الطاقة هي أحد العناصر الرئيسية واللازمة لضمان ديمومة النمو الاقتصادي لأي دولة، فتوفير الطاقة بفعالية وكفاءة هو امر حيوي بالنسبة لعمليات الإنتاج الصناعي وتقديم الخدمات ولكافة قطاعات الاقتصاد والتنمية الاخرى. وهنا يصبح إنتاج القدر اللازم والكافي من الطاقة بالكلفة الاقل، شرطاً أساسياً لضمان استمرار النمو ولضمان استمرار القدرة التنافسية للاقتصاد. وفي هذا الإطار يُعد انتاج الكهرباء عبر استخدام الطاقة النووية أحد طرق انتاج الطاقة الأكثر فعالية والاقل كلفة مقارنةً بطرق انتاج الطاقة الكهربائية عبر استخدام الوقود الاحفوري. ومن هنا يطرح قرار الحكومة الاتحادية الألمانية بالتخلي النهائي عن توليد الطاقة الكهربائية عبر محطات الطاقة النووية والمخطط له نهاية العام 2022 الكثير من الأسئلة حول الأسباب الدافعة لاتخاذ هذا القرار وعن النتائج المتوقعة عنه.

الطاقة النووية في ألمانيا: تاريخ وأرقام

بدأ استخدام ألمانيا للطاقة النووية في توليد الكهرباء عام 1961م فيما تم انشاء اول مفاعل نووي مخصص للأبحاث في ألمانيا في عام 1957م. ما بين العام 1957م وعام 2004م، اخر تاريخ لتشغيل منشأة نووية جديدة في ألمانيا، تم بناء 110منشأة نووية دخلت الخدمة اما كمنشأت ومحطات لتوليد الطاقة الكهربائية او كمنشآت مخصصة لأغراض البحث العلمي. ويعد المفاعل المسمى (بلوك 5) في مدينة جرايسفلد (شمال ألمانيا)، أخر مفاعل نووي مخصص لتوليد الطاقة الكهربائية ادٌخل الى الخدمة عام 1989م، فيما يعد المفاعل النووي المخصص للأبحاث في مدينة درسدن (شرق ألمانيا) أخر منشأة نووية تدخل الخدمة عام 2004م.

بحلول العام 2009م كان هناك 17 مفاعلاً نووياً يستخدمون في توليد الطاقة الكهربائية في ألمانيا بالإضافة الى 11 مفاعلاً نووياً للأبحاث منها ستة مفاعلات مخصصه للتعليم والتدريب. في الوقت الحاضر (العام 2016م) هناك ثمانية مفاعلات نووية فقط تعمل في توليد الطاقة الكهربائية تنتج ما مجموعه 11257 كيلو وات/ساعة وهو ما يمثل ما نسبته 14،1% من مجموع الطاقة الكهربائية المنتجة في ألمانيا عام 2015م (كانت هذه النسبة 15،5% في العام 2014م).

weg_atomkraft

قرار التخلي عن الطاقة النووية: مراحل وتحولات

على القدر الذي يبدو فيه قرار ألمانيا بالتخلي عن استخدام الطاقة النووية في توليد الكهرباء جديدا وفجائيا بالقدر الذي لا تعبر المراحل والتحولات التي شهدها اتخاذ هذا القرار عن هذه الفجائية او الاستعجال بل يمكن القول ان العكس هو الصحيح اذ ان تنفيذ القرار تأخر عما كان مقررا له.

 مع بداية استخدام التكنولوجيا النووية للأغراض السلمية سواء في مجال الطب او في مجال توليد الطاقة الكهربائية عُدت هذه التكنولوجيا تقنية نظيفة وكفؤة بالإضافة الى انها منخفضة التكاليف لإنتاج الطاقة، الا ان احتدام الحرب الباردة وارتفاع مخاطر وقوع صدام نووي بين القوتين العظميين وقتذاك، خصوصا في بداية عقد الستينات فيما عرف بأزمة الصواريخ الكوبية، اعطى معنى ومحتوى سلبي لاستخدامات الطاقة النووية العسكرية منها والى حد ما السلمية أيضا، ومع مرور الوقت تعاظمت الحركة الشعبية والمجتمعية المعارضة لاستخدامات الطاقة النووية حتى في جانبها السلمي الى الحد الذي اتخذت فيه عدد من الدول قرارا بالتخلي عن استخدام الطاقة النووية في انتاج الكهرباء في وقت مبكر، حيث قررت النمسا في عام 1978م عدم تشغيل المفاعل النووي الذي تم بناؤه فعلا لغرض توليد الكهرباء، فيما قررت السويد عام 1980م التخلي عن استخدام المفاعلات النووية في توليد الطاقة.

 حركة المعارضة للاستخدامات المختلفة للطاقة النووية في ألمانيا، التي تزايدت نهاية عقد السبعينات واخذت زخما وتأييداً شعبياً كبيراً خلال النصف الأول من ثمانينات القرن الماضي مع اعلان خطط نشر صواريخ نووية أمريكية متوسطة وقصيرة المدى في ألمانيا في إطار الحرب الباردة بين القوى الكبرى في ذلك الوقت، تحولت الى تيار وحزب سياسي (حزب الخضر) اناط بنفسه مسئولية الحفاظ على البيئة ومعارضة اية توسعات في استخدام الطاقة النووية. وقد تعززت المعارضة السياسية والشعبية لاستخدام الطاقة النووية وبناء المفاعلات النووية في ألمانيا عقب كارثة انفجار المفاعل النووي السوفيتي تشيرنوبيل عام 1986م والاثار والمخاطر التي اثارها هذا الحادث والذي لم تقتصر تبعاته الكارثية على المحيط الجغرافي المباشر لموقع المفاعل بل وصلت مخاطره الى مناطق أكثر بعداً، كان منها منطقة غرب أوروبا.

نجاح الائتلاف بين الحزب الاشتراكي الديمقراطي وحزب الخضر في إزاحة الحزب الديمقراطي المسيحي وحلفائه من الحكم في انتخابات عام 1998م مثّل تحولا محوريا في عملية اتخاذ قرار التخلي النهائي عن الطاقة النووية حيث قامت حكومة المستشار جيرهارد شرودر بتوقيع اتفاقية مع الشركات المزودة بالطاقة الكهربائية في ألمانيا في 14 يونيو عام 2000م نصت اهم بنود الاتفاقية على ان استخدام محطات توليد الكهرباء النووية القائمة حاليا محدد بفترة زمنية تنتهي بنهاية عام 2022م، كما نصت الاتفاقية على منع بناء محطات نووية جديدة.  وبهذا يعد قرار التخلي عن الطاقة النووية قرارا محسوبا على حكومة ائتلاف الحزب الاشتراكي وحزب الخضر وهو بهذا أيضا يُعد قراراً أقدم مما كان يُظّن.

 بعد خروج الحزب الاشتراكي من الحكم عقب انتخابات العام 2009م اقرت الأغلبية البرلمانية للائتلاف الحاكم الذي جمع الاتحاد المسيحي والحزب الليبرالي قرارا في البرلمان الألماني (البوندستاج) في 28 أكتوبر عام 2010م يقضي بتمديد الموعد النهائي لإيقاف توليد الكهرباء عبر الطاقة النووية لمدة اثني عشر عاما.  الا ان حادثة تسرب الاشعاعات من محطة فوكوشيما النووية لتوليد الطاقة الكهربائية في اليابان عقب الزلزال والتسونامي الذي ضرب البلاد في 11 مارس 2011م دفع حكومة المستشارة الألمانية انجيلا ميركل لاتخاذ قرار في 15 مارس يقضي بالعودة الى الخطط الاصلية المقرة من حكومة شرودر للتخلي نهائيا عن استخدام المحطات النووية في توليد الطاقة الكهربائية بحلول نهاية العام 2022م.

weg_atomkraft_2

استخدام الطاقة النووية: تساؤلات واشكالات

  يثير استخدام التكنولوجيا النووية في توليد الطاقة، بغض النظر عن قضايا حماية البيئة او المعارضة الأيدلوجية لاستخدام هذه التقنية، واعتماداً على الخبرة التي تكونت وتطورت خلال عقود من استخدام هذه التقنية، ثلاث تساؤلات وإشكاليات رئيسية: أولها يتمثل في الخطر الذي تشكله حوادث تسرب الاشعاعات من المفاعلات النووية وسواءً وقعت حوادث هذا التسرب بسبب أخطاء بشرية او تقنية، فغالبا ما تكون النتائج كارثية وتدميرية على البشر وعلى البيئة وتشمل هذه الاثار التدميرية مناطق جغرافية أكثر اتساعا وبعدا من المنطقة الملاصقة مباشرة لمكان الحادث. كما ان معالجة اثار هذه الحوادث، ومع عدم الاخذ في الحسبان كلفتها المادية الباهظة ودرجة المخاطرة العالية التي يواجها الفنيون والعاملون عليها، تعد عملية شديدة التعقيد وذات مدى زمني بعيد مع احتمالية التدمير النهائي لمنطقة جغرافية محددة اعتمادا على قدر التسرب الاشعاعي، وتعتبر حوادث التسرب الاشعاعي التي تعرض لها مفاعلي تشيرنوبيل في أوكرانيا 1986 وفوكوشيما في اليابان 2011، أبرز الأمثلة واكثرها وضوحا عن مدى خطورة هكذا حوادث.

وبشكل متصل ومرتبط بالإشكالية الاولى تنشأ الإشكالية الثانية في مسألة استخدام المفاعلات النووية، فمع تزايد مخاطر التهديدات الإرهابية تمثل المفاعلات النووية أحد الأهداف المحتملة للهجمات الإرهابية والتي ستكون النتائج الناجمة عن استهدافها كارثية بالمطلق، ويبدو حصول حوادث من هذا النوع شديد الواقعية خصوصا بعد ان اُكتشف في أكثر من مناسبة ان الجماعات الإرهابية قد وضعت المفاعلات النووية على قائمة أهدافها ولعل اخر الدلائل على ذلك قيام بلجيكا بإيقاف العمل في احد مفاعلاتها عقب الاعتداءات الإرهابية التي شهدها مطار مدينة بروكسل وعدة مواقع أخرى بالمدينة، بعد اكتشاف قيام افراد من الجماعات الإرهابية بالبحث عن معلومات عن المفاعل وقيامهم كذلك بمراقبة عدد من الافراد العاملين فيه.

وإذا ما كانت هذه الإشكاليات المتعلقة بحدوث تسربات اشعاعية، سواءً كانت نتيجة حادث عرضي او اعتداء إرهابي، متعلقة في المقام الأول بعامل الصدفة فان إشكالية التعامل مع النفايات النووية المشعة الناتجة عن محطات الطاقة النووية هي حقيقة يومية ونتاج حتمي لا يمكن التهرب منه او تجاهله. وقد كان التعامل مع هذه النفايات من حيث المعالجة والتخزين المؤقت او الدائم المشكلة الرئيسية والدائمة التي يواجها أنصار استخدام الطاقة النووية والسبب الرئيسي للمطالبة بالتوقف عن استخدام الطاقة النووية بالنسبة لمعارضيها. وتشعبت هذه الإشكالية وتعقدت مع مرور الوقت حتى تحولت الى عنصر تجاذب واختلاف سياسي بين الأحزاب السياسية في ألمانيا وحتى بين حكومات الولايات المتعددة حيث تعارض عدد من حكومات الولايات بشدة تخزين النفايات النووية او ما أصبح يطلق عليها ب „ الميراث المشع» على أراضيها فإضافة الى المخاطر المعروفة والتقليدية الناتجة عن هذه النفايات والمخاطر المترتبة عليها على البيئة وحياة الأنسان واستمرار هذه المخاطر لمئات السنوات مستقبلا، فان ما تشهده عمليات تخزين النفايات النووية من تعقيدات تنقل هذه المسألة الى مستويات أخرى اكثر اثارة للخلاف والنزاع، فعدم الاتفاق بين حكومات الولايات الألمانية المختلفة حتى الان على موقع نهائي لتخزين النفايات النووية والاكتفاء بتخزينها مؤقتا في أماكن مختلفة فوق الأرض او في انفاق ومخازن تحت الأرض غير مناسبة جيولوجيا لعملية التخزين، حول عملية التخزين هذه الى قضية خلاف دائم ناهيك عن الكشف اكثر من مرة عن تضرر الحاويات والبراميل المحتوية على نفايات نووية واخر ما ظهر في هذا الاطار الكشف عن تضرر 1700 برميل تحتوي على نفايات مشعة في موقع تخزين مؤقت بالقرب من مدينة كارلسغوه (جنوب ألمانيا).

كلفة التخلي عن الطاقة النووية

عملية التخلص النهائي من محطات توليد الكهرباء بالطاقة النووية تمثل تحديا على مستويين تقني ومالي، فتفكيك المحطات والمفاعلات النووية بقدر ما تحتاجه من تقنيات عالية وخبراء على مستوى عال من المهارة والتدريب فان الإشكالية الأساسية في هذه العملية تتركز في طريقة التعامل مع النفايات والبقايا المشعة الناتجة عنها وكذلك في عملية التخلص النهائي من هذه النفايات شديدة الاشعاع والخطورة (تشير التقديرات الى ان الحطام والانقاض الناتجة عن تفكيك مفاعل نووي واحد تبلغ نحو 300 ألف متر مكعب من الأنقاض). هذا من جهة، من جهة أخرى فان الكلفة المالية للتخلي عن استخدام الطاقة النووية ذات شقين: الشق الأول يتعلق بتكلفة التفكيك والتخلص النهائي من المحطات النووية والشق الآخر متعلق بكلفة تعويض الفاقد من الكهرباء المولدة من هذه المحطات النووية والبنية التحتية اللازمة لذلك.

في ما يخص تكاليف تفكيك المحطات النووية والتعامل مع النفايات النووية سوآءً تلك الناتجة عن عمليات تشغيل المفاعلات او تلك الناتجة عن عملية تفكيك هذه المفاعلات فتقدر حتى الان بما يزيد عن43 مليار يورو حتى العام 2022م من ضمن هذا المبلغ 23،3 مليار يورو تكلفة معالجة وتخزين النفايات النووية الناتجة عن عمليات تشغيل المفاعلات النووية وقد أنشأت المفوضية الحكومية الخاصة بالتخلي عن الطاقة النووية صندوقا لهذا الغرض حددت فيه حصة المؤسسات والشركات المالكة للمحطات النووية في معالجة النفايات المشعة وتخزينها ب 23،3 مليار يورو على ان تتحمل الحكومة الاتحادية اية مصاريف إضافية في هذا الخصوص ( وان كانت هناك خلافات حول هذا المبلغ بسبب اعتراض الشركات والمجموعات المالكة للمحطات النووية والتي لا تريد ان تتجاوز حصتها اكثر من 17،2 مليار يورو). فيما ستبلغ كلفة تفكيك المحطات والمفاعلات النووية وكلفة التعامل مع النفايات والأنقاض الناتجة عنها بحدود 19،7 مليار يورو حتى العام 2022م سوف تتحملها كاملة الشركات المالكة والمشغلة لها دون مشاركة من الحكومة الاتحادية.

 فيما يتعلق بكلفة تعويض الفاقد من الطاقة الكهربائية المنتجة عبر المفاعلات النووية والبنية التحتية اللازمة لإنجاز هذا التحول فنحن امام نوعين من الكلفة، الأول يشمل الكلفة المباشرة اللازمة للتعويض عن خروج المحطات النووية من الشبكة الكهربائية الرئيسية، اما النوع الثاني من الكلفة فيتعلق بالاستثمارات المقدرة لتحقيق التحول الكامل نحو انتاج الطاقة الكهربائية من مصادر الطاقة المتجددة.

وتتنوع وتتوزع الكلفة المقدرة لتعويض خروج المحطات النووية على أكثر من عنصر وعامل ففي جهة تعويض الطاقة الكهربائية الفاقدة فالحكومة الاتحادية، الى جانب سياستها في دعم  بناء محطات توليد الطاقة من مصادر متجددة مثل الرياح والطاقة الشمسية، تعمل أيضا على دعم بناء محطات توليد الطاقة الكهربائية بالغاز والذي سيكلفها نحو 1،5 مليار يورو سنويا، في جانب اخر ومع توسع ألمانيا في بناء محطات توليد الطاقة عبر مصادر الطاقة المتجددة وعلى الخصوص توليد الطاقة عبر الرياح التي تنتشر وحداتها على سواحل شمال ألمانيا على بحر البلطيق وبحر الشمال، الا ان التوسع في بناء شبكات نقل الطاقة الكهربائية الى جنوب وغرب البلاد  لا يتم  بنفس القدر والسرعة اذ ماتزال البنية التحتية لشبكات نقل الطاقة الكهربائية اقل كفاءة وكثافة من مواكبة تزايد كمية الطاقة المنتجة عبر مصادر الطاقة المتجددة، وهو الامر الذي يتسبب في أوقات كثيرة في رفع احمال الطاقة على شبكة التوزيع مما يضطر معه المهندسون الى التدخل ووقف او فصل بعض محطات التوليد عن الشبكة الرئيسية حماية للشبكة ومنع توقفها الكامل عن العمل وانقطاع التيار الكهربائي، وقد وصلت كلفة هذا التدخل وعمليات إيقاف او فصل المحطات عن الشبكة الرئيسية عام 2015م الى مبلغ قياسي  بلغ مليار يورو وهو مرشح للارتفاع خلال الأعوام القادمة مالم يتم التدخل بفعالية لتوسيع شبكات النقل.

 من النتائج المترتبة أيضا عن قرار اغلاق محطات توليد الطاقة النووية هو فقد العديد من الوظائف وتسريح اعداد كبيرة من العمال، وتخطط الشركات المالكة لهذه المحطات لتسريح ألاف العمال خلال الأعوام القليلة القادمة.

اما فيما يخص الاستثمارات اللازمة لتحقيق التحول الكامل لتوليد الطاقة عبر مصادر الطاقة المتجددة فتعتمد خطط الحكومة الاتحادية الألمانية والممتدة حتى عام 2050م على استثمار نحو 550 مليار يورو، مما يعني استثماراً إضافياً بنحو 15 مليار يورو سنويا وهو ما يمثل 0,5% من الناتج المحلي الإجمالي في ألمانيا. تتركز هذه الاستثمارات في قطاعين رئيسيين، اذ سيتم استثمار 250 مليار يورو حتى العام 2050م في قطاع بناء وتطوير محطات توليد الكهرباء عبر مصادر الطاقة المتجددة ويشمل ذلك أيضاً تحديث وتوسيع شبكات توزيع الطاقة الكهربائية وتطوير تقنيات تخزين الطاقة. فيما سيتم استثمار نحو 300 مليار يورو في قطاع تحديث المنازل ورفع كفائتها في استهلاك الطاقة، حيث تقضي الخطط بأن يتم حتى العام 2050م إعادة تأهيل وتحديث 90% من المنازل في ألمانيا لجعلها اكثر كفائةً وتوفيراً في استهلاك الطاقة.

weg_atomkraft_3

مستقبل الطاقة النووية في ألمانيا والاتحاد الأوروبي

في الوقت الذي حزمت ألمانيا، على المستوى الرسمي والشعبي، امرها فيما يتعلق بالتخلي النهائي عن المحطات النووية لتوليد الطاقة وبدأت في اتخاذ الخطوات العملية في هذا الطريق يسير الاتحاد الأوربي والكثير من الدول الأعضاء فيه في الطريق المعاكس. فبداية لا يمتلك الاتحاد الأوربي سياسة موحدة فيما يتعلق باستخدام التكنولوجيا النووية في انتاج الطاقة ولا يبدو انه سيستطيع تحقيقها في الوقت القريب.  اذ تختلف مصالح واهتمامات دوله الأعضاء فيما يخص استخدامات الطاقة النووية بشكل جذري، فبينما تخلت دول او انها في الطريق الى التخلي النهائي عن استخدام الطاقة النووية كألمانيا والنمسا والسويد تعمل دول أخرى في الاتحاد، مثل بولندا وفرنسا، على التوسع وتطوير التكنولوجيا النووية في انتاج الطاقة.  وبالمجمل وبحسب تقارير الاتحاد الأوربي فهناك 14 دولة عضو في الاتحاد تستخدم الطاقة النووية في توليد الكهرباء ويوجد في هذه الدول 131 مفاعل نووي (من ضمنها 89 مفاعل نووي خارج العمل) بمتوسط عمر 30 عاما.

في محاولات المفوضية الاوربية لصياغة السياسة المستقبلية للاتحاد الأوربي في مجال الطاقة النووية قدمت المفوضية مقترحات تتضمن الخطوط الرئيسية لهذه السياسة المستقبلية والتي تقوم على دعم وتمويل أبحاث تطوير التقنية النووية في انتاج الكهرباء ومن ضمن ذلك التخطيط لبناء مفاعلات نووية مصغرة، على ان يبدأ اول مفاعل من هذا النوع العمل عام 2030م.  وتسعى المفوضية الاوربية من خلال مقترحاتها بتطوير التقنية النووية، إضافة الى ما سمته بحماية التقدم والتفوق الأوروبي في مجال الطاقة النووية، الى تحقيق هدفين رئيسيين: الأول يتثمل في العمل على تقليل اعتماد أوروبا على الغاز الروسي في توليد الطاقة الكهربائية، ثانيا وضمن اهداف سياسة الاتحاد الأوربي في حماية البيئة وتقليل انبعاثات الغازات تعمل محطات توليد الكهرباء العاملة بالطاقة النووية مقارنة بالمحطات التي تستخدم الغاز الطبيعي او الفحم بدون التسبب تقريبا في انبعاث غازات ضارة بالبيئة.

مقترحات المفوضية الاوربية هذه اثارت حفيظة واحتجاج الحكومة الألمانية والتي اعتبرت ان التوسع في استخدام الطاقة النووية سيعرض الدول التي اتخذت قرارها بالتخلص من هذه التقنية الى الخطر، كما اعتبر نائب المستشارة ووزير الاقتصاد والطاقة في الحكومة الألمانية سيغموند غابرييل ان الخطط المُزمعة للمفوضية الاوربية في التوسع في استخدام الطاقة النووية ستعنى ان الأجيال القادمة سوف تُجبر على التعامل مع مخاطر ومضّار مئات الآلاف الاطنان من النفايات النووية.

ان القرار الألماني بالتخلي النهائي عن الطاقة النووية كمصدر من مصادر توليد الطاقة الكهربائية سينعكس بالتأكيد إيجابيا على نتائج سياسة حماية البيئة كأحد الأهداف الرئيسية للحكومة الألمانية بالإضافة الى انعكاساته على تطوير التقنيات الخاصة بتوليد الطاقة من مصادر متجددة، كما انه سيؤدي الى رفع مستوى الأمان والسلامة العامة الا انه، وما دام هذا القرار مقتصرا على ألمانيا بمعزل عن بقية دول الاتحاد الأوربي ومع عدم تحول سياسة التخلي عن استخدام الطاقة النووية الى سياسة موحدة لدول الاتحاد الأوربي، فان المخاطر التي تمثلها هذه التقنية ستضل حاضرة بالنسبة لألمانيا، حتى وان تم تخفيضها الى حد كبير، فالحوادث النووية لا تعرف حدودا سياسية واذا ما حصلت فان تأثيراتها لن تقتصر على الدولة او الدول التي حصلت فيها. ومن هنا يبدو القلق الألماني المتزايد من مستوى الأمان المنخفض الذي تعاني منه العديد من المفاعلات النووية المنتشرة في دول الجوار مفهوما،ً فعلى سبيل المثال لا تبعد محطة تيهانجه النووية في بلجيكا، والتي تعاني من مشكلات تقنية أكثر من 70 كيلومترا عن مدينة آخن غرب ألمانيا. وهو ما دفع الحكومة الألمانية مراراً الى مطالبة بلجيكا بإيقاف العمل فيها.

إذا كانت ألمانيا قد حسمت موضوع الخروج النهائي من قائمة الدول النووية فان امامها، من اجل تحقيق كل الأهداف المنشودة منه، ان تحوله الى قرار جماعي لدول الاتحاد الأوروبي وهو امر سيتطلب جهداً وعملاً وزمناً ليس بالقليل.

weg_atomkraft_4