«مقابلة مع صاحب السمو الملكي الأمير عبد الله بن خالد بن سلطان بن عبد العزيز آل سعود،
سفير المملكة العربية السعودية لدي جمهورية ألمانيا الاتحادية »
شهدت وتشهد المملكة العربية السعودية العديد من التحولات الجذرية في مختلف المجالات سواء على مستوى مختلف قطاعات الاقتصاد او على مستوى تحديث المجتمع ودعم المرأة والشباب والرياضة والتي بدأت منذ اقرار خطط التطوير الاستراتيجي في « رؤية السعودية 2030» العام 2016م. وللاطلاع على المزيد من المعلومات حول هذه التطورات والتحولات اجرت مجلة السوق هذا اللقاء مع صاحب السمو الملكي الأمير عبد الله بن خالد بن سلطان بن عبد العزيز آل سعود، سفير المملكة العربية السعودية لدي جمهورية ألمانيا الاتحادية
السوق: خطت قيادة المملكة العربية السعودية قفزة هائلة إلى الأمام بإعلان «رؤية 2030». نحن الآن في منتصف الطريق من خلال هذه الخطة الشاملة. ماهي الأولويات؟ وماذا تم إنجازه حتى الآن؟
الامير عبد الله: من الصعب أن نصدق أننا قد وصلنا إلى منتصف الطريق في برنامج التحول لرؤية 2030. لقد تم تصميم « رؤية 2030 « لتحويل اقتصادنا من خلال التنويع بعيدًا عن النفط وجعل المملكة العربية السعودية مركزًا عالميًا للاستثمارات، وفي هذا الصدد تم تحقيق الكثير بالفعل.
وفي السنوات الثماني التي تلت إطلاق برنامج التحول، شهدنا تقدماً كبيراً، لا سيما في الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي، الذي نما بنسبة 4.7 في المئة في عام 2023م، ومن المتوقع أن يستمر في النمو. وتشكل قطاعاتنا غير النفطية الآن نصف الناتج المحلي الإجمالي، مدفوعة إلى حد كبير بزيادة قدرها 57 في المئة في استثمارات القطاع الخاص في العام الماضي. بالإضافة إلى ذلك، كان نمو الاستثمار الأجنبي المباشر لدينا مثيرًا للإعجاب أيضًا، حيث فاق توقعاتنا بزيادات كبيرة على أساس سنوي، خاصة في قطاعات النقل والتخزين والتصنيع.
إن إنجازات « رؤية 2030 « حتى الآن كثيرة جدًا ولا يمكن ذكرها، لكنني أشعر أن مستويات التقدم الهائلة أصبحت واضحة بشكل متزايد في جميع أنحاء المملكة. وصلت مشاركة المرأة السعودية في سوق العمل المحلي إلى 35.5 في المئة في الربع الرابع من العام الماضي، وهو ما تجاوز الآن هدف رؤية 2030 البالغ 30 في المئة، بالإضافة الى ان 39 في المئة من المناصب الإدارية في المملكة تشغلها الان نساء، وهو أعلى أيضًا من الهدف. وارتفعت نسبة ملكية المنازل إلى أكثر من 60 في المئة، وتمت رقمنة 97 في المئة من الخدمات الحكومية، ورفع صندوق النقد الدولي توقعاته للنمو الاقتصادي للمملكة إلى 6 في المئة لعام 2025م.
هذه ليست سوى عدد قليل من مؤشرات نجاح رؤية 2030، وقد أظهر التقرير السنوي للرؤية لعام 2023م، أن 87 في المئة من المبادرات إما قد اكتملت أو على المسار الصحيح، وهو إنجاز مذهل بعد 8 سنوات.
السوق: تحول الاقتصاد السعودي يشمل أيضا قطاع الطاقة. المملكة العربية السعودية هي المورد التقليدي للنفط والغاز للعالم. هل للنفط مستقبل كمصدر للطاقة؟
الامير عبد الله: بالطبع سيستمر النفط في المساهمة في قطاع الطاقة والاقتصاد بشكل عام، لكننا ندخل الآن في مرحلة بدأنا فيها تعليق التوسع والانتقال بعيدًا عن الوقود الأحفوري ونحو الطاقة النظيفة. وأفضل مثال على هذا التحول هو شركة أرامكو، التي بدأت كشركة نفط ثم أصبحت شركة هيدروكربون، وهي الآن شركة طاقة. وأصبح أمن الطاقة الآن أقل اعتماداً على النفط وأكثر اعتماداً على مصادر الطاقة المتجددة.
السوق: في جميع الاحوال فإن الطاقات الجديدة والمتجددة ستلعب دوراً مهماً، وقد قدمت القيادة السعودية أيضاً خططاً طموحة في هذا المجال. ما هي التقنيات التي تعطيها الأولوية؟
الامير عبد الله: نحن نهدف إلى زيادة حصة الطاقة المتجددة في إنتاج الطاقة إلى 50 في المئة بحلول عام 2030م. ويجري حاليًا تطوير سبعة عشر مشروعًا للطاقة المتجددة.
نحن نركز في المقام الأول على ثلاث قطاعات: الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والهيدروجين. حيث تتمتع المملكة العربية السعودية بإمكانات هائلة لإنتاج الطاقة الشمسية، ونحن نهدف إلى الاستفادة من هذه الإمكانيات. وفي عام 2021م، استكملنا محطة كهرباء سكاكا، وبدأ تشغيل محطة سدير للطاقة الشمسية الكهروضوئية بقدرة 1500 ميجاوات في يناير الماضي. بالإضافة إلى ذلك، نقوم بتطوير مشروع الشعيبة للطاقة الشمسية الكهروضوئية، المقرر أن يبدأ تشغيله في عام 2025م.
وفي الوقت نفسه، نحن نستثمر في مزارع الرياح. وفي عام 2022م أنجزنا محطة رياح دومة الجندل بقدرة 400 ميجاوات. ويجري حاليًا التخطيط لثلاثة مشاريع لطاقة الرياح في إطار البرنامج الوطني للطاقة المتجددة، بقدرة إجمالية تبلغ 1800 ميجاوات.
وأخيرًا وليس آخرًا، نحن نستثمر أيضًا في الهيدروجين وسينتج مشروعنا لإنتاج الهيدروجين عبر محطة الطاقة الشمسية الكهروضوئية في نيوم، المقرر تشغيله في عام 2026م، 600 طن من الهيدروجين يوميًا.
السوق: ما هو وضع خطط تطوير الطاقة النووية؟
الامير عبد الله: تعمل المملكة العربية السعودية على تطوير الاستخدامات السلمية للطاقة النووية في مختلف المجالات وذلك بالتعاون الوثيق مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية وفق أفضل الممارسات والتجارب الدولية في هذا الشأن والاستفادة من الخبرات والخدمات الاستشارية التي تقدمها الوكالة في مجالها. وتتطلع المملكة العربية السعودية إلى انشاء مركز تعاون إقليمي مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية لتطوير القدرات البشرية في مجالات الاستعداد والاستجابة للطوارئ الإشعاعية والنووية، إلى جانب الجوانب التنظيمية الأخرى على المستوى الوطني والإقليمي والدولي. وتضمن سياسة المملكة الوطنية للطاقة النووية، أعلى معايير الشفافية والموثوقية ومستويات الأمان، وتؤمن بالمساهمات الإيجابية للطاقة النووية في أمن الطاقة، فضلاً عن فوائدها الاجتماعية والاقتصادية.
السوق: تحدثت وسائل إعلام عن صعوبات تواجه مشروع نيوم. ماذا بإمكانكم أن تخبرونا عن الوضع الحالي للمشروع؟
الامير عبد الله: مشروع نيوم مستمر كما هو مخطط له. المشروع المعروف باسم « The Line“، يعد واحدًا من أكبر المخططات التطويرية الرئيسية التي تم تنفيذها على الإطلاق، وتمتد المشاريع الفردية لتشمل السياحة والتعليم والتصنيع والتكنولوجيا والرياضة والخدمات المالية وغيرها. وكما يمكنك أن تتخيل مشروعاً بحجم نيوم، الذي يمتد على مسافة 26 ألف كيلومتر، يحمل تعقيدات هائلة.
ولكن تم تحقيق الكثير بالفعل في المنطقة، وقد أصبحت بالفعل مركزًا مهمًا في المملكة وواحدة من أكبر وجهاتنا للاستثمار الأجنبي المباشر. لقد شهدنا مستويات متزايدة من الاستثمار، كما حصل المخطط الرئيسي أيضًا على تسهيلات ائتمانية جديدة.
السوق: تقوم وزارة الاستثمار السعودية بتشجيع الاستثمار الأجنبي المباشر بشكل كبير. ما هي تجاربك مع المستثمرين الألمان في مجال الاستثمار الأجنبي المباشر؟
الامير عبد الله: هناك تاريخ طويل من الاستثمار الأجنبي المباشر الثنائي بين ألمانيا والسعودية، فمنذ تقديم برنامج المقر الرئيسي الإقليمي في عام 2021م، شهدنا تدفقًا عالميًا للشركات القادمة إلى المملكة وتأسيس مقار إقليمية، خاصة من الشركات الألمانية، التي كانت شريكة لنا نحو التطور والنمو الكبير للاقتصاد السعودي، ولكنها استفادت أيضًا من المبادرات والحوافز التي أنشأتها حكومتنا للشركات الأجنبية الملتزمة بالعمليات في المملكة. لقد شهدنا تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر تتجاوز هدف الرؤية بأكثر من 100 في المئة في عام 2022م، مع التعدين والسياحة والذكاء الاصطناعي والخدمات اللوجستية والتعليم، وهي وجهات مشتركة من شركائنا الأوروبيين.
لقد جعلنا المملكة وجهة مزدهرة للاستثمار الأجنبي المباشر، وخاصة للشركات الألمانية.
السوق: ما هي نقاط التركيز أو القطاعات التي توصي بها المستثمرين الألمان؟
الامير عبد الله: نحن نرى فرصًا ممتازة للمستثمرين الألمان في مختلف القطاعات، وخاصة في مجال الهيدروجين والطاقة المتجددة والسياحة والتصنيع المتقدم. تهدف المملكة إلى أن تكون لاعباً محورياً في سوق الهيدروجين العالمي، والذي يمكن أن يتكامل مع الطلب المتزايد في ألمانيا. بالإضافة إلى ذلك، فإن مبادراتنا الهامة في مجال الطاقة المتجددة، مثل محطة سكاكا للطاقة الشمسية وقطاعات التصنيع المتقدمة تتماشى أيضًا مع نقاط القوة التكنولوجية في ألمانيا.
السوق: أظهرت الحكومة السعودية أهمية الدور الذي يلعبه القطاع الخاص وذلك من خلال الخصخصة الجزئية لشركة أرامكو. ما هي مساهمة القطاع الخاص في الاقتصاد اليوم وما هو الدور الذي تلعبه الشركات الصغيرة والمتوسطة؟
الامير عبد الله: ارتفعت أهمية ودور القطاع الخاص في الاقتصاد بشكل كبير، فقد وصلت مساهمة القطاع الخاص في الاقتصاد السعودي إلى مستوى قياسي بلغ 44.79 في المئة في نهاية الربع الثالث من عام 2023م. ويتماشى هذا النمو مع رؤية 2030 التي تهدف إلى زيادة حصة القطاع الخاص في إجمالي الناتج المحلي إلى 65 في المئة. كما وصل عدد العاملين في القطاع الخاص إلى 10.9 مليون عامل في ديسمبر 2023م. وواصل القطاع الخاص في المملكة العربية السعودية النمو في الربع الرابع، حيث ارتفع عدد الشركات الصغيرة والمتوسطة بنسبة 3.1 في المئة ليصل إلى 1.3 مليون شركة في نهاية عام 2023م. وتسعى السعودية إلى رفع مساهمة المنشآت الصغيرة والمتوسطة إلى 35 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2030م. وفي هذا المجال تعد ألمانيا مثالاً ممتازًا لكيفية الاستفادة من النظام البيئي المتخصص للشركات الصغيرة والمتوسطة.
السوق: ما هي الأهمية التي يتمتع بها الاقتصاد الألماني في السعودية اليوم؟ هل الانطباع بأن أهميتها تضاءلت إلى حد ما، وأن بلداناً أخرى أصبحت أكثر أهمية ـ مثل الصين، صحيح؟
الامير عبد الله: لا أعتقد أن الأهمية التاريخية للاقتصاد الألماني في المملكة العربية السعودية مبالغ فيها. لقد كانت ألمانيا شريكًا اقتصاديًا حيويًا، ولا تزال تمثل أهمية كبيرة للمملكة.
وفي إطار المبادرات الاستراتيجية لرؤية 2030، نحن ملتزمون بتعزيز علاقاتنا الاقتصادية مع ألمانيا، لا سيما في المجالات الرئيسية مثل التكنولوجيا والهندسة والتنمية المستدامة. لا تعتمد هذه الشراكة على علاقاتنا التاريخية فحسب، بل تتوافق أيضًا مع أهدافنا للنمو والابتكار في المستقبل. ومن خلال الاستمرار في الانخراط بعمق مع ألمانيا، نهدف إلى الاستفادة من جهودنا التعاونية لتعزيز المرونة الاقتصادية والازدهار.
لا ينصب تركيزنا على التقليل من العلاقات التاريخية بل توسيع شبكتنا لتشمل مجموعة واسعة من الشراكات العالمية، والحفاظ على شراكات قوية مع مجموعة متنوعة من الدول.
السوق: ما الذي يمكن أن يفعله الاقتصاد الألماني ليعمل بنجاح في المملكة العربية السعودية؟
الامير عبد الله: بناء شراكات قوية مع الشركات المحلية والجهات ذات الاهتمامات المشتركة أمر بالغ الأهمية. نحن محظوظون بوجود العديد من المنظمات الحكومية وغير الحكومية في كل من المملكة وألمانيا، التي تقوم بتنظيم زيارات منتظمة وندوات وتقدم دعمًا عامًا للعلاقات التجارية الثنائية بين بلدينا. بالنسبة للعديد من الشركات، تعتبر هذه المنظمات في كثير من الأحيان الجهة الأولى التي يلجأ إليها، فهي تمتلك ثروة من المعرفة التخصصية التي يمكنها الاستفادة منها عند النظر في التوسع في المملكة.
السوق: يمكن لأي شخص يزور المملكة العربية السعودية اليوم أن يشعر بالإرادة الهائلة والرغبة لدى الحكومة في فتح البلاد وجعلها جذابة للزوار. ما هي المواقع والمؤسسات التي توصي بها الزوار من ألمانيا؟
الامير عبد الله: منذ تقديم التأشيرة السياحية في سبتمبر 2019م، قمت بتشجيع الجميع على القدوم وزيارة المملكة، لأنني أعتقد أنها الطريقة الأكثر إقناعًا لرؤية وتجربة التغييرات الإيجابية التي أحدثتها رؤية 2030. أود أن أشجع الزوار من ألمانيا على استكشاف أكبر قدر ممكن من المملكة العربية السعودية. نحن محظوظون للغاية لاستضافة العديد من مواقع اليونسكو التي أعتقد أنها تعطي فكرة ممتازة عن التراث والثقافة السعودية. تعد البلد في جدة، ومدائن صالح في العلا، والعاصمة التاريخية الدرعية، ثلاث وجهات تحظى بشعبية متزايدة لدى الزوار الأوروبيين في المملكة. ولعل عاصمتنا الرياض هي أفضل مثال على المملكة العربية السعودية الحديثة وتجسد لجهود التحول والتطور لرؤية 2030.
السوق: ما هي الخبرة التي أصبحت لديكم الآن في السعودية كشعب وحكومة مع السياحة؟
الامير عبد الله: نحن فخورون برؤية وصول قطاع السياحة في المملكة العربية السعودية إلى 100 مليون سائح. ويتم دعم نمو القطاع من خلال الإصلاحات والتعاون الدولي ويساهم الآن بشكل كبير في الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي. ليس هذا فحسب، بل إن النمو في الوجهات السياحية والبنية التحتية قد أتاح للسعوديين المزيد من الخيارات محليًا مما مكنهم من تجربة والاستمتاع بالمزيد من بلدهم وتراثهم.
وبالنظر إلى المستقبل، فإن هدفنا هو الترحيب بـ 150 مليون سائح بحلول عام 2030م.
السوق: هنا في ألمانيا لا تزال الصورة تتميز في كثير من الأحيان بالأفكار التقليدية. على سبيل المثال، فيما يتعلق بالقوانين الدينية وسلوكيات معينة.
الامير عبد الله: من المؤسف أننا مازلنا نشهد تصورات خاطئة كبيرة عن المملكة من قبل وسائل الإعلام.
أشجع الناس على النظر إلى ما هو أبعد من تصوراتهم الأولية واكتشاف المملكة العربية السعودية عن قرب. أجرت المملكة إصلاحات مهمة لتحديث المعايير المجتمعية وبناء مجتمع أكثر شمولاً وتقدمًا، وشكلت هذه التغييرات إزالة القيود على حقوق المرأة في مجالات مثل القيادة والمشاركة في الفعاليات الرياضية. ونتيجة لذلك ارتفعت مساهمة المرأة في الاقتصاد إلى 34% في عام 2023م، وارتفعت نسبة السعوديات في المناصب القيادية إلى 43% بنهاية الربع الثالث من عام 2023م، ولدينا اليوم خمس سفيرات في دول كبرى وهي الولايات المتحدة، إسبانيا، السويد، فنلندا، والاتحاد الأوروبي. من الضروري مشاهدة هذه التحولات بشكل مباشر لفهم النجاحات الكبيرة التي حققناها والتعرف على جهودنا المتواصلة في هذا المجال.
السوق: هل من الممكن السفر إلى المملكة العربية السعودية اليوم كسائح فردي والتنقل بحرية؟
الامير عبد الله: نعم بلا شك. لقد كانت المملكة العربية السعودية دائمًا ملتقى طرق التجارة والثقافة، حيث ترحب بالناس من جميع الخلفيات الدينية والعرقية من جميع أنحاء العالم. لقد قمنا الآن بتبسيط إجراءات الحصول على التأشيرة لتسهيل حرية الحركة للسياح الأفراد. وبالتأكيد يتم احترام الممارسات الخاصة للأديان المختلفة مما يضمن بيئة مضيافة لجميع زوارنا.
يجدر ذكراً أن المملكة تتمتع بمعدل جريمة منخفض، ويتم توفير بيئة آمنة للمسافرين المنفردين سواءاً كانوا ذكورا أو إناثا.
السوق: بالنسبة الى الرياضة لوحظ في ألمانيا، كما هو الحال في أي مكان آخر في العالم، باهتمام كبير أن الحكومة تعمل على الترويج لكرة القدم على نطاق واسع. حيث تم استقطاب نجوم من أوروبا والبطولات الأخرى. في ألمانيا، المعرفة حول كرة القدم في المملكة العربية السعودية قليلة جدًا. لذا نريد ان نعرف ماذا تمثل كرة القدم في المملكة العربية السعودية؟
الامير عبد الله: كرة القدم لها تقليد طويل في المملكة العربية السعودية، ويدير الاتحاد السعودي لكرة القدم (SAFF) المسابقات المحلية ومشاركات المنتخب الدولية منذ تأسيسه في عام 1956م، وتتعدى نجاحات منتخبنا الوطني مستوى البطولات القارية، حيث فاز منتخبنا الوطني بلقب بطولة آسيا ثلاث مرات وشارك في كأس العالم ست مرات. ولكننا لا نكتفي بالنجاح فنحن نريد المزيد.
تأسس الدوري المحترف السعودي، وهو الأداة التي ستمكننا من التفوق في كرة القدم، في السبعينيات من القرن الماضي ويضم اليوم 18 فريقًا رائدًا يتنافسون من أجل البطولات، وأعدكم بأننا لن نتوقف حتى نصل إلى أفضل خمس دوريات في العالم. واستعدوا لحدث رياضي غير مسبوق، حيث أننا نحضر لاستضافة كأس آسيا لكرة القدم في عام 2027م وألعاب آسيا في عام 2034م.
لتعزيز المنافسة على كافة المستويات، تأسس الدوري النسائي لدينا في عام 2020م، ومع الظهور الأول لفريقنا الوطني النسائي في عام 2021م، شهدنا ثورة حقيقية في المجال الرياضي. هذه الخطوات قد أدت إلى زيادة مشاركة الإناث في الرياضة، حيث وصلت النسبة إلى 50 في المئة.
يسير دوري الرجال لدينا في مسار غير مسبوق منذ من عام 2023م وبدعم من صندوق الاستثمارات العامة، حيث يجذب النجوم العالميين ويغرس إثارة لا مثيل لها في الثقافة الرياضية السعودية. ولا يقتصر الأمر على الفوز بالمباريات فحسب، بل يتعلق أيضًا بتعزيز صحة الشعب السعودي، وزيادة مشاركتهم، ذكورًا وإناثًا، في الرياضة.
السوق: كما تتطور الرياضة في مجالات أخرى: رالي داكار، بطولة الغولف…
الامير عبد الله: نعم بالفعل، منذ عام 2020م، يقام رالي داكار في المملكة العربية السعودية. الحدث مفتوح لكل من الرياضيين المحترفين والهواة، على الرغم من أن المحترفين يشكلون حوالي 80 في المئة من المشاركين. ويبدأ السباق في العلا وينتهي في ينبع على شواطئ البحر الأحمر.
أما بالنسبة للجولف، فإن بطولة السعودية المفتوحة هي بطولة جولف احترافية تقام في نادي الرياض للجولف منذ عام 2016م، وهي في الجولة الآسيوية منذ عام 2023م. أيضاً أطلقنا بطولة السعودية الدولية التي تقام في رويال جرينز النادي الريفي والجولف بمدينة الملك عبد الله الاقتصادية. وتم اعتبار هذه البطولة في عام 2019م كحدث في الجولة الأوروبية، وفي عام 2022م، أصبحت أيضًا الحدث الرئيسي في الجولة الآسيوية.
أنا متحمس جدًا لتطور الرياضة وتوسيع المشهد الثقافي بشكل عام في المملكة، ليس فقط من أجل السمعة العالمية التي يجلبها ذلك، ولكن أيضًا من أجل المنفعة المحلية لعشاق الرياضة السعوديين.
السوق: ما تعليقك على الاتهامات المتكررة بأن هذا «غسيل رياضي»؟
الامير عبد الله: أنا أختلف بكل احترام مع مصطلح «الغسيل الرياضي» حيث أنه يشكك من أهدافنا. إن استثماراتنا مدفوعة برغبة حقيقية في تحقيق الفائدة لشعبنا وأمتنا ودعم الرياضة، ولا تهدف إلى إخفاء هويتنا أو قيمنا. بل إنها استجابة للشغف الحقيقي بالرياضة بين سكاننا الشباب المتحمسين للرياضة، والذين هم على اتصال عالمي بها. وبما أن متوسط العمر في المملكة العربية السعودية يبلغ 26 عامًا، فإن تعزيز الرياضة يعد أساسي باعتبارها جزء مهم من ثقافتنا. علاوة على ذلك، هدفنا هو استضافة أحداث رياضية دولية رفيعة المستوى، ليس فقط من أجل متعة مواطنينا ولكن أيضًا لعرض قدرات بلادنا أمام العالم. نحن ننظر إلى المملكة العربية السعودية باعتبارها جزءًا لا يتجزأ من المجتمع الرياضي العالمي ونهدف إلى المساهمة بشكل إيجابي في نموه وتعزيزه.
السوق: فازت المملكة العربية السعودية الآن باستضافة دورة الألعاب الآسيوية الشتوية في عام 2029م. يعرف الألمان المملكة العربية السعودية بأنها أرض صحراوية؟
الامير عبد الله: السعوديون متحمسون للغاية لاستضافة دورة الألعاب الآسيوية الشتوية، خاصة أنها لم تتم استضافتها منذ عام 2017م. وبطبيعة الحال، تشتهر المملكة العربية السعودية في الغالب بصحاريها، لكن المملكة تمتلك أيضًا مجموعة متنوعة من المناطق الجغرافية المختلفة. يمكن العثور على الصحاري والجبال والمحيطات والغابات والمراعي في وطننا، ونحن متحمسون لنعرض للعالم الخارجي لمحة عن الجمال الشاسع الذي توفره المملكة العربية السعودية.
ستتمحور الألعاب الشتوية حول منطقة (تروجينا)، والتي نأمل أن تصبح منتجعًا للتزلج يعمل بكامل طاقته على مدار العام بحلول عام 2026م وأول منتجع للتزلج في الهواء الطلق في منطقة الخليج العربي. وستضم منطقة تزلج تبلغ مساحتها حوالي 60 كيلومترًا مربعًا، وتتراوح ارتفاعاتها بين 1500 و2600 متر.
السوق: كنتم سموكم ممثلاً لرياضة الفروسية في المملكة العربية السعودية، حيث تحظى الخيول بأهمية بالغة في الثقافة العربية. هل هناك أي ارتباطات بين اتحاد الفروسية السعودي ومربو الخيول ومنظمي الفعاليات في ألمانيا؟
الامير عبد الله: تتميز ألمانيا بتفوقها في مجال تربية الخيول، حيث يظهر اهتمام الألمان البالغ برياضات الفروسية، مما جعل الفروسية الألمانية تتبوأ مكانة دولية مرموقة. وفي ظل هذا الاهتمام، حقق الحصان الألماني Torquator Tasso إنجازًا كبيرًا بفوزه في سباق Prix de l›Arc de Triomphe عام 2021، أحد أبرز السباقات في أوروبا.
لم يكن التعاون في مجال الفروسية بين ألمانيا والمملكة بمستويات التعاون مع دول أخرى مثل الولايات المتحدة، بريطانيا، اليابان، فرنسا، أيرلندا، ودول الخليج. إلا أن المملكة تقدم نفسها كوجهة عالمية للفروسية بأشكالها المختلفة، من خلال استضافة وجذب الفعاليات العالمية. كما شهدنا تعاونًا مثمرًا مع المربين والمنظمين الألمان، الذين لعبوا دورًا مهمًا في إثراء تجاربنا، خصوصًا منذ إطلاق كأس السعودية في عام 2020.
أخيرًا، استضافت الرياض النهائيات العالمية للفروسية لقفز الحواجز والترويض بين 16 و20 أبريل 2024، إضافةً إلى جولة لونجين العالمية للأبطال في أكتوبر من عامي 2022 و2023، وستستقبل أول تصفيات GC في نوفمبر 2024.
وقد لاحظت تطلع الألمان لاستكشاف فرص التعاون وزيادة المشاركة في الفعاليات التي تستضيفها المملكة، خاصة في مجال الفروسية. وبصفتي عضواً في مجلس الهيئة السعودية للفروسية، أؤكد أن اللجان الرياضية السعودية تعمل بجد لتعزيز دور المملكة دوليًا في مجال الرياضات الفروسية، مستفيدة من الدعم المتواصل من القيادة الرشيدة التي تولي هذه الرياضة اهتمامًا خاصًا كجزء لا يتجزأ من التراث الثقافي والتاريخ السعودي.
السوق: ما هي تجاربك حتى الآن مع ألمانيا والألمان؟
الامير عبد الله: تجربتي مع ألمانيا والألمان كانت إيجابية. لقد وجدت الثقافة غنية وتكوين صداقات تجربة ممتعة للغاية. إن مساهمات ألمانيا في الفنون والعلوم والدبلوماسية العالمية تستحق الثناء، ومن دواعي سروري دائمًا التعامل مع دولة ملتزمة جدًا بالتميز والابتكار.
السوق: لو كانت لديك أمنية واحدة للمواطنين الألمان، ماذا ستكون؟
الامير عبد الله: أتمنى للمواطنين الألمان دوام السلام والازدهار والوحدة، وأن يستمتع كل فرد بإنجازات أمته ويستمر في المساهمة بتكوين مجتمع متناغم وشامل. أخيرًا، بما أن الألمان يعرفون بعشقهم للسفر، فإنني أدعوهم لزيارة المملكة العربية السعودية لاستكشاف جواهرها الخفية.
اجرى اللقاء رئيس تحرير القسم الألماني في مجلة السوق، يورجن هوجريفه