تشهد الاعمال والصناعة والتجارة عملية تحول جذرية في طريقة انجاز العمل وتنفيذ المهمات والإنتاج وتعزيز كفاءة الأداء على مختلف مستويات العمل. حيث ساهم التقدم التكنولوجي وتقنية المعلومات والرقمنة على الدفع القوي لعملية التحول هذه والتي ما تزال تشهد مزيدًا من الديناميكية والتقدم عبر تقنيات مثل انترنت الأشياء والذكاء الاصطناعي. وإذا ما كانت الثورة الصناعية الرابعة هي أبرز وأشهر تطبيقات تورة المعلوماتية الا ان التطبيقات الأخرى لهذه الثورة ليست أقل أهمية، ومن أبرز هذه التطبيقات تكنلوجيا الاعمال والتي تشمل ثلاث مجالات أساسية هي رقمنة التجارة (التجارة الإلكترونية)، رقمنة الإدارة ورقمنة سلاسل التوريد.

رقمنة التجارة (التجارة الإلكترونية)

تعد التجارة الإلكترونية واحدة من أبرز الظواهر التي شهدها العالم في العقد الأخير، حيث أحدثت ثورة في طريقة عمل الشركات وتسويق منتجاتها. حيث تتيح التجارة الإلكترونية للشركات بيع منتجاتها وخدماتها عبر الإنترنت دون الحاجة إلى وجود متاجر تقليدية، مما يفتح الباب أمام فرص جديدة ويسهل الوصول إلى العملاء في جميع أنحاء العالم. وقد غيرت هذه التطورات التكنولوجية بشكل كبير أنماط وسلوكيات الاستهلاك في مختلف المجتمعات.

وتشير التجارة الكترونية إلى عملية بيع وشراء المنتجات والخدمات عبر الإنترنت، حيث يتم إجراء الصفقات النقدية والتبادلات التجارية عبر منصات إلكترونية مثل المواقع الإلكترونية والتطبيقات المحمولة. تتضمن التجارة الإلكترونية مجموعة متنوعة من الأنماط مثل التجارة الإلكترونية بين رجال الأعمال (B2B)، والتجارة الإلكترونية بين الشركات والمستهلكين (B2C)، والتجارة الإلكترونية بين المستهلكين (C2C).

بلغ حجم مبيعات السلع عبر التجارة الالكترونية في ألمانيا في العام 2023م نحو 80 مليار يورو تقريبًا متراجعة عن المستوى الذي حققته في العام 2022م بنسبة 11.8 في المئة حيث بلغت مبيعات السلع عبر التجارة الإلكترونية في ذلك العام نحو 90 مليار يورو. وعلى الرغم من الارتفاع في مبيعات الخدمات الرقمية مثل حجوزات العطلات أو مبيعات تذاكر الحفلات الموسيقية، والتي زادت بنسبة 12.7 في المئة لتصل إلى 12.7 مليار يورو الا ان الزيادة التي سجلتها مبيعات الخدمات الرقمية في العام 2022م كانت أكبر بكثير حيث سجلت زيادة بنسبة 40 في المئة تقريبًا. وبشكل اجمالي بلغت مبيعات إجمالي التجارة الإلكترونية (السلع والخدمات) أقل من 100 مليار يورو لأول مرة منذ عام 2020م.وعلى الرغم من انخفاض مبيعات التجارة الالكترونية العام الماضي، إلا أنها ما تزال أعلى بنسبة 62 في المئة عما كانت عليه قبل تفشي جائحة كورونا في عام 2019م.

ويعود تراجع قيمة مبيعات التجارة الالكترونية في المانيا إلى الوضع الاقتصادي الغير مناسب ومخاطر ضعف النمو واحتمالية حدوث ركود اقتصادي الى جانب التوقعات المستقبلية غير المؤكدة للعديد من المستهلكين، ولهذا فان الاحتمالية الكبيرة لعودة الاقتصاد الألماني الى النمو مرة أخرى في العام الحالي يقوى التوقعات بانتهاء تراجع التجارة الالكترونية على مدار عام 2024م، كما انه من المتوقع نمو المبيعات في السوق الإجمالي بنسبة 2 في المئة للعام بأكمله.

بالنسبة للعديد من تجار التجزئة عبر الانترنت فان تغيير استراتيجية البيع وتقوية الخدمات ومراعاة الأنماط الجديدة أمر أساسي لتحقيق النمو مرة أخرى في مبيعاتهم، ويقول Lars Hofacker، رئيس قسم الأبحاث الإلكترونية في معهد EHI لدراسة تجارة التجزئة «الشركات التي تعمل الآن على تبسيط عملياتها وتحسين التكاليف والتركيز بشكل أوثق على احتياجات العملاء لديها الآن فرصة للخروج من الأزمة بشكل أقوى والنمو بدرجة أكبر من الاتجاه العام للنمو في تجارة التجزئة».

رقمنة الإدارة

مع تطور التكنولوجيا وتقدم العصر الرقمي، أصبحت رقمنة الإدارة أمرًا لا بد منه للشركات والمؤسسات التي تسعى للبقاء والازدهار في سوق التنافس العالمي. تتعلق رقمنة الإدارة بتحويل العمليات التقليدية إلى عمليات رقمية باستخدام التكنولوجيا الحديثة، مما يعزز الكفاءة والفعالية ويساهم في تحسين الأداء العام للمنظمة. وتشير رقمنة الإدارة إلى استخدام التكنولوجيا الرقمية لتحسين عمليات الإدارة داخل المؤسسات. وتشمل هذه العمليات مجموعة متنوعة من الأنشطة مثل إدارة الموارد البشرية والمالية والعمليات والتسويق وغيرها. وتهدف رقمنة الإدارة إلى تبسيط العمليات، وتحسين جودة البيانات، وزيادة الإنتاجية، وتقديم تجربة أفضل للعملاء. كما تساعد الرقمنة المديرين على تتبع أداء العمل وتقدم موظفيهم ومشاريعهم. بالإضافة الى مساعدة المديرين على التواصل بشكل أكثر فعالية مع موظفيهم، إلى جانب ذلك، يمكن للرقمنة أن تساعد في تقليل كمية الورق والمهام الإدارية الأخرى التي يتعين على المديرين التعامل معها على أساس يومي.

فوائد رقمنة الإدارة:

  1. زيادة الكفاءة: يسهل استخدام التكنولوجيا الرقمية العمليات اليومية للمؤسسة، مما يقلل من الأخطاء البشرية ويزيد من سرعة الإنجاز.
  2. تحسين تحليل البيانات: توفر أنظمة إدارة البيانات الرقمية تحليلات متقدمة تساعد في فهم الاتجاهات واتخاذ القرارات الاستراتيجية بشكل أفضل.
  3. تحسين التواصل والتعاون: تتيح الأنظمة الرقمية تبادل المعلومات بسرعة بين الأقسام والموظفين، مما يعزز التعاون والتنسيق داخل المؤسسة.
  4. تحسين تجربة العملاء: من خلال استخدام تكنولوجيا الإدارة الرقمية، يمكن للشركات تحسين خدماتها وتلبية احتياجات العملاء بشكل أفضل.
  5. توفير التكاليف: بفضل التشغيل الأوتوماتيكي والتوجيه الذكي للموارد، يمكن للشركات تقليل التكاليف الإدارية بشكل كبير.
  6. زيادة الشفافية والتواصل: تساعد الرقمنة في تحسين الشفافية والتواصل داخل المؤسسة حيث تسهل الأدوات والمنصات الرقمية تبادل المعلومات والتعاون مع الآخرين. على سبيل المثال، يمكن لأدوات التعاون عبر الإنترنت أن تساعد أعضاء الفريق على البقاء على اتصال ومشاركة التحديثات حول المشاريع. يمكن أيضًا استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لمشاركة الأخبار والإعلانات مع الموظفين.
  7. تحسين عملية صنع القرار: تمكن الرقمنة أيضًا من تحسين عملية صنع القرار داخل المنظمة، إذ توفر الأدوات الرقمية المختلفة إمكانية الوصول إلى البيانات والتحليلات التي يمكن استخدامها لاتخاذ قرارات مستنيرة. على سبيل المثال يمكن استخدام البيانات من التقارير المالية لاتخاذ قرارات عمل أفضل.

رقمنة سلاسل التوريد

سلاسل التوريد هي عبارة عن شبكات تتألف من الشركات والموردين والمصنعين والموزعين والعملاء، وتتضمن جميع الخطوات اللازمة لتوفير المنتجات أو الخدمات من المصدر إلى العميل النهائي. ومع تطور التكنولوجيا، باتت عمليات سلاسل التوريد تتجه نحو التحول الرقمي، حيث تعتمد على الحوسبة وتقنيات الذكاء الاصطناعي والتحليلات الضخمة وإنترنت الأشياء لتحسين الكفاءة وتعزيز التفاعل بين الجهات المعنية. وتوفر الرقمنة في سلاسل التوريد والخدمات اللوجستية فرصًا لا مثيل لها للصناعة بأكملها لتحسين جميع العمليات.

في سياق التحول الرقمي، أصبح عمل الشركات أسهل ويتم تبسيط الوصول إلى نماذج الأعمال الجديدة والمبتكرة. وهذا لديه القدرة على زيادة ربحية أي عمل مع تحسين النقل. ولا يساعد هذا التحول إلى العمليات الرقمية شركات الخدمات اللوجستية فحسب، بل يساعد أيضًا شركات الشحن والعملاء النهائيين، حيث يصبح النقل أكثر أمانًا وسرعة ومرونة وأكثر فعالية من حيث التكلفة.

هناك العديد من التطبيقات التقنية التي تلعب دورًا حيويًا في رقمنة سلاسل التوريد، ومن بين أهمها:

  1. نظم إدارة علاقات العملاء (CRM): تُستخدم نظم CRM لتتبع وإدارة علاقات الشركة مع عملائها. من خلال تحليل بيانات العملاء وسجلات الاتصالات، يمكن للشركات تحسين فهمها لاحتياجات العملاء وتقديم خدمات مخصصة وتحسين تجربة العملاء.
  2. تقنيات البيانات الضخمة (Big Data): تساعد تقنيات البيانات الضخمة في معالجة وتحليل كميات كبيرة من البيانات لاستخراج الأنماط والاتجاهات والتحليلات الجديدة التي يمكن استخدامها لتحسين عمليات سلاسل التوريد واتخاذ قرارات أفضل.
  3. إنترنت الأشياء (IoT): يمكن استخدام أجهزة إنترنت الأشياء لرصد وتتبع البضائع والمنتجات أثناء رحلتها عبر سلسلة التوريد. توفر هذه المعلومات القيمة حول حالة المنتجات والظروف البيئية والموقع، مما يساعد في تحسين إدارة المخزون والتوزيع.
  4. الذكاء الاصطناعي (AI) وتعلم الآلة (Machine Learning): تُستخدم تقنيات الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة في تحليل البيانات وتوقع الطلب وتحسين التخطيط والجدولة في سلاسل التوريد. يمكن استخدامها أيضًا في تحسين عمليات الصيانة التنبؤية وتقديم الإرشادات الذكية.
  5. تقنيات البلوكتشين (Blockchain): تعتبر تقنيات البلوكتشين مفيدة لتحقيق الشفافية والأمان في سلاسل التوريد، حيث يمكن استخدامها لتتبع أصول المنتج وضمان مصداقية المعلومات وتأمين العقود الذكية بين الأطراف.

في ألمانيا، تمتلك رقمنة سلاسل التوريد أهمية كبيرة في تعزيز الكفاءة وتحسين التنافسية في السوق العالمية. خصوصا ان الاقتصاد الألماني موجة بدرجة رئيسية الى التصدير بالإضافة الى ان الشركات الصناعية الألمانية واجهت خلال الفترات الماضية ونتيجة لجائحة كورونا العديد من الصعوبات في تامين سلاسل التوريد وهو ما دفع هذه الشركات الى إعادة تشكيل سلاسل التوريد الخاصة بها فإلى جانب رقمنة سلاسل التوريد تواصل الصناعة الألمانية تحويل سلاسل إمدادها حتى بعد جائحة كورونا، بهدف تقليل مخاطر الانقطاعات. تركز الشركات في هذا الصدد بشكل أساسي على التنويع. ووفقًا لدراسة اجراها معهد الدراسات الاقتصادية التابع لجامعة ميونخ ifo، فإن 58 في المئة من الشركات المستطلعة قامت في العام 2023م، بتوسيع نطاق سلاسل إمدادها واكتساب موردين جدد. كما يخطط ثلث هذه الشركات لزيادة قاعدة مورديها بشكل مستقبلي. يقول Andreas Baur الباحث في المعهد، «على الرغم من الانخفاض الواضح في اضطرابات سلاسل الإمداد ونقص المواد في العام الماضي، فإن تحويل سلاسل الإمداد في الصناعة الألمانية مستمر بوتيرة كاملة. وتُعتبر خاصة تنويع سلاسل الإمداد مهمة طويلة الأمد تتطلب من الشركات إصرارًا طويل الأمد.»

وبحسب الدراسة ايضًا قامت 45 في المئة من الشركات الصناعية بزيادة مخزونها في العام الماضي. ومع ذلك، تخطط فقط 12 في المئة منها لزيادة مخزوناتها في المستقبل. وفقًا ل Baur «قام العديد من الشركات بتوسيع مخزوناتها ردًا على اضطرابات سلاسل الإمداد الناجمة عن الجائحة. يبدو أن هذه العملية التكيفية قد اكتملت الآن في كثير من الحالات». بالإضافة إلى ذلك، قامت 44 في المئة من الشركات بتحسين مراقبة سلاسل إمدادها. وقام 17 في المئة منها بزيادة عمق تصنيعهم ودمج خطوات الإنتاج التي كان يُستعان بها في السابق من خارج الشركة.

كما أظهرت الدراسة ان هناك فروقات بحسب الصناعة في التكيفات والتعديلات التي تجري على سلاسل الإمداد، ففي صناعة الإلكترونيات، زادت 80 في المئة من الشركات عدد مورديها ومصادر توريدها وكذلك في 71 في المئة من الشركات العاملة في صناعة الآلات. بينما تبلغ هذا النسبة في قطاع صناعة المنتجات المطبوعة فقط 28 في المئة، وفي صناعة الورق 37 في المئة. في صناعة السيارات، تعتمد العديد من الشركات الآن على توسيع صناعتها للمواد الأولية التي تحتاجها حيث بدأت 34 في المئة من هذه الشركات في صناعة المنتجات الأولية بأنفسها التي كانت تُشترى من موردين مستقلين في السابق.