أعادت أحزاب الائتلاف الحاكم في ألمانيا إقرار مشروع ميزانية العام 2024م مجددًا، بعد عدة جولات من المباحثات المكثفة، بعد قرار المحكمة الدستورية الاتحادية منتصف شهر نوفمبر الماضي بعدم دستورية قرار الحكومة بنقل 60 مليار يورو من المبالغ التي تم اقتراضها لمواجهة كورونا الى صندوق التحول والمناخ لتمويل العديد من البرامج والمشاريع الخاصة بحماية البيئة وتحديث البنية التحتية وهو ما أجبر الحكومة على البحث عن مصادر أخرى لتمويل هذه البرامج والمشاريع مع الالتزام بالمادة الدستورية الخاصة بكابح الديون والتي لا تسمح للحكومة بالاقتراض الا بنسبة 0.35 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في العام الواحد. ومع ذلك احتفظت الحكومة الاتحادية بإمكانية تعطيل المادة الخاصة بكابح الديون في حالة عدم توفر المساعدات المقررة لضحايا الفيضانات التي اصابت منطقة Ahrtal في ولاية شمال الراين-وستفاليا في العام 2021م، والتي تبلغ في العام 2024م نحو 2.7 مليار يورو وأيضا في حالة تطور الحرب في أوكرانيا وحاجتها لمزيد من المساعدات.
وتضمن مشروع الميزانية الاتحادية الجديد للعام 2024م العديد من التخفيضات في الانفاق على مستويات مختلفة وذلك من اجل سد فجوة تمويلية في الميزانية بمبلغ 17 مليار يورو وأكد المستشار اولاف شولتز “نحن لم نكن نفضل القيام بذلك بالطبع، لكن هذه التخفيضات ضرورية حتى نتمكن من تحقيق اهداف الميزانية بالأموال المتاحة لدينا” وشدد المستشار على أن الحكومة الاتحادية ملتزمة في مشروع الميزانية بتحقيق أهدافها المركزية الثلاثة “دعم التحول المحايد للمناخ ، العمل على تعزيز التماسك الاجتماعي، وتقديم كل الدعم الممكن لأوكرانيا في دفاعها ضد روسيا”. واستدرك شولتز بالقول “لكن هناك شيء واحد واضح، علينا أن نتدبر أمرنا بأموال أقل بكثير لتحقيق هذه الأهداف”.
وتتركز اهم التخفيضات في النفقات في ميزانية العام 2024م في خفض نفقات صندوق المناخ والتحول (KTF) حيث سيتم خفض نفقات الصندوق بمقدار اثني عشر مليار يورو للعام المقبل. وبحلول عام 2027م، ستصل التخفيضات إلى 45 مليار يورو، ومن ثم سيصل الحجم الإجمالي للصندوق إلى حوالي 160 مليار يورو بدلا عن 200 مليار يورو التي كان مخططا لها. كما اقرت أحزاب الائتلاف الحاكم رفع رسوم انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون حيث يبلغ السعر حاليًا 30 يورو للطن، ولكن اعتبارًا من عام 2024م سيرتفع الى 45 يورو بدلاً من 40 يورو المخطط لها. من المقرر أيضا أن ينتهي تقديم المكافآت لشراء السيارات كهربائية في وقت أبكر مما كان مخططًا له مسبقًا. ولم يحدد وزير الاقتصاد الاتحادي وحماية المناخ روبرت هابيك موعدًا لذلك. وكان من المفترض ان تستمر ما تسمى بالمكافأة البيئية حتى نهاية العام المقبل. كما يريد وزير الاقتصاد الاتحادي خفض الدعم المقدم لتمويل الطاقة الشمسية، لكنه لم يذكر أي تفاصيل. وقال هابيك: “هذا يؤلمني، لكن هذا هو ثمن الحفاظ على المهام المركزية التي تمثل ركائز صندوق المناخ والتحول”. كما تشمل التخفيضات المساعدات التي تقدمها الحكومة الاتحادية لاستبدال أجهزة التدفئة والتي من المقرر تخفيضها بنحو ثلاث مليارات يورو.
وتشمل التخفيضات أيضا ضريبة البلاستيك التي كانت ضمن النفقات في الميزانية الاتحادية وبما يقارب 1.4 مليار يورو تدفع للاتحاد الأوروبي مقابل البلاستيك الضار بالبيئة. الآن يتعين على الشركات التي تطرح البلاستيك للتداول أن تغطي التكاليف وتدفع هذه الضريبة بنفسها وبالتالي تخفيف العبء عن الميزانية الاتحادية. كما تعتزم الحكومة الاتحادية التوقف عن تقديم عدد من إعانات الدعم الأخرى التي كانت مثيرة للجدل لسنوات ومنها الإعفاءات الضريبة على استهلاك الديزل في الزراعة والإعفاء الضريبي لوقود الطائرات، حيث اقرت أحزاب الائتلاف فرض ضريبة على وقود الطائرات (الكيروسين) على الرحلات الجوية داخل ألمانيا، بالإضافة إلى إلغاء الإعفاءات الضريبية للشركات الزراعية التي تستخدم وقود الديزل لتشغيل المعدات والآلات الزراعية.
من المشاريع الاساسية التي كان من المفترض ان يتم تمويلها عبر صندوق التحول والمناخ KTF، هو تمويل تجديد شبكة السكك الحديدية Deutsche Bahn. حيث كان من المفترض ان يمول الصندوق المشروع بحوالي 12.5 مليار يورو بحلول عام 2027م، الان سيتم توفير التمويل عبر طرق أخرى، ووفقاً لوزير المالية الاتحادي كريستيان ليندنر، فإن بيع ممتلكات الحكومة الاتحادية لابد أن يلعب دوراً في تمويل المشروع، حيث تريد شركة السكك الحديدية نفسها بيع شركة Schenker التابعة لها. كما تشمل ممتلكات الحكومة الاتحادية الأخرى أسهمًا في Deutsche Post وDeutsche Telekom وUniper. وتبلغ قيمة هذه الأسهم مجتمعة في سوق الأوراق المالية حاليًا أكثر من 80 مليار يورو.
من جانب أخر أكد وزير المالية الاتحادي انه لن يكون هنالك أي تخفيض في النفقات الاجتماعية والتي تعد أكبر بند في الميزانية الاتحادية، الا انه شدد على وجوب المزيد من “الدقة في الإعانات الاجتماعية” والتي قد توفر 1.5 مليار يورو، على سبيل المثال من خلال دمج أفضل للاجئين الأوكرانيين في سوق العمل بدلا من اعتمادهم على الإعانات الاجتماعية. كذلك ووفقا لمشروع الميزانية الجديد لا ينبغي أن تتأثر التخفيضات في ضريبة الدخل وضريبة الكهرباء المخطط لها بالفعل لعام 2024م. وفي هذا السياق أكد المستشار شولتز “لقد اتفقنا على تحديد أولويات الإنفاق دون المساس بالضمان الاجتماعي في بلادنا أو دعم التحول في البيئة”. معلنًا ان الحكومة ستقدم مشروع الميزانية للبرلمان الاتحادي (البوندستاج) في شهر يناير القادم لإقراره.