استطاع الاتحاد الأوروبي وبطرق مختلفة في تجاوز العديد من الازمات مثل الازمة المالية العالمية، ازمة اليورو، ازمة الديون وكذلك ازمة اللاجئين. الا ان ازمة فيروس كورونا الحالية تهدد استقرار الاتحاد، حيث تراكمت خلال الفترات الماضية الاختلالات في عمل المؤسسات الأوروبية المشتركة وتراجع الثقة بين الدول الأعضاء بشكل متزايد كما تراجعت إرادة إيجاد حل جماعي للازمات. هذا بالإضافة الى اتساع الهوه بين دول شمال وجنوب أوروبا وكذلك بين دول شرق وغرب أوروبا.
ومع ظهور ازمة كورونا وردود الفعل عليها من الدول الأعضاء، تصاعدت القناعة لدى العواصم الأوروبية بخروج الازمة عن سيطرة الدول، حيث تفشت المخاوف في بداية الازمة ولم تتبع المفوضية الاوربية ولا الدول الأعضاء القواعد الخاصة بالاتحاد ولا بما انجزته في طريق العمل المشترك، حيث وُضعت حزمة الاستقرار و برامج مساعدة الدول الأعضاء خارج التطبيق لوقت محدد، فعلى سبيل المثال، وعقب ما يقرب من 25 عاماً من فتح الحدود وإقرار حرية الحركة للبشر والبضائع والعمالة بين الدول الأعضاء، حسب اتفاقية شينجن، أعادت العديد من الدول اغلاق حدودها، واشتكت رئيسة المفوضية الأوروبية اورسولا فون دير لين من ان بعض الدول “سمحت بمرور ودخول مواطني عدد من الدول الأوروبية بينما رفضت ذلك بالنسبة لمواطني دول أخرى”. وحتى الأولوية التي اُعطيت لحرية نقل المواد الغذائية الضرورية تم خرقها حيث قام وزير الصحة الألماني Jens Spahn بمنع تصدير المواد الطبية الى خارج ألمانيا ومصادرتها على الحدود على الرغم من انه تم دفع قيمتها، في اجراء مشابه لما قامت به فرنسا، ومن دون ابلاغ بقية الدول الاوربية.
وتأتي انعكاسات ازمة كورونا الى جانب التأثيرات السلبية للازمات السابقة التي ما تزال تلقي بظلالها على علاقات الدول الأعضاء. ويظهر ذلك من خلال اتهام رئيس وزراء إيطاليا دول شمال أوروبا بعدم تقديم المساعدات اللازمة خلال الازمة، فيما اعترضت المستشارة الألمانية على هذه الاتهامات وانتقدت مطالبات إيطاليا وفرنسا والى جانبهن سبع دول أوروبية أخرى باعتماد سندات أوروبية مشتركة لكل دول الاتحاد على الرغم من معرفة هذه الدول بمعارضة ألمانيا، هولندا، فنلندا والنمسا لهذا الموضوع وان هذه الدول التسع لا تشكل اغلبية داخل الاتحاد. وأكدت المستشارة ميركل، ان الاتحاد الأوروبي يواجه أكبر اختبار منذ تأسيسه بسبب أزمة فيروس كورنا. وأضافت “إن الجميع تأثروا بشكل متساوٍ بالتحدي المتعلق بصحة مواطنيهم” مشددة على ضرورة” اظهار اننا مستعدون للدفاع عن اوروبا وتعزيزها”، وأشارت المستشارة الألمانية الى انه إذا كانت هناك حاجة إلى برنامج إنعاش اقتصادي فان “ألمانيا مستعدة أيضًا لتقديم مساهمتها”، بالإضافة الى دعم برنامج المساعدات والقروض الذي تقدمة آلية الاستقرار الأوروبية ESM والتي تبلغ 410 مليار يورو، هذا بينما تعارض إيطاليا بشدة هذا البرنامج تساندها كل من فرنسا واسبانيا والتي تعيد التأكيد على ان البرنامج مخصص للدول التي اتبعت سياسات نقدية ضارة، بينما لا يد للدول في ازمة كورونا الحالية. من جانبه المح وزير المالية الهولندي الى ان بلادة وألمانيا استطاعت عقب الازمة المالية العالمية 2009م خفض ديونها بينما عجزت دول أخرى عن ذلك مؤكداً ان بلادة غير مستعدة لتحمل تكاليف ” اهمال الاخرين”.
والى جانب اختلاف الدول الأعضاء في الاتحاد حول أفضل السبل لمواجهة الاثار الاقتصادية لازمة كورونا، تعاني مؤسسات الاتحاد التنفيذية من تراجع فعالياتها في تقريب وجهات النظر واقتراح الحلول، فقد أشار العديد من الدبلوماسيين الى ان غياب اللقاءات الشخصية المباشرة والاستفادة من العلاقات الشخصية في مجال طرح مقترحات الحلول والاستعاضة عنها باللقاءات عبر الدوائر التلفزيونية المغلقة والتي ما يسودها غالباً انعدام الثقة، صعب من معالجة الخلافات الأوروبية. هذا بالإضافة الى غياب القيادات داخل مؤسسات الاتحاد حيث يُظهر العديد من المسؤولين في الصف الأول في المفوضية الأوروبية عدم رغبتهم في الاستمرار في العمل وتفضيلهم الانتقال الى اعمال أخرى في اوطانهم، مثال على ذلك رئيس مجموعة اليورو ماريو سينتينو الذي يرغب في ترك موقعة الصيف القادم من اجل استلام قيادة البنك المركزي في بلدة البرتغال. كما يشير دبلوماسيون الى ميل الموظفين في مؤسسات الاتحاد لخدمة بلادهم أكثر من خدمة الاتحاد، ويظهر في هذا المجال المستشارة الاقتصادية لفون دير لين رئيسة المفوضية، الفرنسية الجنسية، والتي لا تستطيع رفض التعليمات القادمة لها من باريس.
ومن اجل حل ازمة كورونا وكذلك حماية الاتحاد الأوروبي، يرى المراقبون ضرورة اتفاق وتعاون برلين وباريس مؤكدين أيضا في نفس الوقت ان تحقيق هذا التعاون لن يكون سهلا، خصوصا بعد تباعد الطرفين خلال الفترة الأخيرة، كما ان لدى فرنسا مقترحات حول ما تسميه “صندوق كورونا للإنقاذ” والذي سيعمل لعدد محدد من السنوات والذي يفترض به تمويل إعادة الاعمار بعد انتهاء الازمة. فيما يطالب رئيس وزراء اسبانيا بمشروع لا يقل عن مشروع مارشال لإعادة اعمار أوروبا الذي تم تنفيذه عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية.
ان رد الفعل المتأخر للاتحاد الأوروبي في بداية الازمة يتطلب الان افعالا سريعة، خصوصا ان دول جنوب أوروبا تشعر بالخذلان من بقية أعضاء الاتحاد، حيث لا يكفي نقل مرضى بفيروس كورونا من إيطاليا وفرنسا للعلاج في ألمانيا حتى تزول المشاعر السلبية ضد الاتحاد في هذه الدول بسهولة.
ويعقد يوم 7 ابريل اجتماع لوزراء مالية دول منطقة اليورو للتباحث حول حلول مشتركة لمواجهة الازمة. وإذا ما استمرار الخلاف فان العديد من المراقبين والدبلوماسيين يخشون ان يمثل ذلك تحدي حقيقي للاتحاد الأوروبي ومؤسساته القائمة.