أظهرت التوقعات والتقارير الصادرة عن العديد من الخبراء ومعاهد الأبحاث الاقتصادية تحسن في مؤشرات الاقتصاد في ألمانيا وعلامات على تجاوزه ذروة ازمة كورونا، اذ بحسب معهد الأبحاث الاقتصادية في جامعة ميونخ ifo تحسن مناخ الاعمال في مختلف القطاعات الاقتصادية كما اظهر مديرو نحو 9 الاف شركة من مختلف القطاعات الاقتصادية، والذين يتم استبيان آرائهم شهريا، تفاؤلاً بمستقبل الاعمال خلال الستة الأشهر القادمة، حيث ارتفع مؤشر Ifo لمناخ الأعمال إلى 86,2 نقطة في شهر يونيو بعد ان كان قد وصل الى مستوى 79,7 نقطة في شهر مايو الماضي. ويعد هذا أكبر زيادة شهرية تسجل في تاريخ المؤشر في دلالة على ان الشركات تقيم الوضع الحالي لأعمالها بشكل أفضل. علاوة على توقعاتها الإيجابية عن مستوى الاعمال خلال الستة الأشهر القادمة.
وقد ارتفع مؤشر مناخ الأعمال بشكل ملحوظ في قطاع الصناعة ويرجع ذلك إلى تحسن كبير في توقعات الشركات الصناعية، كما ارتفع ايضاً مقياس توقعات الصادرات للصناعة من سالب -26.7 نقطة في شهر مايو إلى سالب – 2.3 نقطة في شهر يونيو وفقا لمسح أجراه المعهد مع 2300 شركة. وتعد هذه أقوى زيادة في توقعات الصادرات يتم تسجيلها خلال شهر. وعلق مدير المعهد Clemens Fuest على ذلك بالقول “الصناعة الألمانية تشق طريقها للخروج من القبو”.
اما في قطاع الخدمات فقد استمر الاتجاه التصاعدي في تقييم وضع الاعمال لشهر يونيو بشكل إيجابي كما انخفض التشاؤم بشكل ملحوظ بخصوص الوضع التي ستكون علية الاعمال خلال الأشهر الستة القادمة. كذلك ارتفع مؤشر مناخ الأعمال مرة أخرى بشكل ملحوظ في قطاع التجارة الداخلية في شهر يونيو مقارنة بالشهر السابق الا ان التوقعات بتطور الاعمال خلال الشهور القادمة ما تزال غير مطمئنة. كما تحسن مناخ الأعمال في قطاع البناء بسبب التوقعات الإيجابية لتطور الاعمال، كما صنفت شركات البناء وضع الاعمال في الوقت الحالي بشكل أفضل إلى حد ما مقارنة بالشهر السابق.
وضمن التأثيرات الإيجابية لتخفيف إجراءات العزل حققت إيرادات قطاع الأعمال في ألمانيا (والذي يشمل مجالات الصناعة والبناء وكذلك التجارة والخدمات) نموا في شهر مايو بواقع 3,3 في المئة مقارنة بالشهر الذي سبق وذلك بعد ان سجلت إيرادات هذا القطاع تراجعا لشهرين متتالين حيث انخفضت الإيرادات في شهر ابريل بنسبة 10,8 في المئة وفي شهر مارس بنسبة 7,5 في المئة.
في غضون ذلك ما تزال تقديرات صندوق النقد الدولي متحفظة فيما يخص الخروج من الازمة والانكماش الاقتصادي في جميع دول العالم، معتبرا ان الازمة اعمق مما تبدوا وتختلف عن الازمة المالية العالمية في العام 2009م حيث لا وجود في الازمة الحالية لدولة قادرة على قيادة النمو الاقتصادي في العالم، وتذهب تقديرات الصندوق الى ان الاقتصاد العالمي سينكمش خلال هذا العام بواقع 4,9 في المئة بينما سينكمش الاقتصاد في ألمانيا بواقع 7,8 في المئة وفي منطقة اليورو بواقع 10,2 في المئة، وستتجاوز نسبة انكماش اقتصاديات فرنسا وإيطاليا واسبانيا 12 في المئة. كما سيتراجع الاقتصاد الأمريكي بواقع 8 في المئة.
من جانب آخر أصدر حكماء الاقتصاد في ألمانيا ” Wirtschaftsweisen “ يوم 23 يونيو تقريراً حول حالة الاقتصاد في ألمانيا توقعوا فيه تراجع الناتج المحلي الإجمالي للعام 2020م بنسبة 6,5 في المئة، وقال Lars Feld رئيس مجلس الحكماء “من المتوقع أن تتسبب جائحة كورونا في أكبر ركود في الاقتصاد الألماني منذ تأسيس ألمانيا الاتحادية عقب الحرب العالمية الثانية”. مضيفاً “ومع ذلك، فإننا نتوقع أن يبدأ انتعاش الاقتصاد في الصيف.” وبحسب التقرير سينخفض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 6,5 في المئة هذا العام وسيسجل نمواً في العام 2021م بواقع 4,9 في المئة، وهو ما يعني أن الناتج المحلي الإجمالي لن يعود إلى المستوى الذي كان علية قبل ازمة كورونا سوى في عام 2022م على أقرب تقدير. كما يتوقع الخبراء في مجلس الحكماء ان ترتفع نسبة الدين العام بالنسبة للناتج المحلي الإجمالي من 60 في المئة في الوقت الحالي الى ما يزيد عن 75 في المئة في العام 2021م. ويأتي هذا الارتفاع المتوقع للدين العام في ضوء سعي الحكومة الألمانية الى جمع مبلغ قياسي بقيمة 218,5 مليار يورو من الديون الإضافية هذا العام، وذلك للمرة الأولي منذ العام 2013م، وذلك لتمويل برامج المساعدات الحكومية وبرنامج التحفيز الاقتصادي، حيث اقر الائتلاف الحاكم في بداية شهر يونيو برنامجاً اضافياً للتحفيز الاقتصادي يهدف الى تجاوز اثار ازمة كورونا السلبية على الاقتصاد، ويتضمن البرنامج الذي تبلغ قيمته 130 مليار يورو العديد من الإجراءات التي تهدف الى دفع عجلة الاقتصاد واستعادة النمو. ومن اهم هذه الإجراءات إقرار تخفيض مؤقت لضريبة القيمة المضافة للفترة من 1 يوليو إلى 31 ديسمبر 2020م بهدف تعزيز الاستهلاك المحلي. حيث سيتم تخفيض معدل ضريبة القيمة المضافة من 19 في المئة إلى 16 في المئة ومن 7 في المئة إلى 5 في المئة على السلع الغذائية. وسيكلف هذا التخفيض خزينة الدولة نحو 20 مليار يورو.
وتم الاتفاق على دعم العائلات بمبلغ 300 يورو لكل طفل ولمرة واحدة خاضع للضرائب، وتقدر تكلفة هذا الدعم بحوالي 4,3 مليار يورو. كما سيتم توجيه مليار يورو إضافي لتمويل اعمال التحويلات والنظافة والتعقيم وكذلك للإنشاءات الجديدة لمراكز الرعاية النهارية والحضانات.
كما قرر الائتلاف الحكومي رفع “المكافأة البيئية” الحالية التي تقدم من الحكومة الاتحادية لدعم مبيعات السيارات الكهربائية التي يقل سعرها الإجمالي عن 40 ألف يورو من 3 ألف يورو الى 6 ألف يورو وذلك حتى نهاية العام 2021م، مع استثناء السيارات العاملة بوقود البنزين والديزل منخفضة الانبعاثات من “مكافأة شراء السيارات الجديدة” باعتبار ان مبيعات هذا النوع من السيارات سوف تستفيد من خفض ضريبة القيمة المضافة. كما ستقوم الحكومة باستثمار 2,5 مليار يورو إضافية في توسيع شبكة محطات واعمدة شحن السيارات الكهربائية وتعزيز البحث والتطوير في مجال إنتاج خلايا بطاريات محركات السيارات الكهربائية. كما ستطلق الحكومة “برنامج دعم” لصناعة السيارات خلال عامي 2020-2021م بقيمة 2 مليار يورو لتجاوز الصعوبات والتحولات التي تواجهها في مجال صناعة المحركات البديلة والتغيير الرقمي.
بالإضافة الى ذلك سيتم إعفاء المواطنين والشركات من ارتفاع تكاليف الكهرباء عبر تخفيض رسوم دعم محطات الطاقة الخضراء بداية من عام 2021م وستبلغ كلفة ذلك على الميزانية الاتحادية حوالي 11 مليار يورو. وفي مجال النقل ستدعم الحكومة الاتحادية شركة السكك الحديدية Deutsche Bahn المملوكة للدولة بحوالي 5 مليار يورو بالإضافة الى 2,5 مليار يورو كدعم لشركات النقل العام الداخلي.
ويتضمن برنامج التحفيز الاقتصادي مبلغ 6 مليار يورو ستقدم من الحكومة الاتحادية لدعم ميزانيات البلديات والتي تعرضت لخسائر كبيرة بعد التراجع الكبير لعائداتها من الضرائب نتيجة إيقاف النشاط الاقتصادي اثناء ازمة كورونا (الذي يتوقع ان تبلغ 11,8 مليار يورو)، وذلك من اجل ضمان قدرة البلديات على مواصلة العمل، وهو الامر الهام لصناعة البناء والحرف الماهرة. بالإضافة الى ذلك ستتحمل الحكومة الاتحادية ثلاثة أرباع تكاليف الإيجار والتدفئة للمستفيدين من برنامج المساعدات الاجتماعي Hartz IV (بعد ان كانت تتحمل اقل من نصف هذه التكاليف) وهو ما سيوفر للبلديات حوالي 4 مليارات يورو.
وتضمن خطط التحفيز الاقتصادي برنامج ” مساعدات التجسير” “Überbrückungshilfen”، بقيمة 25 مليار يورو كحد اقصى. ويهدف البرنامج لمنع افلاس الشركات الصغيرة والمتوسطة في القطاعات الاقتصادية الأكثر تضررا من ازمة كورونا والتي انهارت عائداتها بنسبة تفوق 60 في المئة خلال شهري ابريل ومايو من هذا العام مقارنة بنفس الفترة من العام 2019م مثل الفنادق والمطاعم التجارية والنوادي ووكالات السفر وصالات العرض. ويغطى هذا البرنامج المدة ما بين شهر يونيو وشهر أغسطس والذي يشمل المساعدة في تغطية التكاليف الثابتة والغير ممكن تعويضها لكل شركة او مؤسسة وبحد أقصى يصل الى 150 ألف يورو. كما تم التخطيط لبرنامج للتخفيف من آثار ازمة كورونا في القطاع الثقافي بمبلغ مليار يورو.
ومن المقرر أيضا تقديم إعفاءات ضريبية للشركات. ويمتد هذا إلى ما يسمى الخسارة الضريبية المرحلة، والتي تعني قدرة الشركات تعويض الخسائر الحالية المتعلقة بالأزمة بأرباح من العام السابق عبر تأجيل او الاعفاء من دفع ضرائب الأرباح عن العام السابق. وهو الامر الذي من شأنه تعزيز السيولة وتمكين الشركات من الاستثمار بشكل أكبر. كما أعلن الائتلاف الحاكم عن الاتجاه لتحديث قانون ضريبة الشركات.
سوق العمل في ألمانيا: ارتفاع معدل البطالة الى 6,1 في المئة
أوقفت ازمة كورونا مسيرة النمو المتواصل الذي حققه سوق العمل في ألمانيا لأكثر من عشر سنوات اذ عاودت البطالة للارتفاع منذ شهر أبريل الماضي. ووفقا لتقرير مكتب العمل الاتحادي ارتفعت البطالة في شهر أبريل بواقع 308 ألف شخص وارتفعت مرة أخرى في شهر مايو بواقع 169 ألف شخص ليصل اجمالي عدد العاطلين عن العمل الى 2,813 مليون شخص وهو ما يمثل زيادة بحوالي 577 ألف شخص مقارنة بنفس الشهر من العام السابق، وليصل معدل البطالة الى 6,1 في المئة، بزيادة 1,2 في المئة مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي.
وبحسب تقرير حكماء الاقتصاد الألماني عن المؤشرات المتوقعة للاقتصاد خلال العام 2020م، فمن المتوقع أن يكون متوسط عدد العاطلين المسجلين في العام 2020م أقل بقليل من 2,72 مليون شخص بعد ان كان هذا المتوسط يبلغ 2,27 مليون شخص في العام السابق. وهو ما يمثل زيادة بحوالي نصف مليون شخص. كما يتوقع حكماء الاقتصاد ان لا يتم استعادة معدل البطالة الى المستوى الذي كان علية قبل ازمة كورونا بشكل سريع، حتى مع التعافي المتوقع للاقتصاد خلال النصف الثاني من هذا العام وخلال العام القادم 2021م.
وفي نفس السياق تراجع الطلب على العمالة في سوق العمل وسجل المؤشر الخاص بالتوظيف تراجعا بثلاث نقاط ليصل الى 91 نقطة في شهر مايو والذي يمثل مستوى اقل بنحو 38 نقطة من قيمة المؤشر في شهر مايو من العام 2019م. وسجل الطلب على العمالة المؤقتة والعمالة في قطاع الصناعات التحويلية تراجعا بنسبة الثلث مقارنة بالعام الماضي، كما تراجع الطلب على العمالة في قطاع الضيافة بنسبة 42 في المئة، وقطاع النقل والخدمات اللوجستية بنحو الثلث مقارنة بالعام السابق. وكان للبطالة ان تكون أكبر الا ان ألمانيا ونظامها القائم على اقتصاد السوق الاجتماعي والذي يعتمد نظام “تعويضات العمل بدوام مختصر” وهو النظام الذي يسمح للشركات بطلب تعويضات من الدولة عن الأجور لموظفيها، منع ذلك. وقد بلغ عدد المسجلين في هذا النظام منذ بداية الأزمة وحتى نهاية شهر مايو نحو 10,1 مليون موظف وعامل، منهم 7,3 مليون عامل تم استيعابهم في النظام خلال شهر مايو فقط، وذلك بحسب تقرير لمعهد الأبحاث الاقتصادية التابع لجامعة ميونخ Ifo.
وفيما يتعلق بتصنيف القطاعات الاقتصادية المختلفة انخفض عدد العاملين في القطاع الصناعي في ألمانيا في شهر ابريل بنسبة 1,8 في المئة مقارنة بنفس الشهر من العام 2019م. حيث كان هناك في نهاية شهر أبريل 2020م ما يقرب من 5,6 مليون شخص يعملون في شركات التصنيع التي تضم 50 موظفًا أو أكثر، وفقًا للنتائج الأولية الصادرة عن مكتب الإحصاء الاتحادي (Destatis)، ويمثل هذا العدد اقل بمقدار 105 ألف موظف وعامل عن نفس الفترة من العام السبق.
وتفاوت انخفاض عدد العاملين بين القطاعات الصناعية المختلفة حيث تراجع عدد العاملين في صناعة المنتجات البلاستيكية والمطاطية بنسبة -4,2 في المئة. وانخفضت العمالة أيضًا في قطاع صناعة المعادن ومعالجتها بنسبة -3,6 في المئة. وفي صناعة المعدات الكهربائية وصناعة المنتجات المعدنية تراجع عدد العاملين بنسبة -3 في المئة لكل منها، وفي صناعة المعدات والآلات انخفض عدد العاملين بنسبة -2,8 في المئة.
استراتيجية الهيدروجين الألمانية
تسعى الحكومة الألمانية للوصول الى هدف استخدام مختلف أنواع الطاقة بكفاءة وبدون وجود اية انبعاثات للغازات الضارة للبيئة تماما والمحدد له العام 2050م والتي من خطواته التخلي التام عن الطاقة النووية نهاية العام 2022م والتخلي عن الفحم كمصدر للطاقة العام 2035م، وكذلك استبدال محرك الاحتراق الذاتي في السيارات بمحركات كهربائية، بالإضافة الى تعزيز انتاج الطاقة عبر مصادر متجددة، وفي هذا الإطار يظهر الهيدروجين الأخضر كأحد وأحدث هذه المصادر التي يمكن الاعتماد عليها. والهيدروجين (الرمز الكيميائي H) عنصر متوافر بكثرة في الطبيعة فهو احد العنصرين المكونين للماء (الرمز الكيميائي H2O) لا انه عمليًا يأتي في شكل مقيد وغير صالح للاستخدام كمصدر للطاقة ، وللحصول على الهيدروجين بمفردة يجب استخدام طاقة كافية لإنتاجه، ومن هنا تتضح الفكرة الرئيسية وراء هذه التقنية، حيث يتم استخدام الطاقة المتجددة سواء كانت طاقة الرياح او الطاقة الشمسية لإنتاج الهيدروجين ومن ثم اما تخزينه او ضخه مباشرة في شبكة توزيع الغاز الطبيعي ومن ثم إعادة استخدامه كوقود في مختلف الأغراض سواء في الصناعة او كوقود للسيارات او في التدفئة او حتى تشغيل محطات توليد الكهرباء لإنتاج الطاقة الكهربائية. ويتميز الهيدروجين الأخضر انه لا تصاحب عملية إنتاجه أي انبعاثات للغازات المضرة بالبيئة.
وقد أقرت الحكومة الألمانية يوم 10 يونيو 2020م “استراتيجية الهيدروجين ” وذلك بهدف ان تصبح الدولة الأولى في تقنية الهيدروجين في العالم والاستفادة من مميزاته كطاقة نظيفة ومتوافرة. وفي هذا الجانب تقوم استراتيجية الحكومة على توليد طاقة عبر تقنية الهيدروجين بما يساوي 5 جيجاوات من الكهرباء حتى العام 2030م، ترتفع لتصبح 10 جيجاوات من الكهرباء حتى العام 2040م كحد اقصى (وهو ما يساوي انتاج عشرة مفاعلات نووية من الطاقة الكهربائية)، مع اعفاء الطاقة المولدة من ضريبة البيئة. كما تهدف الاستراتيجية استخدام الهدروجين كوقود لصناعتين رئيسيتين هما صناعة الصلب والصناعات الكيميائية هذا بالإضافة الى استخدام الهيدروجين كوقود للطائرات وذلك لخفض انبعاثات الغازات الضارة. كما تشمل الاستراتيجية تخصيص 310 مليون يورو للأبحاث في مجال تقنية الهيدروجين حتى العام 2023م. وتخصيص 7 مليار يورو لبناء وتطوير محطات انتاج الهيدروجين وتطوير التقنيات الخاصة بها بالإضافة الى 2 مليار يورو للاستثمار في التعاون الدولي في هذا المجال. والذي تضع ألمانيا قيمة كبيرة عليه، حيث بدأ هذا التعاون بشكل مبكر من خلال مشاركة شركة سيمنز الألمانية لتقنيات الطاقة ضمن إطار مشروع أوروبي مشترك يقوم على تحالف من الشركات الأوروبية يضم الى جانب شركة سيمنز شركات Engie Solutions, Centrax، Arttic بالإضافة الى مركز الفضاء الألماني (DLR) وأربع جامعات أوروبية وبتمويل من الاتحاد الأوربي بهدف تطوير تقنية تحويل الهيدروجين الى طاقة كهربائية وحرارية. وقد أطلق على المشروع تسمية (HYFLEXPOWER)، ويقع مقر المشروع في أحد المناطق الصناعية في فرنسا.
ويعتمد المشروع، الذي انطلق في الأول من شهر مايو ويستمر لمدة أربع سنوات، على اثبات أن الهيدروجين المنتج عبر الطاقة المتجددة مناسب كطريقة مرنة لتخزين الطاقة. إذ يعتبر تخزين الطاقة المتجددة الفائضة أحد التحديات الكبرى في سياسة التحول في الطاقة. وعلى هذا الأساس يقوم المشاركون في المشروع بتطوير تقنيات جديدة يمكن استخدامها طوال دورة الطاقة، حيث سيتم استخدام محطة لتخزين فائض الكهرباء المنتجة عبر الطاقة المتجددة في شكل الهيدروجين الأخضر، الذي يعد العنصر الأكثر شيوعًا في الكون، على ان يتم في أوقات ارتفاع الطلب على الكهرباء استخدام الهيدروجين المخزن لتوليد الطاقة الكهربائية وتغذيتها في شبكات توزيع الطاقة.
وقد نجحت شركة سيمنز في تطوير أحد نماذج التوربينات التي تصنعها لإنتاج الطاقة الكهربائية عبر الغاز من طراز (SGT-400) ليصبح قادراً على تحويل الهيدروجين المخزن الى طاقة كهربائية وحرارية. وسيصبح بالإمكان عبر هذه التوربينات انتاج الطاقة بنسبة 100 في المئة بدون حصول انبعاثات من غاز ثاني أكسيد الكربون الضار بالبيئة وذلك للمرة الأولى في العالم.
وفي إطار التعاون الدولي في مجال تطوير تقنية الهيدروجين الأخضر وقعت ووزارة التعاون الاقتصادي والتنمية الألمانية مع وزارة الطاقة والتعدين والبيئة المغربية اتفاقية تهدف إلى تطوير قطاع إنتاج الهيدروجين الأخضر وإقامة مشاريع بحثية واستثمارية حول استخدام هذا المصدر لتوليد الطاقة الصديقة للبيئة. وتتضمن الاتفاقية مشروع بناء مصنع لإنتاج الهيدروجين الأخضر الذي اقترحته وكالة الطاقة الشمسية المغربية (MASEN)والذي سيكون اول محطة لإنتاج الهيدروجين في افريقيا، ومن المقرر أن يمول بنك التنمية KfW المشروع بقيمة تتجاوز 300 مليون يورو. بالإضافة الى التعاون في مجال الأبحاث ونقل المعرفة وبناء المهارات بالمشاركة مع معهد البحوث في الطاقة الشمسية والطاقة الجديدة المغربي (IRESEN).
رئاسة ألمانيا للاتحاد الأوروبي
تتولى ألمانيا بداية من الأول من شهر يونيو ولمدة ستة أشهر الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي خلفا لكرواتيا. وتعني رئاسة المانيا للاتحاد ترأس المستشارة انجيلا ميركل لمجلس الاتحاد وكذلك ترأس الوزراء المتخصصين في ألمانيا اجتماعات لجان المجلس المختلفة. إن رئاسة مجلس الاتحاد الأوروبي تعني الكثير من المسؤولية للدولة المعنية، حيث تنُظم رئاسة المجلس وترأس جميع اجتماعات المجلس وتقدم مبادرات لتطوير عمل الاتحاد. وخلال نصف عام يمكن ان تتجاوز هذه الاجتماعات 1500 اجتماع. وبالإضافة إلى هذه الاجتماعات الوزارية هناك حوالي 200 مجموعة عمل ولجنة خاصة.
كما تمثل الرئاسة أيضًا المجلس تجاه مؤسسات الاتحاد الأوروبي الأخرى، وخاصة مفوضية الاتحاد الأوروبي والبرلمان الأوروبي، على سبيل المثال في المفاوضات حول القوانين التشريعية للاتحاد الأوروبي مع البرلمان الأوروبي والمفوضية الأوروبية، بالإضافة إلى تمثيل المجلس امام الدول خارج الاتحاد الأوروبي بالإضافة الى المنظمات الدولية.
وكما جرت عليه تقاليد العمل في الاتحادي الأوروبي تتفق ألمانيا مع الدولتين التين تليانها في رئاسة الاتحاد وهما البرتغال التي ستتولى الرئاسة في النصف الأول من عام 2021م، تليها سلوفينيا في النصف الثاني من العام، على اهم المواضيع والمشاريع طويلة الأمد التي يتم إقرارها في الاتحاد، وهذا من شأنه أن يضمن استمرارية أكبر في السياسة الأوروبية من قبل الشركاء الثلاثة الذين يعملون بشكل وثيق معًا.
تسببت ازمة كورونا واثارها السلبية على الاقتصاد والحياة داخل الاتحاد الأوروبي في تغيير الخطط والمواضيع الرئيسية التي كانت الحكومة الألمانية قد أعدتها لفترة رئاستها للاتحاد حيث وبدلا من مناقشة سبل تعزيز حماية البيئة والتركيز كذلك على المباحثات مع المملكة المتحدة لترتيب وتحديد طبيعة العلاقة بين الاتحاد وبريطانيا بعد خروجها، اصبحت الأولوية في الوقت الحاضر لمواجهة ازمة كورونا وتحديد كيفية العمل المشترك للدول الأعضاء من اجل توحيد الجهود والعمل من اجل تعافي الحياة الاجتماعية والاقتصادية داخل الاتحاد. وفي هذا الاتجاه ستتولى ألمانيا استكمال المباحثات الشاقة بين دول الاتحاد حول الموافقة وإقرار برنامج إعادة الاعمار لدول الاتحاد عقب ازمة كورونا والذي تقدمت به المفوضية الأوروبية وكذلك إقرار ميزانية الاتحاد للفترة الممتدة بين عامي 2021-2027م، وهي المواضيع الخلافية والتي شهدت انقساما حولها بين الدول الأعضاء خصوصا معارضة النمسا وهولندا لموضوع القروض الأوروبية المشتركة وهو الموضوع الذي يلقى ايضاً معارضة داخلية في ألمانيا. الا ان توقعات المفوضية الأوروبية والدول الأعضاء من رئاسة الدولة صاحبة الاقتصاد الأكبر داخل الاتحاد عالية، حيث قال رئيس البرلمان الأوروبي David Sassoli ان رئاسة ألمانيا للاتحاد في هذا الوقت ستلعب دورا رئيسيا في ” إعادة اعمار أوروبا” وفي تقوية الاتحاد.
وقد أكد بيان مشترك للترويكا الأوروبية التي تضم ألمانيا والبرتغال وسلوفينيا على ضرورة أن تخرج أوروبا من جائحة كورونا “أقوى وأعدل وأكثر استدامة” بهدف تعزيز مرونة الاتحاد الأوروبي بشكل مستدام في مواجهة الأزمات الوبائية. واتفقت الرئاسة الثلاثية على أن تدابير حماية المناخ والتغير الرقمي يجب أن تكون في طليعة عملية إعادة الإعمار هذه وذلك من اجل تعزيز الاستقلال الاستراتيجي والسيادة الرقمية للاتحاد الأوروبي وتوسيع قدراته على مواجهة الهجمات السيبرانية.
كما تضمن البيان التأكيد على إن زيادة توسيع دور الاتحاد الأوروبي كلاعب عالمي نشط هو هدف مشترك آخر لألمانيا والبرتغال وسلوفينيا في الأشهر الـ 18 المقبلة، حيث سيتم العمل على تعميق علاقات الاتحاد الأوروبي مع الشركاء الدوليين الرئيسيين مثل الصين والهند وأفريقيا.
من جانب اخر تتوقع الحكومة الألمانية ان تبلغ التكلفة المالية المباشرة لرئاستها للاتحاد الأوروبي والتي تشمل تكاليف إضافية للمواد والافراد حوالي 161 مليون يورو، وهو تقدير متحفظ خصوصا بعد ان أصبح عقد العديد من الاجتماعات المجدولة ممكن فقط كمؤتمرات فيديو أو انه تم الغائها تماما. كما تراجعت التكاليف أيضا بسبب الغاء العديد من اللقاءات والمناسبات ومنها تأجيل القمة الكبرى بين الاتحاد الأوروبي والصين والتي كان من المقرر عقدها في مدينة لايبزيج الألمانية.
المفوضية الاوربية تضع برنامجاً لإعادة الاعمار بقيمة 750 مليار يورو
اقرت مفوضية الاتحاد الأوروبي برنامجاً لإعادة الاعمار لمرحلة ما بعد انتهاء ازمة كورونا بقيمة تصل الى 750 مليار يورو بهدف التخفيف من أثار أسوأ ركود اقتصادي في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية. وقد تم تصميم البرنامج بشكل مشابه للمقترح الألماني الفرنسي الذي أعلنته المستشارة انجيلا ميركل والرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في وقت سابق، الا انه يتجاوزه من حيث القيمة.
ويقوم البرنامج على جمع 750 مليار يورو من أسواق رأس المال على شكل سندات نيابة عن الاتحاد الأوروبي، سيكون عدد منها طويل الأمد يصل الى 30 عاماً، على ان يجري تسديدها عبر ميزانية الاتحاد الأوروبي وبشكل مشترك من الدول الأعضاء. وستقدم المفوضية من خلال البرنامج نحو 500 مليار يورو للدول الأكثر تضرراً من فيروس كورونا على شكل مساعدات ومنح، فيما ستقدم 250 مليار يورو على شكل قروض. وتشير بعض التقديرات الى ان إيطاليا ستكون المستفيد الأكبر وستتلقى 81,8 مليار يورو من صندوق إعادة الإعمار على شكل منح و91 مليار يورو على شكل قروض. كما ستحصل إسبانيا على 77,3 مليار يورو في شكل منح و63 مليار يورو في شكل قروض. ففرنسا التي ستتلقى 38,8 مليار يورو على شكل منح فيما ستحصل بولندا على منحة مالية بقيمة 37,7 مليار يورو وكذلك ألمانيا التي ستتلقى منحة بنحو 28,8 مليار يورو.
ويشترط الاتحاد الأوروبي من اجل تقديم المنح والقروض للأعضاء ان تكون المشاريع الاستثمارية لإعادة الاعمار وإنعاش الاقتصاديات المحلية متوافقة مع أولويات سياسة الاتحاد والتي تتلخص في ثلاث محاور: اولاً تعزيز حماية البيئة، ثانياً تحقيق تقدم في عملية الرقمنه اما ثالثاً فيجب ان تعمل هذه المشاريع المحلية على رفع قدرة الاقتصاد الأوروبي على مقاومة الأزمات الاقتصادية.
وتعارض بعض دول الاتحاد الأوروبي ومنها النمسا، هولندا، السويد والدنمارك فكرة أن الأموال التي سيتم جمعها من خلال السندات الأوروبية المشتركة ستقدم للبلدان التي تمر بأزمات كتبرعات وليس كقروض مستحقة السداد. بينما كانت ألمانيا وفرنسا قد تبنتا مشروعاً بقيمة 500 مليار يورو، يقدم الجزء الأكبر من هذه الأموال على شكل منح ومساعدات للدول الأوروبية الأكثر تأثراً بالأزمة بهدف حماية القدرة التنافسية لاقتصاد دول الاتحاد الأوروبي في مواجهة القوتين الاقتصاديتين أمريكا والصين واللتان تعملان على الخروج السريع من الأزمة.
وفي سياق متصل عرضت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لين في البرلمان الأوروبي ميزانية الاتحاد المقترحة للسنوات من 2021م إلى 2027م. والتي تبلغ حوالي 1,1 تريليون يورو، والتي تهدف إلى التخفيف من عواقب جائحة كورونا وأيضا تمويل مشاريع حماية المناخ والرقمنة. وقالت رئيسة المفوضية “هذه هي لحظة أوروبا”، مضيفةً “إن رغبتنا في العمل يجب أن تواكب التحديات التي نواجهها جميعًا”. كما دعت لين الى خلق مصادر جديدة للدخل للاتحاد الأوروبي، من خلال الضريبة الرقمية أو ضريبة الحد من ثاني أكسيد الكربون.
وكان الاتحاد الأوروبي قد وافق سابقاً على برنامج مساعدات لاقتصاديات دول الاتحاد بداية شهر ابريل الماضي تصل قيمته إلى 540 مليار يورو على شكل قروض للشركات عبر بنك تنمية الاستثمار الأوروبي أو للدول عبر آلية الاستقرار الأوروبية ESM.