يمثل قطاع الصناعات الالكترونية واحدا من اهم وأكبر القطاعات الصناعية الألمانية ليس فقط من ناحية حجم الإيرادات التي يحققها هذا القطاع وليس بالنظر الى عدد الوظائف وفرص العمل التي يوفرها فحسب ولكن أيضا كون هذا القطاع يمثل أحد علامات الجودة للصناعات الألمانية والتي تمكنت ألمانيا من خلالها من الحصول على سمعة دولية مميزة. بالإضافة الى ذلك يتم تصنيف قطاع الصناعات الالكترونية على انه قطاع الابتكار في ألمانيا، اذ ان التكنولوجيا التي ابتدعتها او استخدمتها الشركات العاملة في هذا القطاع أسهمت في تغيير وتشكيل حياة الناس ليس في ألمانيا وحسب بل والعالم اجمع كما كان ذلك في الماضي او كما سيكون عليه الامر أيضا في المستقبل. حيث تقود الشركات العاملة في صناعة الإلكترونيات عملية التحول الرقمي في ألمانيا سواء من خلال البدء في تطبيق هذا التحول في اعمالها او من خلال توفير التقنيات والآليات اللازمة لتحقيق هذا التحول لبقية القطاعات الاقتصادية الأخرى.
بنية قطاع الصناعات الالكترونية
تعد الصناعة الإلكترونية الألمانية ثاني أكبر قطاع صناعي مشغل للعمال والموظفين، بعد قطاع صناعة الآلات والمعدات، حيث يشغل هذا القطاع أكثر من 902 ألف عامل وموظف بشكل مباشر داخل ألمانيا بالإضافة الى نحو 811 ألف موظف وعامل خارج ألمانيا، كما يعد أحد أكبر قطاعات التصدير في ألمانيا بعد قطاع صناعة السيارات وقطاع صناعة الآلات والمعدات. وترتبط أهمية هذا القطاع أيضا بمستوى التكنولوجيا والتقنيات المستخدمة في عمليات الإنتاج والتصنيع حيث تستخدم الشركات العاملة في مختلف صنوف وأنواع الصناعات الالكترونية تقنيات حديثة ومتقدمة. ويبلغ عدد الشركات العاملة في القطاع بحسب بيانات وزارة الاقتصاد وحماية البيئة للعام 2021م، ما مجموعه 3568 شركة، نحو 90 في المئة من هذه الشركات لديها أقل من 500 موظف، أي ان الأغلبية من شركات القطاع هي شركات متوسطة الحجم.
ويتركز قطاع صناعة الإلكترونيات، على اتساع المجالات الصناعية التي يشملها، على 12 قطاعا ومجالا صناعيا رئيسيا وهي: الأتمتة والتشغيل الالي، المحركات الكهربائية، الضوابط الكهربائية وإدارة الصناعات، تكنولوجيا القياس، تكنولوجيا الطاقة والبطاريات، التقنيات الطبية، تكنولوجيا الاتصالات، تكنولوجيا المعلومات، الأجهزة المنزلية، تقنيات الإضاءة، الالكترونيات الاستهلاكية الترفيهية بالإضافة الى صناعة «الرقائق الالكترونية».
ويتوزع انتاج شركات الصناعات الالكترونية على الشكل التالي: 79 في المئة من انتاج قطاع الصناعات الإلكترونية يتمثل في السلع الصناعية مثل الأجهزة المتعلقة بالأتمتة وتكنولوجيا الطاقة والتقنيات الطبية، 14 في المئة يتمثل في السلع الوسيطة والتي تتركز في الرقائق الإلكترونية واشباه الموصلات. فيما تتركز 7 في المئة منتجات هذا القطاع في السلع الاستهلاكية مثل الأجهزة الكهربائية المنزلية والالكترونيات الترفيهية وأجهزة الإضاءة.
الأداء الاقتصادي لقطاع الالكترونيات خلال العام 2022م
حققت الشركات العاملة في قطاع صناعة الإلكترونيات في العام 2022م إيرادات محلية بنحو 224.5 مليار يورو وهو ما يمثل 3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في ألمانيا لنفس العام كما بلغت قيمة الصادرات والبضائع المعاد تصديرها للقطاع إلى 245.8 مليار يورو وبزيادة بنسبة 8.6 في المئة عن العام الذي سبق. كما سجلت واردات القطاع أيضًا ارتفاعًا بنسبة 18.4 في المئة ليصل اجمالي قيمة واردات ألمانيا من المنتجات الالكترونية المختلفة 262.1 مليار يورو، وبهذا تكون الواردات أعلى من الصادرات لأول مرة وبعجز تجاري بلغ 16.3 مليار يورو.
في قائمة اهم مشترين الصادرات الألمانية من السلع والبضائع الإلكترونية أتت الصين في المركز الأول بنحو 26.5 مليار يورو العام 2022م، وهو ما يمثل زيادة بنسبة 5.5 في المئة مقارنة بالعام الذي سبق. كما ارتفعت الصادرات إلى الولايات المتحدة التي تحتل المركز الثاني بنسبة 23.8 في المئة لتصل إلى 23.6 مليار يورو، واحتلت فرنسا المركز الثالث في قائمة اهم مشترى المنتجات الإلكترونية الألمانية بـ 15.5 مليار يورو، ثم هولندا بـ 14.3 مليار يورو، وإيطاليا بـ 12.3 مليار يورو. وجاءت بولندا في المركز السادس بقيمة 12.1 مليار يورو. تلتها النمسا بـ 11.1 مليار يورو، وجمهورية التشيك بـ 10.9 مليار يورو، والمملكة المتحدة بـ 9.3 مليار يورو، وإسبانيا بـ 8.6 مليار يورو.
وبلغ مجموع الصادرات الألمانية من الأجهزة الالكترونية إلى الدول العشر الأولى في عام 2022م، ما يقرب من 60 في المئة من جميع الصادرات الالكترونية الألمانية وبقيمة 144.2 مليار يورو. اما في المركز الحادي عشر في قائمة اهم الدول المستوردة لمنتجات الصناعة الالكترونية والرقمية الألمانية فقد جاءت سويسرا التي استوردت منتجات بقيمة 8.4 مليار يورو العام 2022م، وجاءت المجر في المركز الثاني عشر بـ 7.9 مليار يورو، تليها بلجيكا بـ 5.5 مليار يورو، والسويد بـ 5.2 مليار يورو، ورومانيا بـ 5.2 مليار يورو. وسجلت الصادرات إلى تايوان ارتفعا كبيرا بنسبة 30.7 في المئة في العام الماضي لتصل إلى 3.7 مليار يورو.
البحث العلمي والابتكار في الصناعات الإلكترونية
يتميز قطاع الصناعات الالكترونية بمستوى التكنولوجيا والتقنيات المستخدمة في عمليات الإنتاج والتصنيع حيث تستخدم الشركات العاملة في مختلف صنوف وأنواع الصناعات الالكترونية تقنيات حديثة ومتقدمة، ويظهر ذلك جليا في صناعات الرقائق الإلكترونية على سبيل المثال. ولهذا السبب فان شركات القطاع تستثمر بكثافة في مجال البحوث والابتكار، وهي تسهم بذلك في الرفع من القدرة التنافسية للتكنولوجيات الألمانية الرئيسية على المستوى العالمي ويتم ذلك على الوجه التالي:
- 29.4 مليار يورو انفقت في مجال الابتكارات في هذا القطاع في العام 2022م، وهو ما يمثل زيادة بنسبة 5.4 في المئة مقارنة بالعام 2021م.
- 7.2 مليار يورو استثمارات رأسمالية في قطاع صناعة الالكترونيات داخل ألمانيا في العام 2021م، وهو ما يمثل زيادة بنسبة 10.4 في المئة مقارنة بالعام الذي سبق.
- 48.6 مليار يورو قيمة الاستثمارات المباشرة لشركات صناعة الالكترونيات الألمانية خارج ألمانيا في العام 2021م، ويمثل هذا الرقم نحو 13 في المئة من اجمالي استثمارات كل الشركات الصناعية الألمانية في الخارج.
- 13300 براءة اختراع صادرة عن الشركات العاملة في قطاع صناعة الالكترونيات في ألمانيا سنوياً.
- يعد قطاع صناعة الالكترونيات هو القوة الدافعة وراء كل ثالث ابتكار جديد في القطاع الصناعي الألماني.
- 25 في المئة من جميع موظفي البحث والتطوير في القطاع الخاص يعملون في هذا القطاع.
- ثلث إيرادات قطاع صناعة الالكترونيات يأتي من خلال مبيعات المنتجات الجديدة.
- 7 من كل 10 شركات تعمل في المنتجات المبتكرة تنتمي الى قطاع صناعة الالكترونيات.
تطورات السوق العالمي للسلع الإلكترونية
في عام 2021م، وصلت قيمة السوق العالمي للسلع من الصناعات الإلكترونية إلى نحو 4967 مليار يورو. وبحسب اتحاد الصناعات الكهربائية والرقمية الألماني (ZVEI)، فان هذا الرقم يعكس نموا بنسبة 10 في المئة مقارنة بالعام السابق، وهو يعكس أيضا الانتعاش القوي لسوق الإلكترونيات العالمي بعد العام الأول من جائحة كورونا، ويفترض الاتحاد ان سوق الإلكترونيات العالمي قد نما أيضا في العام 2022م، بنحو 11 في على الرغم من أن هذا النمو المفترض راجع في جزء كبير منه إلى معدلات التضخم العالية وارتفاع الأسعار الكبير. ومن المتوقع أن يعود النمو إلى مستوياته الطبيعية مرة أخرى في عام 2023م، في حدود نسبة 5 في المئة.
ومع حجم يصل إلى 2،069 مليار يورو (41.6 في المئة من السوق العالمية)، فإن السوق الصيني ليس فقط أكبر سوق محلي في العالم، بل هو أيضًا أكبر من جميع أسواق البلدان الصناعية مجتمعة. وبعد زيادة في حجم السوق بلغت 12 في المئة في العام 2021م، يفترض ان يكون السوق الصيني قد نما بنسبة 14 و8 في المئة في عامي 2022م و2023م، وفقًا لتوقعات اتحاد الصناعات الكهربائية والرقمية الألماني ZVEI.
وتعد قارة آسيا ليس فقط أكبر سوق للسلع الإلكترونية في العالم والذي بلغ حجمه العام 2021م، نحو 3،106 مليار يورو، ولكن أيضًا السوق الأكبر نموًا حيث سجل في العام 2021م نموًا بنسبة 10 في المئة مقارنة بعام 2020م. كما يفترض ان يكون قد نما في العام 2022م، بنسبة 13 في المئة ويتوقع ان ينمو في العام 2023م، بنسبة 7 في المئة.
كما سجل السوق الأمريكي (دول أمريكا الشمالية والجنوبية) للسلع الالكترونية نمواً بنسبة 9 في المئة في العام 2021م، ليصل إلى 940 مليار يورو، وهو ما يعادل 18.9 في المئة من حجم السوق العالمية. كما سجل السوق نمواً مرة أخرى بنسبة ثمانية في المئة العام 2022م، ومن المتوقع ان يسجل نموا في العام 2023م، بنسبة 3 في المئة.
وقدر اتحاد الصناعات الكهربائية والرقمية الألماني (ZVEI) حجم سوق الولايات المتحدة العام 2021م، عند 692 مليار يورو بزيادة تبلغ 9 في المئة مقارنة بالعام 2020م، ولتحتل المرتبة الثانية في ترتيب أكبر أسواق السلع الإلكترونية بعد الصين. وقد استمر السوق الأمريكي في النمو في العام 2022م، مسجلا نسبة 9 في المئة على ان يسجل نموا في العام 2023م، بنسبة 2 في المئة.
في أوروبا، نما السوق في عام 2021م، بنسبة 8 في المئة متأخراً بشكل طفيف عن معدلات النمو في آسيا وأمريكا وبلغ حجم السوق الأوروبية 806 مليار يورو، وهو ما يمثل 16.2 في المئة من السوق العالمية. ويفترض اتحاد ZVEI ان يكون السوق الأوروبي قد استمر في النمو في العام 2022م، بنسبة 8 في المئة أيضا، فيما يتوقع ان ينمو في العام 2023م، بنسبة 3 في المئة.
اما في ألمانيا، فيبلع حجم سوق الإلكترونيات 143 مليار يورو العام 2021م، بزيادة قدرها 11 في المئة مقارنة بالعام 2020م، ولتاتي ألمانيا في المركز الخامس بين أكبر أسواق الالكترونيات في العالم. وتدل المؤشرات على أن السوق الألماني قد نما في العام 2022م، بنسبة 10 في المئة وانه سيجل نموًا في العام 2023م، بنسبة 7 في المئة.
تنافسية قطاع الصناعات الالكترونية الألماني في السوق العالمي
النصيب المحدود نسبياً للصناعات الالكترونية الألمانية من السوق العالمي والذي لم يتجاوز 3 في المئة لا يعني ان تنافسية هذه الصناعة في ألمانيا اقل منها في مواجهة صناعات الدول الأخرى بقدر ما يعود الامر الى الحقائق الاقتصادية التي تميز العديد من الأسواق الدولية من ناحية اختلاف حجم الأسواق ونوعيتها وكذلك تنوع واختلاف السلوك الاستهلاكي داخل هذه الأسواق عن الأسواق التي تركز عليها الصناعات الالكترونية الألمانية. فبالمقارنة بين السوق الأوروبي للمنتجات والسلع الالكترونية، والذي يمثل ابرز واهم الأسواق بالنسبة للصناعات الألمانية، وبين الأسواق الصينية والامريكية، فسنجد الاختلاف أولا من ناحية حجم السوق ومن ناحية طبيعة المستهلكين، فالصين كاهم سوق للمنتجات الالكترونية يمتاز بالاحتياج والطلب المتزايد على السلع الالكترونية بسبب النمو الاقتصادي الضخم واتساع الطبقة المتوسطة وارتفاع قدرتها الشرائية وبالتالي ارتفاع رغبتها في استهلاك المزيد من المنتجات والسلع الالكترونية، كذلك الامر بالنسبة للسوق الأمريكي والسلوك الاستهلاكي الذي يميزه ويؤدي الى رفع حجم الطلب على السلع الإلكترونية.
وتبقى تنافسية الصناعات الالكترونية الألمانية عالية في الأسواق العالمية اعتمادا على مدى مواكبة هذه الصناعات للتقدم التكنولوجي الحاصل الان في عالم الصناعة كالثورة الصناعية الرابعة والأتمتة والرقمنة للعمليات الصناعية والتي تحظي بمتابعة واهتمام من المصنعين الألمان الذين يسهموا أيضا في تطوير هذه التقنيات بقدر وافر من الجهود.