تجري انتخابات البرلمان الاتحادي الألماني (البوندستاج) هذا العام في تاريخ 26 سبتمبر القادم، والتي تشهد تغيرات وتحولات كبيرة على مستوى الشخصيات السياسية المرشحة لمنصب المستشارية (رئيس الحكومة) وكذلك تغيرات أساسية في خريطة توزيع المقاعد وموازين قوة وشعبية مختلف الأحزاب الألمانية، ولعل اهم تحول في هذا السياق هو الإعلان المبكر للمستشارة انجيلا ميركل عدم خوضها الانتخابات القادمة وعدم سعيها للاستمرار في منصب المستشارة والذي تشغله دون انقطاع منذ العام 2005م.

لقد شهدت الساحة السياسية الألمانية خلال فترة حكم المستشارة ميركل الممتدة لـ 16 سنة ( والذي جعلها اكثر المستشارين بقاء في منصبه في ألمانيا ما بعد الحرب العالمية الثانية) تغيرات كبيرة على مختلف المستويات، سواء على مستوى المواضيع التي ركزت الحكومات المتعاقبة برئاسة ميركل عليها، والتي تمثلت في قضايا المناخ وحماية البيئة، (كان اول منصب شغلته ميركل في الحكومة الألمانية هو وزيرة البيئة في بداية التسعينات)، الى اتجاه الحزب الديمقراطي المسيحي الذي كانت تترأسه ميركل والتي حولته من حزب محافظ اقرب الى اليمين الى حزب وسطي بأجندات اجتماعية هي في العادة من مرتكزات احزاب يسار الوسط والأحزاب الاشتراكية، وليس ادل على ذلك من اتهام الحزب الاشتراكي الديمقراطي خلال الانتخابات البرلمانية عام 2013م، ميركل وحزبها «بسرقة برنامجه الانتخابي».

تجربة الائتلاف الحكومي الكبير

شهدت الانتخابات البرلمانية في العام 2017م تراجعاً كبيرا للأحزاب السياسية الكبرى في ألمانيا وصعودا لأحزاب مختلفة في تصويت وصف بانه تصويت عقابي من الناخبين الغير راضيين عن سياسات الأحزاب الحاكمة ولا عن أدائها الحكومي. في هذه الانتخابات خسر الحزب الديمقراطي المسيحي CDU، برئاسة المستشارة انجيلا ميركل، حيث تراجع عدد المؤيدين له من 34,1 في المئة في انتخابات العام 2013م الى 26,8 في المئة في انتخابات 2017م وهو ما يعني تراجع شعبية الحزب بنسبة 7,3 في المئة من اجمالي الناخبين(حصل توئم الحزب في ولاية بافاريا، الحزب المسيحي الاجتماعي CSU على نسبة 6,2 في المئة من مجموع أصوات الناخبين متراجعا هو الاخر عن نسبة 7,4 في المئة التي حققها في انتخابات 2013م)، كذلك كان الحال مع الحزب الاشتراكي الديمقراطي SPD والذي تراجعت نسبة الأصوات التي حصل عليها من 25,7 في المئة في انتخابات 2013م الى 20,5 في المئة فقط في انتخابات 2017م وهي خسارة بنسبة 5,2 في المئة من مجموع الناخبين. في الجهة المقابلة حققت الأحزاب الأصغر تقدما ونتائج افضل بالمقارنة مع الانتخابات الأخيرة حيث استطاع الحزب الديمقراطي الليبرالي FDP العودة الى البرلمان الاتحادي (البوندستاج) بحصوله على 10,7 في المئة من أصوات الناخبين بعد ان كان قد خرج من البرلمان للمرة الأولى في تاريخه في انتخابات 2013م بعد ان عجز عن تجاوز حاجز ال 5 في المئة من مجموع الأصوات اللازم للأحزاب السياسية للدخول الى البرلمان، أيضا ارتفع عدد مؤيدي حزب اليسار DIE LINKE والذي حصل في الانتخابات على 9,2 في المئة من الأصوات بعد ان حصل في انتخابات 2013م على 8,6 في المئة، كما حقق حزب الخضر GRÜNEN نتائج افضل عبر حصوله على نسبة 8,9 في المئة مرتفعا من نسبة 8,5 في المئة التي حققها في الانتخابات الاخيرة. الا ان المفاجأة التي حققها حزب البديل من أجل ألمانيا AFD اليميني بحصوله على نسبة 12,6 في المئة من الأصوات قد أظهرت مدى التغير الذي طرأ على امزجة وتوجهات الناخبين في ألمانيا ودرجة عدم رضاهم عن أداء الحكومة الائتلافية التي ضمت احزاب الاتحاد المسيحي، الذي يضم حزبي الديمقراطي المسيحي والحزب المسيحي الاجتماعي في ولاية بافاريا، والحزب الاشتراكي الديمقراطي خصوصا في جانب سياسة اللجوء التي اتبعتها المستشارة ميركل.

من النتائج الرئيسية لانتخابات العام 2017م اتخاذ الحزب الاشتراكي الديمقراطي قرارا بعدم المشاركة في أي حكومة قادمة والانتقال الى المعارضة، وهو ما دفع بالحزب المسيحي الديمقراطي للبحث عن تحالفات مع أحزاب اصغر وبعد اسابيع من المباحثات مع كل من حزب الخضر والحزب الديمقراطي الليبرالي قام الأخير بإعلان قطع مباحثات تشكيل الائتلاف الحاكم وإعلان عدم مشاركته في الحكومة وبالتالي وضع الأحزاب الأخرى في مواجهة احتمالين: اما اقناع الحزب الاشتراكي بالقبول بالدخول في حكومة ائتلافية مع أحزاب الاتحاد المسيحي او الذهاب الى انتخابات نيابية جديدة. وهنا تدخل الرئيس الألماني فرانك فالتر-شتاينماير (الذي ينتمي الى الحزب الاشتراكي الديمقراطي) ليطالب الأحزاب بتحمل مسؤوليتها. بعد ذلك قبل الحزب الاشتراكي بالدخول في حكومة ائتلافية مع أحزاب الاتحاد المسيحي.

وعلى الرغم من الأداء الجيد للاقتصاد الألماني خلال فترة تولي الائتلاف الحكومي الكبير، خصوصا في السنوات 2018 و2019م، حظي اداء الحكومة الائتلافية خلال السنوات الماضية بانتقادات متزايدة خصوصا في مجالات حماية البيئة والرقمنة وتطوير البنية التحتية من طرق ومدارس، وخلال ازمة كورونا كان الرضى الشعبي واضحا عن الأداء الحكومي في مواجهة الموجة الأولى من جائحة كورونا قبل ان تتزايد الانتقادات مع الموجة الثانية والثالثة والتي تركزت على بطء عملية التطعيم والاغلاق المتكرر للعديد من القطاعات الاقتصادية وكذلك البيروقراطية الشديدة في حصول الشركات على المساعدات التي اقرتها الحكومة، وهو ما أدى الى تراجع شعبية أحزاب الائتلاف الحكومي وتصاعد شعبية الأحزاب المعارضة وخصوصا حزب الخضر.

اهم الأحزاب السياسية وبرامجها للانتخابات

كان التنافس التقليدي في ألمانيا يتم بين اكبر حزبين وهما الحزب الديمقراطي المسيحي والحزب الاشتراكي الديمقراطي وكان هذا التنافس يتم على مستوى الولايات الفيدرالية وكذلك وبدرجة أكثر وضوحاً على المستوى الاتحادي، الا ان التغيرات الاجتماعية والثقافية التي شهدتها ألمانيا خلال العقود الماضية دفعت الى صعود قوى جديدة وتقوية مراكز وشعبية أحزاب قائمة، فبينما ظهر حزب من اجل ألمانيا المعادي للمهاجرين والمعادي لفكرة الاتحاد الأوروبي نتيجة المخاوف التي اثارتها موجة اللاجئين التي شهدتها المانيا خلال العام 2015م والاعوام التي بعده، شهد حزب الخضر المتبني لمبدأ حماية البيئة والمناخ تزايدا كبيرا في شعبيته مع تزايد الوعي البيئي في المجتمع. هذا الصعود للأحزاب الأصغر في المانيا اتي على حساب الحزبين الكبيرين CDUو SPD حيث تراجعت شعبية الحزبين بشكل كبير خصوصا على المستوى الاتحادي حيث تراجع تحالف الاتحاد المسيحي الى ما دون نسبة 30 في المئة من مجموع الناخبين فيما شهدت شعبية الحزب الاشتراكي الديمقراطي تراجعا أكبر ليسقط الحزب تحت حاجز نسبة 20 في المئة من الناخبين.

قبل ثلاثة أشهر من الانتخابات العامة ووفق اخر استطلاع للراي فان شعبية الأحزاب الألمانية قبيل الانتخابات القادمة في 26 سبتمبر تأخذ الشكل التالي: الاتحاد المسيحي الذي يضم حزبي CDUو CSU 29 في المئة من الناخبين في تحسن ملحوظ عن نتائج استطلاعات الراي قبل شهر واحد والتي كانت تمنحه 23 في المئة فقط من أصوات الناخبين. الحزب الاشتراكي الديموقراطي SPD، الشريك الحالي في الحكومة الاتحادية، سوف يحصل فقط على 15 في المئة من أصوات الناخبين وهو ما يمثل تراجعا كبيرا لأعرق الأحزاب الألمانية والذي تجعله في المركز الثالث كأكبر حزب في المانيا متخليا عن المركز الثاني لحزب الخضر والذي يُتوقع ان يحصل على نسبه 21 في المئة من أصوات الناخبين والذي كان أيضا قبل عدة أسابيع قد سجل في استطلاعات الراي نسبة 28 في المئة متقدما حتى على الاتحاد المسيحي. الحزب الديمقراطي الليبرالي حصل في اخر استطلاعات الراي على نسبة 13 في المئة من الأصوات مزاحما بذلك الحزب الاشتراكي على المركز الثالث، اما حزب البديل من اجل ألمانيا فقد حصل على نسبة 9 في المئة في استطلاعات الراي وهو ما يمثل تراجعا عن نتائج اخر انتخابات بأكثر من 3 نقاط مئوية، كذلك الامر مع حزب اليسار والذي سجل في الاستطلاعات نسبة 6 في المئة متراجعا هو أيضا بنحو 3 نقاط مئوية عن نتائجه في اخر انتخابات برلمانية.

ويتمحور التنافس بين الثلاث الأحزاب الاولى، الاتحاد المسيحي، حزب الخضر والحزب الاشتراكي الديمقراطي والتي من المؤكد ان واحد منها أو أكثر سيشكل وسيشارك في الحكومة الألمانية القادمة.

البرنامج الانتخابي للاتحاد المسيحي (تحالف حزبي CDUو CSU)، مرشحة لمنصب المستشارية ارمين لاشيت، مواليد 18 فبراير 1961م، رئيس الحزب الديمقراطي المسيحي، رئيس وزراء حكومة ولاية شمال الراين- وستفاليا: مع الدعوات المتزايدة من سياسيين وأحزاب مختلفة الى فرض مزيد من الضرائب سواء على شريحة الأثرياء او حتى زيادة الضرائب على البنزين أكد برنامج الاتحاد، وفي اتجاه معاكس لهذه الدعوات، على عدم فرض ضرائب جديدة سواء فرض ضريبة الثروة او زيادة ضريبة الميراث، بل وعد بتقديم إعفاءات وتسهيلات ضريبية لأصحاب الدخل الضعيف والمتوسط، كذلك إعفاءات ضريبية للشركات، وتشير التقديرات الى ان تكلف هذه التخفيضات الميزانية الاتحادية نحو 30 مليار يورو سنوياً. كما يعد البرنامج بعدم اضافة ديون جديدة للحكومة الاتحادية والعودة الى سياسية الصفر الأسود وكبح الديون الحكومية. في قضية الإسكان والتي تواجه ألمانيا نقص كبيرا في المساكن الشخصية يتضمن البرنامج الانتخابي خططاً لبناء 1,5 مليون ونص شقة حتى العام 2025م، كما يسعي الحزب الى تقديم حوافز ضريبية، خاصة لتجديد المباني والشقق، كما يرى ان على الولايات الفيدرالية منح إعفاء من ضريبة نقل الملكية لأول عملية شراء لمساحة معيشة ذاتية الاستخدام. اما في حماية المناخ والتي أصبحت أحد القضايا المركزية في الانتخابات يعد برنامج الاتحاد المسيحي بالتزام المانيا بالوصول الى الحياد المناخي بحلول العام 2045م والعمل على التقليل من انبعاثات الغازات الضارة سواء الناتجة عن انتاج الكهرباء او الناتجة عن المواصلات والنقل مع عدم تحميل المستهلكين الأعباء المالية بشكل مباشر.

في السياسة الخارجية يعلن البرنامج الانتخابي انه يسعى لجعل ألمانيا «تساهم بفعالية في إدارة الأزمات الدولية وتشكيل النظام العالمي» في إطار الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي والأمم المتحدة والمنظمات الأخرى. كما يعارض الحزب دخول تركيا الى الاتحاد الأوروبي للحفاظ على ما سماه بالتماسك الداخلي، ويرى البرنامج أيضا ان على المانيا مواجهة النفوذ الصيني وفي نفس الوقت يجب السعي إلى التعاون الوثيق مع الصين في إطار المنافسة العادلة.

البرنامج الانتخابي للحزب الاشتراكي الديمقراطي SPD، مرشحة لمنصب المستشارية اولاف شولتز، مواليد 14 يونيو 1958م، نائب المستشارة ووزير المالية في الحكومة الاتحادية الحالية: يدعو برنامج الحزب لإصلاح النظام الضريبي بحيث يتم تخفيف الأعباء الضريبة على الشرائح الأقل دخلا بينما تتحمل الشرائح الأعلى دخلا مسؤوليات أكثر، يقترح البرنامج زيادة بنسبة 3 في المئة على ضريبة الدخل على الشرائح الأكثر ثراءً، أيضا يسعى الحزب الى تحديد الحد الأدنى للأجور في ألمانيا عند 12 يورو في الساعة، كما يشدد البرنامج على ضرورة محاربة التهرب الضريبي، كما يسعى الحزب الى الاستفادة من تعليق العمل بمكابح الدين لضخ مزيد من الاستثمارات في الاقتصاد خصوصا بعد ازمة كورونا.

في مجال حماية البيئة ومن أجل «مواجهة تغير المناخ، والاستخدام المفرط للمواد الخام»، ينص برنامج الحزب على انه بحلول عام 2045 على أبعد تقدير، ستكون ألمانيا محايدة مناخيا ومعتمدة بشكل أساسي على طاقة الرياح والشمس مدعومة باقتصاد الهيدروجين النظيف. ويرى الحزب دعم الشركات الرائدة في مجال المناخ وتعزيز مكانة ألمانيا كمصدر للتقنيات الصديقة للبيئة. في مجال رقمنة الاقتصاد يهدف برنامج الحزب بالوصول بألمانيا في مجال رقمنة الصناعة والاقتصاد الى المستوى العالمي بحلول العام 2030م.

في قضية الإسكان يعد برنامج الحزب ببناء 100 ألف مسكن للإسكان الاجتماعي المخصص لذوي الدخل المحدود سنوياً. اما في السياسة الخارجية فيؤكد الحزب على تقوية أوروبا بشكل أساسي حتى «نتمكن من العيش في عالم متعدد الأقطاب»، والحفاظ على «استقلالنا وطريقة حياتنا في المستقبل». مؤكداً على ضرورة وجود اتحاد أوروبي متضامن وذو سيادة، بحيث تكون ألمانيا في وضع يسمح لها المساهمة في تشكيل عالم الغد والاقتراب من «رؤيتنا لمستقبل ديمقراطي وعادل ومستدام».

البرنامج الانتخابي لحزب الخضر، مرشحة لمنصب المستشارية انالينا بيربوك، مواليد 15 ديسمبر 1980م، رئيسة الحزب، عضو البرلمان الألماني (البوندستاج) منذ عام 2013م: بطبيعة الحال يركز برنامج الحزب على حماية المناخ ويربط هذه القضية بالاقتصاد ويعد بخلق ازدهار اقتصادي صديقًا للمناخ، على ان يكون أيضا عادلا اجتماعيا ويخلق وظائف آمنة، ويركز البرنامج على برنامج استثماري بقيمة 50 مليار يورو سنويا في التحول الاجتماعي والبيئي. في جانب آخر يرى برنامج الحزب ضرورة فرض ضرائب على الشرائح الاغنى والاعلى دخلا في المانيا ويسعي الى فرض ضريبة على الثروات، كما يطالب بفرض ضريبة إضافية على وقود البنزين من اجل تمويل برامج حماية البيئة، في نفس الوقت يعد الحزب بعدم تحميل المواطنين تكاليف سياسة التحول في الطاقة ويعد بإلغاء الضرائب التي تفرض في هذا الجانب على استهلاك الكهرباء، في نفس الإطار يعد الحزب بإقرار حد أدنى للأجور في المانيا بقيمة 12 يورو للساعة.

كما ينص برنامج الحزب على ضرورة ان تصل الاستثمارات ونفقات البحث العلمي في ألمانيا، سواء تلك التي تتحملها الدولة او تلك التي تدفعها الشركات، الى نسبة 3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي وذلك بحلول العام 2025م.

في السياسة الخارجية والى جانب التعاون الدولي في مجال حماية البيئة يطالب برنامج الحزب بسياسة جوار أوروبية نشطة، بحيث يتحمل الاتحاد الأوروبي المزيد من المسؤولية، خاصة في جواره المباشر. كما يدعم الحزب سياسة توسيع الاتحاد الأوروبي باتجاه دول البلقان ودول اوروبا الشرقية. اما بالنسبة للعلاقة مع الصين فيرى الحزب الصين كمنافس لأوروبا وخصمها المنهجي وأيضا في نفس الوقت شريكا تجاريا مهما، ويطالب برنامج الحزب الصين بوضع حد لانتهاكاتها الصارخة لحقوق الإنسان. كما يجب ألا يكون التعاون مع الصين على حساب دول ثالثة أو حقوق الإنسان والحقوق المدنية.