يمثل الاقتصاد الألماني باعتباره أكبر اقتصاد في القارة الأوروبية وواحد من أكبر اقتصاديات العالم ناهيك عن كون ألمانيا أحد أكبر المصدرين في العالم للسلع والبضائع سوقاً جاذباً للاستثمار وتوظيف الفوائض المالية الأوروبية والعالمية. ولا تتوقف جاذبية ألمانيا بالنسبة الى سوق الاستثمارات العالمي على الإمكانات والقدرات الاقتصادية وحسب بل تلعب عوامل عديدة أخرى دورا هاما في هذا الجانب تتنوع ما بين البنية التحتية من طرق وطاقة واتصالات ومواني وغيرها وبين الطاقات والكفاءات البشرية عالية المستوى التي تمتلكها ألمانيا والمستندة على مؤسسات تعليم وبحث علمي ذات الجودة المرتفعة، علاوة على الاستقرار الاجتماعي والقانوني. الا ان هذه المميزات ليست حكرا على ألمانيا بل تتمتع بها العديد من الدول الصناعية الأخرى وبالتالي تنشأ منافسه بين هذه الدول كمواقع للأعمال التجارية لجذب الاستثمارات العالمية.
الوظيفة الاقتصادية للاستثمار
يمثل الاستثمار أحد أهم وأكثر الأدوات المستخدمة في إدارة وتوجيه اقتصاديات الدول. فالاستثمار يعد من حيث كونه، في ابسط تعريف، عملية ضخ وتوظيف أموال إضافية في الأسواق والقطاعات الاقتصادية المختلفة، عملية أساسية وحاسمة لضمان النمو الاقتصادي وتعظيم الفوائد والمزايا الناتجة عن ممارسة الأنشطة الاقتصادية. بعبارة أخرى يمكن توصيف الاستثمار بانه الرافعة الأساسية للنمو الاقتصادي وتنشيط الدورة الاقتصادية الداخلية.
الاستثمار من جهة أخرى يؤدي وظيفة هامة كأحد الوسائل الاساسية في الحماية من أثار التضخم الاقتصادي والحفاظ على قيمة المدخرات، ولهذا السبب تلجأ السلطات الاقتصادية والمالية غالبا ومن اجل مواجهة الضغوطات التضخمية على الاقتصاد الى تشجيع الاستثمار بطرق مختلفة.
وعلى أهمية الاستثمارات الداخلية والتي تنتج اما عن عملية ضخ الأموال من خلال زيادة المصروفات الحكومية المباشرة او الغير مباشرة في مجال تحسين وتطوير البنى التحتية او التي تنتج عن عملية إعادة توظيف جزء من الأرباح والعوائد التي حققها الافراد والشركات من مختلف القطاعات الاقتصادية من اجل تحسين الأداء والإنتاج وتوسيع النشاط. الا ان هذه النتائج الإيجابية المترتبة عن الاستثمار يتزايد أثرها بشكل أكبر عندما تكون ناتجة عن الاستثمارات الأجنبية والتي تمثل تدفق أموال إضافية الى الاقتصاد المحلي سواءً عن طريق شراء اسهم في الشركات المحلية أو عن طريق دخول شركات ومؤسسات اجنبية للعمل في السوق المحلي.
حجم الاستثمارات الأجنبية في ألمانيا
بحسب بيانات البنك المركزي الألماني (Deutsche Bundesbank)، بلغ حجم الاستثمارات التراكمية الأجنبية المباشرة في ألمانيا في نهاية العام 2021م، حوالي 852 مليار يورو، ويعود حوالي ثلثي هذا المبلغ الى استثمارات الشركات القابضة، وهي الشركات التي يقوم نشاطها التجاري بشكل أساسي أو حصري على حيازة وبيع أسهم الشركات القائمة بالفعل والمنتمية الى قطاعات اقتصادية مختلفة.
وتركزت الاستثمارات الأجنبية في ألمانيا على عدة قطاعات اقتصاديه كان أهمها قطاع تقديم الخدمات المالية والتأمينية بنحو ثلث اجمالي الاستثمارات، وجاء قطاع الصناعة في المرتبة الثانية بنحو 25 في المئة من اجمالي الاستثمارات الأجنبية، كما تركزت 10 في المئة من هذه الاستثمارات في مجال «تجارة وصيانة وإصلاح السيارات». يليه قطاع المعلومات والاتصالات. وبشكل اجمالي شارك المستثمرون الأجانب المباشرون في 17000 شركة ألمانية، وفرت أكثر من 3 ملايين فرصة عمل.
في الجهة المقابلة نمت الاستثمارات الألمانية المباشرة في الخارج في نهاية عام 2021م، بنسبة 8 في المئة تقريبًا مقارنة بنهاية العام السابق لتصل إلى 1،506 مليار يورو. وبالإضافة إلى تدفقات رأس المال، لعبت التأثيرات الإيجابية لسعر اليورو مقابل الدولار في ارتفاع الاستثمارات الألمانية الخارجية. ووفقا لبيانات البنك المركزي الألماني حصلت الولايات المتحدة الامريكية على الجزء الأكبر من هذه الاستثمارات بنحو 409 مليار يورو، تلتها لوكسمبورج بحوالي 109 مليار يورو، وبلغت الاستثمارات الألمانية المباشرة في الصين حدود 103 مليار يورو. وبقيمة مقاربة بلغت 102 مليار يورو أتت الاستثمارات في المملكة المتحدة تلتها فرنسا بنحو 53 مليار يورو.
استقرار مستوى الاستثمارات الأجنبية في ألمانيا العام 2022م
استمر مستوى استثمارات الشركات الأجنبية في ألمانيا في العام 2022م، مستقرا الى حد بعيد على الرغم من الازمات المختلفة التي واجهها الاقتصاد الألماني خلال الفترات الماضية مثل جائحة كورونا واثار الحرب في أوكرانيا وأزمة الطاقة، فوفقا لبيانات مؤسسة ألمانيا للتجارة والاستثمار (GTAI) التابعة لوزارة الاقتصاد وحماية المناخ الاتحادية، تم تسجيل ما مجموعه 1783 مشروع استثماري ما بين مشاريع جديده تماماً او توسيع مشروعات قائمة من قبل شركات اجنبية خلال العام 2022م. وعلى الرغم ان هذه المشاريع اقل بنحو 23 مشروع عن المشاريع الاستثمارية المسجلة في العام 2021م، الا انها أكثر بحوالي 101 مشروع بالمقارنة مع العام 2020م. وقال Robert Hermann المدير العام للمؤسسة انه « وبالنظر الى الظروف المعاكسة من الحرب في أوكرانيا وأزمة الطاقة وتداعيات جائحة كورونا، فان هذا المستوى من المشاريع الاستثمارية الاجنبية يعتبر نجاحاً».
وساهم الاهتمام المتزايد للشركات من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وتركيا في إبقاء الاستثمارات الأجنبية في ألمانيا مستقرة حيث ظلت الشركات الأمريكية في المركز الأول في قائمة أكثر الشركات الأجنبية استثمارا في ألمانيا بعدد 279 مشروعًا. واعتبر Hermann « ان هذا يمثل امرا إيجابيا للغاية بالنظر الى الدعم الهائل للاستثمارات المحلية في الولايات المتحدة من خلال ما يسمى بقانون خفض التضخم (IRA)». في المركز الثاني جاءت الشركات السويسرية مع 208 مشروعًا، بينما حلت الشركات البريطانية في المركز الثالث بحوالي 170 مشروعا استثمارياً، وما يميز البلدين الأوروبيين انهما لا ينتميان إلى الاتحاد الأوروبي، لكنهما يريدان موطئ قدم داخل الاقتصاد الأوروبي لذا يتم تفضيل ألمانيا صاحبة أكبر اقتصاد ضمن منطقة اليورو والاتحاد الأوروبي. وجاءت الصين في المركز الرابع بـ 141 مشروعًا، وهو اقل عدد من المشاريع الاستثمارية للشركات الصينية في ألمانيا منذ عام 2014م. ويرجع المدير العام لمؤسسة ألمانيا للتجارة والاستثمار سبب هذا التراجع الى تأثيرات جائحة كورونا والسياسة الصارمة التي اتبعتها الحكومة الصينية لمنع انتشار الفيروس وهو الامر الذي جعل عقد الصفقات الاستثمارية أكثر صعوبة وساهم في تأخيرها او حتى في منع العديد منها. في اتجاه مغاير صعدت تركيا إلى المركز الخامس بـ 139 مشروعًا وهو ما يمثل رقم قياسياً لاستثمارات الشركات التركية في ألمانيا.
وتتمتع ألمانيا كموقع للاستثمار بمزايا عديدة للمستثمرين الأجانب من أهمها مشاريعها الطموحة في مجال الطاقات المتجددة، مثل طاقة الرياح أو الطاقة الشمسية، وفي هذا المجال صرح Achim Hartig الخبير في GTAI «سواء كانت الشركات الراغبة في الاستثمار في ألمانيا شركات كبرى او شركات متوسطة فإن المساهمة الكبيرة للطاقة المتجددة في تأمين امدادات الكهرباء هو الآن ميزة حقيقية لألمانيا». حيث نمت حصة مصادر الطاقات المتجددة من إجمالي انتاج الكهرباء إلى أكثر من 50 في المئة في عام 2022م، وينتظر ان تبلغ 80 في المئة بحلول العام 2023م.
من جانب أخر اعتبر Robert Hermann ان توفير المساحة الكافية مسألة مهمة بالنسبة للاستثمارات الكبيرة مثل استثمارات شركات Intel لصناعة الرقائق الالكترونية أو Tesla لصناعة السيارات الكهربائية، والتي غالبًا ما تحتاج إلى مساحات تبلغ 100 هكتار وأكثر، وعلى الرغم من إشكالية توفير هذه المساحات الا انه ما يزال بالإمكان ايجادها في الولايات الشرقية. اما في يتعلق بالنقص في العمالة الماهرة وتأثيرها على جذب الاستثمارات الأجنبية فيرى Hartig ان ذلك لا يشكل عقبة او عائقاً رئيسياً لان «كل الدول الأوروبية تواجه هذا النقص في العمالة المؤهلة».
وبحسب مؤسسة GTAI ارتفع عدد الوظائف الجديدة التي ستخلقها مشاريع الاستثمار وتوسعة الاعمال للشركات الأجنبية إلى 33500 وظيفة. ويعد مشروع انشاء مصنع للرقائق الالكترونية التابع لشركة Intel الامريكية في مدينة ماجدبورج عاصمة ولاية ساكسونيا انهالت أحد اهم وأكبر مشاريع الاستثمار الأجنبية في ألمانيا، حيث تريد الشركة الأمريكية إنفاق 30 مليار يورو لهذا الغرض، لكنها في الوقت نفسه حصلت على إعانات كبيرة من الحكومة الاتحادية الألمانية بنحو عشرة مليارات يورو لتنفيذ المشروع. ووصف رئيس مؤسسة GTAI قيمة هذه الاستثمارات بانها رقم رائع، معتبرا ان ألمانيا تظل موقعاً جذاباً للاستثمارات الأجنبية خصوصاً للشركات الأجنبية التي تستثمر بشكل متزايد في التقنيات المستقبلية مثل تقنيات أشباه الموصلات وإنتاج البطاريات وإعادة التدوير.
الاستثمارات العربية في ألمانيا
ارتفعت الاستثمارات العربية وعلى وجه التحديد استثمارات دول الخليج العربية في الأسواق الاوربية والأمريكية خلال السنوات الماضية بشكل كبير، ووفقًا لبيانات شركة Global SWF، المتخصصة في المعلومات عن الصناديق السيادية وصناديق التقاعد العالمية، استثمرت المملكة العربية السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة العام 2022م، مبلغًا قياسيًا في اقتصاديات الدول الأوروبية والولايات المتحدة بلغ 53 مليار دولار في عمليات استحواذ واستثمارات مباشرة في أوروبا والولايات المتحدة، وقد مثلت هذه الاستثمارات 34 في المئة من اجمالي استثمارات الصناديق السيادية العالمية في الدول الغربية. وتدفق من هذه الاستثمارات نحو 4.4 مليار دولار إلى ألمانيا.
وبحسب بيانات Global SWF أيضا، زادت استثمارات دول الخليج العربية في أوروبا والولايات المتحدة بنسبة 180 في المئة تقريبًا خلال أربع سنوات. حيث كان حجم هذه الاستثمارات في العام 2019م، 18.5 مليار دولار، العام 2020م 20.7 مليار دولار وفي العام 2021م بلغت قيمة استثمارات الدول العربية الخليجية في الأسواق الأوروبية والأمريكية 21.8 مليار دولار.
ولم يقتصر اهتمام الدول العربية في الاستثمار في الاقتصاديات الغربية على رفع قيمة الاستثمارات بل انصب التركيز الرئيسي على الاستثمار في تقنيات تحول الطاقة والتحويل الأخضر للصناعات مثل الصناعة الكيميائية. وبشكل عام ارتفعت الاستثمارات في التكنولوجيات الخضراء في أوروبا العام 2022م، بنسبة 45 في المئة لتصل إلى 8.4 مليار دولار، جاء ما يقرب من 30 في المئة منها من صناديق الثروة السيادية العربية. ويقول Sebastian Bladt، الخبير الاقتصادي في بنك JP Morgan، «تستثمر الدول العربية حاليا المليارات في تنويع محافظها الاستثمارية، وتوفر ألمانيا العديد من الفرص الاستثمارية المثيرة للاهتمام».
وفي تقرير حديث لصحيفة الهاندلزبلات (Handelsblatt) الألمانية القريبة من الأوساط الاقتصادية فإن من بين أكبر خمس صفقات استثمار ابرمتها الصناديق السيادية الخليجية كانت ثلاث شركات ألمانية من بينها، حيث استثمر صندوق ابوظبي السيادي في شركة VTG المتخصصة في الخدمات اللوجستية بمبلغ 2.6 مليار دولار، كما استثمرت شركة مبادلة التابعة لأبو ظبي ايضاً حوالي 2.5 مليار دولار في شركة تصنيع توربينات الرياح Skyborn Renewables. وأصبح صندوق الثروة السيادي القطري أكبر مساهم منفرد في شركة RWE التي تعد أكبر شركة لإنتاج الكهرباء في ألمانيا بقيمة 2.4 مليار دولار.
وقد أبدت صناديق الثروة السيادية لدول الخليج الست العربية التي تمتلك تحت تصرفها أربع تريليونات يورو. حرصًا على الاستثمار في الشركات الألمانية، منها على سبيل المثال شركات فولكس فاجن، مرسيدس بنز، دايملر تراك ودويتشه بنك. ولم تقتصر هذه الاستثمارات على الشركات القائمة بل تجاوزتها الى الاستثمار في الشركات الناشئة حيث استثمر صندوق الثروة السيادي القطري العام 2022م، في شركة البرمجيات Celonis ومقرها ميونيخ بقيمة 400 مليون دولار.
ويعود ارتفاع الاستثمارات العربية في الاقتصاديات الغربية بشكل عام والاقتصاد الألماني بشكل خاص خلال السنوات الأخيرة الى عاملين اثنين، العامل الأول يتمثل في الوفورات النقدية التي حققتها الدول العربية المصدرة للنفط بعد فترة من ارتفاع أسعار النفط والغاز والتي يقدرها الخبراء بنحو 1.3 ترليون دولار. فيما يتمثل العامل الثاني في تغير استراتيجية الدول العربية النفطية وخصوصا الدول الخليجية التي بدأت تستعد لمرحلة ما بعد النفط، حيث ترى دول الخليج توسيع مصادر دخلها، وتتجه دول مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر وعمان إلى أكبر تغيير في تاريخها عبر التحول من الطاقات الأحفورية إلى الطاقات الخضراء. ولهذا الغرض اقرت العديد من الدول الخليجية برامج تحول وتطوير استراتيجية، في السعودية يسمى البرنامج «رؤية 2030»، وفي الإمارات «استراتيجية الطاقة 2050»، وفي قطر يسمى «الرؤية الوطنية 2030»، وفي سلطنة عُمان «رؤية عُمان 2040»وتشترك جميع هذه الدول في شيء واحد: وهو السعي الى تحويل المنطقة من دول مصدرة للنفط والغاز إلى دول موردة للطاقات الجديدة والتكنولوجيات الخضراء.
تحديات الاستثمار في ألمانيا
خلال العام 2022م، وبالرغم من اثار الحرب في أوكرانيا استمرت استثمارات الشركات الألمانية في الخارج والاستثمارات الأجنبية في ألمانيا في مستوى مقبول، حيث بلغت قيمة الاستثمارات المباشرة للشركات الألمانية في الخارج نحو 169 مليار يورو بينما بلغت الاستثمارات الأجنبية المباشرة في ألمانيا 44 مليار يورو. وهو ما يعني ان صافي العجز في الاستثمارات قد بلغ 125 مليار يورو، وهو الرقم الأعلى الذي يتم تسجيله على الاطلاق. ويؤشر هذا العجز القياسي في الاستثمارات أيضا الى العديد من التحديات التي تواجها ألمانيا كموقع لإقامة الاعمال والاستثمار في مقابل زيادة جاذبية دول صناعية أخرى تمتلك مميزات اقتصادية أفضل.
وقد انشغلت معاهد الأبحاث الاقتصادية الألمانية والعديد من الخبراء في البحث وراء الأسباب الرئيسية التي تعيق عمليات الاستثمار في الاقتصاد الألماني. وفي هذا المجال تأتي دراسة لمعهد الاقتصاد الألماني (IW) اعتبرت ان العقبات الرئيسية امام ألمانيا كموقع جاذب للاستثمارات الأجنبية يتمثل في ثلاث اسباب أساسية هي:
- النقص في العمالة الماهرة يمثل عبئًا كبيرًا على الشركات، حيث اظهرت دراسة حديثة، ان 76 في المئة من الشركات الصناعية المتوسطة الحجم تعتبر تكاليف العمالة ونقص العمال المهرة التحدي الأكبر أمامهم، حتى قبل ارتفاع أسعار الطاقة وزيادة البيروقراطية.
- قوانين وإجراءات دعم الاستثمار في العديد من الدول الصناعية الأخرى مثل قانون خفض التضخم الأمريكي الذي يهدف الى جذب الاستثمار الى الأسواق الأمريكية. بالإضافة الى ان السياسات الحمائية التي تتبعها بعض الدول اثرت على قدرة ألمانيا على التصدير بالمقارنة مع السنوات الماضية.
- مع زيادة الدعم لصناعة السيارات الكهربائية عالميا والتقدم الذي حققته بعض الدول مثل الولايات المتحدة والصين في هذا المجال والاتجاه المتزايد الى منع السيارات العاملة بمحرك الاحتراق الداخلي، فقد الاقتصاد الألماني أحد أبرز مميزات أهم قطاعاته الصناعية والمسؤول عن اهم الصادرات وهي صناعة السيارات.
علاوة على ذلك، اعتبر Christian Rusche، الخبير الاقتصادي في معهد IW ان «ظروف الاستثمار في ألمانيا تدهورت مؤخرًا مرة أخرى بسبب ارتفاع أسعار الطاقة والنقص المتزايد في العمال المهرة»، الى جانب التأثير السلبي لبعض السياسات والقوانين المحلية بما في ذلك الضرائب المرتفعة على الشركات والبيروقراطية المفرطة والبنية التحتية المتعثرة. وشدد Rusche على ان «الحكومة الاتحادية بحاجة ماسة إلى اتخاذ إجراءات مضادة لضمان أن تصبح ألمانيا العنوان الأول للاستثمارات الأجنبية مرة أخرى في المستقبل».
وفي سياق متصل، اظهرت دراسة لمعهد لايبنيز للبحوث الاقتصادية الأوروبية (ZEW)، تراجع ألمانيا كموقع للاستثمارات بالمقارنة مع 21 دولة صناعية أخرى خلال العام 2022م. وقد اعتمدت الدراسة على ستة معايير هي: الضرائب، العمل، التنظيم، الاستثمارات والبنية التحتية، التمويل والطاقة.
وقد تراجعت ألمانيا كموقع جاذب للاستثمار بشكل خاص في مجالات الضرائب والتنظيم والبنية التحتية، كما تظهر العلاقة بين تكاليف العمالة والإنتاجية أيضًا اتجاهًا غير مواتٍ مقارنة بالمنافسين. في قطاع الطاقة، تحتل ألمانيا المرتبة 18 بسبب ارتفاع أسعار الكهرباء، وعندما يتعلق الأمر بالعبء الضريبي للشركات، تحتل ألمانيا المرتبة ما قبل الأخيرة بين الدول الاحدى والعشرين، ويرجع Friedrich Heinemann ، المشرف على الدراسة والخبير الاقتصادي في ZEW ، هذا بشكل أساسي إلى التقاعس في اصلاح السياسة الضريبية الألمانية، في حين أن العديد من البلدان الأخرى مثل الولايات المتحدة وفرنسا قد خفضت الضرائب ، إلا أنها ظلت في ألمانيا على نفس المستوى منذ العام 2008م. ونتيجة لذلك، أصبح العبء الضريبي على الشركات الآن من أعلى المعدلات بين دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD.
وفقًا لدراسة معهد ZEW، تقدم ألمانيا أفضل أداء في مجال التمويل وتحتل المركز الأول في قائمة الدول الصناعية في هذا المجال، حيث لدى كل من الدولة والأسر الخاصة في ألمانيا مستوى ديون منخفض نسبياً، لذلك يمكن لألمانيا تحمل تكاليف الاستجابة للأزمات الكبرى من خلال برامج الإنفاق الحكومية الرئيسية للتخفيف من حدة الأزمات والتي يتم تمويلها غالباً من خلال الاقتراض. بالإضافة الى ذلك وعلى الرغم من تراجع ألمانيا في مجال «البنية التحتية «، إلا أنها لا تزال تحتل المرتبة الثالثة على مستوى الدول الثمان والثلاثين.
وكانت الدراسة قد صنفت الولايات المتحدة الأمريكية باعتبارها أفضل موقع للاستثمار، تليها كندا والسويد. حيث أظهرت الولايات المتحدة نتائج بارزة في مجالات التنظيم والإجراءات البيروقراطية والطاقة، اذ تتميز بأسعار طاقة مواتية ومخاطر استيراد منخفضة للنفط والغاز والفحم.
وعلى الرغم من التحديات التي تواجه ألمانيا كموقع للاستثمارات الا انها، وبحسب دراسة أجرتها شركة EY للاستشارات على مستوى العالم خلال العام 2023م، تظل أفضل موقع للاستثمار في أوروبا، حيث ارتفعت نسبة رجال الاعمال ومدراء الشركات العالمية الذين يصنفون ألمانيا كواحدة من أفضل ثلاثة مواقع في أوروبا للاستثمار إلى 62 في المئة مقارنة بنسبة 42 في المئة الناتجة عن الاستطلاع الذي أجري في العام 2022م. وأتت فرنسا (47 في المئة) وبريطانيا (43 في المئة) في المركزين الثاني والثالث.
وكان تراجع ألمانيا في استطلاع العام الماضي ناتج عن وجود مخاوف كبيرة بشأن حدوث أزمة طاقة حادة وخسائر في الإنتاج في ألمانيا. وهو ما اختلف في العام الحالي بعد ان ظهر ان ألمانيا تعاملت بسرعة نسبية مع اضطرابات سلاسل التوريد الناتجة عن الحرب في أوكرانيا والعقوبات المفروضة على روسيا. وتؤكد الدراسة أن السياسة والإدارة الألمانية وكذلك الشركات والمؤسسات الألمانية المتوسطة الحجم قد وجدت حلولًا فعالة، وإن كانت باهظة الثمن في بعض الأحيان، للتعامل مع الأزمات المختلفة في السنوات القليلة الماضية.