تلعب الشركات الصغيرة والمتوسطة دورا محوريا في الاقتصاد الألماني، كما تعد من ضمن اهم مميزاته بالمقارنة مع الاقتصاديات الأخرى، وكذلك أحد أبرز أسباب فعاليته والديناميكية التي يتصف بها. وتمثل الشركات الصغيرة والمتوسطة ضرورة لتحقيق النمو والازدهار الاقتصادي من خلال خلقها للوظائف وتدريب العمالة الشابة وتحسين القدرة التنافسية للاقتصاد من خلال الاستثمار. وتضم الشركات الصغرى والمتوسطة الجل الأعظم من الشركات العاملة في ألمانيا والتي يبدا نشاطها من الاعمال الحرفية الصغيرة مرورا بالشركات العائلية التقليدية ووصولا للشركات الراسخة على المستوى المحلي والإقليمي والدولي.

تعريف الشركات الصغيرة والمتوسطة

وفقا للمفوضية الأوروبية فانه يتم تعريف وتقسيم الشركات وفقا للمعايير التالية: فالشركة هي كل كيان قانوني يقوم بنشاط اقتصادي بغض النظر عن حجمه، ويتم تعريف الشركة على انها من الشركات او المشاريع الصغرى عندما لا يتجاوز عدد موظفيها 9 موظفين ولا تتجاوز مبيعاتها 2 مليون يورو في العام، بينما يتم تصنيف الشركة بانها شركة صغيرة عندما يتراوح عدد موظفيها بين 10 و49 موظف وتبلغ مبيعاتها القصوى 10 ملايين يورو سنويا، بينما يتم اعتبار الشركة من ضمن فئات الشركات المتوسطة الحجم عندما يبلغ عدد العاملين بها بين 50 و249 موظفا مع حجم مبيعات اقصى بنحو 50 مليون يورو، كما تدخل بعض التعريفات ضمن اطار الشركات المتوسطة الحجم تلك التي يبلغ عدد موظفيها اقل من 500 موظف وتصل إيراداتها السنوية الى مليار يورو، ويطلق عليها الشركات المتوسطة الكبرى.

وتتصف اغلب الشركات الصغيرة والمتوسطة بانها شركات عائلية، ومع اختلاف وتنوع التعريفات الخاصة بمفهوم الشركة العائلية فانة يمكن تعريف الشركة العائلية، وفقا لتعريف معهد بحوث الطبقة الوسطى IFM بأن الشركة تعتبر شركة عائلية «عندما تتحد ملكية الشركة مع الإدارة»، اي عندما يكون مالك رأسمال الشركة هو من يتولى ادارتها في الوقت ذاته. وفي هذا الإطار يمكن اعتبار الشركة عائلية في حالة ما كانت الشركة بالكامل في ملكية عائلة محددة او في حالة ما كانت العائلة تمتلك 50 في المئة على الاقل من اصوات مجلس الادارة وذلك في الشركات المدرجة في سوق الاوراق المالية (البورصة)، وتعتبر الشركة ايضا شركة عائلية في حالة ما كانت العائلة تمتلك نسبة 32 في المئة من اصوات مجلس الادارة في الشركات الغير مدرجة في سوق الاوراق المالية.

أهمية الشركات الصغيرة والمتوسطة للاقتصاد الألماني

شكلت الشركات الصغيرة والمتوسطة العمود الفقري القوي للاقتصاد الألماني منذ تأسيس المانيا الاتحادية عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية وتبلغ نسبة هذه الشركات من ضمن العدد الإجمالي من الشركات المسجلة في المانيا والبالغة 3,7 مليون شركة نحو 99,6 في المئة.

يمثل خلق الوظائف الدور الأهم الذي تقوم به الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم في الاقتصاد الألماني، فبحسب احصائيات العام 2019م بلغ عدد الموظفين والعاملين في الشركات الصغيرة والمتوسطة نحو 32,3 مليون شخص وهو ما يمثل 71,3 في المئة من اجمالي العاملين في ألمانيا، وهو أيضاً يمثل رقماً قياسياً حيث لم يسبق أن عمل الكثير من الناس في شركات متوسطة الحجم كما في السنوات الأخيرة.

وتختلف نسبة حجم العمالة التي تشغلها هذه الشركات من ولاية الى أخرى حيث سجلت ولاية شليسفيغ هولشتاين اعلى نسبة تشغيل من خلال هذا النوع من الشركات، حيث بلغت نسبة عدد العاملين الذين تشغلهم الشركات الصغيرة والمتوسطة في الولاية نسبة 93 في المئة من اجمالي عدد العاملين والموظفين، وتأتي ولايتي تورينجن وميكلنبورغ فوربومرن بنسبة مشابهه ( 91 في المئة لكل منهما) بينما أتت ولايتي برلين وساكسونيا السفلى بأقل نسبة من التشغيل حيث وصلت الى 58 في المئة و 63 في المئة على التوالي، بينما أتت عدد من الولايات في المستوى ما فوق المتوسط مثل ولاية ساكسونيا ( 80 في المئة)، ساكسونيا انهالت (73 في المئة)، ولاية هيسن (71 في المئة).

وتمثل الشركات الصغرى التي توظف اقل من 5 موظفين النوع الاغلب في الشركات الصغيرة والمتوسطة بنسبة متوسط اجمالي 81 في المئة يزيد أحيانا في بعض الولايات، كما هو الحال في ولاية برلين ليصل الى نسبة 83 في المئة، حيث تشهد العاصمة الألمانية حركة مكثفة لتأسيس الشركات الناشئة والتي عادة ما تشغل عدد اقل من الموظفين.

بالنظر الى حجم الإيرادات والمبيعات التي تحققها الشركات من هذا النوع فان 87 في المئة من الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم لديها مبيعات سنوية تصل الى مليون يورو فقط، بينما اقل من نسبة 0,3 في المئة من هذه الشركات تبلغ قيمة مبيعاتها أكثر من 50 مليون يورو. كما تعمل ثلاثة أرباع الشركات في قطاع الخدمات. فيما تعمل حوالي 6,6 في المئة فقط من الشركات الصغيرة والمتوسطة في قطاع الصناعات التحويلية وحوالي 10 في المئة في قطاع البناء.

وتختلف نسب اشتغال الشركات الصغيرة والمتوسطة في قطاع الخدمات بين الولايات المختلفة، كما هو الحال في ولاية برلين حيث تعمل 90 في المئة من الشركات المتوسطة الحجم في قطاع الخدمات المختلفة، خصوصا الخدمات كثيفة المعرفة مثل مكاتب المحاماة، الشركات المعمارية والهندسية، العلاقات العامة والخدمات المالية، بينما تعمل 7 في المئة من هذه الشركات في قطاع البناء والانشاءات و3 في المئة فقط في قطاع الصناعات التحويلية. اما ولاية براندنبورج فتبلغ نسبة الشركات المتوسطة التي تعمل في قطاع الخدمات 78 في المئة منها 26 في المئة فقط من تعمل في قطاع الخدمات كثيفة المعرفة و17 في المئة تعمل في قطاع البناء والانشاءات و4 في المئة فقط من هذه الشركات تعمل في الصناعات التحويلية.

وفي التوزيع الجغرافي لهذا النوع من الشركات نجد ان حوالي 3 ملايين شركة صغيرة ومتوسطة الحجم (82 في المئة من اجمالي الشركات الصغيرة والمتوسطة) تعمل في الولايات الغربية من ألمانيا بينما تعمل 694 ألف شركة من هذا النوع في الولايات الشرقية.

اسهام الشركات الصغيرة والمتوسطة في الناتج المحلى الإجمالي

أسهمت الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم، وبحسب أحدث بيانات مكتب الإحصاء الاتحادي، بنسبة 43 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في ألمانيا خلال العام 2018م. وتختلف أهمية الشركات الصغيرة والمتوسطة حسب الصناعة: فهي تلعب دورًا مهمًا بشكل خاص في صناعات البناء والانشاءات وصناعة الضيافة والفندقة. حيث حققت في هذين القطاعين حوالي 84 في المئة من حجم المبيعات في عام 2016م، كما أنها تهيمن على العقارات وبعض قطاعات الخدمات. في المقابل، حققت الشركات الكبرى في صناعات التعدين والتصنيع والطاقة والتجارة والنقل والتخزين والمعلومات والاتصالات عائدات أعلى من الشركات الصغيرة والمتوسطة. ويمثل قطاع امدادات الطاقة القطاع الذي تمتلك فيه الشركات الصغيرة والمتوسطة أصغر حصة حيث لا تمثل الشركات الصغيرة والمتوسطة حوالي 4 في المئة من المبيعات وحوالي 14 في المئة من الموظفين في هذا القطاع.

في مجال الصادرات، ووفقاً لبيانات بنك إعادة الاعمار kfw، بلغ عدد الشركات المتوسطة والصغيرة النشطة في الأسواق الخارجية في العام 2018م، نحو 800 ألف شركة، وقد حققت هذه الشركات إيرادات في نفس العام بقيمة 595 مليار يورو وهو ما يمثل نسبة 45 في المئة من اجمالي قيمة الصادرات الألمانية للعام 2018م.

اسهام الشركات الصغيرة والمتوسطة في التدريب المهني

تلعب الشركات الصغيرة والمتوسطة دورا رئيسيا في تدريب وتأهيل العمالة الشابة حيث انها تقوم بتدريب وتأهيل نحو 90 في المئة من مجموع المتدربين والمتدربات سنويا، حيث أكمل حوالي 1,3 مليون شاب وشابة تدريبهم وتأهيلهم المهني والفني في العام 2019م في الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم وهذا يعني ان كل تسعة من أصل عشرة متدربين انجزوا تدريبهم في هذه الشركات.

وقد ساهمت ما يقرب من 440 ألف شركة من هذا النوع (ما نسبته 12 في المئة تقريبا من مجموع عدد الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم) في مختلف انحاء المانيا في التأهيل والتدريب المهني والفني. وتختلف نسبة مساهمة الشركات من هذا النوع باختلاف الولاية حيث سجلت الشركات الصغيرة والمتوسطة في ولاية راينلاند-فالز اكبر مساهمة في التدريب المهني وبنسبة 18,9 في المئة من مجموع الشركات العاملة في الولاية، كذلك ساهمت بكثافة الشركات المسجلة في كل من ولاية ساكسونيا السفلى ( 16,8 في المئة) و ولاية شمال الراين وستفاليا (15,9 في المئة) في تأهيل المتدربين، بينما ساهمت الشركات في الولايات الشرقية من ألمانيا بشكل اقل في جهود التدريب الفني، ففي ولايتي ساكسونيا وتورينجن لم تتجاوز النسبة 10 في المئة لكل منهما، وكذلك الحال في ولاية مكلنبورغ فوربومرن (11 في المئة)، وشهدت المدن الولايات أيضا تراجعا في عدد الشركات المنخرطة في التدريب المهني حيث سجلت في برلين 10 في المئة فقط وفي هامبورج 11 في المئة. وتمثل قطاعات التصنيع والبناء والحرف اليدوية اهم قطاعات التدريب.

مميزات الشركات الصغيرة والمتوسطة

يعد الدور الذي تقوم به الشركات الصغيرة والمتوسطة، من ناحية حجم وجودها ومسؤوليتها عن رفع نسب النمو الاقتصادي وتحريك سوق العمل والدور الفعال والاساسي في التدريب الفني، ظاهرة مميزة للاقتصاد الألماني تحظى بتقدير كبير حول العالم. يضاف الى ذلك الى ان هذه الشركات تتمتع بمزايا أخرى متأتية من طبيعة تكوينها، ومن أبرز هذه المزايا ان الشركات الصغيرة والمتوسطة توصف بانها مرنة وسريعة ويمكنها أن تتكيف بسرعة مع التغيرات والتحديات الجديدة. في معظم الحالات، يتصف عمل الشركات الصغيرة والمتوسطة بانه عملي للغاية، فليس من الضروري عقد لجان ومجالس إدارة من أجل اتخاذ القرارات، بالإضافة إلى ذلك، فان العديد من الشركات الصغيرة والمتوسطة هي شركات عائلية وبالتالي فإنها تكون أسرع بشكل عام في اتخاذ القرار. ان عدم التعقيد الإداري في هذا النوع من الشركات يعطي ميزتين أساسيتين هما ان تكون عمليات صنع القرار سريعة بالإضافة الى ميزة الثبات من خلال تطبيق سياسة الشركة المصممة على المدى الطويل والقدرة على التعامل مع التغييرات الطارئة في الأسواق.

كذلك تتمتع الشركات الناشئة ورواد الاعمال في ألمانيا، والمصنفة على انها شركات صغيرة ومتوسطة، بربحية عالية مقارنة بنظيراتها في أمريكا وآسيا، فقد اظهر أحدث تحليل للبيانات الخاص بالشركات الناشئة ان الشركات الألمانية والأوروبية التكنولوجية الناشئة أكثر ربحية للمستثمرين واقل عرضة للفشل من نظيرتها الامريكية والآسيوية، وهو ما جعلها أكثر جاذبية للمستثمرين، فخلال الخمس سنوات الماضية بلغ معدّل الربحية للشركات الناشئة في ألمانيا وأوروبا مستوى 11,9 نقطة بينما كان المعدل بالنسبة للشركات الامريكية 9,9 نقطة وللشركات الاسيوية 9,1 نقطة.

فيما يتعلق بما يسمى «كفاءة رأس المال» أظهرت الشركات الألمانية والأوروبية أيضاً قدرتها على تحقيق عائدات أكبر، حيث مقابل كل يورو مستثمر، حصل المستثمرون في الشركات الناشئة في ألمانيا وأوروبا، التي تم بيعها بنجاح أو إدراجها في سوق الأوراق المالية، على متوسط عائد يتراوح بين سبعة إلى اثني عشر يورو، بينما في الولايات المتحدة بلغ متوسط العائد من أربعة إلى عشرة يورو، وفي آسيا من ثلاثة إلى تسعة يورو فقط. وعلى هذا تطورت كفاءة رأس المال في ألمانيا وأوروبا بدرجة اعلى من الولايات المتحدة وآسيا وبالتالي يمكن استخدام الأموال بشكل مربح في قطاع الشركات الناشئة الألماني أكثر من بقية الدول.

التحديات التي تواجه الشركات الصغيرة والمتوسطة

يمثل التطور الديموغرافي أحد اهم التحديات التي تواجه قطاع الشركات الصغيرة والمتوسطة وذلك ليس فقط على مستوى العمالة والموظفين في هذه الشركات بل يشمل ذلك أيضا المستويات القيادية العليا، اذ كانت نسبة أصحاب العمل والعاملين لحسابهم والبالغين سن 55 عاما وأكبر نحو 44 في المئة من مجمل مديري وأصحاب الشركات الصغيرة والمتوسطة، وفقا لأرقام العام 2018م، بينما كانت هذه النسبة في العام 2002م فقط 20 في المئة. وفي الوقت نفسه يدير عدد أقل من الشباب الشركات المتوسطة الحجم، ويبلغ متوسط عمر صاحب العمل في الشركات المتوسطة والصغيرة حاليًا حوالي 52 عامًا، بينما كان هذا المتوسط يبلغ 45 عامًا في العام 2002م.

أثر ازمة كورونا على الشركات الصغيرة والمتوسطة

تسببت أزمة كورونا في تراجع الأعمال الدولية للشركات متوسطة وصغيرة الحجم، وبحسب تقرير لبنك إعادة الاعمار KfW حول صادرات الشركات الألمانية في العام 2020م، تراجعت صادرات ألمانيا من السلع والخدمات بنسبة 10.1 في المئة إلى حوالي 1477 مليار يورو. وقد تأثرت الشركات الصغيرة والمتوسطة النشطة دوليًا على وجه الخصوص بجائحة كورونا وسجلت انخفاضًا أكبر بشكل ملحوظ في المبيعات وتقليص حجم المبيعات واضطراب سلسلة التوريد، وبالتالي حدوث انخفاض كبير في المبيعات الأجنبية للشركات المتوسطة الحجم لعام 2020 ككل لتصل قيمتها الى 494 مليار يورو وبنسبة انخفاض بلغت 17 في المئة بالمقارنة بالعام 2019م.

اهم العقبات امام تطور اعمال الشركات الصغيرة والمتوسطة

مع التغيرات السياسية والاقتصادية التي تشهدها ألمانيا والعالم وأثر هذه التغيرات على مستقبل اعمال الشركات الصغيرة والمتوسطة قام الاتحاد الألماني للشركات المتوسطة والصغيرة (DMB) بأجراء استطلاع لأعضائه من الشركات لمعرفة ما هي العقبات التي تعيق عملها، وقد أظهرت نتيجة الاستطلاع أكثر من تحد جدي امام الشركات المتوسطة والصغيرة.

حيث اعتبرت 85,3 في المئة من الشركات ان الأعباء البيروقراطية هي أكبر معيق لتطوير اعمالها، فيما تشكو اربعه من كل خمس شركات (80 في المئة) من الأعباء الضريبية الباهظة. واتت البنية التحتية الرقمية الضعيفة في ألمانيا كثالث معيق امام تطوير الشركات لأعمالها، يلي ذلك النقص المستمر في العمالة الماهرة، كما تشكو نصف الشركات من أن تكاليف الطاقة مرتفعة للغاية.

بالإضافة الى هذه المعوقات تشتكي العديد من الشركات المتوسطة والصغيرة من تعذر الوصول الي برامج التمويل الحكومية، اذ مولت الشركات المتوسطة والصغيرة 36 في المئة من استثماراتها العام 2019م عبر القروض البنكية، وحصل ما مجموعه 485 ألف شركة صغيرة ومتوسطة على قروض بنكية لتمويل استثماراتها، وبلغ الحد الأقصى لقيمة ما يزيد قليلاً عن 40 في المئة من جميع القروض الاستثمارية التي تم الحصول عليها 20 ألف يورو. كما تواجه الشركات المتوسطة صعوبات متزايدة في تمويل الأبحاث واعمال تطوير المنتجات والتقنيات وكذلك ضعف الخدمات الاستشارية التي تقدمها الحكومة.