يمثل قطاع صناعة الأغذية واحدا من اهم القطاعات الاقتصادية وأكثرها حيوية تجاريا وتشغيلا وتشابكا مع القطاعات الاقتصادية الأخرى والتي منها قطاع النقل، قطاع مبيعات التجزئة وقطاع الضيافة والمطاعم وغيرها من القطاعات الاقتصادية الأخرى، إضافة الى الأهمية الخاصة للقطاع في مجال تحقيق الامن الغذائي وتأمين الامدادات للمستهلكين. حيث ان قطاع الصناعات الغذائية هو القطاع الاقتصادي المسؤول عن اعداد المنتجات الغذائية المختلفة ونقلها وتجهيزها للاستهلاك بداية من شرائها من المزارعين او من الأسواق المحلية والدولية وحتى ايصالها الى رفوف المحلات والأسواق الغذائية. والى جانب هذا الدور الهام الذي يضطلع به هذا القطاع فانة يتميز أيضا، وكقطاع اقتصادي مستقل، في تشغيل كثيف للعمالة وفي دعم الصادرات الألمانية وبالتالي دفع النمو الاقتصادي الكلي.

أهمية قطاع الصناعات الغذائية

تعتبر صناعة المواد الغذائية من أهم فروع الصناعة في ألمانيا. وتأتي من حيث الإيرادات في المرتبة الخامسة بعد قطاع صناعة السيارات، صناعة الآلات والمعدات، الصناعات الكيميائية والصيدلانية والصناعات الكهربائية. ويبلغ عدد الشركات العاملة في هذا القطاع حوالي 6100 شركة يعمل بها أكثر من 618 ألف موظف وعامل. وتتميز الشركات العاملة في صناعة الأغذية بان 90 في المئة منها من الشركات الصغيرة والمتوسطة والتي لا يتجاوز عدد موظفيها 50 موظف. كما تعد صناعة اللحوم وصناعة الألبان وصناعة الحلويات والمخبوزات وإنتاج المشروبات الكحولية من أكبر القطاعات في صناعة الاغذية. وبحسب وزارة الاقتصاد الاتحادية، تعد ألمانيا هي ثالث أكبر مصدر للصناعات الغذائية في السوق العالمية. تصدر ألمانيا ما يوازي 33,6 في المئة من اجمالي إيرادات الصناعات الغذائية، حيث هناك طلب دولي على جودة الصناعة الألمانية، وخاصة على منتجات اللحوم والحلويات ومنتجات الألبان والمشروبات. وتذهب أكثر من ثلاثة أرباع الصادرات إلى الاتحاد الأوروبي حيث تعد هولندا وفرنسا وإيطاليا وكذلك الصين والولايات المتحدة وسويسرا وروسيا أهم أسواق المبيعات.

ويلعب قطاع صناعة الأغذية دورا رئيسيا في اقتصاديات الأقاليم والارياف في ألمانيا حيث تنتشر الصناعات الغذائية على طول ألمانيا وعرضها، ويمثل القطاع واحدا من اهم القطاعات المشغلة للعمالة. كما يقدم قطاع الصناعات الغذائية حزمة واسعه ومتنوعة من المنتجات تبلغ نحو 170 ألف منتج بحيث يصعب وجود منتج غذائي لا يتم تصنيعه وانتاجه في ألمانيا، وتتميز ألمانيا في انتاج اللحوم ومشتقاتها والحليب ومشتقاته وكذلك الحلويات بأنواعها إضافة الى انتاجها من الخضروات والفواكه.

تتميز شركات ومنتجي الصناعات الغذائية في ألمانيا عن غيرها من الشركات المصنعة للمواد الغذائية في دول العالم الأخرى بكون هذه الشركات مرتبطة بشكل أكبر بالبحث العلمي وبالاستثمار وبتطوير المنتجات. ومن اجل بقاء شركات هذا القطاع قادرة على الاستمرار في المنافسة في السوق المحلية قامت بتوسيع اعمالها الى الأسواق الأوروبية والعالمية، واعتمادا على المستوى العالي لجودة المنتجات وضمان تأمين امداداتها ومراقبة اتجاهات وميول المستهلكين وعرضها بأسعار معقولة استطاعت الشركات الألمانية المنتجة للمواد الغذائية تعزيز قدرتها التنافسية في الأسواق العالمية وحظيت، الى حد كبير، على رضى المستهلكين.

الأداء الاقتصادي لقطاع الصناعات الغذائية

الى جانب قيام القطاع بتأمين الاحتياجات الغذائية وبشكل يومي لنحو 83 مليون في ألمانيا وضمان تشغيل العمالة، استطاعت صناعة المواد الغذائية من زيادة مبيعاتها في العام 2019م بنسبة 3,2 في المئة لتصل الى 185,3 مليار يورو. وقد نتجت هذه الزيادة نتيجة عاملين أساسيين أولهما ارتفاع أسعار المواد الغذائية بشكل عام وكذلك زيادة المبيعات في السوق المحلية بنسبة 1,2 في المئة لتصل الى 123,1 مليار يورو. ثانيا ارتفعت الصادرات الغذائية الألمانية في العام 2019م بنسبة 4,5 في المئة مقارنة بالعام 2018م حيث بلغت 62,2 مليار يورو وبنسبة 33,6 في المئة من اجمالي إيرادات الصناعة، وهو ما يعني أنه تم كسب كل ثالث يورو في الأسواق الخارجية.

وتتوزع مساهمات المنتجات الغذائية المختلفة في حجم الإيرادات، اذ تمثل إيرادات مبيعات منتجات اللحوم المختلفة نسبة 24,3 في المئة من الحجم الكلي لإيرادات قطاع الصناعات الغذائية تليها منتجات الالبان التي تبلغ نسبة مبيعاتها من الإيرادات الكلية للقطاع نحو 13,2 في المئة ومن ثم تأتي المعجنات والمخبوزات المعبأة بنسبة 10 في المئة تقريبا في المركز الثالث، الحلويات والمخبوزات طويلة الأمد شكلت نسبة 8,3 في المئة من مبيعات قطاع الصناعات الغذائية في ألمانيا. المشروبات الروحية بمختلف أنواعها مثلت نسبة 7,6 في المئة، بينما شكلت الخضروات والفواكه المعبأة نسبة 6,1 في المئة من حجم إيرادات قطاع الصناعات الغذائية.

الأسواق الدولية لقطاع الصناعات الغذائية الألماني

صدرت شركات قطاع الصناعات الغذائية في ألمانيا العام 2019م ما قيمته 62,2 مليار يورو الى الأسواق الدولية وهذا ما يعني ارتفاعا في الصادرات بنسبة 4,5 في المئة مقارنة بالعام الذي سبق، ويساهم تصدير المنتجات الغذائية فيما نسبته 33,6 في المئة من حجم إيرادات القطاع وهذه النسبة ما تزال ثابته منذ عدة أعوام على الرغم من خسارة أسواق مهمة مثل السوق الروسي نتيجة العقوبات الاقتصادية التي فرضها الاتحاد الأوروبي على روسيا بسبب موقفها من الحرب في أوكرانيا، الا ان الشركات الألمانية بحثت عن أسواق بديلة عن السوق الروسي ووجدتها في اسيا حيث افتتحت الشركات هنالك اسواقا جديدة على الرغم من المنافسة الشديدة والتي أدت الى ضغوط كبيرة على الأسعار بحيث انخفضت أسعار الصادرات بنسبة 0,6 في المائة. وتمثل الصادرات أهمية بالغة بالنسبة للقطاع خصوصا ان الأسواق المحلية عانت من الركود لمدة عامين، كما تمثل الصادرات واحدا من اهم محركات النمو ودعم الأرباح بالنسبة لقطاع الصناعات الغذائية. وتساهم الجودة التي تتمتع بها المنتجات الألمانية في دعم القدرة التنافسية للقطاع في الأسواق العالمية وهو ما جعل ألمانيا ثالث أكبر مصدر ومستورد للأغذية والمشروبات والمنتجات الزراعية في العالم.

وما تزال دول الاتحاد الأوروبي تمثل السوق الرئيسي للمنتجات الغذائية الألمانية حيث تذهب نسبة 78 في المائة من الصادرات الألمانية الى الأسواق الأوروبية، حيث تستفيد الصناعات الغذائية في ألمانيا من سهولة الوصول الى أسواق دول الاتحاد الأوروبي وقربها بالإضافة الى تشابه الاذواق والعادات الغذائية بين هذه الدول وبين المانيا. وتعد هولندا بقيمة صادرات بلغت 7,4 مليار يورو أكثر دولة من دول الاتحاد الأوروبي استيرادا للمنتجات الغذائية الألمانية تليها فرنسا التي اشترت منتجات غذائية المانية في العام 2019م بقيمة 5,1 مليار يورو ولتاتي كثاني اهم شريك تجاري لألمانيا في هذا المجال، إيطاليا استوردت بقيمة 4,7 مليار يورو، فيما بلغت قيمة مشتريات بريطانيا من المنتجات الغذائية الألمانية 4,2 مليار يورو وبقيمة لا تقل كثيرا اتت النمسا بقيمة 3,9 مليار يورو كخامس اهم الشركاء التجاريين لألمانيا في مجال صناعة الأغذية. وقد نمت الصادرات الألمانية من المنتجات الغذائية الى دول الاتحاد الأوروبي في العام 2019م بنسبة 2,8 في المائة. من الدول الأوروبية الأخرى غير الأعضاء في الاتحاد الأوروبي جاءت سويسرا كأهم مستورد للبضائع الغذائية الألمانية حيث بلغت قيمة مشترياتها نحو 1,5 مليار يورو، في الأسواق الاسيوية ما تزال الصين أكبر سوق للمنتجات الغذائية الألمانية بمشتريات بلغت قيمتها 2,1 مليار يورو.

العوامل المؤثرة على نمو قطاع الصناعات الغذائية

تلعب ثلاث عوامل دور اساسيا في نمو اعمال قطاع الصناعات الغذائية وتتركز هذه العوامل في التالي:

1- اسعار السلع الزراعية الأولية: يمثل اتجاه أسعار السلع الزراعية والمنتجات الحيوانية المختلفة والتي تعد المواد الخام الأساسية المستخدمة في انتاج المواد الغذائية التحدي الرئيسي امام قطاع الصناعات الغذائية، اذ يعد سعر المواد الخام عاملاً رئيسياً في تحديد تكلفة إنتاج الغذاء، وارتفاع تكاليف المواد الخام يضيف اعباءً على الشركات ويقلص من هامش أرباحها كما ان له تأثير على أسعار المستهلكين على المدى المتوسط. كما تلعب الأسعار النهائية للمنتجات دورا هاما في تحديد القدرة على المنافسة في الأسواق المحلية والدولية، ويعتمد اتجاه السعر في أسواق السلع الزراعية على تقلبات العرض والطلب.

2- تغير امزجة المستهلكين: يلعب تغير امزجة المستهلكين وانماط استهلاكهم دوراً متزايداً في تحديد اتجاهات نمو قطاع الصناعات الغذائية ومن ضمن نماذج تغير أنماط الاستهلاك، على سبيل المثال، الميل الى شراء مزيد من المواد الغذائية العضوية والغير معالجة بالأسمدة الكيماوية او المعدلة وراثياً، أو الميل الى التقليل من استهلاك اللحوم او بالعكس من ذلك الاتجاه الى استهلاك مزيد من الأسماك، كذلك هو الامر بالنسبة الى اتجاه الكثير من المستهلكين الى شراء مواد غذائية أكثر جودة.

3- الميل العام للاستهلاك: يلعب الميل العام للاستهلاك وارتفاع القدرة الشرائية للمستهلكين على نمو وتطور صناعة المواد الغذائية، كما هو بالنسبة لغيرها من القطاعات الصناعية والاقتصادية، الا ان الصناعات الغذائية تستفيد بشكل أكثر لجهة كونها منتجات تستهلك بشكل يومي مما يعني استفادتها بشكل أكبر من غيرها من المنتوجات الأخرى.

من العوامل الإضافية المؤثرة على نمو قطاع الصناعات الغذائية الألماني ومدي ربحيتة الدور الذي يلعبه قطاع بيع التجزئة، والذي يمثل القناة التي يتم من خلالها إيصال المواد الغذائية من المنتج الى المستهلك، والذي يتميز بحدة المنافسة وبتزايد الضغوط على المنتجين من اجل تخفيض الأسعار، فهنالك خمس شركات كبرى تسيطر على ثلاثة ارباع سوق التجزئة للمواد الغذائية في ألمانيا، وهو ما يؤدي الى ارتفاع المنافسة السعرية المكثفة. اذ يتعامل ما يزيد من 6 الاف شركة ومؤسسة منتجة للأغذية في ألمانيا مع خمس شركات كبرى فقط مما يؤدي الى تقوية وضع شركات مبيعات التجزئة في مواجه المنتجين مما يدفع المنتجين في كثير من الأحيان الى القبول بشروط ومطالب شركات البيع بالتجزئة في تعديل الأسعار وهو ما يؤدي الى انخفاض أرباح المنتجين.

صناعة المواد الغذائية وأزمة كورونا

مع بداية ازمة كورونا ازداد الطلب على المنتجات الغذائية انطلاقا من كون الغذاء حاجة أساسية وكذلك بسبب سلوك بعض المستهلكين القائم على تخزين المواد الغذائية وهو ما تسبب في اختفاء بعض المواد الغذائية من على ارفف المتاجر مؤقتاً وهكذا وبينما كان على بعض الصناعات إيقاف انتاجها او خفضه مؤقتا ارتفع الطلب على صناعة المواد الغذائية. فعلى سبيل المثال، تضاعف حجم مبيعات مادة الطحين في متاجر التجزئة في بداية ازمة كورونا ألا ان الشركات المنتجة له لم تسجل زيادة في حجم مبيعاتها في تلك الفترة الا بنسبة 6 في المئة. ويعود ذلك الى حقيقة ان 95 في المئة من الإنتاج يذهب إلى المستهلكين الكبار مثل المطاعم ومتاجر بيع المخبوزات والمعجنات. وبالتالي لا تتوقع الشركات تطورا إيجابيا كبيرا خلال العام.

وفي نفس الوقت تعاني الكثير من شركات صناعة الأغذية من تراجع دخلها بشكل كبير نتيجة لإغلاق المطاعم والحانات، فضلاً عن المقاصف والكافيتريات وكذلك قطاع الضيافة، والتي تعد ثاني أهم قناة مبيعات لصناعة المواد الغذائية الألمانية بعد بيع المواد الغذائية بالتجزئة. وقد سجلت الشركات المتخصصة في البيع لهذه القطاعات خسارة 80 في المئة من اعمالها خلال ازمة كورونا.

وفي نفس الوقت تعاني الكثير من شركات صناعة الأغذية من تراجع دخلها بشكل كبير نتيجة لإغلاق المطاعم والحانات، فضلاً عن المقاصف والكافيتريات وكذلك قطاع الضيافة، والتي تعد ثاني أهم قناة مبيعات لصناعة المواد الغذائية الألمانية بعد بيع المواد الغذائية بالتجزئة. وقد سجلت الشركات المتخصصة في البيع لهذه القطاعات خسارة 80 في المئة من اعمالها خلال ازمة كورونا.