بسبب موقعها المركزي في وسط أوروبا تعد ألمانيا مركزًا للحركة الجوية الدولية، حيث توفر اتصال بالطائرة إلى جميع انحاء العالم، كما يتم التعامل مع نسبة كبيرة من حركة النقل الدولية في أوروبا عبر المطارات الألمانية. وتعتبر صناعة النقل الجوي في ألمانيا ذات أهمية اقتصادية كبيرة كقطاع اقتصادي مستقل وكذلك في ضوء وظيفة القطاع كمزود خدمة لفروع الاقتصاد الأخرى. اذ تساهم الحركة الجوية في ألمانيا مساهمة كبيرة في النمو والتوظيف. بالإضافة إلى ذلك، نجحت صناعة الطيران في ربط الاقتصاد الألماني بجميع أسواق الموردين والمبيعات المهمة في العالم، وهو ما يخلق ويضمن المزيد من فرص العمل والقيمة المضافة في ألمانيا داخل قطاع النقل الجوي وأيضا داخل الاقتصاد الكلي. كما ترتبط العديد من القطاعات الاقتصادية ارتباطا أساسيا بقطاع النقل الجوي كقطاع السياحة على سبيل المثال.
بنية قطاع النقل الجوي الألماني
يصف مصطلح النقل الجوي أو قطاع النقل الجوي عملية نقل الركاب والبضائع بالطائرة. ويتكون قطاع النقل الجوي من ركيزتين: مراكز الدعم اللوجستي «المطارات» وشركات الطيران. بالنسبة للمطارات يوجد في ألمانيا 27 مطارا رئيسيا ترتبط ألمانيا من خلالها بنحو 388 خط دولي مباشر مع العالم، تمثل مطارات برلين وميونخ ومطار فرانكفورت ومطار دوسلدورف ومطار هالة-لايبتزج اهم المطارات الألمانية. وقد تم في العام 2019م نقل ما يقرب من 227 مليون شخص عن طريق الجو في المطارات الألمانية. تم التعامل مع معظم الركاب في مطار فرانكفورت (ما يقرب من 70.5 مليون مسافر)، وجاء مطار ميونيخ في المرتبة الثانية (47.9 مليون مسافر). وتم التعامل مع حوالي (24.2 مليون مسافر) في مطار برلين تيجيل في عام 2019م. (تم إغلاق المطار في 8 نوفمبر 2020م مع بدء تشغيل مطار BER الجديد، برلين براندنبورغ). وكانت اهم وجهات السفر الجوي هي إسبانيا وتركيا وإيطاليا. كما كان حجم نقل البضائع عن طريق الجو في ألمانيا في عام 2019م في حدود 4.8 مليون طن. اما بالنسبة لاهم شركات الطيران الألمانية فتعد مجموعة لوفتهانزا، والتي يضم اسطولها 421 طائرة، أكبر شركة طيران ألمانية حيث نقلت حوالي 145 مليون مسافر في عام 2019م. في المرتبة الثانية تأتي شركة طيران كوندور Condor التي نقلت 9,4 مليون مسافر ومن ثم طيران توي فلاي TUIfly والذي نقل 7,9 مليون مسافر عام 2019م. وقد بلغ عدد العاملين في القطاع، سواءً في خطوط الطيران او في المطارات، نحو 260 ألف موظف.
اثار ازمة كورونا على قطاع النقل الجوي في ألمانيا
تعد صناعة النقل الجوي واحدة من أكثر القطاعات الاقتصادية تضررا من ازمة كورونا والتي تسببت في خسائر هائلة للصناعة في جميع انحاء العالم وكما هو الحال ايضاً في ألمانيا، فبينما سجلت شركات الطيران التجارية في جميع انحاء العالم إيرادات إجمالية بلغت 838 مليار دولار من نقل الافراد والبضائع في عام 2019م. تشير التقديرات الى ان هذه الإيرادات بلغت 419 مليار دولار فقط في عام 2020م بسبب أزمة كورونا. والى جانب التراجع الكبير في الإيرادات وفي ضوء الموجات المتتالية لجائحة كورونا، يتوقع اتحاد الطيران الدولي (IATA) خسائر تشغيلية أعلى من ذي قبل للعام الحالي 2021م، حيث تشير توقعات الاتحاد لعام 2021 بأكمله أن 2.4 مليار مسافر سيتم نقلهم في جميع أنحاء العالم. هذا يتوافق مع انخفاض في الحركة الجوية العالمية للركاب بنسبة 57 في المئة. اما بالنسبة لشركات الطيران الأوروبية، يتوقع اتحاد النقل الجوي الدولي انخفاضًا بنسبة 66 في المئة.
قطاع الطيران الألماني خلال النصف الاول من العام 2021م
بشكل عام ادت آثار جائحة كورونا إلى إبقاء الطلب في الحركة الجوية العالمية منخفضًا في النصف الأول من العام 2021م. حيث تراجعت حركة الطيران الدولية بنسبة 67 في المئة مقارنة بالنصف الأول من العام 2019م، وهذا التراجع أكبر من التراجع الذي شهده النصف الأول من العام 2020م مقارنة بنفس الفترة من العام 2019م نظرًا لأن انخفاض الطلب خلال العام الحالي امتد على طول الأشهر الستة الأولى، بينما شمل هذا التراجع في حركة الطيران عام 2020م ثلاثة أشهر ونصف فقط من الأشهر الستة الأولى من العام.
وعلى نفس المنوال تراجع أداء شركات الطيران الألمانية في النصف الأول من عام 2021م مرة أخرى بشكل ملحوظ عما كان عليه في نفس الفترة من العام 2020م. حيث انخفض الطلب على الركاب بين الشركات الألمانية خلال الستة أشهر الأولى من العام 2020م بنسبة 65 في المئة مقارنة بالعام 2019م، فيما تراجع هذا الطلب في النصف الأول من العام 2021م بنسبة 85 في المئة. وبالتالي، كان التراجع المستمر بين شركات الطيران الألمانية أكبر بكثير من المتوسط العالمي (-67 في المئة) والمتوسط الأوروبي (-78 في المئة)، ويعود سبب هذا الانخفاض غير المتناسب في المقام الأول إلى تراجع حركة المرور الدولية، حيث تتأثر رحلات السفر الدولية بشكل سلبي بسبب قيود السفر التي تفرضها الدول، ولهذا السبب كان معدل تحميل الطائرات لشركات الطيران الألمانية في الخطوط الدولية 51 في المئة فقط، أي أقل بنسبة 31 نقطة مئوية من معدل التحميل في النصف الأول من العام 2019م.
تأثير كورونا على المطارات الألمانية
استمر التراجع الكبير في الطلب في المطارات الألمانية طوال النصف الأول من عام 2021م، حيث بلغت نسبة التراجع في النصف الأول من العام 86 في المئة مقارنة بعام 2019م، وهو ما يمثل تراجعا أكبر مما كان عليه في النصف الأول من عام 2020م، والذي بلغت فيه نسبة التراجع 66 في المئة مقارنة بالعام 2019م، في النصف الأول من عام 2020م، لم تكن الأشهر الأولى، حتى منتصف شهر مارس، تتسم بعد بانخفاض مرتبط بالجائحة في الطلب على الركاب، حيث بدأ الركود في الطلب في منتصف مارس. وقد حدث الانخفاض في أعداد الركاب بالتساوي في جميع الخطوط: حيث تراجعت اعداد الركاب في الخطوط المحلية بنسبة 90 في المئة، وتراجع عدد الركاب في الخطوط داخل أوروبا، بنسبة 85 في المئة، اما في الخطوط العابرة للقارات بلغ التراجع 87 في المئة.
اما فيما يتعلق بأسعار التذاكر ومع بداية أزمة كورونا، وبحسب مؤشر أسعار المستهلك الخاص بمكتب الإحصاء الاتحادي، ارتفع متوسط أسعار التذاكر في حركة المرور المحلية الألمانية بشكل طفيف، بالنسبة للرحلات إلى وجهات أوروبية، ارتفعت الأسعار بشكل أكثر حدة في أزمة كورونا، حيث ارتفعت تكلفة التذكرة بنسبة تصل إلى 30 نقطة مئوية مقارنة بعام 2019م. في حركة المرور العابرة للقارات، ظلت الأسعار مستقرة مقارنة بعام 2019م على الرغم من قلة العرض.
تأثيرات ازمة كورونا على شركات القطاع
أدى التراجع في أرقام حركة السفر الجوي إلى انخفاض المبيعات وجعل إجراءات إعادة الهيكلة ضرورية في النصف الأول من عام 2021م، اذ لا تزال المبيعات في شركات الطيران والمطارات وتجار التجزئة والمطاعم الألمانية العاملة هناك أقل بكثير من مستوى عام 2019م (-63 في المئة)، تحسن الاتجاه في الربع الثاني إلى حد ما مقارنة بالربع الأول، اذ بلغ التراجع نسبة 58 في المئة بعد ان كان وصل خلال الربع الأول الى نسبة 68 في المئة.
الانخفاض غير المسبوق في الدخل قابله ارتفاع التكاليف. وعلى الرغم من انه وبمساعدة برنامج العمل في دوام مختصر تم حتى الآن منع التسريح الجماعي للعمال في قطاع الطيران الألماني، ومع ذلك، وبسبب منظور التعافي طويل الأجل الوحيد لأعمال الشركات في هذا القطاع، تضطر الشركات إلى تقليل عدد الموظفين، ففي الربع الأول من العام الحالي 2021م، انخفض عدد الموظفين في شركات الطيران الألمانية والمطارات الألمانية بنسبة 4 في المئة مقارنة بالفترة نفسها من عام 2019م. وفي الربع الثاني انخفض عدد الموظفين بنسبة 10 في المئة.
وذلك على الرغم من محاولة الحكومة الألمانية مساعدة شركات صناعة النقل الجوي عبر برامج المساعدات المقدمة لكل الشركات الألمانية في مختلف القطاعات مثل مساعدات التجسير وتسهيل الحصول على القروض وتمويل برنامج الدوام بوقت مختصر، كما انها قدمت أيضا مساعدات إضافية الى شركات الطيران الألمانية، حيث حصلت شركة لوفتهانزا على ما يقرب من 9 مليار يورو على شكل قروض وتسهيلات ائتمانية مقابل تملك الحكومة لنسبة 20 في المئة من أسهمها، كما حصلت شركة الطيران كوندور Condor على قرض بقيمة 550 مليون يورو.
قطاع الشحن الجوي
تمكنت حركة الشحن الجوي العالمية من فصل نفسها عن التطور السلبي لقطاع نقل الركاب وان تتطور بشكل إيجابي، اذ على الرغم من أنه لا يزال هناك الكثير من السعة المفقودة للشحن من طائرات نقل الركاب، الا ان معدل الإشغال لطائرات الشحن الجوي ارتفع في جميع أنحاء العالم من 46 في المئة في النصف الأول من عام 2019م إلى 58 في المئة في النصف الأول من عام 2021م.
وتعود أسباب انتعاش حركة الشحن الجوي الى انتعاش الاقتصاد العالمي والتأثير المحدود نسبيا لجائحة كورونا على القوة الشرائية والميل الى الاستهلاك، بالإضافة الى تعطل حركة شحن الحاويات في جميع أنحاء العالم بسبب التوقف المؤقت لحركة النقل في قناة السويس وأيضًا بسبب توقف عمل بعض الموانئ الصينية، وهو ما أدى إلى ارتفاع أسعار الشحن مما يقلل من فارق الأسعار بين الشحن البحري وأسعار الشحن الجوي وبالتالي يجعل الشحن الجوي أكثر جاذبية.
في ألمانيا نما الشحن الجوي بمتوسط اعلى من المتوسط العالمي والأوروبي، حيث شهد النصف الأول من العام 2021م ارتفاع حجم تحميل وتفريغ البضائع في المطارات الألمانية بنسبة 11 في المئة مقارنة بالنصف الأول من عام 2019م، وزيادة بنسبة 23 في المئة عن النصف الأول من عام 2020م، وبالتالي، فإن متوسط نمو اعمال قطاع الشحن الجوي في ألمانيا أعلى من المتوسط العالمي ألبالغ 8 في المئة والمتوسط الأوروبي ألبالغ 5 في المئة.
ويرجع هذا النمو القوي لقطاع الشحن الجوي في ألمانيا الى تطور الاقتصاد الألماني والانتعاش في التجارة الخارجية، مع ظهور آثار استعادة النمو أيضًا. بالإضافة إلى ذلك، تميزت السنة المرجعية 2019م بانخفاض الطلب بسبب ركود حركة الشحن الجوي، الآن انعكس هذا الاتجاه وعاد الشحن الجوي في المطارات الألمانية إلى النمو الايجابي بعد عامين من التراجع.
نتيجة تعافى حركة الشحن الجوي تمامًا من أزمة الطلب في عام 2019م وأزمة السعة في عام 2020م (فقدان سعة التحميل الإضافية في طائرات الركاب)، انعكس في اظهار اهمية مواقع الشحن الجوي الألمانية وتعزيز جودها في السوق واظهارها تطورًا ديناميكيًا للغاية مقارنة بعام 2019م. ويظهر هنا النمو الكبير في اشغال مطار لابيزج/هالة والتي نمت خلال النصف الأول من العام 2021م بنسبة 27 في المئة مقارنة بالعام 2019م وكذلك نمو حركة الشحن الجوي في مطار كولونيا/بون بنسبة 20 في المئة خلال نفس الفترة.
مستقبل حركة الطيران في ألمانيا
بدأت اعمال قطاع النقل الجوي في ألمانيا في الانتعاش مرة أخرى بداية من شهر يونيو فصاعدًا. ويرجع ذلك بشكل خاص إلى بداية موسم العطلات، وانخفاض معدل الإصابة بفيروس كورونا في أوروبا والتقدم المحرز في حملة التطعيم. وبشكل عام يتوقع الاتحاد الألماني لاقتصاد الطيران (BDL)، انه سيتم اشغال 60 في المئة من اجمالي مقاعد رحلات الطيران في ألمانيا خلال شهر سبتمبر 2021م مقارنة بشهر سبتمبر 2019م، وفي التفاصيل ستستعيد شركات الطيران 39 في المئة من نسبة اشغال المقاعد على الرحلات الداخلية و69 في المئة من الرحلات داخل أوروبا إضافة الى 51 في المئة من الرحلات العابرة للقارات.
وقد تم توسيع العرض إلى إسبانيا وتركيا واليونان والبرتغال خلال أوائل الصيف، بشكل خاص، بل وصلت الرحلات الجوية إلى اليونان الى مستوى أعلى من مستوى عام 2019م. ويميل عدد الرحلات الجوية إلى بريطانيا وفرنسا والنمسا وإيطاليا إلى الزيادة تدريجياً في الصيف. اما فيما يتعلق بالرحلات الجوية إلى الوجهات العابرة للقارات، فان هذا القطاع يتعافى بشكل أبطأ بكثير، على وجه الخصوص، في الرحلات المتوجه الى الولايات المتحدة وذلك على خلفية استمرار الولايات المتحدة الأمريكية في التمسك بقرار حظر الدخول من جانب واحد للأوروبيين حتى الآن.
على المدى الطويل يتوقع الاتحاد الألماني لاقتصاد الطيران تحقيق حوالي 33 في المئة من مستوى حركة الركاب لعام 2019م في عام 2021م ككل. وذلك نظرًا لبطء معدل التطعيم وظهور متغيرات فيروسية جديدة. ولهذا السبب ايضاً فإن الانتعاش في النصف الأول من العام لم يكن جيدًا كما كان متوقعًا في البداية.
مع مزيد من التقدم في حملة التطعيم ورفع المزيد من قيود السفر بالإضافة إلى النمو المتوقع للاقتصاد الألماني، يمكن أن يرتفع مستوى حركة الركاب من 60 إلى 90 في المئة في عام 2022م مقارنة بمستوى العام 2019م، ومع ذلك يتوقع الخبراء انه لن يتم الوصول إلى مستوى عام 2019م، أي مستوى ما قبل ازمة كورونا، إلا بحلول عام 2025م.