أظهر الاقتصاد الألماني في الفترة الأخيرة تحسناً تجاوز توقعات الشركات والخبراء والمحللين الألمان مُحققاً نمواً بواقع 0,6 في المائة خلال الربع الأول من العام الحالي 2017م، وأظهر مؤشر Ifo لمعهد البحوث الاقتصادية في ميونيخ إرتفاعاً واضحاً من 112,3 إلى 112,9 نقطة، وهو الارتفاع الأعلى الذي يحققه مؤشر النمو منذ شهر يونيو من عام 2011. وقال الخبير Clemens Fuest رئيس المعهد المذكور الذي يستفتي شهرياً سبعة آلاف شركة ألمانية في البلاد إن الاقتصاد الألماني “ينمو بقوة حالياً، لكن التوقعات للأشهر الستة المقبلة أقل تفاؤلاً نوعاً ما”.

وبدوره ارتفع مؤشر النمو الخاص بألمانيا لمعهد البحوث الأوروبية في مانهايم ZEW عن شهر أبريل الفائت بمقدار 6,7 نقاط أيضاً، ووصل مع 19,5 نقطة إلى أعلى نقطة له منذ أغسطس عام 2015. ومن المؤشرات الجيدة أيضاً على النمو الحاصل القفزة التي حققها مؤشر الأسهم الألمانية Dax في بورصة فرانكفورت أخيراً، والذي وصل في تسلقه المتسارع إلى تسجيل رقم قياسي جديد هو 12807 نقطة (يوم يوم 15 مايو 2017م) للمرة الأولى في تاريخه. وعقّب كبير خبراء مصرف “دويتشه بنك” Ulrich Stephan على الارتفاع المتواصل بالقول إن المحللين الماليين عادوا ورفعوا توقعاتهم الإيجابية للعام الجاري بفضل الانتعاش الحاصل في الاقتصاد العالمي ومعه اقتصاد أوروبا أيضاً الذي ينعكس إيجاباً على الشركات فيها. وتوقع الخبير المذكور “مردوداً جيداً جداً لأسواق الأسهم أكثر من أسواق السندات لهذه السنة”. ويعتقد خبراء ومحللون أيضاً أن انتخاب الليبرالي Emmanuel Macron رئيساً جديداً لفرنسا بأكثرية كبيرة في بلده تؤيد الكيان الاوروبي الموحد القائم يبعد شبح انفراط عقده، خاصة بعد خروج بريطانيا منه، “الأمر سينعكس إيجاباً أيضاً على اقتصاد ألمانيا والقارة الأوروبية” بحسب تعبير Dieter Kempf رئيس اتحاد الصناعة الألمانية BDI. وبدوره أكد اتحاد غرف التجارة والصناعة الألمانية DIHK على أهمية فرنسا كشريك أوروبي قوي في الاقتصاد.

ومن مؤشرات استمرار النمو في ألمانيا في السنوات القادمة إعلان وزارة المال الأتحادية أواسط الشهر الجاري بأن عائدات خزائن الدولة والولايات الألمانية والبلديات فيها من الضرائب العامة سترتفع حتى عام 2021  إلى 54,1 مليار يورو، بزيادة تصل إلى 7,9 في المئة عما كان متوقعا من الخبراء في شهر نوفمبر من العام الفائت، ما يؤمن للقطاع العام في البلاد دخلاً مريحاً يمكّنه من القيام باستثمارات عامة في المجالات العامة المختلفة، خاصة على مستوى تجديد البنى التحتية والتعليم أو خفض بعض الضرائب على المواطنين. وفي ما يتعلق بالعام الحالي سيحقق دخل الضرائب زيادة تقدّر بـ 7,9 مليار يورو. وفي ما يتعلق بالاستثمارات الدولية في البلاد ذكرت دراسة أخيرة عن أكثر الدول جذباً للمستثمرين، أن ألمانيا “تكسب حالياً المزيد من انتباه المستثمرين الدوليين للاستثمار فيها، ما جعلها تتقدم إلى المرتبة الثانية على لائحة هذه الدول المرغوبة بعد أن أزاحت الصين من أمامها”. وجاء في الدراسة أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي  دفع ألمانيا إلى الواجهة لتصبح محط أنظار المستثمرين الدوليين. من هنا يرى المرء في ألمانيا امكانية لتحول المركز المالي الدولي والأوروبي من لندن إلى فرانكفورت. وفي حال تحقق ذلك سيزيد ولا شك من جاذبية ألمانيا لدى الشركات الدولية وكبار المستثمرين ورجال الأعمال.

البطالة في ألمانيا تسجل تراجعاً كبيراً والطلب على العمل يزداد

سجّل عدد العاطلين عن العمل في ألمانيا في شهر أبريل الفائت 2,569 مليون عاطل بتراجع عن شهر مارس الذي سبقه قدره 93 ألف شخص. وبالمقارنة مع الشهر ذاته من العام الفائت بلغ التراجع في البطالة 175 ألف شخص. وقالت وكالة العمل الاتحادية BA في بيان لها إن معدل البطالة في البلاد انخفض من 6 إلى 5,8 في المئة. وبذلك تراجعت البطالة إلى أدنى مستوى لها منذ عام 1991. وكان المعدل انخفض في شهر مارس عن شهر يناير وفبراير الماضيين من 6,3 إلى 6 في المئة. وتوقع رئيس الوكالة الاتحادية للعمل Detlef Scheele استمرار التحسن في سوق العمالة الألمانية بعد الانباء الأخيرة عن بدء انفراج الوضع الاقتصادي الألماني والأوروبي وارتفاع طلب الشركات الألمانية على الأيدي العاملة في البلاد بصورة قياسية.

ولم يؤثر لا الغموض الذي أحاط بانتخابات الرئاسة الفرنسية، ولا الجدل المستمر حول خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وحجم الآثار السلبية التي يمكن أن تنتج عنه، في توتير الوضع الاقتصادي للبلاد وسوق العمل فيها على حد ما أكده خبراء الاقتصاد. بل على العكس فقد توقعت الحكومة الألمانية حصول نمو قوي في اقتصاد البلاد، وارتفاع عدد العاملين هذه السنة بمقدار 530 ألفاً، وفي السنة المقبلة 2018م بمقدار 310 ألاف شخص، وهو رقم قياسي لم يسجل من قبل. ويتوقع الخبراء أن ترتفع  الأجور ومعاشات التقاعد بدورها خلال العامين المُقبلين بسبب الطلب القوي على الأيدي العاملة، كما بسبب معدلات النمو التي ستُسجّل، ما يعني توقع استمرار استهلاك الناس وازدياده أيضاً. ومعروف أن النمو في ألمانيا يعتمد منذ سنوات عدة، وبصورة أولى، على عامل الاستهلاك، وتحتل الصادرات المرتبة الثانية حالياً، خاصة بعد المبيعات القياسية التي سُجلت العام 2016م.

وذكر معهد بحوث سوق العمل والمهن الألمانية IAB التابع لوكالة العمل الاتحادية، مؤخراً، أن عدد فرص العمل الخالية في الشركات الألمانية ارتفع في الربع الأول من العام الجاري إلى 1,064 مليون فرصة، وهو أعلى رقم يسجل في البلاد حتى الآن. ويستند الرقم المذكور إلى استطلاع يجريه خبراء المعهد أربع مرات في السنة مع أصحاب نحو 8000 شركة ألمانية تمثل مختلف القطاعات الاقتصادية. وأظهر الاستطلاع أن أكثر امكنة العمل الخالية موجودة في قطاع المواصلات كما في قطاع التخزين، على حد ما ذكره الباحث في المعهد Alexander Kubis الذي أضاف أن فرص عمل كثيرة خالية في قطاع البناء والخدمات المختلفة ، بخاصة في مجال الصحة والرعاية الصحية.

وعلى المستوى الجغرافي للبلاد فان القسم الأكبر من فرص العمل هذه، أي نحو 824 الفاً، موجودة في غرب ألمانيا حيث يعيش 67 مليون نسمة، و 240 ألفاً في شرقها حيث يعيش 15 مليوناً تقريباً. وتطلب الشركات لـ 64 في المئة من هذه الفرص شهادة تعليم مهني، ولـ 16 في المئة منها شهادة جامعية، ويبقى نحو 212 ألف فرصة عمل لا تتطلب أية شهادة. في الوقت ذاته كشفت دراسة أخرى للمعهد أعلاه عن سوق العمل والعمالة فيها أن 15,3 مليون ألماني يعملون اليوم عملاً مؤقتاً، أي لفترة ساعات محددة في اليوم أو في الأسبوع. وذكر القائمون على الدراسة أن عدد هؤلاء تضاعف تقريباً خلال العقدين الماضيين بعد أن كان العدد 8,3 مليون شخص، ما يشير إلى حصول تحوّل في سوق العمل الألمانية وازدياد عدد العاملين في البلاد سنوياً، إلا أن ساعات العمل تقل، وبالتالي ما يتلقونه من أجر كذلك. وفي الفترة الزمية ذاتها انخفض عدد العاملين بوقت كامل من 25,9 إلى 24 مليون شخص.

صادرات ألمانيا: صندوق النقد وترامب وماكرون ينتقدون برلين

تجددت الانتقادات الدولية والأوروبية لألمانيا بشدة بعد تحقيق الصادرات الألمانية العام الفائت على مدى السنوات الخمس الأخيرة ربحاً مالياً بلغ العام الفائت 2016م نحو 266 مليار يورو. ويعني هذا فائضاً يتجاوز معدل ثمانية في المئة. أما الاتفاقات الأوروبية فحددت حداً أقصى للفائض بين الصادرات والواردات بواقع 3,5  في المئة. ويشير سير الصادرات في السنة الحالية إلى حصول وضع مماثل بعد أن بلغت قيمة صادرات المانيا في شهر مارس الماضي 118,2 مليار يورو فيما بلغت قيمة الواردات 92,9 مليار يورو. وترى المؤسسات المالية مثل صندوق النقد الدولي أن للتفاوت هذا تأثير سلبي على نمو وتطور الدول الأوروبية والدولية الأخرى، إذ سيكون عليها سنة بعد سنة سدّ العجز المتنامي في تجارتها الخارجية على حساب الاستثمار الانمائي في الداخل. ويسود خلاف داخل حكومة الائتلاف الألمانية حول الأمر حيث يعترض الحزب الاشتراكي الديمقراطي، حليف الحزب المسيحي الديمقراطي، على هذا الأمر ويدعوه إلى المزيد من الاستثمار في الداخل وفرض ضرائب أعلى على رجال الأعمال وأصحاب الثروات الكبيرة.

ويضغط صندوق النقد الدولي بدوره على برلين منذ فترة للعمل على  فرض ضرائب أعلى على أصحاب الملكيات والشركات والدخل العالي في البلد، وخفضها في المقابل على ذوي الدخل المحدود بهدف المساهمة في تقليص الفارق الكبير الحاصل بين الفئتين الاجتماعيتين، وتعزيز النمو الداخلي. ويبحث الصندوق هذه الأمور حالياً في إطار مباحثات ومشاورات يجريها مع ألمانيا ودول أخرى كل على حدة لدراسة اوضاعها المالية وتقديم الاقتراحات لها لتعزيز وضعها. واقترح الصندوق على برلين في هذه المشاورات التي ستُختتم في نهاية الشهر المقبل رفع الأجور والمعاشات فيها بشكل ملموس لتحريك النمو والاستهلاك بصورة أعلى. وخفف صندوق النقد الدولي من مخاوف ارتفاع نسبة التضخم في البلاد لافتاً “إلى عدم وجود مؤشرات إلى حدوث زيادة خطرة في أسعار الحاجيات”، و “إلى أن التضخم، دون حسبان كلفة المعيشة والطاقة، لن يتجاوز نسبة الواحد في المئة”.

وبعد وصوله إلى الحكم انتقد الرئيس الأميركي Donald Trump بشدة الخلل في الميزان التجاري الحاصل بين الولايات المتحدة وألمانيا لصالح الأخيرة، وهدد بفرض ضرائب جمركية عالية على الصادرات الألمانية في حال لم تتغير الصورة هذه في ما يشبه البدء بحرب حمائية جديدة، علماً أن ذلك يتعارض مع قرارات منظمة التجارة الدولية. لكن ترامب ليس المعترض الوحيد، بل هناك دول أخرى تنظر بقلق إلى الأمر. وأخيرا، وقبل انتخابه رئيساً لفرنسا، أعلن Emmanuel Macron بدوره أن “من غير المقبول مثل هذا الخلل التجاري القائم بين ألمانيا وفرنسا”، مشيراً إلى أنها نقطة رئيسية سيعالجها حين يصبح رئيساً للبلاد”.

وبعد أن انتقدت رئيسة صندوق النقد الدولي Christine Lagarde الأمر بشدة اقترحت على ألمانيا استثمار الفائض الزائد عن الحد المسموح به أوروبياً ودولياً في البنى التحتية الألمانية لتطويرها بصورة منتظمة. وأضافت: “إن تحقيق معدل 4 في المئة من الفائض الربحي أمر مقبول، لكن ثمانية في المئة لا”، إلا أنها أضافت “أن الخبر الجيد هو أن ألمانيا بدأت تستثمر، خاصة في مجال تمويل اللاجئين على أراضيها” وعددهم نحو مليون شخص. وبعد أن لمّحت إلى أن الخلل التجاري هذا “لم يصل بعد إلى حد تهديد الاستقرار والتوازن المالي الدولي والنمو في العالم” أكدت أن صندوق النقد لن يتردد في التحذير من الأخطار في حال وجودها. صحيح أن اتحاد غرف التجارة والصناعة الألمانية DIHK صرّح أخيراً بأنه لا يتوقع أن يحقق الفائض التجاري الألماني في تجارته الخارجية مع العالم في العام الحالي 2017م أكثر من 3 في المئة، ألا أن هذا التوقع لم يُقنع كثيرين.

وزيرة العمل الألمانية توقف برنامج تشغيل 100 الف لاجيء

اعترفت وزيرة العمل الاتحادية Andrea Nahles أخيراً بفشل برنامجها الذي وضعته قبل عام ونيّف مع مسؤولي آلاف الشركات الألمانية لتأمين العمل لنحو 100 ألف لاجئ في ألمانيا إثر قدوم أكثر من مليون لاجئ إليها. ورغم تحقق البرنامج النجاح بصورة جزئية، لجأت الوزيرة إلى إيقافه وتحويل باقي المبلغ المخصص له إلى صندوق وكالة العمل Jobcenter الذي يساعد العاطلين لإيجاد عمل لهم. وقالت الوزيرة نالس إن المسؤولين عن المشروع تمكنوا من تأمين العمل لربع العدد المستهدف، أي لنحو 25 ألف لاجيء فقط. وكان الهدف من البرنامج الذي خُصص له 300 مليون يورو في السنة من موازنة الوزارة مساعدة أكبر عدد ممكن من اللاجئين لدخول سوق العمل والاندماج في مجتمعهم الجديد.

وانتقدت Brigitte Pothmer المسؤولة عن شؤون العمل في الكتلة النيابية لحزب الخضر قرار الوزيرة بانهاء المشروع وتحويل المال المرصود إلى مؤسسة أخرى. وقالت إن إحالة 240 مليون يورو إلى مركز العمل لصرفها خلال أربع سنوات سيعني أنه سيستخدمها بصورة بيروقراطية لدفع مصاريف إدارية، وايجارات، وتكاليف كهرباء وصيانة وغير ذلك بدلاً من استخدامها لهدف تأمين العمل للاجئين. لكن متحدثة باسم وزارة العمل دافعت عن قرار تحويل المال المتبقي إلى مراكز العمل في الولايات الألمانية الستة عشرة. وقال وكيل وزارة العمل Thorben Albrecht إنه يعتقد أن المال المتبقي المحوّل يمكن أن يستخدم لتأمين رعاية على قياس كل لاجيء وتأمين فرص عمل بصورة فردية، ووفقاً لوضع وحاجات كل شخص منهم. لكن ممثلة حزب الخضر شككت في كلام وزارة العمل.

وكانت الغاية من برنامج الوزارة مساعدة اللاجئين على القيام بأعمال بسيطة يتلقون خلالها أجوراً متواضعة في انتظار البت بطلب الحصول على إقامة لهم. ففي البداية كان الانتظار يأخذ وقتاً طويلاً بسبب بطء العمل، لكن مع الوقت سرّعت السلطات المعنية أمر البتّ بأوضاع اللاجئين وبعملية توزيعهم في الولاية أو في البلد ككل، وبالتالي انتفت الحاجة إلى مثل هذه المعونة المالية. وعند حصول اللاجئين على الإقامة يحق لهم حينها الحصول على حد أدنى من المساعدات المالية من صندوق المعونة الاجتماعي.

أما الجانب السلبي من البقاء دون العمل والجلوس لتضييع الوقت فظهر في احصاءات الأعمال غير المشروعة التي  تصْدر سنوياً عن وزارة الداخلية الألمانية. فقد تحدث وزير الداخلية  الاتحادي  Thomas de Maizière في نهاية شهر أبريل الفائت عن تزايد أعمال العنف والجريمة بين اللاجئين الجدد بنسبة 50 في المئة عن العام السابق، وهو تطور لا يمكن تبريره لمن هرب من دياره لتفادي الحرب والعنف والموت. لكن تبيّن أيضاً أن القسم الأكبر من هذه التصرفات المُشينة تحصل بين اللاجئين أنفسهم من مختلف الجنسيات، وبصورة أقل بكثير بينهم وبين الألمان.

مفاوضات البريكزيت ستكون صعبة وطويلة ولا ضمان بنجاحها

حدّد المجلس الأوروبي الذي اجتمع في نهاية شهر أبريل الماضي في بروكسيل وبحضور رؤساء حكومات 27 دولة أوروبية، ومن دون بريطانيا، اُسس مفاوضات خروج الأخيرة من الاتحاد الأوروبي. وكانت المستشارة الألمانية Angela Merkel طرحت في بيان حكومي ألقته أمام البرلمان الاتحادي (البوندستاغ) عشية اجتماع بروكسيل بعض أسس مفاوضات خروج بريطانيا مشددة على “أنه لا يمكن لدولة تخرج من الاتحاد الأوروبي أن تنتظر معاملة أفضل ممن هو عضو في الاتحاد”. وأضافت: “لدي شعور بان البعض في بريطانيا لا يزال لديه أوهام في هذا الصدد، إلا أنهم يضيعون الوقت فقط”.

وأكدت المستشارة في كلمتها على أنه “قبل الاتفاق على خطوات الخروج لن يتم اجراء مفاوضات جوهرية حول العلاقة المستقبلية مع البريطانيين”، لافتة في هذا الصدد إلى الخلاف القائم حول مسألة الالتزامات المالية لبريطانيا الموقعة عليها تجاه الاتحاد الأوروبي، والتي تقدرها بروكسيل الآن بين 60 و100 مليار يورو. وبعد أن لفتت مركل إلى أن لندن “تود أن تؤخر المفاوضات في شأن الالتزامات إلى مرحلة المفاوضات النهاية”، أوضحت دون لبس أنه “لا يمكن ترك هذه الأمور حتى النهاية لأنها من أهم القضايا التي يتوجب طرحها ومعالجتها منذ البداية”. وفي ما اعتُبر ردّ مباشر على موقف رئيسة الحكومة البريطانية Theresa May قالت مركل بتصميم: “لا يمكن لجدول الأعمال إلا أن  يكون بهذا الترتيب لا العكس”. ومع ذلك وعدت المستشارة البريطانيين في بيانها العلني “بأن تجري المفاوضات بصورة عادلة و بناءة، إنما في إطار حماية مصالح مواطنينا وإبعاد الضرر عن الاتحاد الأوروبي”.

ولدى اجتماعه أقرّ المجلس الأوروبي بالاجماع ودون أية مناقشة قرار بدء اجراءات خروج بريطانيا من الاتحاد الذي سبق وأعده رئيس المجلس Donald Tusk وحدد فيه الخطوط العامة للانفصال وللمفاوضات مع لندن. واعتبر المراقبون والمحللون أن الرسالة الموجهة إلى بريطانيا واضحة الدلالة، وهي “أن الاتحاد الاوروبي يقف موحداً في هذا الموضوع كجدار صامد، وأن أية محاولة لصدعه ستبوء بالفشل”. وكلّفت المفوضية الأوروبية الفرنسي Michel Barnier بقيادة فريق مفاوضات الانفصال مع فريق بريطانيا على أساس مرحلتين متتابعين: الأولى تتعلق بتصفية كل ما له علاقة ب “البريكزت” بين الاتحاد ولندن والاتفاق على الالتزامات، والانتقال بعد ذلك إلى المرحلة الثانية التي سيجري فيها تحديد العلاقات المستقبلية بين الطرفين والاتفاق عليها أيضاً. وأعربت المستشارة مركل عن أملها بالانتهاء من الاتفاق على تفاصيل المرحلة الأولى في فصل الخريف القادم. وتشمل المرحلة الأولى حسم قضايا عدة منها:

1ـ خروج منظم وعادل لبريطانيا من الاتحاد الأوروبي مع تحديد حقوق 3,2 مليون أوروبي يعيشون فيها و 1,2 مليون بريطاني يعيشون في دول الاتحاد الأوروبي.

2 ـ تقديم حساب إلى لندن يتضمن ما عليها من التزامات مالية جارية، وما وعدت بدفعه في موازنة الاتحاد حتى عام 2020.

3 ـ التأكيد على الحريات الأربع: التنقل للاشخاص، النقل للبضائع، الخدمات، والرساميل، والتأكيد على ان الحريات الأربع هذه لا تتجزأ. وفي حال أصرت لندن على خفض أعداد المهاجرين الأوروبيين إليها فلن يسمح الاتحاد الأوروبي للبريطانيين في المقابل بدخول السوق الأوروبية.

4 ـ في ما يتعلق بشمال ايرلندا ستتجنب بروكسيل العمل على اقفال الحدود بصورة كاملة كما يُفترض الآن لأن المرء يخشى في هذه الحالة من اندلاع العنف هناك من جديد بين الكاثوليك والبروتستانت.

5 ـ سينظر الاتحاد إلى اتفاق الخروج كسلة واحدة ويرفض أية محاولة للتعامل مع جزء منفرد أو أجزاء منها فقط.

6 ـ في حال الفشل الكامل في توقيع اتفاق جديد مشترك بين الطرفين حتى 29 مارس 2019م سيتعامل الاتحاد الأوروبي عند ذاك تجارياً مع بريطانيا تبعاً لما تنص عليه قوانين منظمة التجارة الدولية WTO، ما سيكون مكلفاً جداً.

وبعد أن فاجأت رئيسة الحكومة البريطانية ماي الجميع بالدعوة إلى انتخابات نيابية جديدة في البلاد لتقوية موقعها تأجل موعد بدء مفاوضات الخروج بين الطرفين إلى ما بعد الانتخابات التي ستجري في الثامن من شهر يونيو المقبل. خلال ذلك أشارت معلومات إلى أن الاقتصاد البريطاني ينمو منذ بدء العام الجديد بصورة أبطأ مما كان متوقعاً. وأظهر استطلاع للرأي أجراه معهد “يوغوف” ونشرته صحيفة “التايمز” في 27 أبريل الماضي أن 45 في المئة من البريطانيين عبّروا للمرة الأولى عن ندمها على التصويت لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي مقابل 43 في المئة يؤيدون الخروج، ولم يدل 12 في المئة بأي رأي.