مع تزايد الازمات والتحديات الجيوسياسية خلال السنوات الأخيرة والتي منها على سبيل المثال جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية والحرب في الشرق الأوسط والتوترات بين الصين وتايوان أسبابًا لتزايد المخاوف حول أمان سلاسل التوريد ومدي تبعية واعتماد ألمانيا والشركات الألمانية على عدد محدود من الدول والموردين لتزويدها بالمواد الخام والمواد الصناعية الأولية. وبحسب دراسة جديدة أجرتها شركة Deloitte للاستشارات فان اعتماد الشركات الألمانية على استيراد المواد الخام الهامة مثل الليثيوم والسيليكون والكوبالت وكذلك المنتجات الصناعية الأولية مثل البطاريات وأشباه الموصلات قد زادت خلال العشر السنوات الماضية.
وتؤكد الدراسة أيضًا ان سلاسل التوريد لنحو نصف الشركات الألمانية تأثرت في عام 2023م بندرة المواد الخام، وكان ثلاثة أرباع هذه الشركات متأثرة أيضًا بارتفاع أسعار المواد الخام. كما ارتفعت مخاطر اضطراب سلاسل التوريد للشركات في ألمانيا فعلى سبيل المثال في حال تصاعد الصراع بين الصين وتايوان او حدوث كوارث طبيعية في البلدين فان ذلك “سيؤثر على ضمان 24 في المئة من واردات ألمانيا من كربونات الليثيوم و41 في المئة من واردات بطاريات الليثيوم و33 في المئة من واردات أشباه الموصلات والشرائح الإلكترونية”. وتتفاوت درجة اعتماد ألمانيا على المواد الخام والمواد الصناعية المختلفة فمثلا تعتمد ألمانيا على 70 في المئة من وارداتها من مادة كربونات الليثيوم والتي تستخدم في صناعة الالمونيوم من دولتين هما تشيلي بنسبة 47 في المئة والصين بنسبة 24 في المئة والتي كان نصيبها من واردات ألمانيا من هذه المادة لا يتجاوز نسبة واحد في المئة العام 2013م. ويرتفع اعتماد ألمانيا في وارداتها من بطاريات الليثيوم من الصين الى 41 في المئة بعد ان كانت هذه النسبة تصل قبل عشر سنوات الى 27 في المئة فقط. في أشباه الموصلات والشرائح الالكترونية تعتمد ألمانيا على وارداتها من أسيا بشكل كبير حيث تحصل على 23 في المئة من حاجتها من هذه المواد الصناعية الأولية من تايوان و13 في المئة من ماليزيا و10 في المئة من الصين و8 في المئة من الفلبين وكذلك نفس النسبة من تايلند. وتزداد اعتمادية ألمانيا على بعض المعادن والمواد الخام الى درجة كبيرة خصوصا في المعادن التي تحتكر الصين انتاجها ويشمل ذلك بدرجة رئيسية الجاليوم والجرمانيوم، اللذان يعتبران عنصرين مهمين لصناعة أشباه الموصلات والتي تعتمد ألمانيا بنسبة 83 في المئة من واردتها من هذين المعدنين على الصين، بالإضافة إلى المواد الخام النادرة مثل براسيوديم، نيوديميوم، تيربيوم وديسبروسيوم، والتي تشكل جزء أساسيًا لا يستغنى عنه في تصنيع المحركات الكهربائية وتوربينات الرياح والتي تبلغ نسبة احتكار الصين لإنتاج وتجارة هذه المواد نسبة 87 في المئة.
وتمثل الإشكالية في احتكار الصين لإنتاج العديد من المواد الخام والمعادن النادرة في إمكانية استخدامها في بعض الأحيان من قبل الحكومة الصينية في الصراعات الجيوسياسية ويظهر ذلك جليا من خلال تقييد الصين المؤقت لصادراتها من الجاليوم والجرمانيوم بداية من أغسطس2023م لعدة أشهر وهو ما أدى الى نقص كبير في المعروض من هذين المعدنيين في الأسواق لمدة أربعة أشهر، ويعود عدم حدوث أزمات خطيرة في صناعة أشباه الموصلات إلى ان الشركات اليابانية الكبيرة المصنعة لأشباه الموصلات كانت قد قامت ببناء مخزون كاف من هذين المعدنيين مسبقًا.
وينتقد معدو الدراسة التفاؤل الزائد التي تظهره الشركات الصناعية الألمانية في موضوع استلامها حاجتها من المواد الخام والمواد الصناعية الأولية في الوقت المناسب، وينتقدون أيضًا، وباستثناء القليل من الحالات، ان الشركات الألمانية لا تقوم بإنشاء مخزونات استراتيجية من هذه المواد كما تفتقر إلى إدارة المخاطر المناسبة “بالطبع، يرتبط بناء المخزونات بتكاليف إضافية، لكن التكاليف ستكون أغلى في حال توقف الإنتاج بسبب نقص المواد الخام.” ويسعى الاتحاد الأوروبي لمواجهة هذه الاعتمادية المتزايدة على واردات المواد الخام ولهذا قدمت المفوضية الأوروبية قانون المواد الخام الحيوية والذي وفقًا له، لا يجوز أن تأتي أكثر من 70 في المئة من الاحتياجات السنوية للمواد الخام الاستراتيجية من دولة واحدة خارج الاتحاد الأوروبي بحلول عام 2030م.