تسعى الحكومة الألمانية الى التوسع في بناء مزارع الرياح لتوليد الطاقة الكهربائية باعتبارها أحد أفضل مصادر الطاقة المتجددة وأكثرها فاعلية، حيث بلغت حصة طاقة الرياح (المولدة عبر مزارع الرياح في البحر وعلى اليابسة) ما يقرب من 21.7 في المئة من اجمالي الطاقة الكهربائية في ألمانيا في عام 2022م، وذلك بواسطة أكثر من 28000 من توربينات الرياح على اليابسة وحوالي 1500 من توربينات الرياح في البحر. ويتم انتاج أكثر من نصف الكهرباء المولدة في ألمانيا بواسطة مصادر الطاقة المتجددة عبر طاقة الرياح. كما تعد ألمانيا الدولة التي لديها أعلى توليد للكهرباء من طاقة الرياح في القارة الاوروبية قبل المملكة المتحدة وإسبانيا وفرنسا.
ومع ازمة الطاقة التي شهدتها ألمانيا والقارة الأوروبية بعد الحرب الروسية الأوكرانية والتي أدت الى ارتفاع كبير في أسعار الطاقة وكذلك توقف الامدادات خصوصا من الغاز الطبيعي من روسيا والتي انعكست بالسلب على الاقتصاد ورفعت معدلات التضخم وأسعار السلع بدرجة كبيرة، أعلنت الحكومة الألمانية عن خططها لضخ مزيد من الاستثمارات في مجال الطاقة المتجددة وعلى رأسها طاقة الرياح وتسريع عملية التوسع في هذا الجانب. وتتضمن خطط الحكومة الوصول بإجمالي الطاقة الكهربائية المولدة عن طريق الرياح الى 115 جيجاوات بحلول العام 2030م، مقابل 56 جيجاوات يتم انتاجها عبر طاقة الرياح حالياً، والتي استغرق بناؤها 20 عاماً. لذلك تخطط الحكومة لتركيب توربينات رياح جديدة لتوليد 59 جيجاوات في غضون سبع سنوات حتى العام 2030م، حتى يتم تحقيق الحجم المستهدف من انتاج الطاقة الكهربائية بواسطة طاقة الرياح. لكن وبحسب تقييم معهد اقتصاديات الطاقة بجامعة كولونيا (EWI)، فانه من الصعب تحقيق هذا الحجم من الطاقة خلال هذه المدة. فوفقاً للمعهد فانة يجب خلال الفترة من عام 2023م وحتى نهاية العام 2029م، إضافة 6 توربينات رياح تقريباً كل يوم بمتوسط إنتاج 4.2 ميجاوات لكل توربين. وتُظهر مقارنة تاريخية مدى صعوبة انجاز ذلك، فخلال الفترة بين 2010-2021م، تم في المتوسط تركيب حوالي 3.5 توربينات رياح يوميًا بمتوسط إنتاج بلغ 2.8 ميجاوات للتوربين الواحد.
وتظهر صعوبة انجاز خطط الحكومة في توسيع طاقة الرياح من خلال العديد من المؤشرات منها ما أعلنته وكالة طاقة الرياح (Fachagentur Windenergie) من ان العام 2022م، شهد تركيب عدد قليل من توربينات الرياح بطاقة اجمالية لا تتجاوز 2.5 جيجاوات. ولا يتوقع Jürgen Quentin، الخبير في شئون الطاقة في الوكالة، أن تتسارع وتيرة التوسع بشكل كبير في طاقة الرياح أو أن الوضع سيتحسن بشكل ملحوظ في وقت قريب، مرجعاً ذلك الى “الارتفاع الحاد في أسعار توربينات الرياح، وزيادة الفائدة على القروض الرأسمالية، الى جانب مشاكل تسليم المواد الأولية اللازمة لصناعة التوربينات، والتي تعمل جميعاً على إبطاء التوسع في طاقة الرياح في ألمانيا”.
بالإضافة الى ذلك ترى Kerstin Andreae، الرئيس التنفيذي لاتحاد إدارة الطاقة والمياه (BDEW)، ان الإشكالية الرئيسية تتمثل في إجراءات التخطيط والحصول على الموافقات الخاصة بتركيب توربينات الرياح، والتي تستغرق حالياً وقت طويلاً. هذا الى جانب عوائق إضافية تتمثل في معارضة العديد من المواطنين في عدد من المناطق والولايات الفيدرالية تركيب توربينات الرياح في المناطق المجاورة لهم، كما هو الامر كذلك في المعايير العالية فيما يتعلق بالحفاظ على الطبيعة أو حماية الآثار والتي كثيرا ما تسببت ايضاً في تأخير الحصول على الموافقات والتصاريح اللازمة لتنفيذ مشاريع طاقة الرياح.
من جانبها وضعت وزارة الاقتصاد وحماية البيئة الاتحادية خطة للتوسع في طاقة الرياح خلال السنوات القادمة تتضمن إضافة خمسة جيجاوات من طاقة الرياح في عام 2023م، وثمانية جيجاوات في عام 2024م، وعشرة جيجاوات لكلٍ من عام 2025م وحتى العام 2029م. ويقول Tobias Sprenger، الخبير في معهد اقتصاديات الطاقة بجامعة كولونيا “ان الحكومة الاتحادية وضعت لنفسها أهدافًا طموحة لتوسيع الطاقات المتجددة، بحيث يجب أن يتضاعف معدل التوسع في طاقة الرياح ثلاث مرات في المتوسط بحلول عام 2030م”. خصوصا مع سعي الحكومة لان ترتفع مساهمة الطاقات المتجددة في انتاج الكهرباء في ألمانيا الى 80 في المئة.
وقد عملت الحكومة خلال السنوات الماضية على تذليل بعض هذه التحديات من خلال اقرار البرلمان الألماني (البوندستاج) في العام 2022م، لقانون ينص على تخصيص ما مساحته 2 في المئة من أراضي كل ولاية فيدرالية لمزارع الرياح وذلك حتى العام 2032م، على أبعد تقدير. بينما تمثل هذه المساحة الآن أقل من واحد في المئة. بالإضافة إلى ذلك، تم تبسيط إجراءات الموافقة وإزالة العقبات البيروقراطية على تركيب توربينات الرياح الجديدة. على المستوى الأوروبي وافق مجلس وزراء الطاقة في الاتحاد الأوروبي على سلسلة من الإجراءات التي ينبغي أن تعزز أيضًا توسيع مصادر الطاقة المتجددة وخصوصا طاقة الرياح.