تُعرف ألمانيا بانها بلد صناعة السيارات وتحظى أنواع السيارات التي تقوم بإنتاجها بسمعة عالمية الى جانب ان صناعة السيارات تعد أكبر قطاع صناعي واهم سلعة يتم تصديرها. هذه المكانة التي تحظى بها السيارات الألمانية التقليدية مهددة بعدم الاستمرار نتيجة التغيرات الهيكلية في صناعة السيارات والاتجاه نحو صناعة السيارات الكهربائية والتوقف التام عن انتاج السيارات العاملة بالوقود الاحفوري. ان كل المميزات التي راكمتها ألمانيا في صناعة السيارات ذات محركات الاحتراق الداخلي من تقنيات وكفاءة وفخامة ورفاهية لا تحظى بها السيارات الكهربائية بعد، وان كانت الشركات الألمانية تعمل في هذا الاتجاه، الا انه وبالمقارنة مع بقية مصنعي السيارات الكهربائية على المستوى العالمي فما يزال امام الشركات الألمانية الكثير مما يجب ان تفعله.
ولا يقتصر التنافس بين مصنعي السيارات الكهربائية الألمان وبقية المصنعين من مختلف دول العالم على الأسواق العالمية فحسب، بل وصل الى السوق المحلي الألماني. فبالرغم من التقدم الذي تحققه الشركات الألمانية ومنه على سبيل المثال ما أعلنته شركة BMW انه من المتوقع ان تبيع ما يقرب من 245 ألف سيارة كهربائية بالكامل هذا العام، وهذا يتوافق مع زيادة بنسبة تزيد عن 130 في المئة مقارنة بعام 2021م. كما أكد Nicolas Peter المدير المالي لشركة BMW ان صناعة السيارات الألمانية هي الرائدة في مجال المحركات الكهربائية وان شركة BMW ” تعد رقم واحد في فئتها، باستثناء Tesla”.
وعلى الرغم من سعي شركات فولكس فاجن ومرسيدس بنز وأوبل نحو توسيع وتنويع منتجاتهم من السيارات الكهربائية واعلانهم عن موديل جديد بين الفترة والأخرى الا ان المشكلة تتمثل في ان العديد من المنافسين خارج ألمانيا ينمون بشكل أسرع. بل وينافسون الشركات الألمانية في السوق المحلي. فوفقاً لبيانات المكتب الاتحادي للمواصلات الآلية Kraftfahrt-Bundesamt (KBA)، وخلال فترة الأشهر السبعة الأولى من العام 2022م، الممتدة من يناير وحتى يوليو، جاءت كل ثاني سيارة كهربائية تم التصريح لها بالسير على الطرقات الألمانية من مزود أجنبي، وهو ما يعني ايضاً ان ما نسبته 50 في المئة من السيارات الكهربائية كانت من مصنعين ألمان. وبالمقارنة مع نفس الفترة من العام الماضي 2021م، كان توزيع السيارات الكهربائية المصرح لها في المانيا، 60 في المئة من انتاج شركات ألمانية و40 في المئة من انتاج شركات اجنبية. وهو ما يعني خسارة الشركات الألمانية لجزء من السوق المحلي خلال العام 2022م. بالإضافة الى ذلك كانت المراكز الثلاث الأولى لأكثر السيارات الكهربائية مبيعاً في ألمانيا هذا العام لمصنعين أجانب، حيث حلت السيارة الكهربائية من طراز (Fiat 500e) الإيطالية في المركز الأول وسيارة (Tesla Model 3) الامريكية في المركز الثاني وسيارة (Hyundai Kona) الكورية الجنوبية في المركز الثالث، بينما حلت السيارة الكهربائية من سلسلة (VW ID.4 و ID.5.) التي تنتجها شركة فولكسفاجن الألمانية في المركز الرابع.
ولا تبدوا الصورة أفضل لمصنعي السيارات الكهربائية الألمان في الأسواق الدولية وخصوصا في السوق الصيني، الذي يعد أكبر سوق للسيارات في العالم. حيث وبحسب مصرف Jefferies للاستثمار فانه ومن ضمن قائمة أكبر 28 مورد للسيارات الكهربائية في الصين، فإن شركة فولكس فاجن، بصفتها المورد الألماني الأكبر حجماً، تحتل حاليًا المرتبة السادسة فقط، فيما تحتل شركةBMW المركز الثامن عشر وشركة Mercedes المركز التاسع عشر كما تأتي شركة Audi في المركز الخامس والعشرين. وبالنسبة للعام 2022م بأكمله، لم يُظهر أي من الشركات الألمانية المصنعة للسيارات الكهربائية اتجاهًا واضحًا للنمو في سوق السيارات الكهربائية في الصين، وتظل المبيعات عند مستوى يمكن التحكم فيه، خاصة وأن شركة أوبل ألغت مؤخراً توسعها المخطط له في الصين بسبب المخاطر الجيوسياسية.
ويعيد الخبراء ضعف تنافسية السيارات الكهربائية الألمانية بالمقارنة مع بقية منتجي هذا النوع من السيارات وبالمقارنة أيضا بصناعة السيارات التقليدية الألمانية والتي تتمتع بسمعة ومكانة عالمية مرتفعة، الى عدد من العوامل من أهمها: ان أسعار السيارات الكهربائية الألمانية أعلى من نظيراتها الأخرى على الرغم من عدم وجود تميز كاف في هذه السيارات يبرر ارتفاع أسعارها. يضاف الى ذلك تركيز المصنعين الألمان على الفئات العليا من السيارات الكهربائية حيث يقدمون نماذج وموديلات متميزة، على سبيل المثال سيارة Taycan الرياضية من بورش بسعر أساسي يبلغ 88399 يورو. اما من حيث المدى والكفاءة فتعد سيارة الدفع الرباعي الكهربائية من طراز EQS التي تنتجها شركة Mercedes بلا شك واحدة من أفضل الماركات في السوق إلى جانب Lucid Air وTesla Model S Plaid. لكن من ناحية أخرى، فإن السيارات الكهربائية الأصغر والأرخص التي تنتجها الشركات الألمانية ليست مقنعة بعد، اما في فئة السيارات المتوسطة الحجم فما تزال الشركات الألمانية في طور إنشاء هياكل التوريد المناسبة. على سبيل المثال، لا تزال مرسيدس تفتقر إلى سيارة كهربائية للفئة C. هناك أيضًا فجوة في مجموعة السيارات الكهربائية التي تنتجها شركة Audi.
بشكل عام، يفضل الألمان التركيز على النماذج الكبيرة عالية الإنتاجية من السيارات الكهربائية، فيما يتم التخلص التدريجي من السيارات الصغيرة مثل VW e-Up أو Smart-Fortwo أو BMW i3. ويقول Stefan Bratzel، مؤسس ومدير مركز إدارة السيارات (CAM) “في الفئة المتوسطة، يقدم الألمان عدداً قليلاً من السيارات الكهربائية، وفي الفئات الاصغر لا شيء على الإطلاق”. ويؤكد أنه “من الخطير عدم تقديم فئات وموديلات أرخص أو تقديمها فقط بشكل محدود”. ويعتقد Bratzel ان “الألمان لم يبدأوا حقاً بداية جيدة في إنتاج السيارات الكهربائية، وان كل شيء يسير بشكل أبطأ مما كان متوقعاً”.
ويفترض الخبراء أن مصنعي السيارات الكهربائية الألمان سيواجهون خلال العامين الى الثلاثة أعوام القادمة حالة من الركود وتراجع حصصهم في سوق السيارات الكهربائية، خصوصا وان لديهم في بعض الأحيان أوقات تسليم أطول بكثير من منافسيهم. ومع ذلك فان هؤلاء الخبراء يتوقعون ان تستطيع صناعة السيارات الكهربائية الألمانية من اللحاق بالركب وتعويض تأخرها في الأسواق المحلية والدولية بسبب الاهتمام الكبير الذي يضعونه لتطوير وصناعة البطاريات ذات العمر التشغيلي الطويل.