يصنف الاقتصاد الألماني انه اقتصاد السوق الاجتماعي بمعنى دعم حرية الأسواق ورأس المال مع ضمان الالتزامات الاجتماعية للدولة، وتمثل الخبرة الألمانية في هذا الجانب واحد من التجارب الناجحة لهذا النموذج الاقتصادي. وقد تحقق هذا النجاح لألمانيا عبر عدد من الطرق والسياسيات والأدوات ويعد بنك إعادة الاعمار والتنمية (KFW Kreditanstalt für Wiederaufbau) من اهم وأقدم هذه الأدوات. والذي رافق عملية إعادة بناء المانيا بعد الحرب العالمية الثانية وتحقيق النمو الكبير الذي شهدته خلال نهاية الخمسينيات وبداية الستينات، والتي يطلق عليها المعجزة الاقتصادية.

وما يزال البنك يساهم حتى اليوم في دعم الاقتصاد ودعم اعمال الشركات الألمانية وتمويل العديد من البرامج والمشاريع التي تهدف الى إعادة الهيكلة الاجتماعية والبيئية للاقتصاد والمساهمة في تطوير الصناعات المستقبلية المهمة من الناحية الاستراتيجية وتمويل الشركات الناشئة.

وفقًا لقانون البنوك الألماني، لا يعتبر بنك إعادة الاعمار KfW مؤسسة ائتمانية أو مؤسسة خدمات مالية بالمعنى المقصود في القانون، اذ لا يوجد لدى البنك أي ودائع للعملاء، فهو لا يقدم حسابات جارية، والسبب في ذلك هو أن البنك يتبع نموذج عمل خاصًا وتفويضًا قانونيًا للدولة، وبالتالي لا يمكن مقارنته بمؤسسات خدمات الائتمان والخدمات المالية الأخرى في القطاع الخاص أو التعاوني أو القطاع العام. ويعيد البنك تمويل نفسه من أسواق رأس المال، حيث يستفيد بشكل كبير من الضمان المقدم من حكومة ألمانيا الاتحادية (قانون KfW). نتيجة لهذا الضمان، يتمتع KfW بتصنيف ائتماني مرتفع ويحصل على أفضل تصنيف ائتماني ممكن من AAA من جميع وكالات التصنيف.

نبذة تاريخية عن بنك اعادة الاعمار KfW ومراحل تطوره

تم تأسيس بنك إعادة الاعمار في 18 نوفمبر 1948م بعد الحرب العالمية الثانية بهدف تمويل إعادة بناء الاقتصاد الألماني. وجاء رأس مال بدء التشغيل بشكل أساسي من برنامج التعافي الأوروبي ERP، المعروف باسم خطة مارشال. في الخمسينيات من القرن الماضي، تركز عمل البنك في دعم الشركات المتوسطة والصغيرة، في عام 1961م تم تكليف KfW بتنفيذ التعاون المالي بين جمهورية ألمانيا الاتحادية والبلدان النامية.

في وقت مبكر من عام 1986م، منحت وكالات التصنيف العالمية KfW أعلى تصنيف ائتماني، كما يعد بنك إعادة الاعمار أول مؤسسة ألمانية تسجل لدى هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية (SEC).

بعد إعادة توحيد ألمانيا، انتقل KfW مرة أخرى إلى محور الاهتمام العام بسبب المهام التي تم تكليفه بها لإعادة بناء اقتصاد الولايات الشرقية في ألمانيا. بالإضافة إلى ذلك، تولى KfW في عام 1994م إدارة بنك الدولة السابق لجمهورية ألمانيا الديمقراطية في برلين. في عام 2003م، تم دمج بنك التعويضات الألماني (DtA) مع بنك إعادة الاعمار KfW ليتم تسمية البنك بعد ذلك KfW Bankengruppe.

بلغ إجمالي أصول بنك إعادة الاعمار الألماني في عام 2020م نحو 522,3 مليار يورو (ليصبح بذلك ثالث أكبر بنك ألماني) وبعدد موظفين يبلغ 6934 لكامل المجموعة.

وظائف بنك إعادة الاعمار الألماني

تتمثل مهمة بنك إعادة الاعمار الألماني في العديد من المجالات تتركز أهمها في تنفيذ العقود العامة وتمويل مشاريع البنية الأساسية الى جانب منح قروض استثمارية للشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم، وكذلك تمويل بناء المساكن، وتمويل التقنيات الموفرة للطاقة. كما يدعم البنك مشاريع حماية البيئة والمناخ، الى جانب مجالات النشاط الأخرى مثل القروض التعليمية.

ففي مجال بناء المساكن وتوفير اماكن المعيشة يقدم KfW مجموعة واسعة من البرامج التي يتم استخدامها لتمويل الاستثمارات في العقارات السكنية. تتمثل أغراض التمويل في إنشاء العقارات السكنية من خلال برامج ملكية المنازل، وتجديد المباني النشط، وتحديث أماكن المعيشة، وإنشاء مبانٍ اقتصادية جديدة، بالإضافة الى توفير الطاقة عبر تحويل نظام التدفئة إلى الطاقات المتجددة والأنظمة الكهروضوئية.

كما يدعم بنك إعادة الاعمار البلديات وكذلك الشركات والمؤسسات البلدية في تمويل اعمال انشاء وتطوير البنية التحتية، على سبيل المثال بناء القاعات الرياضية، وإعادة تأهيل أنابيب الصرف الصحي أو تطوير وسائل النقل العام المحلية مثل قطارات الانفاق او الترام.

ويمول البنك ايضاً التدريب والتعليم الإضافي لأطفال المدارس والطلاب والمتخصصين في هذا المجال. من بين أمور أخرى، يتم ايضاً تقدم قروضًا للطلاب ومنحًا لتدريب الحرفيين.

بالإضافة إلى ذلك، يمنح بنك إعادة الاعمار الألماني قروضًا عالمية على مستوى الاتحاد الأوروبي للبنوك الأوروبية الشريكة، لا سيما لتعزيز قطاع الشركات الصغيرة والمتوسطة.

في سياق متصل يقدم البنك من خلال احدى الشركات التابعة له (IPEX-Bank GmbH) تمويلا الى المصدرين الألمان بالإضافة الى تمويل المشاريع الاستثمارية ذات الاهتمام الألماني والأوروبي في جميع أنحاء العالم، وفي عام 2019م، تمت الموافقة على تمويل مالي للصادرات ومشاريع استثمارية من خلال IPEX-Bank التابع لمجموعة KfW بمبلغ اجمالي 22.1 مليار يورو.

من ضمن مهام بنك إعادة الاعمار دعم التنمية والتطوير الاقتصادي في البلدان النامية، كما يتحمل البنك مسئولية التعاون مع المؤسسات الحكومية في هذه الدول. حيث يعتبر KfW أهم أداة ألمانية للتعاون الإنمائي الثنائي، وفي هذا المجال قدم البنك في عام 2019م تمويل انمائي بقيمة 10,6 مليار يورو.

اما فيما يتعلق بدعم الشركات الخاصة التي تنشط في البلدان النامية فتتولى مسئولية هذا الجانب الجمعية الألمانية للاستثمار والتنمية DEG التابعة لمجموعة بنك إعادة الاعمار.

الجمعية الألمانية للاستثمار والتنمية DEG

هي واحدة من المؤسسات التابعة لبنك إعادة الاعمار، تم تأسيسها في 14 سبتمبر 1962م بمبادرة من الحكومة من أجل تمويل ودعم الشركات الخاصة التي ترغب في العمل في البلدان النامية. منذ ذلك الحين، اكتسبت DEG أكثر من نصف قرن من الخبرة من خلال دعم وتمويل عمل مئات الشركات الناشطة في الدول النامية. وقد بلغت حافظة الجمعية الألمانية للاستثمار والتنمية في العام 2020م حوالي 9 مليار يتم استخدامه لتمويل الاستثمارات في حوالي 80 دولة.

وخلال 60 عاما من العمل أصبحت DEG، شريكًا موثوقًا به للشركات الخاصة ومقدمي الخدمات المالية الذين ينشطون في الأسواق النامية، ويأتي عملاء الشركة من البلدان النامية وألمانيا والدول الصناعية الأخرى، حيث توفر لهم الشركة رأس مال استثماري طويل الأجل يصعب غالبًا الحصول عليه، خاصة في البلدان النامية. كما تقدم الشركة مشورات في يتعلق بتخطيط وتنفيذ المشاريع من خلال «خدمات دعم الأعمال» والتي تتيح جعل المشاريع ناجحة ومستدامة خصوصا في الأسواق الصعبة للدول النامية.

وتقوم الجمعية الألمانية للاستثمار والتنمية بتقديم التمويل والاستشارات بشكل خاص في المجالات التالية:

– شركات القطاعات الصناعية والزراعية والخدمية.
– مشاريع البنية التحتية الخاصة في مجالات الطاقات المتجددة والنقل والمرافق والاتصالات
– المؤسسات المالية وصناديق الأسهم الخاصة بما يمكن للشركات المحلية الصغيرة والمتوسطة الحجم الحصول على تمويل الديون وحقوق الملكية.

ومن خلال عمليات الشركة في التمويل وتقديم الاستشارات، وبحسب قائمة أهدافها، فأنها تسعى الى تعزيز العدالة الاجتماعية وكذلك الاستدامة البيئية والاقتصادية. وكذلك الالتزام بشكل فعال بظروف العمل اللائقة وحماية الموارد الطبيعية وفقًا للمعايير الدولية. وتحرص الشركة أيضا على مساهمة الشركات التي تمولها في خلق وظائف ودخل مؤهل، وتضمن النمو الاقتصادي، وخلق القيمة المحلية، ونقل المعرفة وبذلك، وبلك تقديم مساهمات كبيرة في التنمية المستدامة وفقًا لأهداف التنمية المستدامة (SDG) للأمم المتحدة.

خلال العام 2020م والذي شهد ازمة كورونا واثارها السلبية على الاقتصاد استمرت DEG في العمل وتقديم التسهيلات المالية والدعم للشركات حيث زودت الشركات في البلدان النامية بحوالي 1.4 مليار يورو لتمويل الاستثمارات الخاصة. وتعهدت DEG بمبلغ إجمالي قدره 508 مليون يورو في عام 2020م للمشاريع التي تعزز حماية المناخ والبيئة. وشمل ذلك، على سبيل المثال، تمويل محطات الطاقة الشمسية في كينيا والأردن وكمبوديا. وبشكل عام، وبحسب التوزيع الإقليمي لنشاط الجمعية الألمانية للاستثمار والتنمية، فقد بلغ حجم اعمال الجمعية في قارة آسيا خلال العام 2020م نحو 440 مليون يورو وفي أفريقيا بلغت 386 مليون يورو.

على الرغم من الظروف الصعبة للغاية بسبب جائحة Covid-19، تمكنت DEG من إنجاح السنة المالية 2020م من حيث سياسة التنمية. حيث ساهمت الشركات المتعاملة مع DEG في مختلف دول العالم في خلق حوالي 2.3 مليون وظيفة حتى العام الماضي. بالإضافة إلى ذلك، حققت هذه الشركات دخلاً محليًا قدره 120 مليار يورو في عام 2020م وحده.

كما تتوقع DEG أنها ستستمر في عام 2021م في العمل في بيئة مليئة بالتحديات التي شكلها جائحة كورونا بالإضافة إلى ذلك، هناك المزيد من التطورات المتسارعة مثل الرقمنة وتغير المناخ. الا ان كريستيان ليباخ، العضو المنتدب في الجمعية يؤكد انه «حتى في الوضع الحالي غير المسبوق، تساعد سنوات خبرتنا العديدة في تمويل وتنظيم المشاريع في الأسواق المتقلبة على مرافقة عملائنا بعناية في تطوير الأسواق وجعلهم مناسبين للتحديات المقبلة».

أداء بنك إعادة الاعمار KfW اثناء ازمة كورونا

اظهر تقرير عن الميزانية العامة لبنك إعادة الاعمار (KfW) للعام 2020م ان حجم الدعم والقروض الميسرة التي قدمها البنك خلال العام الماضي قد وصلت الى 135,3 مليار يورو، وهو ما يعد رقما قياسياً غير مسبوقاً كما يمثل زيادة عن حجم القروض المقدمة من البنك في العام 2019م بنحو 75 في المئة.

ويعود هذا الارتفاع الكبير في القروض الميسرة للبنك الى تسبب جائحة كورونا في عمليات الإغلاق الاقتصادي العام الماضي والتي أدت الى ان تجد الكثير من الشركات والافراد أنفسهم في ضائقة اقتصادية. واعتبر غونتر برونيغ، الرئيس التنفيذي لبنك إعادة الإعمار، ان البنك لم يواجه طوال سنوات عملة تحديا بهذه الدرجة من قبل. وفي ألمانيا وحدها، قدم بنك إعادة الاعمار (KfW) العام 2020م حوالي مليون عملية ائتمانية ما بين قرض ومنحه وتمويل آخر بلغ إجمالي قيمتها 106.4 مليار يورو. وشملت عمليات التمويل هذه، الى جانب مساعدات كورونا، تمويل برامج في مجالات رفع كفاءة الطاقة والبناء والتجديد. خارجيا ارتفعت أيضا الأموال والقروض المخصصة لمساعدة ودعم التنمية في الدول النامية والتي كان أبرزها إتفاقية تمويل مشروع انتاج الهيدروجين في المغرب. حيث سيتم إنتاج 10 ألف طن من الهيدروجين الأخضر باستخدام الطاقة الشمسية.

وبشكل عام زادت إمكانيات تمويل المشاريع الجديدة التي يقدمها البنك لدول أفريقيا والشرق الأوسط بشكل كبير لتصل إلى 5.2 مليار يورو في العام 2020م، بعد ان كانت 3,5 مليار يورو في العام 2019م، وهو ما يعادل زيادة بنسبة 50 في المئة تقريبًا.