تواصل الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي الجدل حول مستقبل الطاقة النووية وحول تصنيفها كطاقة مستدامة وغير ضارة بالبيئة، ويتركز الخلاف بشكل رئيسي بين أهم عضوين في الاتحاد، ألمانيا وفرنسا. ويزيد من حدة الخلاف انه يترتب على اعتبار الطاقة النووية من ضمن الطاقات المتجددة والخضراء غير الضارة بالمناخ حصول فرنسا وغيرها من الدول التي تستخدم هذا النوع من الطاقة على منح مالية من الاتحاد الأوروبي لدعم تطوير هذا النوع من الطاقة وكذلك تشجيع الاتحاد المستثمرين الدوليين وأسواق المال في الاستثمار وضخ الأموال في شركات توليد الكهرباء عبر الطاقة النووية. ويأتي هذا الدعم في إطار برنامج إعادة هيكلة اقتصاد دول الاتحاد الاوروبي والوصول بها الى الحياد المناخي وهو البرنامج المسمى “الصفقة الخضراء”.

  ويمثل هذا الخلاف اول اختبار للعلاقات الفرنسية الألمانية عقب تولي الحكومة الألمانية الجديدة برئاسة المستشار اولاف شولتز مهامها. وعلى الرغم من العلاقات المتميزة التي جمعت ألمانيا بفرنسا خلال حكم المستشارة انجيلا ميركل الا ان المراقبين يتوقعون تقارباً أكبر بين برلين وباريس في ظل حكم شولتز، على ان هذا التقارب يواجه اختباراً حاسماً من خلال الطريقة التي سيتم بها حل الخلاف الألماني الفرنسي على مستقبل الطاقة النووية داخل الاتحاد الأوروبي.

 يتركز الخلاف حول ان فرنسا وست دول من أوروبا الشرقية، بما في ذلك بولندا وجمهورية التشيك، تريد تصنيف محطات الطاقة النووية الجديدة على أنها محطات طاقة مستدامة وغير ضارة بالبيئة وبالتالي جديرة بالحصول على التمويل، خصوصا ان فرنسا لا تزال تغطي أكثر من 70 في المئة من احتياجاتها من الكهرباء بالطاقة النووية، وهي أعلى نسبة في جميع أنحاء العالم، حتى قبل الولايات المتحدة الأمريكية. كما ان باريس تقوم حاليًا بتنفيذ مشروع يتضمن بناء نوع جديد من المفاعلات (مفاعلات نووية صغيرة)، والذي تبلغ تكلفة المشروع أكثر من اثني عشر مليار يورو ويتوقع ان تدخل الخدمة العام القادم، بينما في الجهة المقابلة قررت ألمانيا التخلص نهائيا من الطاقة النووية بحلول نهاية العام 2022م.

 رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين من جانبها تعتبر إن مصادر الطاقة المتجددة وحدها ليست كافية لتغطية الاحتياج من الطاقة خلال الفترة الانتقالية الممتدة حتى موعد انجاز الحياد المناخي العام 2050م، مؤكدة على “الاحتياج أيضًا إلى مصدر موثوق به، مثل الطاقة النووية، الى جانب الغاز الطبيعي أثناء المرحلة الانتقالية”. وترى المفوضية الأوروبية ان الطاقة النووية تقنية مستدامة، كما ان الطاقة النووية لا تسبب عمليًا أي غازات دفيئة ولا تسبب أي ضرر كبير مقارنة بمصادر الطاقة الأخرى.

 من جهتها تعارض ألمانيا وبشدة تصنيف الطاقة النووية على انها طاقة خضراء، حيث يرى المكتب الاتحادي الألماني لأمان إدارة النفايات النووية هذا الأمر بشكل مختلف تمامًا. ويتهم Jochen Ahlswede أحد مسؤولي إدارة النفايات النووية الألمانية خبراء المفوضية الأوروبية بالتقليل المنهجي من مخاطر الطاقة النووية، لعدة أسباب منها “ان مشكلة التخلص من النفايات النووية لم يتم حلها حتى الان في أي دولة في العالم. وان هناك خطر وقوع حوادث أو هجمات إرهابية على المفاعلات ومحطات توليد الكهرباء العاملة بالطاقة النووية، كما ان اليورانيوم المطلوب كوقود في محطات الكهرباء النووية يستخرج في الغالب في دول خارج الاتحاد الأوروبي وضمن ظروف لا يمكن التحقق منها ومن مناسبتها للمعايير الأوروبية خصوصا في جانب حقوق الانسان”.

 في جانب الجدوى الاقتصادية من الاستثمار في مشاريع الطاقة النووية يؤكد Sebastian Rausch من مركز لايبنتز للأبحاث الاقتصادية الأوروبية ” ان استثمار الأموال في الطاقة النووية لم يعد مجديًا اقتصاديًا”، مضيفاً ان ” الطاقة النووية تتطلب مستوى عالٍ من البناء وتكاليف رأس المال، والتي من المحتمل ألا تؤدي في ظل وجود عائدات غير مؤكدة ومنخفضة في أسواق الكهرباء المحررة إلى نموذج أعمال مربح في المستقبل”. الخبير الاقتصادي لكتلة حزب الشعب الأوروبي EVP في البرلمان الأوروبي Markus Ferber شدد على إن المستثمرين سيفكرون بعناية فيما إذا كانوا سيستثمرون اموالهم في التكنولوجيا النووية، حتى لو صنفتها مفوضية الاتحاد الأوروبي على انها طاقة خضراء، فلا أحد يعتقد أن المستثمرين الدوليين اكتشفوا فجأة “حبهم للطاقة النووية” او يعتقد انه بالإمكان بعد ذلك بيع هذه الاستثمارات لمساهميهم باعتبارها استثمارات صديق للبيئة.

ومن اجل منع إقرار الاتحاد الأوروبي تصنيف الطاقة النووية، ضمن شروط، كطاقة خضراء من خلال تصويت الدول الأعضاء في الاتحاد خلال شهر يناير الجاري، يتعين الحصول على اغلبية 15 عضو، وحتى الان لا تعارض المشروع بشكل صريح سوى المانيا، النمسا، الدنمارك، لكسمبورج الى جانب البرتغال كما تميل دول مثل إيطاليا وايرلندا واسبانيا الى التصويت ضد اعتبار الطاقة النووية طاقة خضراء، وبالتالي لا تمتلك هذه الدول الثمان الأغلبية اللازمة لإعاقة المصادقة على القرار.