ارتفع إنفاق الشركات الألمانية على البحث والتطوير والابتكارات في العام 2022م، بنسبة ثمانية بالمئة إلى ما يقرب من 82 مليار يورو وهو ما يعد أعلى بكثير من مستويات ما قبل كورونا. وعلى الرغم من النقص في العمالة الماهرة، استطاعت الشركات أيضا زيادة عدد الموظفين المتخصصين في الأبحاث والتطوير بنحو ستة في المئة في نفس العام ليصبح هناك وللمرة الأولى في ألمانيا أكثر من نصف مليون وظيفة بدوام كامل في أقسام البحث والتطوير. وبحسب هذه البيانات التي أصدرها مكتب الإحصاء الأوروبي Eurostat ورابطة المانحين للعلوم الألمانية Stifterverband فان ذلك يعني أن نمو إنفاق الشركات في ألمانيا على الابحاث أعلى من متوسط النمو الأوروبي البالغ 6.8 في المئة. كما نما الإنفاق بشكل ملحوظ في إسبانيا وهولندا أما في فرنسا، فقد أصابها الركود، بينما انخفضت هذه النفقات في إيطاليا.
وأشاد Uwe Cantner، رئيس لجنة الخبراء للبحث والابتكار (EFI)، المختصة بتقديم المشورة العلمية للحكومة الاتحادية في موضوع الابتكار، بنمو الانفاق على الأبحاث مرة أخرى مؤكدًا ان ما يبعث على السرور بشكل خاص هو الزيادة التي بلغت 15 في المئة في الانفاق على أبحاث تكنولوجيا المعلومات، وهو المجال الذي كانت ألمانيا ضعيفة فيه تقليديا. وتعتبر الاستثمارات في الابتكارات شرطا أساسيا للحفاظ على مكانة الاقتصاد الألماني بين أكبر الاقتصاديات في العالم على المدى الطويل، ولهذا فإن الحكومة الاتحادية تسعى الى زيادة إجمالي إنفاق ألمانيا على البحث والتطوير إلى 3.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي من المعدل الحالي الثابت عند 3.13 في المئة لسنوات، وهو ما يمثل نسبة أقل بالمقارنة مع إنفاق العديد من القوى الاقتصادية العالمية حيث تبلغ هذه النسبة في كوريا الجنوبية 4.93 في المئة وفي الولايات المتحدة الامريكية 3.43 في المئة وفي اليابان 3.34 في المئة وفي الصين 3.31 في المئة (بحسب ارقام العام 2021م).
ويؤكد العديد من الخبراء ان ارتفاع الانفاق على الأبحاث في ألمانيا في العام 2022م بنسبة 8 في المئة ليس مرتبطًا بالتضخم الذي شهدته ألمانيا في نفس العام والذي بلغ 7.9 في المئة حيث يقول Christian Rammer، الخبير الاقتصادي في مركز البحوث الاقتصادية الأوروبية (ZEW): “من حيث المبدأ، ينبغي أن تكون تأثيرات التضخم هنا منخفضة، لأن محركات الأسعار الرئيسية مثل الطاقة وأشباه الموصلات ليست هناك حاجة إليها بشكل مباشر في أنشطة البحث والتطوير. “
ويترافق الارتفاع في إنفاق الشركات الألمانية على الأبحاث والتطوير بظاهرة متزايدة تتمثل في اجراء هذه الأبحاث خارج ألمانيا فوفقا لاتحاد غرف التجارة والصناعة الألمانية DIHK، كان لدى ربع الشركات الألمانية في العام 2020م مشاريع لتوسيع عمليات البحث والابتكار خارج ألمانيا فيما أصبحت هذه النسبة في العام 2023م نحو الثلث، وهو الامر الذي دفع باتحاد الغرف للتحذير من فقد ألمانيا جاذبيتها كمكان مناسب للتطوير والابتكار.
كذلك تتجه الشركات الألمانية الكبرى المدرجة في مؤشر داكس أيضًا بشكل متزايد إلى الخارج، ووفقًا لبيانات مركز البحوث الاقتصادية الأوروبية عن 34 شركة من شركات داكس، زادت إنفاقها على البحث والتطوير في جميع أنحاء العالم بأكثر من 14 في المئة في عام 2022م، وان كان ذلك يعود جزئيًا الى عمليات الاستحواذ التي قامت بها هذه الشركات في الخارج. أما في ألمانيا، فقد كانت الزيادة أقل بقليل من 11 في المئة. ووفقًا لبيانات مركز ZEW ايضًا، فإن الشركة الرائدة في الإنفاق على البحث والتطوير في ألمانيا هي مجموعة فولكس فاجن لصناعة السيارات حيث استثمرت الشركة العام 2022م، ما يقرب من 19 مليار يورو في البحث والتطوير وبنسبة زيادة تبلغ 21 في المئة مقارنة بالعام الذي سبق. وأدى التحول إلى التنقل الكهربائي وتطوير البنية التحتية لصناعة السيارات الكهربائية مؤخرًا إلى ارتفاع تكاليف التطوير والأبحاث في الشركة والتي تنوي في المجمل استثمار ما مجموعة 180 مليار يورو بحلول العام 2027م لتطوير عمليات الإنتاج ثلثاها في مجال صناعة السيارات الكهربائية والرقمنة خصوصا ان تكاليف بناء مصانع لبطاريات السيارات الكهربائية مكلفة للغاية.
من جانبها انفقت شركة مرسيدس نحو 8.541 مليار يورو على الأبحاث والتطوير العام 2022م، بنسبة زيادة 12 في المئة مقارنة بالعام الذي سبق وهنا أيضا تعتزم الشركة زيادة اجمالي تمويل البحث والتطوير للمحركات الكهربائية الى 40 مليار يورو خلال السنوات القادمة. كما قامت شركة Bosch، وهي أكبر مورد لقطع وأجزاء السيارات في العالم، بزيادة تكاليف البحث والتطوير بشكل كبير بمقدار 1.1 مليار يورو لتصل إلى 7.2 مليار يورو في عام 2022م، بزيادة قدرها 18 في المئة. وبينما كان نمو الانفاق على الأبحاث والتطوير في شركات صناعة الادوية يصل الى نسبة 10 في المئة والقريبة من زيادة ميزانيات الأبحاث والابتكار لدي شركات صناعة السيارات كانت الزيادة في هذا المجال اقل في شركات صناعة المعدات والآلات والتي بلغت الزيادة في انفاقها على البحث والتطوير العام 2022م نحو 4.5 في المئة وكذلك كان الامر في شركات الصناعات الكيميائية والتي زادت انفاقها بنسبة 2.5 في المئة فقط.