لطالما صُنفت ألمانيا بانها دولة صناعية رائدة تشتهر بصناعة السيارات والمعدات والآلات وغيرها من المنتجات الصناعية ذات الجودة العالية الا انها تتمتع أيضا بقطاع زراعي متقدم وفعال يسهم بشكل كبير في ضمان إمدادات السوق المحلية بأغلب احتياجاته من المواد الغذائية بالجودة والكمية المناسبة. كما ترتبط الزراعة كقطاع اقتصادي ارتباطا جذريًا بقطاع صناعة وتعليب المواد الغذائية والذي يمثل هو أيضا قطاعا حيويا في الاقتصاد الألماني. وترجع أهمية قطاع الزراعة والقطاعات المرتبطة به مثل الصناعات الغذائية ليس فقط بسبب قيمة الإيرادات وحجم مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي فحسب بل أيضا وبدرجة رئيسية من ناحية تحقيق الامن الغذائي خصوصا في أوقات الازمات العالمية ونقص امدادات الأغذية المختلفة وارتفاع اسعارها.
بنية قطاع الزراعة في ألمانيا
تصنف ألمانيا على انها دولة ذات قطاع زراعي قوي، فبالرغم من ان الكثافة السكانية العالية وانتشار المدن والحواضر على طول ألمانيا وعرضها، فإن نصف مساحة ألمانيا (حوالي 18.1 مليون هكتار) تستخدم للزراعة، كما يبلغ عدد العاملين في القطاع، بشكل مباشر وغير مباشر، نحو مليون شخص وهو ما يمثل نحو 2.3 في المئة من اجمالي القوة العاملة في ألمانيا بينما كانت هذه النسبة تبلغ في بداية القرن العشرين حوالي 38 في المئة من القوى العاملة وفي العام 1950م نحو 22 في المئة، ويرجع السبب الرئيسي لهذا التغيير الهيكلي الى زيادة الإنتاجية من خلال ميكنة الزراعة واستخدام تقنيات متطورة في الري والاسمدة وتحسين البذور والتي قطعت شوطا بعيداً. وفي السنوات السبعين الماضية، زادت كفاءة الإنتاج الزراعي في ألمانيا بشكل كبير، فبينما كان انتاج المزارع الواحد من المحاصيل والمنتجات الغذائية المختلفة يكفي لتزويد حوالي أربعة أشخاص بالطعام في عام 1900م، وصل عدد هؤلاء الى عشرة اشخاص في عام 1950م، والى نحو 139 شخصًا في عام 2021م، مع الاستمرار في الارتفاع. وبلغ عدد المزارع في ألمانيا حوالي 255 ألف مزرعة العام 2023م بانخفاض بنسبة 1.7 في المئة مقارنة بالعام 2022م. وبحسب بيانات وزارة الأغذية والزراعة الاتحادية وصلت قيمة الإنتاج الزراعي عام 2022م، الى نحو 74.4 مليار يورو.
وقد انخفضت مساهمة قطاع الزراعة في الناتج المحلي الاجمالي بشكل عام وكذلك بالمقارنة مع قطاعات اقتصادية أخرى مثل الصناعة او قطاع الخدمات مع مرور الزمن، ففي بداية الثورة الصناعية بداية القرن التاسع عشر كان قطاع الزراعة يساهم بنحو نصف قيمة الناتج المحلي الإجمالي بينما تبلغ مساهمة القطاع في الوقت الحاضر أقل من أثنين في المئة من الناتج المحلي.
من التغيرات التي أثرت أيضا على قطاع الزراعة في ألمانيا ارتفاع متطلبات رأس المال المتزايدة للزراعة الحديثة وضغط الأسعار المتزايد خصوصا أسعار الأعلاف والآلات الزراعية والأسمدة والمبيدات وكذلك وقود السيارات والكهرباء والذي ادي الى تراجع عدد المزارع الإجمالي في ألمانيا والى زيادة مساحتها. بالإضافة الى ذلك يشهد الاتجاه نحو الزراعة العضوية (الزراعة بدون استخدام مبيدات او اسمدة كيميائية او بذور معدلة وراثيا) تزايد مستمراً حيث تضاعفت نسبة المزارع العضوية من إجمالي المزارع بين عامي 1995م و2021م، من 1.1 إلى حوالي 16.4 في المئة، وتقع معظم الشركات التي تعمل في مجال الزراعة العضوية في ولاية بافاريا، وهي أيضًا الولاية التي تضم أكبر عدد من الشركات في مجال الزراعة التقليدية.
انتاج ألمانيا من الحبوب والمواد الغذائية المختلفة العام 2023م
حصد المزارعون في ألمانيا حوالي 38.2 مليون طن من الحبوب (باستثناء الذرة) في عام 2023م. وهذا يعني أن حجم الحصاد يقل بنسبة 3.6 في المئة عن حجم حصاد العام السابق. ومن المتوقع أن يصل حجم حصاد القمح الشتوي، وهو أهم الحبوب المنتجة في ألمانيا، إلى 21.2 مليون طن. وهذا أقل بمقدار 890.500 طن أو 4 في المئة عما كان عليه في عام 2022م. وبلغ حجم المساحة المزروعة بالقمح الشتوي 2.8 مليون هكتار هذا العام. كما بلغ حجم حصاد محصول الشعير العام 2023م، 9.6 مليون طن، أي أعلى بنسبة 4.3 في المئة من حجم الحصاد عن العام السابق واستخدم المزارعون 1.3 مليون هكتار لزراعة الشعير الشتوي. كما وصل حجم حصاد بذور اللفت الشتوي إلى 4.2 مليون طن في عام 2023م، بانخفاض بنسبة 1.2 في المئة أو 49900 طن مقارنة بالعام السابق. كذلك وصل محصول البطاطس إلى 10.9 مليون طن. وهذا يزيد بنسبة 1.8 في المئة عما كان عليه في عام 2022م. وتم استغلال مساحة قدرها 262.600 هكتار لزراعة البطاطس.
وقد انخفض إنتاج اللحوم في ألمانيا بشكل ملحوظ في عام 2023م، وبحسب مكتب الإحصاء الاتحادي (Destatis)، أنتجت المسالخ التجارية 6.8 مليون طن من اللحوم وهو ما يعد أقل بنسبة 4 في المئة أو 280.200 طن عما كان عليه في العام السابق. وهذا يعني أن إنتاج اللحوم المحلي انخفض للعام السابع على التوالي منذ ان بلغ ذروته في عام 2016 (8.25 مليون طن). وقد تم استهلاك لحوم ما مجموعه 47.9 مليون من الخنازير والأبقار والأغنام والماعز والخيول، بالإضافة إلى 702.2 مليون دجاجة وديك رومي وبط في عام 2023م. اما فيما يتعلق بإنتاج الحليب ومشتقاته فقد قام منتجو الألبان الألمان بتسليم 31.45 مليون طن من حليب البقر إلى شركات الألبان الألمانية في عام 2023م، أي أكثر بنسبة 1.4 في المئة عما كان عليه في عام 2022م.
الاكتفاء الذاتي من المحاصيل الزراعية في ألمانيا
حققت ألمانيا متوسط اكتفاء ذاتي من المحاصيل الزراعية والإنتاج الحيواني في العام 2022م بنسبة 83 في المئة، وتختلف نسبة الاكتفاء الذاتي في بعض المحاصيل والمنتجات الحيوانية عن بعضها بدرجة كبيرة فبينما تحقق ألمانيا درجة اكتفاء ذاتي وفائض كبير في بعض المنتجات تسجل عجزًا في عدد أخر. في جانب المحاصيل الزراعية والمنتجات الغذائية التي تحقق فيها ألمانيا اكتفاءً ذاتيًا تأتي البطاطس في المركز الأول بنسبة اكتفاء ذاتي تبلغ 147 في المئة ومن ثم يأتي السكر في المركز الثاني بنسبة اكتفاء ذاتي تبلغ 135 في المئة تليه اللحوم ومشتقاتها بنسبة اكتفاء 124 في المئة، الحليب ومشتقاته بنسبة 108 في المئة، الحبوب بنسبة 107 في المئة وإذا ما اخذنا القمح فقط فتبلغ نسبة الاكتفاء الذاتي في ألمانيا من انتاج القمح 119 في المئة.
وتسجل ألمانيا عجزا في انتاج المحاصيل والمواد الغذائية التالية، تبلغ نسبة تحقيق الاكتفاء الذاتي من البيض 76 في المئة، العسل 43 في المئة، الخضروات 36 في المئة ومن الفواكه لا يغطي انتاج ألمانيا منها سوى 23 في المئة فقط من الاستهلاك.
قطاع الصناعات الغذائية
ترتبط صناعة الأغذية ارتباطا وثيقا بقطاع الزراعة حيث تتعامل بشكل مباشر مع المنتجات الزراعية المختلفة نباتية كانت ام حيوانية عبر التصنيع والتغليف والتسويق، الى جانب ذلك يمثل القطاع واحدا من اهم القطاعات الاقتصادية وأكثرها حيوية تجاريا بالإضافة الى التشابك والترابط الكبير مع القطاعات الاقتصادية الأخرى والتي منها قطاع النقل، قطاع مبيعات التجزئة وقطاع الضيافة والمطاعم وغيرها من القطاعات الاقتصادية الأخرى، إضافة الى الأهمية الخاصة للقطاع في مجال تحقيق الامن الغذائي وتأمين الامدادات للمستهلكين. حيث ان قطاع الصناعات الغذائية هو القطاع الاقتصادي المسؤول عن اعداد المنتجات الغذائية المختلفة ونقلها وتجهيزها للاستهلاك بداية من شرائها من المزارعين او من الأسواق المحلية والدولية وحتى ايصالها الى رفوف المحلات والأسواق الغذائية. والى جانب هذا الدور الهام الذي يضطلع به هذا القطاع فانة يتميز أيضا كقطاع اقتصادي مستقل في تشغيل كثيف للعمالة وفي دعم الصادرات الألمانية وبالتالي دفع النمو الاقتصادي الكلي. ويبلغ عدد الشركات العاملة في صناعة الأغذية في ألمانيا حوالي 6000 شركة تشغل حوالي 637 ألف شخص وذلك بحسب بيانات العام 2022م.
الأداء الاقتصادي لقطاع الصناعات الغذائية
الى جانب قيام القطاع بتأمين الاحتياجات الغذائية وبشكل يومي لأكثر من 84 مليون انسان في ألمانيا استطاعت صناعة المواد الغذائية من زيادة مبيعاتها في العام 2022م بنسبة 18 في المئة مقارنة بالعام 2021م لتصل الى 218.5 مليار يورو، وقد نتجت هذه الزيادة نتيجة عاملين أساسيين أولهما ارتفاع أسعار المواد الغذائية بشكل عام وكذلك زيادة المبيعات في السوق المحلية بنسبة 18.9 في المئة لتصل الى 141.3 مليار يورو. ثانيا ارتفاع الصادرات الغذائية الألمانية في العام 2022م بنسبة 16.5 في المئة مقارنة بالعام 2021م حيث بلغت 77.3 مليار يورو وبنسبة 35.4 في المئة من اجمالي إيرادات الصناعة، وهو ما يعني أنه تم كسب كل ثالث يورو في الأسواق الخارجية.
وتتوزع مساهمات المنتجات الغذائية المختلفة في حجم الإيرادات، اذ تمثل إيرادات مبيعات منتجات اللحوم المختلفة نسبة 21.5 في المئة من الحجم الكلي لإيرادات قطاع الصناعات الغذائية تليها منتجات الالبان التي تبلغ نسبة مبيعاتها من الإيرادات الكلية للقطاع نحو 17.1 في المئة ومن ثم تأتي المعجنات والمخبوزات المعبأة بنسبة 9.1 في المئة تقريبا في المركز الثالث، الحلويات والمخبوزات طويلة الأمد شكلت نسبة 7.4 في المئة من مبيعات قطاع الصناعات الغذائية في ألمانيا. كما جاءت الأغذية المخصصة للحيوانات الاليفة في المركز الخامس كأهم سلعة في مبيعات صناعة الأغذية في ألمانيا بنسبة 6.7 في المئة من اجمالي المبيعات.
الأسواق الدولية لقطاع الصناعات الغذائية الألماني
صدرت شركات قطاع الصناعات الغذائية في ألمانيا العام 2022م ما قيمته 77.3مليار يورو الى الأسواق الدولية وهذا ما يعني ارتفاعا في الصادرات بنسبة 16.5 في المئة مقارنة بالعام الذي سبق، ويساهم تصدير المنتجات الغذائية فيما نسبته 35.4 في المئة من حجم إيرادات القطاع. وما تزال دول الاتحاد الأوروبي تمثل السوق الرئيسي للمنتجات الغذائية الألمانية حيث تذهب نسبة 74.3 في المائة من الصادرات الألمانية الى الأسواق الأوروبية وبلغت قيمتها 57.4 مليار يورو، حيث تستفيد الصناعات الغذائية في ألمانيا من سهولة الوصول الى أسواق دول الاتحاد الأوروبي وقربها بالإضافة الى تشابه الاذواق والعادات الغذائية بين هذه الدول وبين ألمانيا. وتعد هولندا بقيمة صادرات بلغت 11.1 مليار يورو أكثر دولة من دول الاتحاد الأوروبي استيرادا للمنتجات الغذائية الألمانية تليها فرنسا التي اشترت منتجات غذائية المانية في العام 2022م بقيمة 6.7 مليار يورو ولتأتي كثاني اهم شريك تجاري لألمانيا في هذا المجال، إيطاليا استوردت بقيمة 6.1 مليار يورو، فيما بلغت قيمة مشتريات بولندا من المنتجات الغذائية الألمانية 5.8 مليار يورو وبقيمة لا تقل كثيرا جاءت النمسا بقيمة 5.4 مليار يورو كخامس اهم الشركاء التجاريين لألمانيا في مجال صناعة الأغذية. وبلغت مبيعات الأغذية الألمانية الى الدول الأوروبية غير الأعضاء في الاتحاد الأوروبي العام 2022م، نحو 9.1 مليار يورو وبنسبة 11.8 في المئة من اجمالي المبيعات وجاءت المملكة المتحدة كأهم مستورد للبضائع الغذائية الألمانية خارج نطاق الاتحاد الأوروبي حيث بلغت قيمة مشترياتها نحو 4.1 مليار يورو، في الأسواق الدولية ما تزال الولايات المتحدة الامريكية أكبر سوق للمنتجات الغذائية الألمانية بمشتريات بلغت قيمتها 2.2 مليار يورو.