تمثل السياحة أحد اهم القطاعات الاقتصادية في العالم، وترجع هذه الأهمية الى عدد من الأسباب من أبرزها النمو السريع للأعمال والتشغيل الكثيف للعمالة بالإضافة الى تشابك القطاع وتقاطعه مع العديد من القطاعات الاقتصادية الأخرى مثل المطاعم والتغذية النقل الترفيه وبما يجعل النمو في السياحة يؤثر بشكل إيجابي على النشاط والدورة الاقتصادية الداخلية. تعد ألمانيا واحدة من اهم الاسواق في قطاع السياحة العالمي سواء من ناحية حجم السوق الداخلي والخدمات المتميزة التي يقدمها او من ناحية عدد السائحين الألمان الذين يقضون اجازاتهم في الخارج والذين يمثلون نسبة مهمة في سوق السياحة العالمي، وعلى وجه الخصوص في سوق السياحة الاوروبي ودول جنوب البحر المتوسط حيث يمثل السياح الألمان جزءً رئيسيا من السياحة في دول مثل اسبانيا وتركيا.
سوق السياحة والسفر العالمي
وصل عدد السياح في العالم الى ما يقرب من 1.5 مليار سائح دولي في عام 2019م، وهو اعلى مستوى للسياحة العالمية على الإطلاق. ويشكل ما يقارب 10 أضعاف ما كان عليه قبل 50 عامًا. لكن بسبب جائحة كورونا، سجلت السياحة في جميع أنحاء العالم انخفاضًا هائلاً في عدد السياح، حيث بلغ عدد السائحين في عام 2020م، حوالي 409 مليون سائح فقط، وهو ما يساوي تقريبًا عدد السائحين في عام 1987م. وارتفع عدد السائحين في العام 2021م، ليسجل زيادة محدودة بنحو 448 مليون سائح، ومع وصول عدد السياح حول العالم الى حوالي 920 مليون سائح في عام 2022م، يظهر قطاع السياحة تعافيا ملحوظاً.
في مجال اهم الوجهات السياحية العالمية تعد أوروبا أكثر مناطق السفر شعبية بالنسبة للسياح الدوليين، متقدمة على آسيا والمحيط الهادئ وأمريكا. ويتوجه معظم السائحين الأجانب الى الدول الأوروبية المطلة على البحر الأبيض المتوسط مثل فرنسا وإسبانيا وإيطاليا.
الوظائف الاقتصادية لقطاع السياحة
يسهم قطاع السياحة بدرجة كبيرة في الناتج المحلي الإجمالي للعديد من الدول كما يساهم بنسبة معتبرة في الناتج المحلي العالمي، اذ بلغت المساهمة الإجمالية لقطاع السياحة في إجمالي الناتج المحلي العالمي في العام 2019م، حوالي 10,4 في المئة، وعلى صعيد أسواق العمل، بلغت المساهمة الإجمالية لقطاع السياحة في إجمالي سوق العمل بالعالم 10 في المئة تقريبا أي ما يقدر بأكثر من 319 مليون فرصة عمل.
حققت السياحة الدولية عائدات تصل إلى 1,7 تريليون دولار أمريكي في عام 2019م، وظلت السياحة الدولية ثالث أكبر سلعة تصدير بعد الوقود (2,4 تريليون دولار أمريكي) والمواد الكيميائية (2,2 تريليون دولار أمريكي). كما تمثل السياحة الدولية 29 في المئة من صادرات الخدمات في العالم و7 في المئة من إجمالي الصادرات. وفي بعض المناطق، تتجاوز هذه النسب المتوسط العالمي، وخاصة في الشرق الأوسط وإفريقيا حيث تمثل السياحة أكثر من 50 في المئة من صادرات الخدمات وحوالي 9 في المئة من إجمالي الصادرات.
وبشكل عام لا يمكن النظر الى قطاع السياحة باعتباره قطاعا مستقلا بحد ذاته فهو كنشاط اقتصادي يرتبط ويتقاطع مع العديد من القطاعات الاقتصادية الاخرى خصوصا الخدمية منها والتي من ابرزها قطاع الفنادق والايواء، قطاع المطاعم وخدمات التغذية المختلفة، قطاع النقل والمواصلات وكذلك قطاع تجارة التجزئة والمحال التجارية، وغيرها من القطاعات الاقتصادية الاخرى، وبحسب البيانات الصادرة عن جمعية السياحة الألمانية (DTV) في العام 2022م، بلغت قيمة مساهمة قطاع السياحة في الناتج المحلي الإجمالي في ألمانيا في العام 2019م، نحو 123.8 مليار يورو وهذا الرقم يمثل ما نسبته 4 في المئة تقريباً من اجمالي الناتج المحلي، وإذ ما تم إضافة الخدمات والسلع التي يساهم فيها قطاع السياحة بصورة غير مباشرة فان مساهمة القطاع في الناتج المحلي الإجمالي سترتفع الى 216.2 مليار يورو او ما نسبته 6.96 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي وهو ما يعني أيضا ان قطاع السياحة يساهم في الناتج الإجمالي بنسبة أكبر من تلك التي يساهم بها قطاع البنوك والمؤسسات المالية.
كما يقوم قطاع السياحة بتوفير فرص عمل بشكل مباشر لما يزيد عن 2,9 مليون شخص او ما نسبته 6.1 في المئة من مجموع العمالة في ألمانيا، وإذا ما تم إضافة العمالة الغير مباشرة التي يساهم في تشغيلها قطاع السياحة والتي تبلغ 1.3 مليون شخص فيصل مجموع العاملين في القطاع الى 4.1 مليون شخص وهو ما يمثل نحو 9 في المئة من مجموع العمالة في ألمانيا.
التشابك المتشعب بين قطاع السياحة وقطاعات الخدمات المختلفة يمثل أحد اهم مميزات السياحة كنشاط اقتصادي انطلاقاً من زاويتين:
– أولا يتم ضخ الايرادات والعائدات التي يحققها هذا القطاع مباشرة الى الاسواق والى طيف واسع من الانشطة الاقتصادية المختلفة ويساهم ذلك في زيادة معدلات الاستهلاك العامة وينشط من الحركة الاقتصادية.
– ثانيا يساهم قطاع السياحة في خلق العديد من الوظائف المختلفة في الاقتصاد، وتزداد اهمية دور السياحة في خلق فرص العمل اذ علمنا ان جزءً كبيراً من فرص العمل هذه لا تحتاج الى مهارات عالية او كفاءات متقدمة وهو الامر الذي ينعكس ايجابيا على معدلات البطالة والتي غالبا ما ترتفع في اوساط العمالة الغير مؤهلة تأهيلا عاليا.
بالإضافة الى ذلك يمثل قطاع السياحة قطاعا حيويا بالنسبة لقطاع الاعمال التجارية المستقلة الصغرى ومتناهية الصغر الذي يعتمد الى حد كبير على الانشطة والمواسم السياحية وبالرجوع الى بيانات وزارة الاقتصاد الألمانية سنجد ان الانفاق الاستهلاكي السياحي في العام 2019م، توجه بشكل أساسي الى ثلاث قطاعات اقتصادية حيث تم إنفاق 62,8 مليار يورو في قطاع التسوق وتجارة التجزئة، فيما تم انفاق 49,7 مليار يورو في الحصول على خدمات الاكل والاطعمة كما انفق السائحون ما يصل الى 26,7 مليار يورو مقابل الحصول على خدمات السكن والايواء.
انتعاش قطاع السياحة في ألمانيا العام 2022م
سجل قطاع الضيافة ومؤسسات الإقامة في ألمانيا عددًا أكبر من الإقامات في عام 2022م، مقارنة بالعام السابق في مؤشر على تعافي قطاع السياحة من ازمة كورونا خلال عامي 2020-2021م. وبحسب بيانات مكتب الإحصاء الاتحادي، أبلغت الفنادق ودور الضيافة وغيرها من مؤسسات الإقامة عن إجمالي 450.8 مليون ليلة مبيت لنزلاء من ألمانيا وخارجها خلال العام 2022م. ويمثل هذا الرقم زيادة بنسبة 45.3 في المئة في الإقامة الليلية مقارنة بعام 2021م، والتي اتسمت جزئيًا بقيود كورونا. ومع هذه الزيادة الكبيرة في ليالي الاقامة، الا ان الرقم لا يزال أقل بنسبة 9.1 في المئة من مستوى عام 2019م، أي العام الذي سبق بدء الجائحة.
وقد زاد بشكل خاص عدد السائحين والمسافرين القادمين من خارج ألمانيا حيث كان عددهم في العام 2022م، أكثر من ضعف ما كان عليه في العام الذي سبق. ويمثل عدد المسافرين جوا أحد اهم المؤشرات الدالة على ذلك حيث أبلغت المطارات في ألمانيا ان عدد المسافرين خلال العام 2022م، قد وصل الى نحو 155 مليون مسافر، وهو ما يمثل زيادة بنسبة 111 في المئة مقارنة بعدد المسافرين جوا في العام 2021م، والذي تأثرت فيه حركة الطيران بشدة نتيجة جائحة كورونا. وأعاد الخبراء هذه الزيادة الكبيرة في عدد المسافرين الى «تراجع التأثيرات العالمية لجائحة كورونا على السياحة الدولية في ألمانيا العام الماضي، لكن الأرقام قبل الجائحة لم يتم الوصول إليها مرة أخرى بعد».
وقد استفادت قطاعات السياحة والإقامة المتنوعة بمستويات ودرجات متفاوتة من تعافي قطاع السياحة ومن الانتعاش الذي عاشه القطاع في العام 2022م، فبينما ظل اجمالي عدد ليالي المبيت في الفنادق والنزل ودور الضيافة أقل من مستوى ما قبل الأزمة لعام 2019م، بنسبة 12.5 في المئة على الرغم من النمو القوي في هذا القطاع مقارنة مع العام السابق. كانت الصورة أفضل بكثير بالنسبة لأماكن الإقامة في المعسكرات والمخيمات مثل منازل العطلات ومواقع التخييم، حيث وصل عدد ليالي الإقامة والمبيت إلى مستويات ما قبل الأزمة، بل ارتفع عدد ليالي المبيت والاقامة في مواقع التخييم بنسبة 12.4 في المئة مقارنة بعام 2019م.
بالإضافة الى ذلك تباين عدد السائحين باختلاف المواسم السياحية، اذ كان عدد السائحين الأجانب الذين زاروا ألمانيا او المواطنين الذين قضوا اجازاتهم فيها في بداية العام ونهايته أقل بكثير من قيم ما قبل الأزمة عام 2019م. في المقابل، تم تسجيل 58 مليون ليلة مبيت في أغسطس 2022م، وهو رقم اعلى حتى من عدد ليالي المبيت المسجلة في شهر أغسطس من العام 2019م. وهو ما يدفع للقول بان « السياحة الصيفية قد تعافت من جائحة كورونا أسرع من السياحة في الخريف والشتاء».
علاوة على ذلك، وعلى الرغم من ارتفاع معدلات التضخم وحالة عدم اليقين السائدة في الاقتصاد الألماني، فان دراسات واستطلاعات مختلفة أظهرت الرغبة المتزايدة للناس في ألمانيا في السفر وقضاء الاجازات، حيث أظهرت أحدث الاستطلاعات أن السفر لقضاء العطلات له أولوية استهلاك عالية وأن الناس لا يريدون الاستغناء عن السفر في عام 2023م، على الرغم من البيئة الصعبة حاليًا مع ارتفاع أسعار الطاقة، وأكد Norbert Fiebig رئيس اتحاد السفر الألماني (DRV) ان كل خامس حجز لقضاء إجازة تم تسجيله نهاية الخريف الماضي كان لإجازة في صيف العام 2023م. مضيفاً أن موسم العطلات والاجازات في شتاء 2022/2023م، كان أفضل بكثير من موسم العام الماضي لأن المبيعات أعلى بنسبة 74 في المئة مقارنة بموسم عطلات شتاء 2021/2022م، عندما تسببت قيود كورونا في حدوث ركود قوي في صناعة السياحة حيث انخفضت الإيرادات بنحو الثلث تقريباً.
هذا الميل المتزايد لقضاء الاجازات سيعود بالنفع أيضا على السياحة الداخلية في ألمانيا خلال العام 2023م، فوفقا لمسح أجرته جمعية الأبحاث للعطلات والسفر (FUR) ستظل ألمانيا وجهة السفر الأولى للمواطنين الالمان، وذلك على الرغم من انتهاء قيود كورونا وتزايد العروض الخاصة بالسفر لقضاء الاجازات في الخارج. واظهر تحليل قامت به مؤسسة قضايا المستقبل BAT أن ألمانيا ستبقى إلى حد بعيد وجهة العطلات الأكثر شعبية للمواطنين الألمان، وان 28 في المئة من الراغبين في السفر هذا العام يخططون لقضاء إجازتهم في المنتجعات السياحية المختلفة في ألمانيا.