تشير أحدث دراسة عن التطورات الديموغرافية في ألمانيا حتى العام 2040م أجرتها مؤسسة Bertelsmann Stiftung ان التركيبة السكانية في ألمانيا سوف تتغير بشكل ملحوظ خلال السنوات القادمة، حيث سوف ينمو عدد السكان في عدد من الولايات الفيدرالية فما سيتقلص عدد سكان عدد اخر من الولايات بشكل كبير. ووفقا للدراسة فسوف يبلغ عدد سكان ألمانيا في العام 2040م، حوالي 83.67 مليون شخص ويمثل ذلك زيادة بنسبة 0.6 في المئة مقارنة بعام 2020م، وتساوي هذه النسبة حوالي نصف مليون نسمة. ويوضح معدو الدراسة ان هذا العدد المتوقع من السكان هو أقل من العدد المقدر للسكان في ألمانيا في العام 2023م بحسب بيانات مكتب الإحصاء الاتحادي، ويرجعون ذلك إلى ان النمو السكاني في ألمانيا لا يسير في خط تصاعدي، وان العدد الإجمالي للسكان سينخفض مرة أخرى بعد زيادة لفترة قصيرة.
وتعد أبرز نتائج الدراسة توقع انخفاض عدد السكان بشكل كبير في ولايات شرق ألمانيا بحلول العام 2040م، والذي سيبلغ في ولاية ساكسونيا-أنهالت نسبة 12.3 في المئة والذي سيعد أكبر انخفاض سكاني في جميع الولايات الفيدرالية ومن ثم تأتي ولاية تورينجن والتي سينخفض عدد سكانها بنسبة 10.9 في المئة بحلول العام 2040م، كذلك سينخفض عدد سكان ولاية مكلنبورج- فوربومرن بنسبة 7.3 في المئة. في الجهة المقابلة سيرتفع عدد سكان برلين بنسبة 5.8 في المئة في نفس الفترة وكذلك ولاية بادن-فورتمبيرج بنسبة 4.6 في المئة وولاية بافاريا بنسبة 4.4 في المئة وولاية هامبورج بنسبة 3.5 في المئة.
وبالإضافة إلى ذلك، أظهرت الدراسة إن ألمانيا تتقدم في السن أكثر فأكثر وهو ما سيكون له عواقب وخيمة خصوصا على سوق العمل حيث ان عدد السكان في سن العمل آخذ في الانخفاض وسيكون هناك نقص في العمالة في ألمانيا في السنوات والعقود القليلة المقبلة. ويقدر الباحثون أنه بين عامي 2020م و2040م، سينخفض عدد الأشخاص القادرين على العمل في الفئة العمرية من 25 إلى 44 عامًا بنحو 1.6 مليون شخص وهو ما يمثل تراجعًا بنسبة 7.7 في المئة، وفي الفئة العمرية من 45 إلى 64 عامًا، يتوقعون أن يتقلص العدد بمقدار 3.2 مليون شخص وبنسبة تراجع تبلغ 13.3 في المئة. ويظهر هذا التراجع في حجم القوة العاملة في ألمانيا في الولايات الشرقية بشكل أكثر وضوحًا، وهنا أيضاً تبرز ولاية ساكسونيا-أنهالت والتي يتوقع الباحثون أن عدد الأشخاص القادرين على العمل في الفئة العمرية من 25 إلى 64 عامًا سينخفض فيها بنسبة 23.6 في المئة.
وتتوافق نتائج وتوقعات دراسة مؤسسة Bertelsmann إلى حد كبير مع بيانات مكتب الإحصاء الاتحادي والذي يتوقع أن ينخفض عدد الأشخاص في سن العمل بشكل كبير، خاصة في شرق ألمانيا على الرغم من الهجرة، وأشار خبراء مكتب الإحصاء الاتحادي الى حقيقة ان عدد الولادات في ولايات شرق ألمانيا انهار بعد إعادة التوحيد بالإضافة الى هجرة عدد كبير نسبيا من الناس خصوصا من فئة الشباب الى الولايات الغربية في العقود الماضية. وقالت Bettina Sommer، خبيرة التنمية السكانية في مكتب الإحصاء الاتحادي “حتى مع ارتفاع معدلات الهجرة نسبياً، كما نلاحظ حالياً، لا يمكن تعويض الخسائر المرتبطة بتراجع عدد السكان في سن العمل”.
احدى الدلالات الهامة لتراجع حجم القوة العاملة بالرغم من نمو عدد السكان ولو كان طفيفا هو أن المجتمع يشيخ بشكل متزايد. ووفقا لحسابات مؤسسة Bertelsmann، فإن الأشخاص الذين تبلغ أعمارهم 65 عاما فما فوق كانوا يشكلون ما يقرب من 22 في المئة من إجمالي السكان في عام 2020م. وفقا للتوقعات، فان هذه النسبة ستصل في العام 2040م، إلى ما يقرب من 28 في المئة. وعلى الرغم من الاختلافات في هذه النسبة بحسب الولايات المختلفة الا ان هذه الزيادة ستشمل كل الولايات الفيدرالية تقريبًا. ويرجع ذلك أساسًا إلى أن جيل طفرة المواليد الذي شهده عقد الستينات من القرن الماضي سوف يتقاعدون خلال السنوات القليلة القادمة. وتشير التوقعات إلى أن عدد الأشخاص من متلقي المعاشات التقاعدية سيرتفع بشكل حاد إلى حوالي 16.2 مليون شخص بحلول عام 2035م، في حين كان هذا العدد قد بلغ حوالي 12.3 مليون شخص في العام 2020م. بالإضافة الى ذلك ستشمل التغيرات الديموغرافية في ألمانيا متوسط العمر حيث سيرتفع هذا المتوسط في عموم ألمانيا 1.2 سنة ليصل إلى 47.1 عامًا بحلول عام 2040م.الا ان هذا المتوسط يشهد اختلافات كبيرة بين الولايات الفيدرالية قد تصل الى ما يقرب من 10 سنوات. ففي ولايتي هامبورج وبرلين سيبلغ متوسط العمر في العام 2040م، حوالي 43 عامًا. بينما سيتراوح هذا المتوسط في اغلب ولايات شرق ألمانيا بين 52 و53 عامًا.
ويري باحثو مؤسسة Bertelsmann ان لهذه التطورات الديموغرافية عواقب وتأثيرات كبيرة ليس فقط على حجم العمالة ولكن أيضًا على أنظمة التقاعد والحاجة إلى الرعاية. ودعا Ralph Heck، الرئيس التنفيذي للمؤسسة، إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة، مؤكدًا على ” الحاجة إلى استراتيجيات هادفة لبناء بنية تحتية مناسبة للأجيال الأكبر سنا والتغلب على التحديات الاقتصادية الناجمة عن ذلك”.