بحسب التصنيف الجديد لأفضل مواقع الاستثمار والعمل للشركات العائلية الذي أعده مركز البحوث الاقتصادية الأوروبية (ZEW) في مانهايم، بتكليف من مؤسسة الشركات العائلية (Stiftung Familienunternehmen)، جاءت ألمانيا في المرتبة 17 من بين 21 دولة صناعية شملها التصنيف. وكانت ألمانيا قد احتلت قبل عامين المركز 18. لكن وفقاً لمركز ZEW، فإن التقدم الذي حققته ألمانيا في التصنيف يعود فقط إلى تراجع المجر بسبب تدهور مؤسساتها القانونية. ومنذ بدء هذا التصنيف في عام 2006م، تراجعت ألمانيا خمس مراتب. ويؤكد الاقتصادي Friedrich Heinemann، الذي يقود مشروع التصنيف “كان تدهور موقع ألمانيا قد بدأ قبل الحكومة الاتحادية الحالية، لكن الحكومة لم تفعل الكثير لوقف هذا التدهور”.
تلعب الشركات العائلية دوراً مهماً في ألمانيا، حيث تشكل 90 في المئة من إجمالي الشركات، وتوظف 57 في المئة من العاملين في ألمانيا. وتظهر نتائج التصنيف، من وجهة نظر Ulrich Stoll، عضو مجلس إدارة مؤسسة الشركات العائلية، مدى الحاجة الماسة إلى وضع أجندة لتحسين الاقتصاد. يقول Stoll: “انتخابات البرلمان الاتحادي القادمة ستكون حاسمة لتحديد ما إذا كنا سنشهد تحولاً في السياسات الاقتصادية”. حيث يشير تصنيف موقع الاستثمار الذي أعده مركز ZEW ومؤسسة الشركات العائلية إلى أن المشكلات في ألمانيا ذات طبيعة هيكلية، مما قد يؤدي إلى استمرار ضعف النمو الاقتصادي أو انخفاضه لفترة طويلة.
تتصدر التصنيف دول مثل الدنمارك والسويد، تليها كندا والولايات المتحدة. وبالنسبة ل Ulrich Stoll، فان هذه نتيجة مشجعة حيث تثبت ان “الظروف الاقتصادية في أوروبا ليست سيئة للغاية كما يبدو، وان ألمانيا لديها القدرة على تحسين وضعها الاقتصادي والعودة إلى المسار الصحيح”. ويستند تصنيف موقع الاستثمار إلى إحصائيات واستطلاعات في ستة مؤشرات: الضرائب، العمل، التنظيم، التمويل، البنية التحتية والمؤسسات، والطاقة.
الضرائب (المرتبة 20): فيما يتعلق بالضرائب على الشركات العائلية، تأتي ألمانيا في الترتيب ما قبل الأخير وتتقدم فقط على اليابان في هذا المجال. يشمل تحليل مركز البحوث الاقتصادية الأوروبية ZEW، العبء الضريبي، وتعقيد النظام الضريبي، والقواعد الخاصة بالأنشطة التجارية عبر الحدود. وتُعتبر ضريبة الميراث ذات أهمية كبيرة في هذا المؤشر الفرعي، حيث تبلغ نسبتها في ألمانيا بين 7 في المئة و50 في المئة. بينما على سبيل المثال، لا تفرض السويد ضريبة ميراث على الإطلاق. وتتصدر هذا المؤشر الدول الأوروبية الشرقية مثل سلوفاكيا، التشيك، وبولندا بفضل العبء الضريبي المنخفض إجمالاً.
العمل (المرتبة 20): يشمل هذا المؤشر تكاليف العمل، الإنتاجية، ومستوى التعليم. ولا تزال إيرلندا في المقدمة بسبب إنتاجيتها العالية وتكاليف العمل المنخفضة. أما ألمانيا، فتواجه تكاليف عمل مرتفعة مع إنتاجية منخفضة نسبياً، بالإضافة إلى الأداء السيئ في اختبارات “بيزا” للتعليم. وتأتي إيطاليا فقط خلف ألمانيا في هذا المجال.
التنظيم (المرتبة 17): يركز هذا المؤشر على الإجراءات البيروقراطية المطلوبة لتأسيس الشركات وإدارتها، وتنظيم سوق العمل، وسهولة التجارة مع الشركاء الدوليين. ويعتبر أداء ألمانيا ضعيفاً في هذا المؤشر بسبب نظام المشاركة القوي في القرارات داخل الشركات. بينما على النقيض، تتمتع الدول الأنجلوسكسونية بحرية أكبر في اتخاذ القرارات الإدارية. رغم ذلك، يشير الخبراء إلى أن التنظيم الجيد والتنسيق بين الأطراف الفاعلة يمكن أن يكون له أثر إيجابي. على سبيل المثال، تقدمت فرنسا في الترتيب بعد انخفاض الإضرابات في القطاع العام. وتتصدر الولايات المتحدة وإيرلندا هذا المجال، يليهما الدنمارك والسويد من دول الاتحاد الأوروبي.
التمويل (المرتبة الأولى): فيما يتعلق بالتمويل، يتضمن المؤشر حماية الدائنين، سهولة الوصول إلى القروض، ومستوى ديون الدولة. تستمر ألمانيا في الصدارة بسبب قدرتها على تقديم معلومات دقيقة عن الجدارة الائتمانية للشركاء المحتملين. ومع ذلك، يظل الوصول إلى سوق القروض بحاجة إلى تحسين، خاصة بالنسبة للشركات العائلية الناشئة، التي تواجه صعوبات في تمويل مراحل نموها.
البنية التحتية والمؤسسات (المرتبة العاشرة): لا تزال الدول الثلاث الأولى في هذه الفئة دون تغيير: الدنمارك، سويسرا، وهولندا. وبحسب Heinemann، فإن أحد الأسباب وراء انتقال المزيد من الشركات العائلية إلى سويسرا هو أن ظروف العمل هناك تُعتبر أفضل، رغم ارتفاع تكاليف الأجور. وتأتي ألمانيا في مرتبة متوسطة. وتتمثل نقاط القوة في ألمانيا في هذا المجال في التحكم في الفساد. ومع ذلك، تُظهر نتائج سيئة للغاية في مجال البنية التحتية، خاصة في قطاع السكك الحديدية. كما تدهور وضع ألمانيا فيما يتعلق بمستوى التهديدات الإرهابية.
الطاقة (المرتبة الثامنة): حققت ألمانيا تقدمًا ملحوظًا في مؤشر الطاقة، حيث كانت قبل عامين في المرتبة 18. يقول Heinemann: “هذا ربما هو الأمر المفاجئ”. يعود السبب في ذلك إلى تعامل ألمانيا مع صدمة الطاقة الناتجة عن الحرب الروسية الاوكرانية. وقد تمكنت البلاد من تعويض النقص في الغاز الروسي بشكل كبير، مما أدى إلى تقليل مخاطر استيراد الطاقة. ومع ذلك، تظل الشركات العائلية في ألمانيا تعاني من ارتفاع أسعار الكهرباء، خاصة بالمقارنة مع الولايات المتحدة وكندا.