التحديات التي تواجه الصادرات الألمانية الى الصين

التحديات التي تواجه الصادرات الألمانية الى الصين

     تعد الصين الشريك التجاري الأكبر لألمانيا بحجم تبادل سلع وبضائع وصل في العام 2022م، الى نحو 299 مليار يورو تقريباً وهو ما يفوق حجم التبادل التجاري بين ألمانيا والولايات المتحدة، ثاني اهم شريك تجاري، بحوالي 50 مليار يورو. وقد وصل العجز التجاري لألمانيا مع الصين إلى أكثر من 84 مليار يورو العام 2022م، وهو ما يمثل ضعف العجز المسجل في العام الذي سبق، حيث زادت الواردات من الصين في العام الماضي بنسبة 33 في المئة، في مقابل ارتفاع صادرات الشركات الألمانية الى الصين العام 2022م، بنسبة 3 في المئة فقط مقارنة بالعام الذي سبق.

     وعلى الرغم من هذا العجز التجاري مع الصين الا ان السوق الصيني يظل أحد اهم أسواق الصادرات الألمانية حيث بلغ حجم هذه الصادرات في العام الماضي 107 مليار يورو. وتمثل الصادرات الصناعية الجزء الأكبر من الصادرات الى الصين حيث تأتي السيارات وقطع غيارها في المركز الأول من حيث قيمة الصادرات. هذا الى جانب الاستثمارات الكبيرة التي تمتلكها الشركات الصناعية الألمانية وخصوصا شركات صناعة السيارات في الصين، فعلى سبيل المثال حققت مجموعة فولكس فاجن لصناعة السيارات نصف إيراداتها في العام الماضي من السوق الصيني.

     ولهذا تضع العديد من الشركات الألمانية آمالها على نمو الصادرات الى الصين خصوصا بعد نهاية سياسة “صفر كوفيد” الصارمة التي كانت تتبعها بكين في ديسمبر 2022م. الا ان الأربع الاشهر الأولى من العام 2023م، لم تعكس هذا التفاؤل حيث بلغت صادرات ألمانيا إلى جمهورية الصين الشعبية خلال الأشهر يناير-ابريل من العام الحالي، وفقًا لبيانات مكتب الإحصاءات الاتحادي 32.5 مليار يورو، وهو أقل بنسبة 10 في المئة مقارنةً بالفترة نفسها من العام السابق، كما تمثل أيضًا تراجعًا بنسبة 5.4 في المئة مقارنةً بالأربعة أشهر الأخيرة من عام 2022م.

     هذا الأداء الضعيف للصادرات يعزز المخاوف من أن الاقتصاد الألماني لن يخرج من دائرة الركود في الأشهر القادمة. وفي هذا الجانب يعتبر Klaus-Jürgen Gern، رئيس قسم التوقعات الاقتصادية العالمية في معهد كيل للاقتصاد العالمي (IfW): “ان التطور الضعيف جداً لصادرات ألمانيا إلى الصين في الأشهر الأخيرة قد أبطأ بشكل ملحوظ تطور الصادرات بشكل عام”. وتأتي هذه التطورات في الوقت الذي دخل فيه الاقتصاد الألماني في حالة “الركود التقني” والناتج عن التراجع النسبي للناتج المحلي الإجمالي لربعين متتاليين.

     الا ان الآمال بنمو الصادرات الألمانية الى الصين، وبالتالي التأثير الإيجابي على فرص نمو الاقتصاد الألماني لهذا العام لم تنتهي بعد، حيث نشرت سلطات الجمارك الصينية بيانات عن الواردات من ألمانيا في شهر مايو الماضي اظهرت ارتفاعاً بنسبة 7 في المئة تقريبًا مقارنة بالشهر السابق.  وأكدت Geraldine Dany-Knedlik، رئيسة قسم الاقتصاد في المعهد الألماني للأبحاث الاقتصادية (DIW): ” ان أحدث أرقام التجارة الخارجية بين ألمانيا والصين تشير إلى أن تأثير اللحاق بالركب قد بدأ الآن في الربع الثاني”. حيث يمكن الآن تعويض العديد من الصادرات التي تأخرت او تم الغاؤها في وقت سابق بسبب سياسة صفر كوفيد.

     ومع هذا التطور الإيجابي في حجم الصادرات الألمانية الى الصين فان مسار تطور هذه الصادرات خلال الأشهر القادمة يواجه أربع تحديات أساسية:

     أولاً: تتعافى الصين ببطء من جائحة كورونا. فبعد نهاية سياسة صفر كوفيد أثرت الأعداد الكبيرة من الإصابات في البداية على النشاط الاقتصادي، وبالرغم من انتهاء تأثير هذه الإصابات إلى حد كبير، الا ان الاقتصاد الصيني يواصل النمو بشكل أضعف من المتوقع.

     ثانياً: الأزمة المستمرة التي يعاني منها قطاع العقارات في الصين، حيث كان القطاع محركًا رئيسيًا للنمو على مدى العقدين الماضيين، وعلى الرغم من التدابير التي اتخذتها الحكومة لضمان عودة الاستقرار لقطاع العقارات لكن من المتوقع أن يشهد القطاع نمواً محدوداً في المستقبل المنظور، حيث وبحسب Pia Hüttl الخبيرة الاقتصادية في المعهد الألماني للأبحاث الاقتصادية (DIW) فإن “مطوري العقارات مثقلون بالديون بشدة لذا فان الاستثمارات في القطاع ما تزال ضعيفة نتيجة لذلك”.

     ثالثًا: يعتبر Klaus-Jürgen Gern من معهد (IfW) انه ربما كانت آمال صناعة التصدير الألمانية مبالغًا فيها، حيث ان نهاية سياسة صفر-كوفيد الصينية ليست حافزًا اقتصاديًا له نفس التأثير في جميع القطاعات الاقتصادية. موضحا انه “خلال فترة كورونا، تم طلب المزيد من السلع في جميع أنحاء العالم من المنتجات الإلكترونية إلى المواد الصحية، بينما تراجع استهلاك الخدمات كثيفة الاتصال على وجه الخصوص.” وبالتالي فإن مرحلة ما بعد كورونا تشهد ارتفاع الطلب على الخدمات بينما يقل الطلب على السلع الصناعية، والتي تمثل الجزء الأكبر من الصادرات الألمانية.

     رابعًا: تراجع الطلب على السلع والبضائع الألمانية في السوق الصيني هو أيضًا نتيجة لاستراتيجية الحكومة في بكين والتي تعمل بشكل متزايد على تشجيع الشركات العاملة في الصين على الاستعانة بالموردين المحليين.

2024-04-25T11:45:14+02:00
اذهب إلى الأعلى