حضيت الزيارة التي قام بها رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي في 11 من شهر فبراير الماضي إلى ألمانيا، باهتمام الأوساط السياسية والاقتصادية على السواء، بخاصة بسبب ما تعانيه البلاد من تحديات على كل الاتجاهات. واستقبلت المستشارة الألمانية انغيلا ميركل ضيفها العراقي في برلين الذي اجتمع في اليوم التالي مع نخبّة من رجال الأعمال الألمان قبل أن ينتقل إلى العاصمة البافارية للمشاركة في مؤتمر ميونيخ للأمن الدولي.
في ختام لقائها مع الرئيس العراقي العبادي أعلنت المستشارة ميركل في مؤتمر صحافي أن ألمانيا ستُتيح للعراق الحصول على قرض قدره 500 مليون يورو «لكون البلد في حاجة إلى استثمارات بالبنية التحتية ولإعطاء الناس الأمل وتشجيعهم على البقاء». وأضافت ان ألمانيا «مستعدة لبذل ما في وسعها لجلب الاستقرار إلى العراق في ضوء التحديات الأمنية والاقتصادية الكبيرة»، مضيفة ان أسعار النفط المنخفضة «تشكّل مشكلة كبيرة لموازنة العراق».
وكشف رئيس الحكومة العراقية العبادي ان عائدات بلاده من النفط هبطت إلى 15 في المئة مقارنة بما كانت عليه قبل سنتين، الأمر الذي اعتبره «خطيراً» ويضع موازنة البلاد «أمام صعوبات جمة». ودعا العبادي إقليم كردستان إلى التراجع عن طموحاته بالاستقلال، محذراً من الانفصال بالقول «إن الإقليم لا يمكن ان يتطور من دون العراق». وأضاف ان «كردستان جزء من العراق وأتمنى ان تبقى كذلك»، مشدداً على ان «العراق يحتاج إلى أن يكون موحداً بكل مكوناته وهذا ما نسعى إليه». وقال العبادي إنه يريد تغييراً جوهرياً في حكومته التي تشكلت في 2014 وتوزعت فيها الحقائب الوزارية على أساس التمثيل البرلماني للكتل السياسية.
وأمام مخاطر انهيار سد الموصل ونتائج ذلك الكارثية على البلد إنسانياً وزراعياً وحياتياَ زار العبادي روما قبل ألمانيا وطالب الشركة الإيطالية المكلفة الإسراع في بدء ورشة ترميم السد. وكان العراق أعلن رسمياً قبل ذلك ان استدراج العروض رسا على شركة «تريفي» الإيطالية. ولم تحدد بعد قيمة العقد والجدول الزمني، وكان تقريراً أميركياً نشره البرلمان العراقي قد حذر من خطر انهيار السد وإغراق المناطق الموجودة إلى الجنوب منه ومنها مدينة الموصل.
إصلاحات ومحاربة الفساد
وبدعوة من غرفة التجارة والصناعة العربية الألمانية في برلين، التقى رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي نخبّة من ممثلي الاقتصاد الألماني في برلين وبحث وإياهم امكانات التعاون الاقتصادي المشترك وتقديم الخبرات اللازمة لبلده. وخلال اجتماعه مع ممثلي شركات ألمانية عديدة عرض العبادي الوضع الصعب الذي يمر به بلده العراق منذ سنوات عديدة قائلاً «إن الأهداف الرئيسة لحكومته تتمثل في إعادة الاستقرار وبناء الدولة من جديد». وبعد أن أشار إلى أن 90 في المئة من موازنة البلاد السنوية تغطى حالياً من دخل النفط العراقي المصدّر إلى الخارج، أعرب عن رغبته «في تحسين النشاط الاقتصادي وتنويعه ليشكل روافد عدة للدخل العام». وقال إنه لهذه الأسباب أعلن الحرب على الفساد في أجهزة الدولة منذ فترة، والعمل على تحديثها وعلى وضع هيكلية جديدة للحكومة، والاستفادة القصوى من الثروات الطبيعية الموجودة. وتابع: «إن مفتاح النجاح الاقتصادي هو في إقامة شبكة تواصل بين القطاع الخاص والقطاع العام وإعادة الديمقراطية والشفافية والثقة في الدولة».
وإذ شدد العبادي على «أهمية الاستثمارات الطويلة الأمد في العراق على قاعدة تخطيط دقيق لها» رأى أن من الهام جداً «تشجيع الشركات والأعمال العائلية الصغيرة والمتوسطة، خاصة التي تقودها نساء». ولفت إلى أن حكومته خصصت لذلك 5,5 مليار دولار بهدف تأمين العمل لأكبر قدر ممكن من العراقيين والعراقيات. وأوضح أن «هذا العمل هو الطريق الأنفع لمحاربة التنظيمات الإرهابية والتوترات الاجتماعية في البلاد».
ونوّه رئيس الحكومة العراقية «بالسمعة الطيبة للمنتجات والشركات الألمانية في بلده، وبامكانية الحصول على الخبرة والمعرفة الألمانية من أجل مساعدة الاقتصاد العراقي على النهوض». وتطرق إلى القطاع العام وضرورة إعادة تكوينه، شارحاً فكرته «القاضية بتعريف الشباب العراقي على التكنولوجيا الجديدة وتسليحه بها، والعمل على تطويرها بصورة مستمرة من خلال الاستثمار فيها». وتحدث «عن وجود مشكلة كبيرة أمام تأمين الطاقة الكهربائية في البلد وتوزيعها، خاصة وأن معامل الانتاج ومحطات التحويل أصبحت متضررة ومتقادمة ولم تجدد منذ عام 2003» كما قال.
وركّز العبادي شرحه على التحديات الحالية التي تواجه الشعب العراقي بعد سيطرة (داعش) على أراض واسعة، وعلى الحرب القائمة حالياً لاستعادتها، وكذلك على سعر النفط المنخفض جداً وآثاره على الدخل العام، لكنه شدد في الوقت ذاته «على أن التحديات هذه دافع كبير لحكومته للإسراع في تنفيذ الإصلاحات البنيوية المطلوبة». وأنهى بالقول إن تأمين آفاق جديدة للعمل هو مفتاح الاستقرار في العراق.
استعداد ألماني للمساعدة
وبعد كلمة ترحيب بالضيف العراقي الكبير وبممثلي وزارة الاقتصاد والشركات الألمانية من قبل نائب رئيس الغرفة اولاف هوفمان، تحدث في اللقاء أيضاً كل من وكيل وزارة الاقتصاد الألمانية ماتياس ماخنيغ وعضو مجلس إدارة شركة «سيمنز» الألمانية رئيس «مبادرة شمال أفريقيا ـ الشرق الأوسط» الدكتور سيغفريد روسفورم.
وحيا ماخنيغ، الذي ترأس عام 2015 اجتماع اللجنة الحكومية الألمانية ـ العراقية المشتركة في وزارة الاقتصاد في برلين، الإصلاحات التي نفذتها حكومة العبادي في أجهزة الدولة رغم صعوبة الوضع العسكري والسياسي في البلاد، وحضّ على اتخاذ المزيد من هذه الخطوات الهامة لمستقبل البلد. وأعرب عن استعداد وزارته وحكومته لتقديم الخبرات والمساعدة المطلوبين من أجل دعم عملية الإصلاح الجارية لتوحيد البلاد. كما توجه إلى رئيس الحكومة العراقية بالقول: «لدينا تجارب وخبرات في منطقتكم العربية، وبامكاننا إقامة تعاون جيد، وتعرف الشركات الألمانية بلدكم ودول المنطقة كذلك، وهي مستعدة لتقديم قسطها أيضا».
وشكر عضو مجلس ادارة سيمنس البروفيسور روسفورم الحضور الكبير لممثلي الاقتصاد الألماني مشيراً إلى إن غرفة التجارة العربية الألمانية في برلين هي المكان المناسب لمواصلة اللقاءات الاقتصادية بين الشركات والمؤسسات الألمانية ونظيراتها العربية للبحث وللاتفاق على العمل المشترك لما فيه مصلحة الطرفين. وأكد أن لدى الاقتصاد الألماني الاستعداد الكامل لمساعدة العراقيين على بناء اقتصادهم من جديد، مذكّراً بوجود علاقات عريقة مع العراق».