أظهرت نتائج الانتخابات البرلمانية في ألمانيا والتي جرت في 26 سبتمبر تقدم الحزب الاشتراكي الديمقراطي SPD واحتلاله المركز الأول بعد حصوله على نسبة 25.7 في المئة من أصوات الناخبين وبزيادة بنحو 5.2 في المئة مقارنة باخر انتخابات نيابية في العام 2017م، بينما تعرض الاتحاد المسيحي والذي يضم الحزب الديمقراطي المسيحي CDU والحزب الاجتماعي المسيحي CSU في ولاية بافاريا الى اكبر خسارة منذ الحرب العالمية الثانية حيث حصل تحالف الحزبين على نسبة 24.1 في المئة من الأصوات ليحتل المركز الثاني في قائمة أكبر الأحزاب الألمانية الممثلة في البرلمان (البوندستاج). من جهته استطاع حزب الخضر Grüen ان يحقق تقدما كبيرا عبر حصوله على 14.8 في المئة من الأصوات بزيادة بنحو 5.9 في المئة عن أخر انتخابات، وان كانت استطلاعات الرأي قد توقعت للحزب الحصول على نسبة أكبر من الأصوات، وبالرغم من ذلك حقق الحزب أفضل نتيجة في تاريخه واحتل المركز الثالث.  الحزب الديمقراطي الحر FDPحقق هو الاخر تقدما، وان كان طفيفا، بالمقارنة مع الانتخابات السابقة حيث حصل على 11.5 في المئة من الأصوات بزيادة 0.8 في المئة. وتعرض حزب البديل من اجل ألمانيا AFDالى تراجع في شعبيته حيث خسر 2,3 في المئة من الأصوات وحصل على نسبة 10,3 في المئة من أصوات الناخبين. اما حزب اليسار LINKE فقد شهد تراجعا كبيرا في شعبيته حيث خسر ما يقرب من 4.3 في المئة من أصوات الناخبين وحصل فقط على نسبة 4.9 في المئة وعلى الرغم من عدم تجاوز الحزب حاجز الخمسة في المئة اللازم لدخول البرلمان الا ان فوز ثلاثة مرشحين للحزب عبر الاقتراع المباشر قد مكن الحزب من دخول البرلمان.

     ووفقا لهذه النتائج تنشأ ثلاث احتمالات لتكوين ائتلاف حكومي: الأول ويتمثل في تحالف الحزب الاشتراكي الديمقراطي وحزب الخضر والحزب الديمقراطي الحر، وهذا الخيار يفضله حزب الخضر، الاحتمال الثاني يتمثل في ائتلاف حكومي يضم الاتحاد المسيحي مع حزبي الخضر والديمقراطي الحر، اذ على الرغم من حصول الاتحاد المسيحي على المركز الثاني في الانتخابات  الا ان مرشحة لمنصب المستشارية ارمين لاشيت اعلن استعداده لإجراء مباحثات مع الحزبين لتشكيل حكومة معتبرا انه لا يوجد مانع من ذلك باعتبار ان الأهم في نتائج الانتخابات ليس من حصل على المركز الأول ولكن من من الأحزاب يستطيع تشكيل ائتلاف يحظى بالأغلبية في البرلمان، وهذا الخيار يفضله الحزب الديمقراطي الحر، اما اخر الاحتمالات فهو ما يسمى بالائتلاف الكبير والذي يضم الحزبين الكبيرين، الحزب الاشتراكي الديمقراطي والاتحاد المسيحي وهنا يفترض ان يكون هذا الائتلاف بقيادة اولاف شولتز مرشح الحزب الاشتراكي، وعلى الرغم من صعوبة حدوث هذا الائتلاف الا انه يبقى احد الاحتمالات الممكن حدوثها.

     ويبقى العامل الأكثر حسما في تشكيل الائتلاف الحكومي القادم في ألمانيا هو مدى قدرة الأحزاب على التوفيق بين برامجها الانتخابية ومرونتها في تقديم تنازلات لتشكيل الحكومة. وتتمثل اهم المواضيع التي كانت محور البرامج الانتخابية في حماية البيئة والرقمنة وتحسين البنية التحتية من تعليم وصحة بالإضافة الى السياسة الضريبية وقضايا رفع الحد الأدنى للأجور وإصلاح نظام التقاعد. وبينما تتفق اغلب الأحزاب في أهمية قضايا حماية البيئة والرقمنة وتحسين التعليم، وان اختلفت في طرق وأساليب معالجة هذه القضايا، يبقى الخلاف الرئيسي حول السياسة الضريبية اذ يؤيد الحزب الاشتراكي وحزب الخضر رفع الضرائب على الشرائح الأعلى دخلا وفرض ضرائب جديدة عليها مثل ضريبة الثروات، فيما يعارض الحزب الديمقراطي الحر والاتحاد المسيحي بشدة رفع الضرائب بل يسعون الى خفضها، كما يعارض الحزبان رفع الحد الأدنى للأجور وإصلاح نظام التقاعد وهاتين القضيتان تمثلان قضايا مركزية خصوصا للحزب الاشتراكي الديمقراطي وأيضا لحزب الخضر. ويبقى التساؤل حول ما هو المدى الذي قد تمضي اليه هذه الأحزاب في التنازل عن النقاط الأساسية التي تقدمت بها الى الناخبين من اجل تشكيل الحكومة القادمة وماهي الخطوط الحمر التي لن تستطيع تجاوزها. وإذا ما كانت الإجابة على هذا التساؤل غير واضحة الان تماماً يبقى الامر الأكثر وضوحا ان تشكيل الائتلاف الحكومي لن يكون يسيرا ولن يكون أيضا سريعاً، وان الأحزاب الصغيرة (الخضر والليبراليين) سيكون لهم القول الفصل في تحديد هوية الائتلاف القادم والمستشار القادم لألمانيا، وقد بدأ الحزبان التواصل للنظر في إمكانية الانخراط في التحالف والتوافق حول الأولويات التي وضعاها ضمن برامجهما الانتخابية، وذلك على غير المعتاد، حيث كانت الأحزاب الشعبية الكبيرة (الاتحاد المسيحي والاشتراكي الديمقراطي) عند فوزها بالانتخابات بنتائج تتجاوز 30 في المئة من أصوات الناخبين توجه الدعوة الى الأحزاب الصغيرة للتباحث حول تشكيل الحكومة، الا ان تراجع شعبية هذه الأحزاب الكبيرة ونتائج انتخابات 2021م لم تعد تعطيها حق التمثيل الشعبي الواسع.

الاقتصاد الألماني: نقص المواد الخام والمنتجات الوسيطة يتسبب في تباطؤ الاقتصاد

     تراجع مناخ الاعمال في الاقتصاد الألماني مرة أخرى. حيث انخفض مؤشر IFO لمناخ الأعمال إلى 98.8 نقطة في سبتمبر، بعد ان كان عند مستوى 99.6 نقطة في أغسطس وهذا هو الانخفاض الثالث على التوالي. اذ كانت الشركات أقل رضا عن وضع أعمالها الحالي. كما أنها أكثر تشككًا بشأن الأشهر المقبلة. ويعود هذا التراجع بدرجة رئيسية الى الاختناقات في تسليم المواد الخام والمنتجات الوسيطة خصوصا في قطاع الصناعة والذي ادى بدوره الي تباطؤ الاقتصاد الألماني.

     في قطاع الصناعة، انخفض مؤشر مناخ الأعمال بشكل كبير، اذ تراجع من مستوى 24.2 نقطه في شهر اغسطس الي مستوي 20 نقطة في سبتمبر، حيث قيمت الشركات العاملة في القطاع وضعها الحالي بشكل أقل تفاؤلاً وبشكل ملحوظ. كما تراجع التفاؤل بمستقبل الاعمال خلال الاشهر القادمة على الرغم من مستوى الطلبات المرتفع بسبب نقص اشباه الموصلات.

      في قطاع الخدمات، تحسن مناخ الأعمال من مستوى 17.8 نقطة في اغسطس الي 19.1 نقطة في سبتمبر، وكان هذا التحسن بسبب التوقعات الأكثر ثقة من الشركات لمستوى الاعمال في الاشهر القادمة. ومع ذلك، فقد قيمت الشركات الوضع الحالي للأعمال بأنه أقل تفاؤلاً إلى حد ما. في صناعة الضيافة والسياحة، عادت درجة معينة من الثقة بعد الشكوك الكبيرة في الشهر السابق. لكن في مجال الخدمات اللوجستية، تراجع التفاؤل بمستقبل الاعمال في الاشهر القادمة متأثراً ايضا بتوقعات الاعمال المتشائمة في قطاع الصناعة.

     في قطاع التجارة، ظل المؤشر دون تغيير تقريبًا، حيث سجل في شهر سبتمبر مستوى 8.9 نقطة في حين كان عند مستوى 9 نقاط في شهر اغسطس. اذ كان التجار أكثر رضاً إلى حد ما عن وضعهم الحالي، فيما زاد عدم الثقة إلى حد ما فيما يتعلق بالأشهر القادمة. أبلغت الغالبية العظمى من شركات القطاع عن مشاكل في تسليم البضائع.

     في صناعة البناء، تحسن مناخ الأعمال بشكل ملحوظ من مستوى 8.1 نقطة الي مستوى 10.9 نقطة في سبتمبر، وهو اعلى تقييم للشركات لمستوى الاعمال الحالي منذ مارس 2020م. كما ساد التفاؤل بين شركات القطاع فيما يتعلق بالتوقعات للأعمال في الفترة القادمة.

في غضون ذلك أشار تقرير لمعهد ifo عن الاقتصاد الألماني خلال فصل الخريف الى ان اقتصاد ألمانيا يشهد حاليا اتجاهين متعاكسين في النمو فبينما يتعافى قطاع الخدمات بقوة من ازمة كورونا، خصوصا في القطاعات كثيفة الاتصال مع الجماهير، يتقلص الانتاج في قطاع الصناعة نتيجة اختناقات تسليم المنتجات الصناعية الوسيطة المهمة. ويتوقع تقرير معهد ifo أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي الالماني بنسبة 2.5 في المئة العام 2021م وبنسبة 5.1 في المئة في العام المقبل 2022م. وبشكل عام يتعافى الاقتصاد الألماني بشكل متزايد. حيث ارتفع الناتج المحلي الاجمالي في ألمانيا في الربع الثاني بنسبة 1.6 في المئة وبالتالي كان قادرًا على تعويض جزء كبير من الركود الاقتصادي الذي حدث في بداية العام. قبل كل شيء، ساهمت عدة قطاعات خدمية في التعافي، مستفيدة من انهاء الاغلاقات التدريجية في أوائل الصيف وزيادة مبيعاتها مرة أخرى.

      في اتجاه مغاير تراجع انتاج قطاع الصناعة بنسبة 1.3 في المئة خلال الربع الثاني من العام الحالي بعد ان كان قد تراجع خلال الربع الاول بنسبة 0.8 في المئة، على الرغم من أن الطلبات الواردة ارتفعت بشكل مستمر تقريبًا وأن مستوى الطلبات ما يزال مرتفعا، إلا أن اختناقات التسليم للمنتجات الصناعية الوسيطة الهامة حالت دون توسع الإنتاج. وتعد هذه الاختناقات نتيجة مباشرة لأزمة كورونا. فمنذ تفشي الجائحة، كان هناك تحول عالمي في الاستهلاك بعيدًا عن الخدمات ونحو السلع، وهناك مجموعات معينة من السلع، مثل السلع الاستهلاكية المعمرة والمواد الإلكترونية والمنتجات الطبية الخاصة. هذه الزيادة المفاجئة في الطلب دفعت بسرعة العديد من الشركات المصنعة للمنتجات الأولية اللازمة لإنتاج هذه السلع إلى أقصى حدود طاقتها. بالإضافة إلى ذلك، واجهت سلاسل التوريد العالمية تحديات لوجستية هائلة نتيجة للتغير الكبير في تدفق السلع.

     في سياق متصل خفض المعهد الألماني للأبحاث الاقتصادية (DIW) بشكل كبير توقعاته الاقتصادية لهذا العام بسبب ركود الإنتاج في قطاع الصناعة. حث يتوقع باحثو المعهد أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 2.1 في المئة فقط هذا العام، بعد ان كانت توقعات المعهد في يونيو تشير الى زيادة بنسبة 3.2 في المئة. كما أكد خبراء المعهد ان “الاقتصاد الألماني يشق طريقه ببطء للخروج من الجائحة”، كما يتوقعون ان اختناقات العرض العالمي في المواد الخام والمنتجات الوسيطة ستضرب الصناعة المحلية بشدة، والذي سيؤدي الى تراجع الإنتاج المحلي على الرغم من ارتفاع الطلب، كما يتوقع المعهد ان قطاع الخدمات سيتراجع مرة أخرى بسبب زيادة أعداد الإصابات بفيروس كورونا. ورفع DIW من توقعات نمو الاقتصاد الالماني العام 2022م، من نسبة 4.3 في المئة إلى 4.9 في المئة، كما يتوقع المعهد أنه “إذا تم حل أزمة الإمداد ونقص اشباه الموصلات في العام المقبل، فإن الصناعة ستستعيد النمو بقوة”، مما يمكن معه ان يصل الاقتصاد الى مستوى ما قبل الازمة بحلول نهاية عام 2022م. علاوة على ذلك يتوقع معهد DIW ان يصل متوسط معدل التضخم خلال العام الحالي الى 3 في المئة بسبب ارتفاع أسعار النفط والعودة إلى مستوى ضريبة القيمة المضافة العادية، وهذا المعدل هو الأعلى منذ عام 1993م.

     ووفقًا لمعهد هاله للأبحاث الاقتصادية IWH، سينمو الاقتصاد الألماني بشكل أبطأ بكثير هذا العام مما كان متوقعًا في السابق بسبب اختناقات الإنتاج في الصناعة، اذ من المرجح أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 2.2 في المئة فقط في عام 2021م، بينما كان توقعات المعهد في شهر يونيو الماضي تشير الي نمو اقتصادي بنسبة 3.9 في المئة. وأوضح أوليفر هولتمولر، نائب رئيس المعهد: “بالنسبة لعام   2022م، هناك احتمالات جيدة لعودة الاقتصاد إلى طبيعته، أيضًا لأن الوضع في أسواق العمل يتحسن باطراد”. ومع ذلك، فقد خفض المعهد من توقعات النمو للعام المقبل من 4 إلى 3.6 في المئة.

من جهته يتوقع معهد الاقتصاد الكلي ودورة الأعمال (IMK) المرتبط بالنقابات العمالية، عقبات كبيرة لقطاع الصناعة. صحيح أن اختناقات التسليم كأثر جانبي لإعادة بدء نمو الاقتصاد العالمي بعد أزمة كورونا في 2020م، هي في الأساس مشكلة مؤقتة، لكن لا يزال من الممكن أن يكون للاختناقات تأثير على الإنتاج الصناعي في النصف الأول من عام 2022م.  وأكد الباحثون في المعهد على أن المخاطر تنشأ من حقيقة أن “الصناعة التحويلية الألمانية تشارك بشكل خاص في سلاسل الإنتاج الدولية وبالتالي تتأثر بشكل خاص بالاضطرابات الحالية في سلاسل الإنتاج”، وذلك في ضوء نقص أشباه الموصلات والعديد من المنتجات الوسيطة الأخرى التي يستخدمها بكثافة قطاع صناعة السيارات، اهم قطاع صناعي في المانيا.  علاوة على ذلك، لا يمكن استبعاد أن الطفرات الجديدة في فيروس كورونا يمكن أن تجعل تدابير الاحتواء ضرورية والتي من شأنها أيضًا تأخير عملية التعافي الاقتصادي مرة أخرى.

التجارة الخارجية تعود الى مستوى ما قبل الازمة

     ارتفعت الصادرات الألمانية خلال النصف الأول من عام 2021م الى مستوى ما قبل اندلاع أزمة كورونا. ويؤكد الخبراء الاقتصاديون ان زيادة الصادرات الألمانية سوف تستمر، على الرغم ان اختناقات تسليم المواد الخام والسلع الوسطية وعمليات الإغلاق هي مخاطر يصعب حسابها. وكان الاقتصاد الألماني قد شهد في العام 2020م، ثاني أكبر تراجع له منذ الحرب العالمية الثانية، حيث فقط في عام 2009م، تراجع الناتج المحلي الإجمالي بشكل أكبر في أعقاب الأزمة المالية.

     وسجلت الصادرات الألمانية خلال النصف الاول من العام الحالي زيادة بنحو 16,7 في المئة عن نفس الفترة من العام الماضي وبقيمة اجمالية 673 مليار يورو، وبلغ الفائض التجاري الذي حققته ألمانيا خلال النصف الأول من العام 2021م، نحو 96,6 مليار يورو. وكانت الصادرات في شهر يونيو 2021م قد سجلت ارتفاعا بنسبة 1,3 في المئة مقارنة بالشهر السابق، وذلك للشهر الرابع عشر على التوالي، وبنسبة 23,6 في المئة مقارنة بنفس الشهر من العام 2020م، متجاوزة بهذا المبلغ مستوى ما قبل الأزمة للمرة الأولى. وبلغ اجمالي قيمة الصادرات خلال شهر يونيو 2021م، نحو 118,7 مليار يورو، كما ارتفعت الواردات بنسبة 0,6 في المئة مقارنة بشهر مايو الماضي وبنسبة 27 في المئة مقارنة بنفس الشهر من العام الماضي، وبلغت قيمتها 102,4 مليار يورو، كما بلغ الفائض التجاري لألمانيا خلال شهر يونيو 2021م، حوالي 16,3 مليار يورو.

         وقد نمت الصادرات خلال شهر يونيو 2021م إلى أهم شريك اقتصادي لألمانيا خارج الاتحاد الاوروبي، الولايات المتحدة، بنسبة 40 في المئة تقريبًا لتصل إلى 10.3 مليار يورو، وذلك مقارنة بشهر يونيو 2020م، وارتفعت الصادرات إلى بريطانيا بنسبة 11 في المئة لتصل إلى 5.5 مليار يورو، والصادرات إلى الصين بنسبة 16 في المئة لتصل إلى 9.5 مليار يورو. كما زادت الصادرات الى دول الاتحاد الأوروبي في شهر يونيو من العام الحالي بنسبة 26.1 في المئة لتصل إلى 64.5 مليار يورو، وذلك مقارنة بنفس الشهر من العام 2020م.  ورفع اتحاد غرف التجارة والصناعة الألمانية (DIHK) مؤخرًا توقعاته للصادرات الألمانية لإجمالي العام 2021م بسبب الانتعاش الاقتصادي العالمي والانتعاش الاقتصادي في الولايات المتحدة والصين، حيث من المرجح أن ترتفع صادرات الشركات الألمانية بنسبة 8 في المئة في عام 2021م مقارنة بالعام الذي سبق.

   وقد بلغ حجم التبادل التجاري العربي الألماني خلال الفترة من يناير إلى يونيو عام 2021م ما قيمته 19,2 مليار يورو، مسجلاً ارتفاعا بنسبة 10,59 في المئة مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي 2020م، حيث ارتفعت قيمة الصادرات الألمانية الى الدول العربية خلال هذه الفترة بنسبة 3,46  في المئة لتصل قيمتها الى 13,7 مليار يورو، كما ارتفعت قيمة الواردات الألمانية من الدول العربية بنسبة 34,12  في المئة ووصلت قيمتها إلى 5,4 مليار يورو، وتصدّرت دولة الإمارات العربية المتحدة قائمة مستوردي السلع الألمانية بين الدول العربية (3285,41 مليون يورو)، تليها المملكة العربية السعودية (2757,85 مليون يورو)، فجمهورية مصر العربية (1891,91 مليون يورو)، في حين تصدّرت دولة ليبيا قائمة الدول العربية المصدّرة إلى ألمانيا (1185,36 مليون يورو).

سوق العمل: استمرار تراجع البطالة واقل من مليون شخص مسجلين في الدوام المختصر

     استمر الوضع في سوق العمل الألماني في التحسن على الرغم من العطلة الصيفية واستمرار اثار ازمة كورونا. ووفقًا لوكالة العمل الاتحادي (BA)، انخفض عدد العاطلين عن العمل في شهر أغسطس بنحو 12 ألف شخص ليبلغ مجموع العاطلين عن العمل 2.58 مليون شخص. كما يمثل هذا العدد اقل بحوالي 377 ألف شخص بالمقارنة بشهر اغسطس من العام 2020م. وبهذا الرقم ايضا ظل معدل البطالة دون تغيير عند 5.6 في المئة.

      وقال رئيس مكتب العمل الاتحادي، ديتليف شيل: “ان سوق العمل استمر في التعافي”. واستمرت البطالة في الانخفاض بشكل كبير، على الرغم من موسم العطلة الصيفية. اذ عادة ما ترتفع معدلات البطالة في أغسطس حيث توظف الشركات عددا أقل من الناس كما تنتهي ايضا برامج التدريب المهني قبل العطلة الصيفية. لكن آثار التعافي من كورونا استمرت حتى خلال الصيف، اذ بعد الإغلاق الذي استمر لأشهر بدأت العديد من الصناعات تبحث بشكل متزايد عن العمال مرة أخرى. وبحسب مكتب العمل الاتحادي، انخفض عدد العاطلين عن العمل في اغسطس لأول مرة منذ عام 2010م. من جهته قال وزير العمل الاتحادي هوبرتوس هيل، إن “تأثير أزمة كورونا على سوق العمل آخذ في التناقص، حتى لو كان لا يزال مرئيًا”. وفقًا لتقديرات وكالة العمل الاتحادية، لا يزال مستوى البطالة أعلى بمقدار 261 ألف شخص عما كان يمكن أن يكون لولا جائحة. فيما اعتبر شيل إن تأثير كورونا على سوق العمل لن يكون ملحوظًا في نهاية عام 2023م على أقرب تقدير.

       في سياق متصل، انخفض عدد الأشخاص المسجلين في برنامج الدوام المختصر إلى أقل من مليون شخص، نتيجة الانتعاش الاقتصادي في المانيا.  وهذا يعني أن المستوى أقل بكثير مما كان عليه في بداية أزمة كورونا. فبحسب المسح الشهري للأعمال بين الشركات الالمانية وعلى اساس بيانات وكالة العمل الاتحادية أعلن معهد Ifo انخفاض عدد الأشخاص المسجلين في برنامج العمل بدوام مختصر من 1.06 مليون إلى 688 ألف شخص في أغسطس. ويمثل هذا الرقم نسبة اثنين في المئة من اجمالي عمل الموظفين، بعد ان كانت هذه النسبة تبلغ 3 في المئة في شهر يوليو.  وقال ستيفان سوير الخبير في معهد IFO “ان التراجع في عدد المسجلين في برنامج الدوام المختصر قد حدث في جميع فروع الاقتصاد تقريبا في أغسطس” بحيث ان “عدد العاملين بدوام مختصر أصبحوا أقل من مليون لأول مرة منذ بداية أزمة كورونا”.

      وتتأثر القطاعات الاقتصادية بشكل مختلف بالبرنامج حيث يتأثر قطاع الضيافة بشكل خاص، اذ يقدر الخبراء العاملين في القطاع المسجلين في إطار البرنامج بنسبة 10 في المئة وهو ما يساوي حوالي 100 ألف شخص تقريبا، وقد انخفض هذا الرقم في اغسطس بشكل كبير بالمقارنة مع الشهر الذي سبق والذي بلغت نسبة العاملين المسجلين في البرنامج حوالي 15 في المئة. وفي قطاع الصناعة، يبدو أن اختناقات تسليم المنتجات الأولية لم يكن لها تأثير ملحوظ على العمالة في القطاع، حيث انخفضت نسبة المسجلين في برنامج الدوام المختصر من نسبة 4 في المئة الى اقل من ثلاثة في المئة. وكان عدد المسجلين في برنامج الدوام المختصر بعد وقت قصير من بدء الجائحة، قد وصل إلى أكثر من ستة ملايين في أبريل من العام الماضي. في ذلك الوقت زاد عدد العمال المسجلين في البرنامج الحكومي بنحو خمسة عشر ضعفًا في غضون ثلاثة أشهر.

نقص العمالة الماهرة في السوق الألماني 

    يشكل توافر القدر اللازم من العمال المهرة في اي اقتصاد ضمانة لدعم الابتكار والقدرة التنافسية والنمو والتوظيف والازدهار وجودة الحياة. ويعد تأمين حاجة الاقتصاد ومختلف القطاعات الصناعية والخدمية من العمال المهرة أحد التحديات الكبرى التي تواجه العديد من الدول. وهو التحدي الذي تواجهه ألمانيا بالفعل منذ عدة سنوات، والتي تعاني من نقص في العمالة الماهرة الذي يتوقع ان يزداد أيضا خلال السنوات القادمة كما يتوقع رئيس وكالة العمل الاتحادي الذي حذر من ان ألمانيا سوف تحتاج الى نحو 400 ألف عامل ماهر سنويا لضمان استمرار النمو في الاقتصاد.

العامل الرئيسي الذي سيكون له تأثير حاسم على النقص في العمالة الماهرة في المستقبل، هو التغير الديموغرافي وتقدم المجتمع الالماني في السن. حيث تؤدي الشيخوخة إلى زيادة النقص في العمال المهرة وزيادة الأعباء على صناديق التأمينات الاجتماعية. وفقًا للتوقعات الحالية، سينخفض ​​عدد السكان في سن العمل، (أي الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 20 وما دون 65 عامًا)، بمقدار 3.9 مليون شخص إلى 45.9 مليون بحلول عام 2030م. كما تذهب التوقعات الى انه سيكون هناك 10.2 مليون شخص أقل في سن العمل في عام 2060م مقارنة بعدد السكان القادرين على العمل في الوقت الحاضر.

     وتشير تقارير حكومية أن النمو الاقتصادي في السنوات الأخيرة في ألمانيا كان مدعومًا بشكل أساسي بالهجرة الداخلية في الاتحاد الأوروبي حيث جذبت ألمانيا العديد من المتخصصين والعمال المهرة من العديد من دول الاتحاد الأوروبي خصوصا تلك التي تواجه أزمات اقتصادية مثل اليونان وإيطاليا واسبانيا او من دول شرق أوروبا حيث الأجور المتدنية. ومع ذلك، فإن هذه الهجرة حاليًا لن تكون كافية للتعويض عن الانخفاض في القوى العاملة المحتمل بسبب التغيير الديموغرافي وما يفرضه من مخاطر تراجع النمو الاقتصادي، اذ تظهر العديد من الدراسات أن الناتج الاقتصادي سيتراجع في حالة لم يتوفر العدد الكافي من العمال المهرة. وبحسب تقديرات وزارة الاقتصاد الاتحادية فان ما يقرب من 352 مهنه من بين 801 مهنه في ألمانيا تواجه حالياً نقصا في العمالة الماهرة كما ان 55 في المئة من الشركات في ألمانيا ترى بالفعل نقص العمال المهرة على أنه خطر على اعمالها المستقبلية.

     غالبًا ما يكون هناك نقص في العمال المهرة الحاصلين على تدريب مهني مؤهل في المجالات المتعلقة بالطب والرعاية الصحية بما في ذلك الصناعات الدوائية الي جانب الحرفيين والفنيين في مختلف التخصصات، ولكن هناك أيضًا حاجة ملحة للعاملين الحاصلين على تعليم عالٍ أو درجة علمية، قبل كل شيء في تخصصات MINT، (يشير الاختصار MINT إلى الرياضيات والهندسة والعلوم الطبيعية والتكنولوجيا). وهي المؤهلات التي لها أهمية كبيرة ليس فقط في الإنتاج الصناعي، ولكن هذه المهارات الأساسية مطلوبة للاقتصاد بأكمله، اذ ان هناك طلب كبير على متخصصي MINT أيضًا في الإدارة والعلوم، بالإضافة الى ان هناك نقص متزايد في المهن الخدمية في قطاعات السياحة والفندقة والمطاعم الي جانب نقص العمالة الماهرة في قطاع النقل والدعم اللوجستي.

     خلال ازمة كورونا تراجع النقص في العمالة الماهرة نسبيا لعوامل تتعلق بالأزمة، حيث توقفت العديد من الشركات في البداية عن التوظيف عند بداية جائحة كورونا في ألمانيا في مارس 2020م، واضطرت إلى تسجيل موظفيها في برنامج الدوام المختصر، وفي بعض الحالات اضطرت حتى الى تسريح الموظفين. وانخفضت الوظائف الشاغرة بينما ارتفع عدد العاطلين عن العمل. ونتيجة لذلك، انخفض النقص في العمال المهرة بشكل سريع في البداية من 347 ألف عامل ماهر في فبراير 2020م، إلى النصف تقريبًا بحلول يونيو 2020 ليصل إلى 181 ألف عامل ماهر (وهو ما يمثل تراجعا بنسبة -48 في المئة). ومع ذلك، ازدادت فجوة العمالة الماهرة مرة أخرى وذلك بسبب عودة النشاط الاقتصادي وتخفيف اجراءات الاغلاق والتي ادت الي ارتفاع النقص في العمالة الماهرة مرة اخرى وحتى بنسبة أكبر مما كانت قبل الجائحة حيث سجل عدد العمالة الماهرة الناقصة في شهر مايو 2021م ارتفاعا بنسبة 101 في المئة مقارنة بمستوى ما قبل الازمة.

     وتعمل الحكومة الاتحادية على مواجهة تحدي نقص العمالة الماهرة بعدة طرق من اهمها: اولا زيادة المشاركة في القوى العاملة المحلية وإدماج النساء وكبار السن بشكل أكبر في الحياة العملية. ثانيا تعزيز هجرة العمال المهرة من الخارج، ولهذا الغرض اقرت ألمانيا قانون جديدا للهجرة يسعي لتشجيع المتخصصين والعمال المؤهلين للقدوم والعمل في ألمانيا عبر تسهيل اجراءات الحصول على تأشيرة الدخول وكذلك معادلة المؤهلات والشهادات الاجنبية، الى جانب ذلك تعمل الحكومة على استخدام إمكانات اللاجئين من خلال دمجهم على وجه التحديد في سوق العمل. بالإضافة إلى ذلك، تدعم الحكومة الاتحادية الشركات في استخدام والاستفادة من مزايا القوى العاملة المتنوعة، والتي تتكون من أشخاص من مختلف الجنسين والأعمار والأصول وتشمل أيضًا الأشخاص ذوي الإعاقة.

تعافي صناعة السيارات العالمية والألمانية خلال النصف الأول من العام 2021م

     تشهد صناعة السيارات في العالم وفي ألمانيا خلال العام 2021م تعافيا من اثار ازمة كورونا وكذلك من تراجع مبيعات السيارات التي كانت بدأت في العام 2019م. حيث اشارت دراسة لشركة EY للاستشارات ان شركات صناعة السيارات في جميع أنحاء العالم، ستكون أكثر ربحية في مجمل عام 2021م مما كانت عليه قبل أزمة كورونا.  حيث بلغ إجمالي أرباح جميع الشركات المصنعة 71.4 مليار يورو في النصف الأول من العام 2021م، وهو ما يمثل زيادة كبيرة بنسبة 32 في المئة عن نفس الفترة من العام القياسي لأرباح شركات صناعة السيارات 2016م، وبعد ان سجلت الصناعة في النصف الأول من عام 2020م، خسارة إجمالية قدرها 4.1 مليار يورو يظهر ان صناعة السيارات تجاوزت أزمة عام 2020م، والتي عانت فيها الصناعة بشكل عام من خسارة، عندما أغلقت وكالات السيارات والمصانع بسبب الأزمة وكذلك بسبب نقص الرقائق. الا ان الانتعاش في النصف الأول من هذا العام أصبح أكثر وضوحًا، حتى لو لم تصل المبيعات بعد إلى مستوى ما قبل الأزمة. وبشكل عام، باع المصنعون في جميع مناطق العالم، سواء في الصين، الولايات المتحدة الأمريكية، اليابان وأوروبا، المزيد من السيارات الجديدة حيث تم تسجيل حوالي 33.5 مليون سيارة جديدة في جميع أنحاء العالم في النصف الأول من العام الحالي، أي أكثر من العام السابق بنسبة 27 في المئة، ولكن أقل بنسبة 11 في المئة مما كانت عليه في النصف الأول من عام 2019م.

     وعلى الرغم من كل الازمات، يؤكد Peter Fuß، الشريك في EY، ان النصف الأول من العام 2021م كان قويًا بشكل استثنائي لشركات السيارات الكبرى، والتي حققت هامش ارباح بمتوسط ​​8.8 في المئة، مما يعني ان هامش الأرباح قبل الفوائد والضرائب أعلى مما كان عليه قبل أزمة كورونا وحتى وصل الى أعلى مستوى له منذ عام 2004م، تاريخ بدء مؤسسة EY في نشر تقييمها لصناعة السيارات العالمية لأول مرة.  وقد أتت أكثر الشركات ربحية من ألمانيا حيث بلغ هامش ربح شركة BMW 14.5في المئة وDaimler بهامش ربح 12.9 في المئة.

     ويعود ارتفاع هامش الربح لشركات صناعة السيارات الى ان العديد منها خفضت تكاليفها بشكل كبير خلال أزمة كورونا، كما ان تأثير نقص الرقائق الالكترونية ادي الى ارتفاع هامش الربح بسبب ان الشركات رفعت حاليًا أسعار سياراتها لتحصل على هوامش ربح عالية كما انها لم تعد تقدم خصومات كبيرة للعملاء ومشتري السيارات. كما أن التحول إلى التنقل الكهربائي وتطوير وصناعة المزيد من السيارات الكهربائية كان له تأثير أقل بكثير على هامش الربح مما كان متوقعًا. اذ لم يظهر حتى الان تراجع في الأرباح نتيجة صناعة السيارات الكهربائية التي من المفترض ان يكون هامش أرباح مبيعاتها منخفضاً.

تتصدر شركات صناعة السيارات الألمانية القائمة العالمية لأعلى شركات صناعة السيارات ايراداً وارباحاً، حيث بلغت إيرادات صناعة السيارات الألمانية خلال النصف الأول من العام 2021م 269.5 مليار يورو وهو ما يمثل زيادة بنسبة 43 في المئة مقارنة بنفس الفترة من العام 2012م (اقل من عشر سنوات) والذي بلغت فيها ايراداتها 188.8 مليار يورو. وبهذا تأتي الشركات الألمانية في المركز الأول عالميا قبل صناعة السيارات اليابانية والتي حققت إيرادات 245.7 مليار يورو والشركات الامريكية التي حققت 126 مليار يورو خلال النصف الأول من العام الحالي. كما ارتفع هامش الربح للشركات الألمانية أيضا خلال فترة العشر سنوات حيث بلغت أرباح الشركات المصنعة للسيارات في النصف الأول من العام الحالي أكثر من 30 مليار يورو وبزيادة بنسبة 97 في المئة مقارنة بأرباح نفس الفترة من العام 2012م والتي بلغت 15.5 مليار يورو. وفي هذا المجال أيضا تحتل الشركات الألمانية المركز الأول عالميا قبل شركات صناعة السيارات اليابانية التي حققت أرباحا بلغت 18.3 مليار يورو والشركات الامريكية التي حققت في نفس الفترة أرباحاً في النصف الأول العام 2021م، بحوالي 10 مليار يورو.

     وأشارت الدراسة التي أجرتها شركة الاستشارات المالية PwC، الى ان مصنعو السيارات في ألمانيا حققوا تقدما في مجال صناعة السيارات الكهربائية، حيث ان كل سادس سيارة كهربائية في جميع أنحاء العالم تأتي الآن من مصنع ألماني. وتزداد حصة الشركات الألمانية باستمرار من السوق العالمي للسيارات الكهربائية على الرغم من هيمنة المصنعين من الولايات المتحدة الأمريكية والصين. فقد باعت مجموعة فولكس فاجن وبي إم دبليو ومرسيدس بنز ما مجموعه 246 ألف سيارة كهربائية تعمل بالبطارية وحوالي 370 ألف سيارة كهربائية تعمل بمحرك هجين خلال الأشهر الستة الأولى من العام 2021م.

الانتهاء من خط الانابيب الروسي لألمانيا Nord Stream 2   

     بعد تسوية الخلاف الأمريكي الألماني حول خط انابيب نقل الغاز الروسي الى ألمانيا بعد زيارة المستشارة انجيلا ميركل الى الولايات المتحدة ولقائها الرئيس جون بايدن، أعلنت شركة غازبروم الروسية للغاز عن انتهاء العمل في خط أنابيب نقل الغاز من روسيا الى ألمانيا المعروف باسم Nord Stream 2، وهو الخط الذي كان مثار للجدل على مدى سنوات داخل الاتحاد الأوربي وداخل ألمانيا ومثل أحد نقاط الخلاف مع الولايات المتحدة الامريكية والتي كانت قد فرضت عقوبات على بعض الشركات المساهمة في المشروع قبل ان تقوم بتجميدها في شهر يوليو الماضي. ومن المتوقع أن تبدأ شركة غازبروم في نقل الغاز إلى ألمانيا في أكتوبر القادم.

     وعلى الرغم من انتهاء الخلاف والصعوبات امام الانتهاء من بناء خط الانابيب الا ان هنالك خلافاً بدأ حول تشغيل الانبوب والشروط اللازمة لنقل الغاز من روسيا الى ألمانيا ومنها الي بقية دول الاتحاد الأوروبي. حيث يأمل معارضو خط الأنابيب بعرقلة تشغيل المشروع وإخضاع الشركة الروسية لمتطلبات أكثر صرامة للدخول الى سوق الغاز الأوروبي، وذلك من خلال وجود حكومة ألمانية جديدة بعد الانتخابات النيابية التي جرت في 26 سبتمبر الحالي والتي ربما يكون لها موقف مغاير من المشروع ومن شروط تشغيله، الى جانب ذلك يراهن معارضو المشروع أيضا على الدعوى القضائية التي رفعتها جمعية Deutsche Umwelthilfe والتي طلبت فيها “سحب رخصة البناء والتشغيل” للمشروع، بالإضافة الى المتطلبات التنظيمية الصارمة للمفوضية الأوروبية لتشغيل الانبوب.

     يضاف الى ذلك الاحكام والقواعد التي تحكم سوق الغاز الأوروبي والتي تطبق على خطوط الأنابيب التي تنقل الغاز من دول ثالثة إلى الاتحاد الأوروبي والتي تم وسيتم بناؤها بعد عام 2019م، وتنص اللائحة على الفصل، والذي يعني أنه يجب فصل منتجي الغاز الطبيعي عن مشغلي خطوط الأنابيب وان لا تحتكر شركة واحدة انتاج الغاز ونقله الى الاتحاد، كما يجب وفقا لهذه اللائحة ان يكون بإمكان شركة ثالثة او منتج اخر للغاز استخدام خط الانابيب ايضاً.

     من جهتها لا تظهر شركة الطاقة الروسية غازبروم، المالكة لخط الأنابيب وللشركة المشغلة له (نورد ستريم 2 إيه جي)، قلقاً كبيراً من هذه الجهود لمعارضي المشروع حيث أكد رئيس مجلس إدارة الشركة أليكسي ميلر، “قبل نهاية العام، خلال موسم التدفئة، سنكون قادرين على إيصال الغاز إلى أوروبا عبر خط أنابيب نورد ستريم 2 “.  ويعود ذلك الى الاستعدادات التي اتخذتها موسكو لتقرير النزاع حول تشغيل الأنابيب لصالحها. اذ حذر الخبراء من أن شركة غازبروم تقلص بالفعل إمدادات الغاز إلى أوروبا منذ عدة اسابيع.  الى جانب ان الشركة الروسية المملوكة للدولة حجزت أربعة في المئة فقط من سعة خط انابيب الغاز الذي يصل الى اوروبا عبر أوكرانيا لشهر سبتمبر. هذا الى جانب ان أسعار الغاز في أوروبا ارتفعت بشكل حاد بالفعل، حيث يشير خبراء سوق الغاز إلى أنه بعد انخفاض الطلب على الغاز في ربيع 2020م بسبب جائحة كورونا، كان هناك نمو قوي في الطلب في أكبر الأسواق الأوروبية هذا العام.

     ويشهد سوق الغاز والطاقة العالمي تصاعداً في الطلب كما هو الحال مع الغاز الروسي فقد استوردت الصين غازًا إضافيًا بنسبة 25 في المئة في الأشهر الخمسة الأولى من عام 2021 مقارنة بالعام السابق. كما ساهم الشتاء الماضي القاس نسبيا، في تواتر عملية ملء صهاريج التخزين في جميع أنحاء العالم خلال الربيع والصيف من العام الحالي، وهذه العملية لا تزال مستمرة. كما أعلنت روسيا مشاكل في الإنتاج، وهو الامر الذي ربما كان مصطنعاً وغير حقيقي كما يخشى بعض الخبراء.  وبالرغم من كل هذه الأسباب فإن منتقدي خط أنابيب نورد ستريم 2 لا يقبلون هذا التفسير في ارتفاع أسعار الطلب وقلة المعروض منه في الأسواق ولديهم قناعة بأن حالة السوق المتوترة هي نتيجة حسابات استراتيجية من قبل الحكومة الروسية.  ويؤكد الخبراء بأنه “لا شك في أن غازبروم تستخدم نورد ستريم 2 لزيادة نصيبها من سوق الغاز الأوروبي”. وان هناك شيء واحد مؤكد هو ان موسكو تريد إثارة المخاوف من اختناقات العرض من أجل ثني الأوروبيين عن وضع المزيد من العقبات في طريق خط الأنابيب.