب على المنتجات الفولاذية الأخرى من القطاعات الرئيسية الأخرى المستهلكة بكثافة لمنتجات الحديد والصلب مثل قطاع صناعة المعدات والآلات وصناعة السيارات والصناعات الكيماوية وصناعة البناء فقد تباطأ جزئيًا بسبب اختناقات العرض وتأخر تسليم المنتجات الأولية والوسيطة.

بعد بداية جيدة للطلب على منتجات صناعة الحديد والصلب الألمانية في بداية العام 2022م، شهد النمو الاقتصادي تباطؤً بسبب ارتفاع أسعار المواد الخام، والتي ارتفع بعضها بشكل كبير، الى جانب الاختناقات المستمرة في الخدمات اللوجستية والقيود الأقوى المتعلقة بفيروس كورونا في الصين. كما أن الاضطرابات في تدفق السلع الناتجة عن الغزو الروسي لأوكرانيا وارتفاع أسعار الطاقة بشكل كبير رفع من كلفة الإنتاج مما سيؤدي كل ذلك الى ارتفاع أسعار منتجات الحديد والصلب وتأخير تسليم الطلبات.