مع بداية هذا العام انتشرت المخاوف لدي العديد من المراقبين والمحللين الاقتصاديين حول أداء الاقتصاد الألماني المتوقع خلال العام 2016 وبرر هؤلاء المحللون مخاوفهم اعتمادا على عدد من العوامل كان أهمها التراجع القوى لنمو الاقتصاد الصيني والذي انعكس على معدل نمو الاقتصاد الدولي إضافة الى تزايد المصروفات الحكومية الألمانية والناتجة بشكل رئيسي عن زيادة الانفاق الحكومي على برامج الدعم والرعاية الاجتماعية إضافة الى المصروفات المخصصة لمواجهة ازمة اللاجئين.
على الرغم من ان العام 2015 قد انتهي مع نتائج إيجابية للاقتصاد الألماني والذي تمثل في تحقيق الصادرات الألمانية لرقم قياسي بلغ 1.196 مليار يورو، أي بزيادة بلغت 6.4% مقارنة بعام 2014. وكذلك على المستوى المحلي كان عام 2015 عاما إيجابيا اذ استطاعت ميزانية الحكومة الاتحادية وحكومات الولايات والتأمينات الاجتماعية تحقيق فوائض مالية بلغت حوالي 30 مليار يورو، الا ان العديد من العوامل والتطورات الاقتصادية الدولية والمحلية اثرت بشكل سلبي على التوقعات الخاصة بنمو الاقتصاد الألماني، فدوليا أدى استمرار انكماش الاقتصاد الصيني، ثاني اكبر اقتصاد عالمي، وتراجع معدل نموه السنوي الى 6.9% سنويا ، وهو معدل النمو الأقل للاقتصاد الصيني منذ 25عاما، الى اثار ة المخاوف من انعكاسات سلبية على الاقتصاد الألماني فإضافة الى الاثار المترتبة على هذا التراجع على مجمل الاقتصاد الدولي من تراجع في معدلات النمو وزيادة مخاطر الانكماش، تمثل الصين أيضا ثالث اكبر شريك تجاري لألمانيا وسوقً رئيسياً للمنتجات والصناعات الألمانية.
من جهة أخرى محليا أدى أيضا ارتفاع الانفاق الحكومي على برامج الرعاية والدعم الاجتماعية بشكل مضطرد الذي وصل الى نسب قياسية في ميزانية الحكومة الاتحادية الى تزايد القلق من تأثيرات هذا الارتفاع على الاستثمارات الحكومية في برامج البحث العلمي والتطوير وعلى مشاريع صيانة المؤسسات و المنشئات الحكومية من مدارس و طرق وشبكات السكك الحديدية وبالتالي وبالمحصلة التأثير سلبا على نمو الاقتصاد، اذ بلغت نسبة ما تقدمة الحكومة الاتحادية من اعانات لبرامج التقاعد واعانة البطالة عن العمل والتأمين الصحي فقط حوالي 40% من مجمل ميزانية الحكومة الاتحادية، وبشكل اجمالي فقد بلغت نسبة النفقات الحكومية الاجمالية على برامج الدعم الاجتماعية من الميزانية الاتحادية 52.6% وهي نسبة قياسية في تاريخ الموازنات الحكومية.
كل هذه العوامل تسببت في خفض التوقعات الأولية الخاصة بحالة الاقتصاد في ألمانيا خلال العام الحالي وبمستوى النسب المتوقعة التي يمكن ان ينمو بها.
“تقرير الربيع”: اقتصاد المانيا مستقر وبحاجة إلى استثمارات
بدّد خبراء أربعة معاهد بحوث اقتصادية ألمانية القلق المتفشي في البلاد أخيراً حول التطور المنتظر للاقتصاد الألماني، وتخوف الشركات وأرباب العمل من انعكاسات تلبد الأجواء الاقتصادية في العالم، وبخاصة في الصين. وأوضح الخبراء في “تقرير الربيع” لهذا العام في مؤتمر صحافي مشترك في برلين أن الاقتصاد الألماني في وضع مستقر، وأن النمو فيه مستمر، إنما بمعدل أقل بعض الشيء من الذي تم اعتماده مطلع السنة الحالية. ودعا التقرير الحكومة الألمانية إلى الاستثمار بصورة أكبر في قطاع التعليم، وإلى خفض الضرائب على العمال والمستخدمين في البلاد من أجل تشجيعهم على المزيد من الاستهلاك.
وتوقع خبراء الاقتصاد الألمان في تقريرهم الذي وضعوه بطلب من الحكومة الألمانية استمرار الاقتصاد الألماني في مسيرة النمو دون تعديل كبير، كما توقعوا بقاء سوق العمل مزدهرة، وكذلك رغبة المستهلكين في مواصلة الشراء والصرف، وهذا الأمر سيكون عاملاً هاماً للنمو هذه السنة كما في السنة السابقة. ولم تمنع هذه الصورة الايجابية الخبراء من التأكيد على أن تعزيز النمو يتطلب من الحكومة اعتماد سياسة اقتصادية هادفة تستند إلى المزيد من الاستثمار في الرعاية والتعليم ابتداء من روضة الأطفال وحتى الجامعة، وكذلك في البنى التحتية أيضاً. وخفّض الخبراء توقعات الخريف الماضي لمعدلات النمو المنتظرة لهذه السنة بصورة طفيفة من 1,8 إلى 1,6 في المئة، وفي السنة اللاحقة 2017 من 1,7 إلى 1,5 في المئة. وقال التقرير إن الدافع إلى خفض توقعات النمو الضعف الذي ظهر في اقتصادات الدول الخارجية مع بداية العام الحالي، خصوصاً في الصين، وأضاف أن الخبراء الألمان لا يتوقعون في الأشهر القليلة القادمة أداء أكثر ضعفاً في الدول المعنية، ما يعني تبديد القلق والخوف الذين انتابا الاقتصاديين الألمان خلال الفترة الأخيرة.
وبالنسبة إلى اقتصاد مثل الاقتصاد الألماني يعتمد تقليدياً على قوته التصديرية إلى الخارج يعني ذلك أن السوق الداخلية ستكون هذه السنة أيضاً محرك النمو فيه من خلال الاستهلاك الخاص. وجاء في التقرير أن انخفاض التضخم، والفوائد المتدنية على مودعات الألمان، والزيادات المتتالية على الأجور، والارتفاع المستمر في عدد العاملين في البلاد عوامل تدفع بالناس إلى الاستهلاك بزخم كبير.
ولمّح تقرير الخبراء إلى ارتفاع الأجور والمعاشات بصورة ملموسة في البلاد في الوقت الذي بقيت أسعار الحاجيات على حالها، ما يعني ارتفاع أكبر للقوة الشرائية للمواطنين، ويُتوقع أن ترتفع نسبة الاستهلاك الداخلي هذه السنة بمقدار 2,1 في المئة عن السنة الماضية. وذكر التقرير أن العدد الاجمالي للعاملين في ألمانيا سيبلغ 43,5 مليون نسمة في نهاية العام الجاري، بزيادة تصل إلى نصف مليون شخص عن عام 2015، وهو رقم قياسي، مضيفاً أن العدد سيرتفع في العام المقبل إلى 44 مليوناً تقريباً. ولأن المزيد من اللاجئين سيدخلون سوق العمل الألماني سترتفع البطالة العام القادم 2017 من 2,7 إلى 2,8 مليون عاطل عن العمل، لكنها ستبقى بوضوح تحت خط الثلاثة ملايين. وفي هذا المجال طالب خبراء الاقتصاد الحكومة العمل على خفض الضرائب عن العمال والمستخدمين لتشجيع الاستهلاك أكثر فأكثر، والاستثمار كذلك في تعليم وتدريب اللاجئين والمهاجرين كاستثمار مستقبلي يهدف إلى انجاح اندماجهم في المجتمع الألماني وفي سوق العمل.
إضافة الى ذلك قدمت دراسة أعدها معهد ميونخ للأبحاث الاقتصادية صورة إيجابية عن قطاع الصادرات والتجارة الخارجية الألماني الذي اشارت الدراسة الي عودة الصادرات الألمانية الى الخارج الى النمو بعد تراجعها النسبي خلال شهري يناير وفبراير من هذا العام وتشير تقديرات المعهد الى نمو قوي لصادرات قطاعات صناعة التعدين وقطاع المنتجات الغذائية وصناعة السيارات فيما ستشهد قطاعات بناء المعدات وشركات الالكترونيات نمو اقل في صادراتها الخارجية.
وبناء على كل هذه العوامل فانه بالإمكان القول إن الاقتصاد الألماني ينتظر عام جيدا اخر في العام 2016.