يعد قطاع النقل الجوي سواء كان للأفراد او للبضائع واحد من القطاعات الاقتصادية الحيوية والتي تتشابك وتتعاون بكثافة مع العديد من القطاعات الاقتصادية المختلفة، حيث يوفر القطاع فرص عمل وقيمة مضافة لمختلف الاقتصاديات كما يعمل على ربط الناس والأسواق في جميع أنحاء العالم. فمن جهة توفر شركات صناعة الطيران فرص عمل لمئات الآلاف من الموظفين الذين يتمتعون بمجموعة واسعة من المؤهلات المهنية. ولكن الأهمية الفعلية للنقل الجوي تتجاوز الوظائف في مجال الطيران بكثير، إذ يُسهم الطيران بشكل كبير في تنقل الأفراد مما يُعزِّز التفاهم الدولي والتبادل الثقافي. وفي المقابل، يربط الطيران الشركات بأسواق العرض والمبيعات المهمة حول العالم، ويلعب الشحن الجوي دورًا مهمًا في التجارة الدولية. وبالنظر الى ان ألمانيا تتوسط جغرافيًا القارة الأوروبية بالإضافة الى انها تعد ثالث أكبر اقتصاد في العالم والذي يعتمد الى حد كبير على الصادرات، فان قطاع النقل الجوي يلعب دورا استراتيجيا في استدامة النمو الاقتصادي.
النقل الجوي كقطاع اقتصادي مستقل
بحسب تقرير منظمة الطيران المدني الدولي التابعة للأمم المتحدة ( ICAO)، فان قطاع الطيران المدني يعد واحد من اكثر القطاعات توظيفا وتحفيزا لخلق الوظائف بشكل مباشر وغير مباشر، حيث يعمل اكثر من 10 مليون شخص بشكل مباشر في القطاع منهم نحو 6.12 مليون شخص يعملون في المطارات وبنسبة 60 في المئة من اجمالي العاملين في قطاع الطيران المدني الدولي، 2.7 مليون شخص يعملون بشكل مباشر لدى شركات الطيران وبنسبة 27 في المئة من اجمالي العاملين، بينما يعمل في صناعة الطائرات 1.2 مليون شخص وبنسبة 11 في المئة بالإضافة الى 233 الف موظف في الشركات المزودة لخدمات الملاحة الجوية وبنسبة 2 في المئة.
وبحسب التقرير ايضًا يشتمل نظام الطيران المدني العالمي على أكثر من 45 ألف خط طيران تربط 3759 مطارًا تجاريا من خلال 1303 شركة طيران في حوالي 43 مليون رحلة سنويًا، ويتكون اسطول النقل الجوي المدني في العالم من حوالي 32 ألف طائرة بالإضافة الى 170 شركة تعمل في خدمات الملاحة الجوية.
قطاع النقل الجوي في ألمانيا
بسبب موقعها المركزي في وسط أوروبا تعد ألمانيا مركزًا للحركة الجوية الدولية، حيث توفر اتصال بالطائرة إلى جميع انحاء العالم، كما يتم التعامل مع نسبة كبيرة من حركة النقل الدولية في أوروبا عبر المطارات الألمانية. وتعتبر صناعة النقل الجوي في ألمانيا ذات أهمية اقتصادية كبيرة كقطاع اقتصادي مستقل وكذلك في ضوء وظيفة القطاع كمزود خدمة لفروع الاقتصاد الأخرى. اذ تساهم الحركة الجوية في ألمانيا مساهمة كبيرة في النمو والتوظيف. بالإضافة إلى ذلك، نجحت صناعة الطيران في ربط الاقتصاد الألماني بجميع أسواق الموردين والمبيعات المهمة في العالم، وهو ما يخلق ويضمن المزيد من فرص العمل والقيمة المضافة في ألمانيا داخل قطاع النقل الجوي وأيضا داخل الاقتصاد الكلي. كما ترتبط العديد من القطاعات الاقتصادية ارتباطا أساسيا بقطاع النقل الجوي كقطاع السياحة على سبيل المثال.
بنية قطاع النقل الجوي الألماني
يصف مصطلح النقل الجوي أو قطاع النقل الجوي عملية نقل الركاب والبضائع بالطائرة. ويتكون قطاع النقل الجوي من ركيزتين: مراكز الدعم اللوجستي «المطارات» وشركات الطيران. بالنسبة للمطارات يوجد في ألمانيا 23 مطارا رئيسيا ترتبط ألمانيا من خلالها بنحو 388 خط دولي مباشر مع العالم، تمثل مطارات برلين وميونخ ومطار فرانكفورت ومطار دوسلدورف ومطار هالة-لايبتزج اهم المطارات الألمانية. وقد استقبلت المطارات الألمانية الرئيسية الـ 23 في العام 2023م حوالي 185.2 مليون مسافر. وبذلك يكون عدد الأشخاص الذين أقلعوا أو هبطوا من المطارات في ألمانيا قد ارتفع بنسبة 19.3 في المئة مقارنة بعام 2022م، والذي كان لا يزال تحت تأثيرات جائحة كورونا. ومقارنة بمستوى ما قبل كورونا في عام 2019م، عندما سجلت المطارات أعلى مستوى تشغيل على الإطلاق عند 226.7 مليون مسافر، فان عدد المسافرين في العام 2023م اقل بنسبة 18.3 في المئة.
وكما هو الحال في العامين الماضيين، تطورت حركة الطيران مع الدول الأجنبية وحركة الطيران داخل ألمانيا بشكل مختلف، ففي عام 2023م، ارتفع عدد المسافرين على الرحلات الداخلية بنسبة 22.6 في المئة بينما ارتفع عدد المسافرين على الخطوط الجوية الى خارج ألمانيا بنسبة 19.1 في المئة. وبالرغم من ارتفاع نسبة الزيادة في عدد المسافرين على الرحلات الداخلية على نسبة الزيادة على الرحلات الخارجية فان التعافي من جائحة كورونا ليس بنفس الدرجة، فقد انخفض عدد الركاب في الحركة الجوية المحلية الألمانية بنسبة 50.4 في المئة في عام 2023م، مقارنة بعام ما قبل كورونا 2019م، بينما انخفض عدد الركاب في الحركة الجوية الدولية بنسبة 14.7 في المئة فقط.
اما بالنسبة الى الشحن الجوي فقد بلغ حجم البضائع والسلع المنقولة جوا في العام 2023م، حوالي 4.6 مليون طن، وهو ما يمثل نقل بضائع أقل بنسبة 7.1 في المئة في المطارات الألمانية الرئيسية مقارنة بعام 2022م، الذي كان عند 4.9 مليون طن ومقارنة بعام 2019م، الذي بلغ فيه حجم الشحن الجوي 4.7 مليون طن. الى جانب ذلك يعمل 330 ألف شخص في ألمانيا بشكل مباشر في صناعة الطيران المدني والمطارات وشركات الطيران ومراقبة الحركة الجوية.
ويٌعد مطار فرانكفورت أكبر مطار في ألمانيا من حيث حركة المسافرين حيث زاد عدد الركاب الذين استخدموا مطار فرانكفورت بنسبة 21.3 في المئة عما كان عليه في عام 2022م، حيث استخدم المطار نحو 60 مليون مسافر تقريبًا. وجاء مطار ميونيخ في المرتبة الثانية في عام 2023م، بحوالي 37 مليون مسافر. بينما سافر 23.07 مليون مسافر عبر مطار برلين-براندنبورج (BER)، وذلك بزيادة بمقدار 3.22 مليون شخص عما كان عليه في عام 2022م. وكانت اهم وجهات السفر الجوي انطلاقا من ألمانيا هي إسبانيا ثم إيطاليا بينما اتت تركيا في المركز الثالث.
في مجال الشحن الجوي يٌعد مطار فرانكفورت أكبر مركز للشحن الجوي في ألمانيا، إذ استطاع الحفاظ على مكانته كأكبر مواقع الشحن الجوي الأوروبية في عام 2023م، مقارنة بمطاري هيثرو في لندن وأمستردام في هولندا. حيث تم التعامل في المطار مع 1.869 مليون طن من البضائع والسلع.
اما بالنسبة لاهم شركات الطيران الألمانية فتعد مجموعة لوفتهانزا، والتي يضم اسطولها 381 طائرة، أكبر شركة طيران ألمانية (بما في ذلك الشركات الأصغر التي تمتلكها مثل، Germanwings وDiscover، وباستثناء الشركات التابعة مثل الخطوط السويسرية والنمساوية وطيران بروكسل). في المرتبة الثانية تأتي شركة طيران Eurowings بنحو 100 طائرة، تليها شركة Condor التي تمتلك 50 طائرة ومن ثم طيران توي فلاي TUIfly والذي يمتلك 23 طائرة.
في جانب الأرباح أعلن الاتحاد الدولي للنقل الجوي (IATA) ان الأرباح التي سجلها قطاع الطيران في ألمانيا العام 2023م قد وصلت الى 23.3 مليار دولار، وهي زيادة كبيرة عن التوقعات السابقة. ويتوقع الاتحاد انه في عام 2024م، يمكن أن ترتفع هذه الأرباح إلى 25.7 مليار دولار. ويشير ذلك إلى انتعاش كبير بعد أن تسببت جائحة كورونا في خسائر قياسية في السابق.
أهمية النقل الجوي للاقتصاد
يتم تبادل السلع والخدمات عبر العالم بشكل مستمر، وفي حالة الحاجة إلى تغطية مسافات طويلة في وقت قصير، فإن الطيران يظل الخيار الأمثل كوسيلة للنقل. لذا تعتمد الشركات المصدرة في ألمانيا بشكل كبير على النقل الجوي كنظام فعّال للنقل. ويظهر هذا الاعتماد بشكل أكثر وضوحًا عند معرفة انه يتم نقل حوالي 25 في المئة من إجمالي الصادرات الألمانية من حيث قيمة البضائع عن طريق الشحن الجوي. هذا النوع من النقل يجعل من السهل فتح وتزويد أسواق المبيعات العالمية بالمنتجات الألمانية بشكل سريع وفعّال. وبفضل الشحن الجوي، يمكن للشركات الاستجابة للتقلبات قصيرة المدى في الطلب والطلبات العاجلة من خلال خدمات لوجستية سريعة ومرنة. كما يمكّن النقل عن طريق الشحن الجوي الشركات المحلية من دمج المواقع والموردين في سلاسل التوريد العالمية المعقدة. ويشمل ذلك، على سبيل المثال، الإمداد السريع بالمكونات وقطع الغيار المطلوبة بشكل عاجل. كما يعد الشحن الجوي أيضًا أمرًا لا غنى عنه لتوفير الخدمات على مستوى العالم، على سبيل المثال. خدمات تركيب وصيانة الأنظمة التكنولوجية الحديثة.
وتُظهر البيانات الصادرة عن معهد البحوث الاقتصادية التابع لجامعة ميونخ ifo مدى أهمية قطاع النقل الجوي للشركات، حيث أجرى المعهد استطلاعًا لحوالي 7000 شركة ألمانية من قطاعات الصناعة والتجارة والخدمات حول أهمية الشحن الجوي لنموها واستمرار اعمالها التجارية، وقد اظهر الاستطلاع انه بالنسبة لـ 56 في المئة من هذه الشركات، يعتبر النقل الجوي ذو أهمية كبيرة أو حتى كبيرة جدًا. وفي قطاع الصناعة، ذكرت 74 في المئة من الشركات التي شملها الاستطلاع ذلك. ويعتبر النقل الجوي ذا أهمية خاصة في القطاعات الأساسية للصناعة الألمانية، والتي تمثل جزءًا كبيرًا من قوة التصدير الألمانية مثل الشركات العاملة في قطاع صناعة المعدات والآلات وصناعة الأدوية.
التحديات التي تواجه قطاع النقل الجوي
تشتكي الشركات العاملة في قطاع الطيران الألماني من عيوب هائلة في المنافسة مع المواقع وشركات الطيران الأجنبية بسبب الضرائب والرسوم المفرطة والقيود البيروقراطية. وأوضح Matthias von Randow من اتحاد الطيران الألماني أنه على الرغم من أن هدف التحول المناخي للطيران أمر ضروري، إلا أن التحول لا يمكن أن ينجح إلا إذا تمكنت الحكومة وبالتعاون مع قطاع الأعمال من التوفيق بين حماية المناخ والقدرة التنافسية بالإضافة إلى التقدم الاجتماعي وقوة الاستثمار.
وفقًا لـ Von Randow، فإن الشركات الألمانية تتنافس مع الشركات التي ليس لديها معايير عمل ومعايير اجتماعية وفق الصيغة الأوروبية، ولا يتعين عليها شراء شهادات الانبعاثات وليس عليها التزام بملء وقود باهظ الثمن ومحايد للمناخ. وبما أن هذه الشركات الأجنبية يمكن أن توفر السفر الجوي بشكل أكثر فعالية من حيث التكلفة، فإن اختيارات الركاب المسافرين من أوروبا سوف تتغير بشكل متزايد تجاه تفضيل هذه الشركات الاجنبية. وينطبق هذا بشكل خاص على طرق السفر بين الاتحاد الأوروبي وآسيا. وتزايد هذا الاتجاه بعد جائحة كورونا، حيث أصبح الركاب يسافرون بشكل أكبر مع شركات الطيران غير الأوروبية عبر نقاط وشركات في تركيا ودول الخليج العربية. فبينما كان 38 في المئة من الركاب من ألمانيا في عام 2010م، قد انتقلوا بالفعل عبر ما يسمى بالمراكز غير التابعة للاتحاد الأوروبي. ارتفعت هذه النسبة في العام 2019م، الى 49 في المئة، ووصلت في العام 2023م إلى 55 في المئة. هذا بالإضافة الى انخفاض الرحلات الجوية من ألمانيا إلى العواصم الاقتصادية الأوروبية مثل مدريد ولندن وميلانو، حيث لم يكن من الممكن تعويض الانخفاضات التي سببتها جائحة كورونا مرة أخرى.