انعكس إصرار الرئيس الأميركي Donald Trump على انتهاج النهج الحمائي في التجارة مع دول العالم، وبخاصة مع الصين وألمانيا، سلباً على أجواء مسؤولي الشركات الألمانية في الفترة الأخيرة، ما أدى إلى تراجع الأجواء والتوقعات الجيدة التي عبروا عنها في شهر فبراير الفائت في كل من مؤشري Ifo و ZEW الهامين. فقد انخفض مؤشر “إيفو” في شهر مارس المنصرم، والذي يصدر شهرياً عن معهد بحوث الاقتصاد الألماني في ميونيخ، من 115,4 إلى 114,7 نقطة، علماً أن مؤشر الأجواء هذا الذي يستمد معلوماته شهرياً من مسؤولي سبعة آلاف شركة ألمانية بقي على مستوى عالٍ وجيد رغم التراجع الحاصل فيه ظرفياً.
وفي الوقت ذاته انخفض أيضاً مؤشر أجواء الخبراء الـ 350 الذين يستطلعهم شهرياً مركز بحوث الاقتصاد الأوروبي في مانهايم “زد أي في” من 17,8 إلى 5,1 نقطة، بتراجع مقداره 12,7 نقطة دفعة واحدة. في المقابل تحسنت توقعات مسؤولي الشركات الألمانية عن سير أعمالها الحالية بصورة طفيفة، خاصة وأن الطلب على الانتاج الألماني لا يزال جيداً، ما يسمح بزيادة الاستثمارات فيه لتوسيعه. وعقّب Achim Wambach رئيس مركز البحوث “زد أي في” في مانهايم على الوضع قائلاً: “إن القلق من لجوء الولايات المتحدة الأميركية إلى إشعال نزاع تجاري دولي لا يترك مجالاً للخبراء سوى التطلع بحذر نحو المستقبل”. وأضاف أن اليورو القوي مقابل الدولار والعملات الصعبة الأخرى “يضغط الآن سلباُ على توقعات النمو الاقتصادي لألمانيا كدولة مصدّرة”. وأظهر مؤشر معهد البحوث أن توقعات النمو في دول منطقة اليورو سجلت تراجعاً ملحوظاً في شهر مارس الفائت بعد أن هبط المؤشر في مارس 15,9 نقطة ليصبح 13,4 نقطة.
وذكر المعهد الألماني لبحوث الاقتصاد DIW في برلين أخيراً أن مؤشر النمو لديه ارتفع في شهر مارس الماضي من 113 إلى 118 نقطة، ما يجعل خبراء المعهد ينطلقون من أن اقتصاد البلاد في الربع الأول من العام الجاري سيسجل نمواً من 0,7 في المئة مقارنة بالربع الأخير من العام المنصرم. وقال خبير النمو في المعهد Ferdinand Fichtner إن معدل المؤشر هذا يزيد بوضوح عن حدّ المئة نقطة التي تسجل بدء الانتعاش والنمو في ألمانيا لدى المعهد. وأضاف أن قطاع الصناعة سينضم خلال الأشهر القلية المقبلة إلى العوامل الأخرى التي تدفع في هذا الاتجاه. وتابع أن معدل النمو سيتراجع في النصف الثاني من الشهر الجاري بعض الشيءعلى خلفية تراجع الطلب على المنتجات الألمانية من الخارج. مع ذلك توقع الخبير فيشتنر “أن لا يعرقل التراجع الجاري اتجاه النمو العام الحاصل حالياً”، معتبراً أن النمو “سيتواصل لأن الشركات ستواصل التوظيف ولو بصورة أقل”. وتوقع الخبير زيادة في الأجور في البلاد بسبب حاجة الشركات إلى المزيد من العاملين.
إلى ذلك أظهر مؤشر النمو في معهد الاقتصاد الكبير وبحوث النمو IMK القريب من النقابات العمالية، والصادر في أواسط شهر أبريل الجاري، أن ثمة إشارات واضحة إلى قرب انتهاء فترة النمو والازدهار الاقتصادي في أوروبا وعودة الركود بسبب نهج الرئيس ترامب الحمائي في التجارة الدولية. وقال المعهد في بيان له إن مخاطر الركود الاقتصادي عادت، ويتوقع ارتفاع نسبة هذه المخاطر إلى 32,4 في المئة بين شهر أبريل الحالي ونهاية شهر يونيو المقبل مقابل 6,8 في المئة في شهر مارس الفائت. وأضاف أن الإشارات السلبية هذه تزايدت في الفترة الماضية، وحين يصل إلى 30 في المئة فيعني ذلك أن مرحلة الركود أصبحت على الأبواب. ويتوقع الخبراء أن يشير “تقرير الربيع” المنتظر قريباً، والذي تصدره سنوياً عدة معاهد بحوث اقتصادية ألمانية، إلى إمكانية حصول ركود اقتصادي. لكن رئيس المعهد Gustav Horn قال إنه على الرغم من مخاطر الركود ينتظرخبراء الاقتصاد حصول نمو جيد في عامي 2018 و2019. ولمواجهة مخاطر الركود على أي مستوى كانت، نصح رئيس المعهد أعلاه باعتماد سياسة رفع أجور العاملين في البلد وتعزيز الاستثمارات، مضيفاً أن تقوية الاستهلاك الداخلي يبعد عملية النمو والانتعاش عن الاضطرابات الأقليمية والدولية القائمة.
سوق العمل في ألمانيا في تحسن وعام 2017 الأكثر سلمية
أعلنت وكالة العمل الاتحادية BA في ألمانيا في نهاية شهر مارس الفائت أن وضع سوق العمل في البلاد مستمر في التحسن بعد تبيان أن عدد العاطلين عن العمل في الشهر المذكور تراجع إلى 2,458 مليون شخص، بانخفاض جديد بلغ 88 ألف شخص، وبمعدل للبطالة بلغ 5,5 في المئة بعد 5,7 في المئة في شهر فبراير، وذلك بالرغم من أن الفصل هو فصل شتاء. وعلّق رئيس الوكالة Detlef Scheele على النتيجة بالقول “إن قطاع العمل الألماني يتطور على مستوى عالٍ بصورة مستمرة بفضل مواصلة الطلب على الأيدي العاملة من لدن الشركات الألمانية”.
إلى ذلك بلغ عدد فرص العمل الشاغرة في الشركات الألمانية في شهر مارس 778 ألفاً، بزيادة 86 ألف فرصة عمل عن الشهر ذاته من العام المنصرم. وبلغ عدد من حصل على إعانة مالية بسبب البطالة في الشهر المذكور 768 ألف شخص، أي أقل بـ 49 ألفاً عن الشهر ذاته من العام الفائت. وبفعل التحسن هذا ارتفع في المقابل عدد المشتركين في صناديق الضمان الاجتماعي والصحي. وبحسب بيانات المكتب الاتحادي للإحصاء في ألمانيا زاد عدد العاملين المشتركين في هذه الصناديق في شهر مارس بمقدار 45 ألفاً عن عددهم في شهر فبراير ليصل العدد الإجمالي للمشتركين إلى 44,32 مليون مشترك. ومن شهر أكتوبر 2017 وحتى مارس 2018 ارتفع عدد الراغبين في التأهل مهنياً وعلمياً في مختلف الاختصاصات إلى أكثر من 400 ألف شخص.
هذا وتشهد الساحة الألمانية مطالبات بزيادات جديدة على الأجور في القطاع العام تبلغ ستة في المئة تتمسك بها نقابات عمالية مختلفة من أقصى شمال البلاد إلى أقصى جنوبها. وبدأ عمال وموظفون من القطاع العام منذ فترة اضرابات تحذيرية رافضين عروض الدولة والقطاع العام الضئيلة لحل الأزمة القائمة، ويبلغ عدد العاملين في هذه القطاعات 2,3 مليون شخص. وعلى خلاف دول أوروبية ودولية أخرى تتميّز الحركة العمالية الألمانية، وكذلك نقابات أرباب العمل في القطاعين الخاص والعام، بمقدار جيّد من الحسّ الاجتماعي المشترك يؤهلهما ايصال الاجتماعات إلى حلول واتفاقات سريعة نسبياً بين الطرفين. وذكر معهد الاقتصاد الألماني IW في كولونيا في دراسة أخيرة له أن عام 2017 كان العام الأكثر سلمية بين الطرفين مقارنة بالأعوام السابقة. لكن المعهد توقّع لعام 2018 الجاري سنة متشنجة بين أرباب العمل والعمال والمستخدمين الألمان.
قطاع العقارات في المانيا يجلب المليارات تحت أسماء غامضة
من المعروف أن قطاع العقارات والبناء المزدهر في ألمانيا يجلب استثمارات مالية من خارج البلاد تقدّر بمليارات اليورو. وعلى الرغم من وجود نظام شفاف جديد في البلاد يفرض تسجيل أسماء المالكين والمستثمرين الحقيقيين فيه، إلا أن هؤلاء غالباً ما يبقون غير واضحي المعالم والهوية رغم كل المحاولات التي تجري للكشف عنهم. ويبقى الأمر مخفياً عن السلطات الألمانية المعنية على الرغم من القانون الصادر عام 2017، والذي وُضع بهدف وضع حدّ نهائي لتهرب المستثمرين في العقارات من الكشف عن هويتهم. والهدف من القانون أعلاه، بحسب ما ذكرته وزارة المال الألمانية، وضع حدّ لتهريب الأموال غير الشرعية إلى البلاد عن طريق أشخاص وشركات بهدف تسهيل أمر غسل الأموال السوداء دون إثارة الشبهات حولهم.
ونشرت مجلة Stern الألمانية الصادرة في 5 أبريل 2018م تحت عنوان “من يملك مدننا؟ مستثمرون من كل أنحاء العالم يوظفون مليارات اليورو في مكاتب ومبان سكنية” تحقيقاً عن الموضوع يشير إلى أنه، على الرغم من كل الخطوات التي اتخذتها السلطات الألمانية المعنية لمنع الغش والتلاعب، لم تتمكن بعد من معرفة المالكين الحقيقيين للعديد من المشاريع العقارية والسكنية في البلاد. والسبب الواضح يتمثل في استمرار وجود مخارج وثقوب في القانون أعلاه تسمح ببعثرة الخيوط التي توصل إلى المالكين الحقيقيين، والأكتفاء بممثليهم المحليين. وكمثال على ذلك ذكرت المجلة الألمانية “مجموعة Intown للعقارات” التي تدير المجمَّع السكني الشهير Hannibal في مدينة دورتموند الواقعة في ولاية رينانيا ووستفاليا.
وبحسب عدد من الصحف فان مالك المجمَّع السكني أعلاه هو المستثمر الأسرائيلي Amir Dayan، لكن حين يفتش المرء في السجل التجاري الألماني الذي يُفترض أن يحتوي على اسم المالك يجد اسم شركتين قبرصيتين فقط. ومع ذلك لا يوجد في “سجل الشفافية” لا اسم الشركتين المذكورتين ولا أسم المالك او المالكين الحقيقيين لمجمَّع هانيبعل. ويتكرر هذا الوضع مع عقارات أخرى عديدة في البلاد مع أسماء وشركات صُوَرية. وأضافت المجلة الألمانية أن المستثمرين الأجانب يحوّلون مبالغ ضخمة جداً إلى قطاع العقارات الألمانية. فقد ذكرت نقابة مصارف الرهون الألمانية VDPB أنه دخل إلى سوق العقارات الألمانية أكثر من 30 مليار يورو في عام 2017 الماضي. وتبعاً للدراسة التي نفذها الباحث Kai Bussmann من جامعة Halle-Wittemberg الألمانية بطلب من وزارة المال الألمانية يُعتبر قطاع العقارات في ألمانيا “قطاعاً شديد الخطورة” بسبب إمكانات غسل الأموال فيه والتغطي وراء أسماء شركات وأشخاص صُوَريين.
رغم فضيحة العوادم وأزمة الديزل VW تربح 11,4 مليار يورو
تبذل شركة سيارة Volkswagen AG الألمانية الضخمة منذ أكثر من سنتين جهوداً جبارة للخروج من فضيحة عوادم سياراتها وأزمة الديزل فيها اللتين ستكلفانها عشرات مليارات اليورو، واستعادة سمعتها الدولية التي وصلت إلى منحدر عميق. وإلى جانب الإصلاحات البنيوية والتقنية التي أدخلتها على سياراتها لجأ مجلس إدارتها الأعلى قبل أيام إلى إجراء تغيير جديد في قيادته أدى إلى تغيير رئيس مجلس الإدارة السابق Matthias Müller وانتخاب عضو المجلس Herbert Diess مكانه على أن يستلم أيضاً رئاسة مجلس الرقابة على شركة سيارات Audi التابعة لفولكسفاغن كما هو متبع حتى الآن ابتداء من الثامن من شهر مايو المقبل. وسيكون الرئيس الجديد ديس مسؤولاً كذلك عن قطاعي البحوث والتطوير في أكبر شركة أوروبية لانتاج السيارات التي تضم 12 ماركة سيارات بينها SEAT، Skoda، Porsche، Bugatti، وشاحنتي Scania وMAN.
ورغم العقوبات المالية الضخمة التي دفعتها شركة فولكسفاغن في الولايات المتحدة بسبب فضيحة العوادم واستعدادها لتحسين هذه العوادم في ألمانيا ودول أخرى على نفقتها الخاصة، يبدو أن الشركة عادت لتحلق من تحت الشظايا التي التي أصيبت بها عالياً مثل طائر الفينيق. وإلى جانب تربّعها من جديد على عرش الشركة الأكثر مبيعاً في العالم بين شركات السيارات الأخرى في العام 2016، متقدمة على غريمتها الأولى شركة Toyota اليابانية، عادت واحتلت المرتبة الأولى من جديد العام الفائت 2017 إن اعتمد المرء التعداد التقليدي المتبع، أو المرتبة الثانية في حال اعتماد تعداد آخر.
وفي كل الأحوال تسبق شركة فولكسفاغن في التعدادين غريمتها اليابانية بوضوح. أما الرابح الأول الجديد بحسب التعداد الآخر فهو تجمع دولي جديد لشركات سيارات Renault و Nissan و Mitsubishi Motors. ويرأس التجمع هذا Carlos Ghosn (كارلوس غصن، وهو رجل أعمال برازيلي من أصل لبناني). وباعت VW AG العام الفائت 10,74 ملايين سيارة وشاحنة، بزيادة 4,3 في المئة عن عام 2016 فيما باعت “تويوتا” 10,38 ملايين سيارة. أما التجمع الدولي الجديد فباع 10,608 ملايين سيارة. وأعلن غصن أن تجمعه احتل المركز الأول بعد أن أخرج الشاحنات الثقيلة من التعداد. وبذلك هبط اجمالي مبيعات شركة فولكسفاغن إلى 10,536 ملايين سيارة، وبالتالي فان الأمر أصبح لعباً على الأرقام لا أقل ولا أكثر. وذكر خبراء أنه أمام المعايير المختلفة التي توضع الآن في الحساب بصورة عشوائية لم تعد توجد معايير موحدة يمكن الاعتماد عليها.
وبغض النظر عن المراتب هذه يمكن القول إن شركة فولكسفاغن حققت العام الفائت 2017، رغم أزمة الصدقية التي تزال تمر فيها منذ عام 2014، ربحاً صافياً بلغ 11,4 مليار يورو، أي ضعف ما حققته في عام 2016 على حد ما ذكره متحدث باسمها أخيراً. وارتفع دخل الشركة الخام من المبيعات في السنة المنصرمة إلى 230,7 مليار يورو، بزيادة 6,2 في المئة عن العام السابق. وجاء الرقم هذا مفاجئاً وأعلى بكثير مما توقعه خبراء ومحللون. لكن على الرغم من النتيجة الجيدة هذه تراجعت قيمة سهم الشركة في بورصة فرانكفورت بسبب عدم وجود وضوح كاف حول وضع الشركة في المرحلة المقبلة.
في المقابل ارتفع الفائض المالي في الشركة الألمانية إلى أعلى مما كان عليه عام انفجار الأزمة فيها عام 2014 رغم عشرات مليارات اليورو التي دفعتها منذ ذلك الوقت لمواجهة المتطلبات، وبخاصة في الولايات المتحدة. وفي الوقت ذاته حصل كبار المساهمين في الشركة مثل عائلة بورشه وبييش، وكذلك ولاية سكسونيا السفلى ودولة قطر، على ربح يبلغ 3,96 يورو على كل سهم يملكونه فيها مقابل 1,90 يورو للسهم الواحد في عام 2016، أي الضعف تقريباً. ووضعت فولكسفاغن هذه السنة أمامها هدف زيادة المبيعات، وبخاصة البدء بإنتاج وبيع سيارات كهربائية بعد اهمال هذا الجانب لفترة طويلة، الأمر الذي دعا المسؤولين فيها إلى تخصيص عدة مليارات يورو لهذا الغرض للحاق بشركات دولية وأوروبية سبقتها في هذا المجال.
أوروبا وألمانيا تليّنان بوضوح مواقفهما إزاء لندن وواشنطن
بعد أن كانت بروكسل قد هددت بمعاملة الولايات المتحدة بالمثل تراجعت المفوضية الأوروبية أخيراً عن موقفها المتشدد إزاء نهج الرئيس الأميركي دونالد ترامب الحمائي وفرضه رسوماً عالية على صادرات الصلب (25 في المئة) والألومينيوم (10 في المئة) إلى بلده. وأوضحت بروكسل أخيراً أن قراراتها المضادة “بحاجة إلى وقت وإلى تحضير جيد قد يستغرق بضعة أشهر”، إضافة إلى أنه يتوجب عليها توضيح مسائل حاسمة في الموضوع. وقالت مفوضة التجارة الأوروبية Cecilia Malmström إن لدى الاتحاد الأوروبي 90 يوماً لتحديد القرارات التي سيتخذها ضد الولايات المتحدة منذ اليوم الأول لتنفيذ قرار ترامب. وأضافت أن بروكسل ستقدم خلال ذلك شكوى ضد واشنطن إلى منظمة التجارة العالمية WTO، وستعمل على حماية صادراتها من الصلب والألومنيوم، وعلى تحضير لائحة بأسماء المواد الأميركية التي تصدّر إلى ألمانيا لرفع الضريبة الجمركية عليها.
وكشفت مجلة Der Spiegel الألمانية الصادرة في 19 مارس 2018م أن الولايات المتحدة وضعت شروطاً للتخلي عن الرسوم الجمركية التي تقرر فرضها على واردات الصلب والألومنيوم من أوروبا، من بينها ابقاء الصادرات المتجهة إلى الولايات المتحدة عند مستويات عام 2017. وقالت المجلة إن الشروط التي ذكرها الممثل التجاري الأمريكي Robert Leitheiser في اجتماع عقده في بروكسل مع مفوضة التجارة الأوروبية مالمستروم “تشمل أيضا تعهد بروكسل باتخاذ إجراءات لمواجهة إغراق السوق بالحديد الصيني والتعاون في مجموعة واسعة من القضايا التجارية الأخرى”. وتابعت أن لايتهايزر وضع أيضا شروطاً في مجال السياسة الدفاعية من شأنها إلزام أوروبا بتقديم “دليل” على أنها ستعزز جهودها في مجال التسلّح. وكان مصدر في المفوضية الأوروبية قال إن وزير التجارة الأمريكي Wilbur Ross اتفق مع مالمستروم على الاجتماع بهدف “حلّ الخلاف العميق حول الرسوم الجمركية”.
ويدلّ ذلك في ما يدلّ على أن الجانب الأميركي يساوم أوروبا ويمارس ضغوطاً تجارية عليها لانتزاع مطلب زيادة تسلحها. وذكرت مالمستروم في تصريح لها أن ما ذكره الرئيس الأميركي بالأمس “لم يكن واضحاً كل الوضوح”، لذا تريد الحصول على معلومات إضافية. وتابعت أن أوروبا لا تشكل خطراً على اقتصاد الولايات المتحدة، وأنها أكدت ذلك لزميلها الأميركي لايتهايزر، مضيفة أن المفوضية الأوروبية على اتصال دائم مع حكومات الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، مشددة على أن المفوضية تستند إلى دعم أوروبي كبير. وتابعت أن الاتحاد الأوروبي “ينتظر أن يُستثنى من فرض الرسوم الجديدة عليه، وسنبذل كل جهد منا لإقناع الطرف الأخر بخطئه”. وأنهت بالقول للجانب الأميركي بأن “لا أحد قادر على وقف مسيرة العولمة، وعلينا جميعاً العمل سوياً لتحديد مستقبلها، صحيح أن وظائف عديدة ستختفي، ولكن ستنشأ مكانها فرص عمل جديدة أخرى”. وانتقدت رابطة الصلب الأوروبية Eurofer الرسوم الجمركية الأميركية بشدة قائلة إن الحكومة الأميركية “تتعدى على الـتجارة الدولية وتسعى من خلال ذلك إلى تأمين أفضلية لها غير محقة”.
وقبل سفرها المزمع إلى الولايات المتحدة الأميركية للاجتماع مع الرئيس ترامب في 27 الشهر الجاري عقدت المستشارة الألمانية Angela Merkel اجتماعاً مع كبار مسؤولي نقابات أرباب العمل والتجارة والاقتصاد الأربع في ألمانيا على هامش معرض الحرفيين الألمان الذي نظّم في أواسط شهر مارس في مدينة ميونيخ. واطلعت مركل منهم على هموم أرباب العمل الألمان وآرائهم التي صاغوها على ورقة مشتركة وقدموها إليها بهدف عرضها على الرئيس الأميركي. وقالت المستشارة بعد الاجتماع رداً على سؤال صحافي “إن النقاش فيه كان جيداً جداً، وأن الجميع يريد العمل من أجل حرية التجارة الدولية”. وتابعت أن الولايات المتحدة “شريك تجاري أساسي لألمانيا، وأيضاً للاتحاد الأوروبي ككل، وأن في التجارة نفع لكل من الطرفين”. ثم عرضت وقائع قالت إنها ستذكرها أمام ترامب كي تقنعه بها مثل واقع أن الاقتصاد الألماني يستثمر نحو 271 مليار يورو في الولايات المتحدة، ويؤمن العمل الثابت لـ 750 ألف أميركي في شركات ألمانية، وكذلك نحو مليوني فرصة عمل عموماً. وأشارت المستشارة كذلك إلى أن الشركات الأميركية في ألمانيا تؤمن بدورها العمل لألمان.
وعلى الجانب الآخر المتعلّق بقرار بريطانيا الانسحاب من الاتحاد الأوروبي في شهر مارس من عام 2019 المقبل وجدت المفوضية الأوروبية أن نهج ترامب التصعيدي يفرض عليها تحاشي قيام نزاع بينها وبين واشنطن من جهة، وبينها وبين لندن من جهة أخرى في الوقت ذاته. وهنا أيضاً وجد أرباب العمل الألمان في دراسة جديدة لهم أن عدم الاتفاق على شروط الانفصال مع بريطانيا لن يكبّد الأخيرة لوحدها خسائر كبيرة، بل سيكبّد الشركات الألمانية أيضاً تكاليف باهظة تقدر بتسعة مليارات يورو سنوياً ثلثها، أي ثلاث مليارات، ستصيب قطاع السيارات الألمانية. وأجرت حساب الأضرار هذه مؤسسة الاستشارات Oliver Wyman ومكتب المحاماة Clifford Chance. من هنا يمكن فهم تحوّل أرباب العمل الألمان إلى دعاة لاتفاق بروكسل مع لندن على تأمين “بريكزيت” سلس بقدر الإمكان. هذا وجاء في دراسة المؤسسة ومكتب المحاماة أن ألمانيا ستكون الأكثر تضرراً بين الدول الأوروبية الأخرى من خروج بريطانيا، أما بالنسبة إلى باقي دول الاتحاد السبعة والعشرين فسيبلغ حجم أضرارها المالية نحو 37 مليار يورو سنوياً. أما خسائر بريطانيا المالية السنوية فستبلغ 32 مليار يورو.
وتتفاوض بروكسل مع لندن حالياً على العلاقة التجارية المستقبلية بينهما بعد الانفصال. وتتركز نقطة الخلاف بين الطرفين حول رغبة بريطانيا في مغادرة السوق الأوروبية المشتركة والاتحاد الجمركي، على أن تواصل في الوقت ذاته التجارة مع دول الاتحاد دون دفع رسوم جمركية، وإبقاء تدفق البضائع عبر الحدود ساريا ًوكأن شيئا لم يتغيّر، الأمر الذي ترفضه أوروبا بشدة. وفي هذا المجال اقترح أرباب العمل الألمان على بريطانيا اختيار العلاقة التجارية القائمة بين النرويج والاتحاد الأوروبي كحلّ لها للتعامل مستقبلاً مع الاتحاد الأوروبي، الأمر الذي لم تتطرق إليه لندن بعد.
رغم التباين في بعض المواقف ماكرون ومركل متوافقان على التعاون
بحثت المستشارة الألمانية أنغيلا مركل في برلين في 19 أبريل الجاري خطط إصلاح الاتحاد الأوربي مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي زارها في مقر المستشارية الألمانية لشرح أفكاره حول تطوير الاتحاد الأوروبي مالياً واقتصادياً التي طرحها قبل يومين أمام البرلمان الأوروبي. ورأى خبراء أن الاجتماع هذا في برلين يدشّن عودة البلدين من جديد لتكوين قاطرة ثنائية للاتحاد الأوروبي على مختلف الصعد. من هنا الرغبة التي أعلنها كل من ماكرون ومركل لوضع تصورات إصلاحية مشتركة لعرضها أثناء انعقاد قمة الاتحاد الأوربي في نهاية يونيو المقبل. ومن هذه التصورات اتفاق مشترك على قضايا محددة مثل سياسة اللجوء الأوروبية المشتركة، وتأمين الحدود الخارجية للاتحاد، ومناقشة توجهه المستقبلي، خاصة عبر إنشاء “صندوق النقد الأوروبي” خارج مظلة المفوضية الأوروبي، وتعديل معاهدات الاتحاد الأوروبي. وبالطبع لا يمكن توقع اتفاق باريس وبرلين على كل الأفكار التي طرحها ماكرون، خاصة في ما يخص انشاء صندوق مالي خاص لإنقاذ دول المنطقة التي تتعثر مالياً واقتصادياً. وتلقى هذه الفكرة تحفظا في برلين، لاسيما داخل الكتلة البرلمانية للاتحاد المسيحي الذي تتزعمه مركل.
وعلى سبيل المثال ترفض مركل فكرة الصندوق المالي تماماً، لكنها أعربت عن ثقتها في تحقيق نتائج جيدة في قمة يونيو “التي ستشهد قرارات تاريخية تصب في مصلحة الشعوب الأوروبية” كما قالت. ووافقت المستشارة على أن استكمال الاتحاد المصرفي في منطقة اليورو يمثل أولوية، مشددة على أهمية الحد من مخاطر القطاع المصرفي قبل اتخاذ خطوات تأمين جماعي للودائع فيها. ومن المرجح التوصل إلى اتفاق فرنسي ألماني حول خطط فرض ضرائب على شركات الإنترنت العملاقة، وتأسيس مكتب على نطاق الاتحاد الأوروبي لطالبي اللجوء. ومع ذلك، يمكن أن تواجه هذه الخطط معارضة من دول أوروبية أخرى.