في إطار دعم العلاقات الاقتصادية بين العراق وجمهورية ألمانيا الاتحادية نظمت غرفة التجارة والصناعة العربية الألمانية بالتعاون مع سفارة جمهورية العراق في برلين الملتقى العراقي الألماني الرابع للأعمال والاستثمار وبمشاركة وفد عراقي رفيع المستوى ضم عدداً من الوزراء يمثّلون الحكومة والوزارات المعنيَة والهيئات الاقتصاديَة والغرف التجارية والصناعية ونخبة من رجال الأعمال العراقيين، كما شارك من الجانب الألماني الوزيرة الاتحادية للاقتصاد والطاقة وعدد من كبار المسؤولين وممثلين عن المؤسسات الرسمية الألمانية ونخبة من رجال الأعمال الألمان.
في الجلسة العامة للملتقى التي اتت بعنوان ” التعاون العراقي الألماني: افاق التعاون الاقتصادي والسياسي” القى الدكتور بيتر رامزاور رئيس الغرفة الوزير الاتحادي السابق كلمة رحب فيها بالحاضرين مشيرا الى اهمية هذا الملتقى الذي يشارك فيه ما يقرب من 180 من كبار المسؤولين ورجال الاعمال من الجانبين، وهو الامر الذي اكد علية ايضا سفير جمهورية العراق لدي ألمانيا ضياء الدباس الذي اوضح التطورات الايجابية التي شهدها العراق مؤخرا من خلال تحرير عدد من المناطق من سيطرة الجماعات الإرهابية، موضحا اهمية العراق كبلد يبلغ عدد سكانه اكثر من 36 مليون نسمة، مضيفا انه ومع وضع خطة اعادة البناء والاعمار تظهر حاجة العراق لإقامة علاقات تعاون وشراكة مع دول العالم وعلى وجه الخصوص ألمانيا من اجل تنفيذ هذه الخطة وهو ما يمثل ايضا فرصة للشركات الألمانية للمشاركة في اعادة الاعمار خصوصا ان ألمانيا تتمتع بسمعة طيبة في العراق وهو ما ترغب الحكومة العراقية في دعمه. السفير الألماني في بغداد سيريل نون عبر عن استعداد السفارة لتقديم كل الدعم والاستشارة الضرورية للشركات الألمانية الراغبة في العمل في العراق موضحا انه يتم الأن في العراق اجراء العديد من الاصلاحات واعمال التطوير الا انها تظل غير كافية، مشيرا الى اهمية قطاع التمويل المصرفي وخلق صورة واضحة وموثوقة عن هذا القطاع منوها بجلسة العمل التي جرى عقدها في اليوم السابق والتي جمعت العديد من الشركات والمؤسسات المصرفية الألمانية مع اعضاء الوفد العراقي والتي جرى فيها بحث صعوبات التمويل في العراق وطرق حلها.
من جهتها اكدت وزيرة الاقتصاد والطاقة في الحكومة الاتحادية الألمانية السيدة برجيتا تسبريس على انه لا يجب تجاهل ان العراق مر في الاوقات الماضية بأوضاع وتحديات صعبة وان الاوضاع الحالية القائمة فيه تعد من الناحية الامنية أفضل بكثير، مضيفة أن الشركات التي تستثمر في المشاريع العراقية يمكن أن تعتمد على دعم الحكومة الاتحادية الألمانية، وقالت الوزيرة “نريد ان نقدم المساعدة، الشعب العراقي يستحق كل الدعم”، منوهةً الى انه وفي بداية هذا العام تم تقديم قرض للحكومة العراقية بقيمة 500 مليون يورو وقد تم بالفعل دفع نحو 50 مليون يورو وستتبع100 مليون يورو أخرى هذا العام، وفي نفس السياق سلطت الوزيرة تسبريس الضوء على الحاجة إلى تحسين الأطر التنظيمية والظروف الموضوعية التي تعمل بها الشركات الألمانية في العراق داعية إلى تنفيذ حزمة من الإصلاحات الاقتصادية والمالية بأسرع وقت ممكن، خصوصا فيما يتعلق بخصخصة المؤسسات المملوكة للدولة في العراق فضلا عن عمليات تطوير القطاع المصرفي.
ومن جهته أشار سلمان الجميلي وزير التخطيط العراقي إلى خطط التنمية الشاملة التي وضعتها الحكومة مؤخرا حيث ستساهم الخطة الخمسية الأولى، التي ستنفذ اعتبارا من عام 2018 فصاعدا على تثبيت الاستقرار اذ يجب فتح الطرق واستئناف عمل المرافق الحكومية العامة في جميع المناطق. كما شدد الوزير الجميلي على انه قد تم ايضا وضع خطة تنمية اخرى مدتها خمس سنوات تأخذ في الاعتبار الفترة من عام 2022 فصاعدا، منوها الى أن هذه الخطط الشاملة لا يمكن تنفيذها إلا بالتعاون الوثيق مع الشركات المحلية والدولية، وقال الوزير “نريد ان نعطي القطاع الخاص فرصة للمشاركة بشكل مكثف” مشيرا الى انه سيتم تنفيذ العديد من الاصلاحات الاقتصادية التي من شأنها ان تقلل من البيروقراطية وتخلق اليقين القانوني من جهة اخرى. من ثم قدم الدكتور سامي الاعرجي لمحة عامة عن المشاريع الحالية الجاري تنفيذها في العراق منوها الى انه يجري حاليا تنفيذ 700 مشروع بقيمة إجمالية قدرها 63.03 مليار دولار أمريكي في جميع المحافظات العراقية.
وفي جلسات الملتقى المتخصصة اظهرت الجلسة الأولى والتي تناولت موضوع “التمويل والاستثمار” الفرص التي تقدمها الشركات العراقية والألمانية في تمويل المشاريع، وبعد ترحيب الأمين العام للغرفة عبد العزيز المخلافي بالحاضرين اشار الى اهمية العلاقات العراقية الألمانية وكذلك الى تحقيق العراق للنصر وتحرير منطقة الموصل وغيرها من المناطق وما يعنيه ذلك من بدأ عملية اعادة البناء والاعمار وهو ما يعني مزيدا من النمو والتنمية الاقتصادية وكذلك مزيدا من الفرص للشركات الألمانية، ومن ثم بدأت الجلسة حيث تحدث المشاركون فيها عن التمويل والاستثمار وقال فيصل الهيمص، رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي بالوكالة في بنك التجارة العراقي، إن الطلب على القروض شهد ارتفاعا كبيرا اذ تم في العام الماضي تسجيل 2،700 خطاب اعتماد. بينما وحتى منتصف هذا العام هناك بالفعل 1400 من طلبات القروض التجارية. داوود عبد زائر الجميلي، رئيس مجلس الأعمال الوطني العراقي، اوضح أن الطلب سيستمر في النمو، مشيرا إلى ارتفاع الاستهلاك في البلاد. ومنوها الى انه يتم إنفاق 150 مليون دولار أمريكي يوميا على السلع الاستهلاكية التي يتم استيراد 90 % منها من الخارج.
العديد من البنوك الدولية تظهر استعدادا لدعم الاستثمار في قروض الاستيراد في العراق وفي هذا الجانب تظهر مؤسسة هيرمس الألمانية كأبرز الأمثلة هنا، وقد اوضح كل من جورن جرايوفسكي رئيس قسم الشرق الاوسط في مؤسسة اديلر هيرمس و يهادور جيتزلياش من المصرف التجاري الألماني وكذلك رالف ايكل مدير مصرف يونيكريديت في ألمانيا ان نماذج تمويل قروض الاستيراد متاحة في الوقت الحاضر وان الامكانات في هذا المجال كبيرة وعديدة الا ان اجراء اصلاحات في الاطر القانونية في العراق لتنفيذ هذه التعاملات التمويلية وفقا للمعايير الدولية ما تزال ضرورية، واضاف رالف ايكل انه وبالرغم من ذلك فان الشروط اللازمة لأجراء عمليات الاصلاح المالي في العراق جيدة وان وكالات التصنيف المالي العالمية قد غيرت تصنيف العراق الى مستقر.
تحت عنوان “ممارسة الأعمال التجارية في العراق – الأطر القانونية”، تبادل المشاركون في الجلسة الثانية معلومات حول طبيعة الإطار القانوني لعمل الشركات الاجنبية في العراق، وقد ادار هذه الجلسة الدكتور كيليان بايلز الشريك في مؤسسة اميريللر للاستشارات القانونية. وفي بداية الجلسة تحدث الدكتور سامي الاعرجي رئيس هيئة الاستثمار في العراق قائلا ان الحكومة العراقية تعمل بشكل خاص على تحسين اطر وظروف عمل الشركات المتوسطة والصغيرة حيث ان الشركات الكبرى موجودة بالفعل في الوقت الحاضر في العراق مثل شركة سيمنز مضيفا ” اننا نبحث ايضا عن الشراكة مع الشركات المتوسطة والصغيرة”
من جهته اضاف الدكتور رودولف غريدل، رئيس قسم في الوزارة الاتحادية للاقتصاد والطاقة، أن الحكومة الاتحادية الألمانية تدعم مثل هذه المبادرات ومشيرا كذلك الى موافقة الحكومة الاتحادية على تقديم قروض بقيمة 500 مليون يورو الى العراق من اجل تمويل اعادة البناء والاعمار. رئيس اتحاد الغرف التجارية العراقية وغرفة بغداد جعفر الحمداني شدد على ان التعاون الألماني العراقي هو الان جيد بالفعل واكد ان غرف التجارة ال 18 في المحافظات العراقية المختلفة تدعم ايضا بشكل نشط الشراكات مع الشركات الألمانية.
مدير عام شركة ام جي انترناشيونال ترانسبورت اوفة شتوبيغنيش و بيتر ماير مدير عام شركة نيرامار والذين تعمل شركاتهما وتنشط في العراق منذ وقت طويل اكدا، انطلاقا من خبرتهما في السوق العراقي، ان ظروف العمل قد تحسنت بشكل كبير خصوصا في مجال قانون حماية الاستثمار وتحسن الحالة الامنية وكذلك في مجال تعزيز قطاع الصناعة.
واحد من اهم المجالات في التعاون العراقي الألماني التي تناولتها جلسات الملتقى كان مجال الصحة والذي كان محور نقاشات الجلسة الثالثة للملتقى حيث قدم الدكتور حازم الجميلي وكيل وزارة الصحة العراقية خلال الجلسة عرضا عن الوضع القائم حاليا في قطاع الصحة العراقي حيث اوضح ان العراق يمتلك 24821 سريرا موزعين على 260 مستشفى عاما، مشددا على الحاجة الى مزيد من تطوير قطاع الصناعات الدوائية المحلي حيث ان هذا القطاع لا يلبي سوى ما نسبته 15% من حاجة البلاد من الدواء مما يعني ان الشركات الاجنبية لديها فرص كبيرة للاستثمار في هذا المجال. فرص اخري للتعاون العراقي الألماني في قطاع الصحة تتمثل في تأهيل وتدريب الاطباء الاختصاصيين حيث اوضحت البروفسورة انتظار الشمري مديرة ادارة الاعمال في الجامعة المستنصرية في بغداد الى الحاجة الى مزيد من التعاون في هذا الجانب، ومن جهته اشاد الدكتور سيفيك البهايدر مدير المعهد الاقتصادي في جامعة ايرلانجن-نورنبرغ بالتعاون مع الشركاء العراقيين. وفي جاب الشركات الخاصة العاملة في هذا المجال اشار الدكتور مايكل فرانزل العضو المنتدب لشركة كارل كولب ان لدى الشركة ثلاث مكاتب في العراق بالإضافة الى متاجر وبنية تحتية خاصة بها متحدثا ايضا عن قيام الشركة بتجهيز العديد من المختبرات والمعامل الجامعية وغيرها من المؤسسات.
في الجلسة الرابعة من الملتقى تم تناول موضوع “البنية التحتية والبناء” وقد ادار الجلسة صائب نحاس وقد ناقش كل من الدكتور ديريك جانوفسكي، المدير الاداري لشركة اية جي جي الهندسية وعمار شوبار الشريك في مؤسسة الشركاء في الادارة في دولة الامارات العربية المتحدة ووميض الموسوي، المدير التنفيذي لشركة الاعداد للمقاولات العامة مع الدكتور سامي الاعرجي رئيس هيئة الاستثمار العراقية حول امكانيات الاستثمار في قطاع البناء والتشييد وعلى وجه الخصوص في قطاعات بناء المساكن والذي يحظى بأولوية في الوقت الحاضر في العراق بالإضافة الى قطاع اعادة بناء وتطوير شبكات الطرق والجسور فضلا عن المدارس وصيانة وترميم البنى التحتية، وبشكل عام وبحسب الدكتور الاعرجي فان كل محافظة عراقية تحتاج الى 25 الف وحدة سكنية اضافية سوف تقوم الحكومة العراقية بتوفير قطع الاراضي الازمة لذلك.
ويقدر صندوق إعادة الإعمار للمناطق المتضررة من العمليات الإرهابية أن الاستثمار المطلوب لإعادة الإعمار هو 100 مليار دولار. ووفقا للتقديرات، سيتم إنفاق 22 في المائة من هذه الأموال على التعليم، و17 في المائة على إعادة بناء الطرق والجسور، و16 في المائة على قطاع الطاقة.
اما الجلسة الخامسة والختامية للملتقى فقد تم تخصيصها لموضوع “امدادات الطاقة” وقد ادار هذه الجلسة اوفة هويرمان الشريك في شركة رولاند برجر هولدنج، وقد اوضح وزير الكهرباء العراقي قاسم الفهداوي الوضع الذي يمر به قطاع الطاقة وانتاج الكهرباء العراقي في الوقت الحاضر اذ ان ضمان امدادات مستدامة للطاقة ليس مهما لإعادة الاعمار وللاقتصاد وحسب بل ايضا هو هام للمواطنين في جميع انحاء البلاد. واشار الوزير الى انه وبالرغم من ان نصف المهجرين واللاجئين داخل العراق قد عادوا الى منازلهم الا ان الخشية، مع عدم وجود الخدمات الاساسية ودون وجود كهرباء، ان يعودوا مرة اخرى الى السكن في الخيام.
واضاف الوزير ان محطة كهرباء بغداد الجديدة ومع المحطة المخطط لها ان تبنى في البصرة سوف تؤدي الى زيادة القدرة الانتاجية للطاقة، الا ان المهم ايضا وخصوصا في المناطق المحررة ان يتم اعادة شبكات توزيع الكهرباء الى العمل. الوزير الفهداوي اشار ايضا الى ان مصادر الطاقة المتجددة سوف تلعب في المستقبل دورا كبيرا في تعزيز قدرات العراق في مجال الطاقة وتقوم الحكومة العراقية بالتخطيط لأنشاء محطات كهربائية تعمل بالطاقة الشمسية، واضاف الوزير ان العراق وقع مؤخرا العديد من العقود في جانب تطوير انتاج الطاقة منها مع شركة سيمنز الألمانية وفي هذا الجانب اوضح مصعب الخطيب الرئيس التنفيذي لشركة سيمنز في العراق ان الشركة ستعمل على زيادة كفاءة محطات الطاقة المختلفة من خلال مشاريع شراكة مع الحكومة العراقية. من جهته اشار بيورن لونهارد الشريك الاداري لشركة لونهارد ان هنالك فرصا مهمة للاستثمار بالنسبة للشركات الصغيرة والمتوسطة ولا سيما فيما يتعلق بالطاقة المتجددة وشبكات توزيع الكهرباء.
وقد اختتم امين عام الغرفة الاستاذ عبد العزيز المخلافي الملتقى بتوجيه الشكر لكل المشاركين معتبرا ان مستوى المشاركة العالي من وزراء وشركات من الجانبين العراقي والألماني يعد دليلا على ان العلاقات الاقتصادية العراقية الألمانية قوية وستأخذ ابعاداً اقوى في المستقبل.