باستثناء قطاع البناء المزدهر سجّلت القطاعات الاقتصادية الأخرى في ألمانيا أخيراً تراجعات لم تكن متوقعة، وبخاصة في قطاع الخدمات، على حدّ ما ذكرته معاهد البحوث الاقتصادية واتحادات رجال الأعمال. وذكر معهد البحوث الاقتصادية الألمانية Ifo في ميونيخ في تقرير له صادر في أواخر شهر مايو المنصرم أن مؤشر الأعمال الراهنة لديه هبط 1,3 نقطة دفعة واحدة إلى 97,9 نقطة للشهر الثاني على التوالي، أي أعلى من توقعات الخبراء الذين انتظروا أن يتراجع من 99,2 إلى 99,1 نقطة فقط. وبذلك وصل المؤشر، الذي يستطلع أوضاع وآراء وتوقعات تسعة ألاف شركة ألمانية شهرياً، إلى أدنى حدّ له سجّله عام 2014. لكن مؤشر التوقعات على مدى الأشهر الستة المقبلة بقي كما هو دون أي تعديل. ومن حيث المبدأ يتحدث خبراء الاقتصاد عن بدء ركود في البلد المعني في حال تراجع مؤشر النمو ثلاث مرات على مدى ثلاثة أشهر متتالية.
وعقّب رئيس معهد “إيفو” Clemens Fues على النتائج قائلاً إن النمو الألماني “بحاجة إلى دفع يشبه الدفع الذي يتلقاه قطاع البناء”، مشيراً إلى أن مؤشر أوضاع الأعمال الحالية لدى الشركات الألمانية تراجع إلى الحدّ المسجَّل في عام 2013. وتأتي هذه الانتكاسة بعد أن تمكّن الاقتصاد الألماني في الربع الأول من العام الجاري من تجاوز مرحلة المراوحة التي عاشها في الربع الأخير من العام 2018 حيث سجّل نمواً في الفصل الأول من هذا العام نمواً أعلى مقداره 0,4 في المئة عن الربع الأخير من عام الفائت. وأعاد رئيس المعهد فوست السبب إلى الاستهلاك الداخلي القوي في ألمانيا. وأثارت نتائج الاستطلاع السلبية قلقاً لدى الاقتصاديين الألمان. وقال Thomas Gitzel كبير خبراء مصرف VP Bank “إن التراجع الاقتصادي الحاصل في البلاد كان متوقعاً إلى حدّ ما، وإن النزاع التجاري المستمر بين الولايات المتحدة والصين يضغط ليس فقط على الأجواء، بل وبصورة ملموسة على سير أعمال الشركات”. مع ذلك يرى الخبير في معهد “إيفو” Klaus Wohlrabe أن الصناعة الألمانية لا تشكو من دفع إلى الأمام، مشيراً إلى “أن أحداً لا ينتظر تحسنا كبيراً في قطاع صناعة السيارات، إلا أننا لا نقف أمام مرحلة ركود”.
من جهة أخرى نشر اتحاد غرف التجارة والصناعة الألمانية DIHK في 28 مايو الفائت نتائج استطلاع أجراه مع 25 ألف شركة ألمانية لخّص فيها نتائجه التي تشير إلى أن الاقتصاد الألماني يواجه مرحلة أسوأ مما كان يُعتقد حتى الآن، وأسوأ مما توقعه رئيس البنك المركزي الألماني Jens Weidmann الشهر الماضي حين ذكر “أن اقتصاد البلاد يواجه مرحلة ضعف فقط”. وقال رئيس اتحاد الغرف Eric Schweitzer إن نتائج الاستطلاع أوصلته إلى نتائج أسوأ، وأن اتحاد الغرف خفّض لهذا السبب توقعاته من جديد لمعدل النمو للعام الجاري من 0,9 إلى 0,6 في المئة. وأضاف أن الشركات الصناعية الألمانية تشعر بصورة واضحة بثقل تباطؤ النمو الاقتصادي الحاصل في العالم، وأن توقعات أعمالها مع دول الخارج تراجعت إلى المستوى الذي وصلت إليه قبل عشر سنين. وتابع أن الصناعات الألمانية المصدّرة إلى الخارج أصبحت مهدّدة بالنزاع التجاري المُعَوْلم، وبخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وبالتشاؤم الدولي الناتج عنهما. خلال ذلك أعلن وزير الاقتصاد الألماني Peter Altmeier أنه ينطلق من أن اقتصاد البلاد لن يسجّل في نهاية العام الجاري نمواً أكثر من 0,5 في المئة. وبحسب الاستطلاع أعلاه فان السوق الألمانية الداخلية لا تزال تشكل دعامة قوية للاقتصاد ككل، والفضل في ذلك عائد إلى القوة الشرائية المتوفرة لسكان البلد من خلال فرص العمل المؤمنة لهم، واستمرار تدني البطالة في البلاد.
ألمانيا: ارتفاع طفيف في البطالة بفعل تعثّر النمو الاقتصادي
ارتفع عدد العاطلين عن العمل في ألمانيا في شهر مايو الفائت بصورة طفيفة بلغت 7000 شخص عن شهر أبريل الذي سبقه، الأمر الذي لم يؤدي إلى تغيير معدل البطالة في البلاد الذي بقي على 4,9 في المئة، ما يوازي 2,236 مليون عاطل عن العمل. وبالمقارنة مع شهر مايو من العام الفائت يتبيّن مع ذلك أن عدد العاطلين عن العمل أقل بـ 80 ألف شخصاً على حدّ ما ذكرته وكالة العمل الاتحادية BA التي ذكر رئيسها Detlef Scheele أن الزيادة الطفيفة المسجّلة في سوق العمال “تشير إلى أوائل التفاعلات السلبية عن وضع النمو المتراجع أخيراً”، مضيفاً أن طلب شركات البلاد على الأيدي العاملة الكفؤة يَضْعف، ولو على مستوى عالٍ”.
وقال رئيس وكالة العمل في مؤتمره الصحافي الشهري إن عدد العاملين المسجلين في الصناديق الاجتماعية لا يزال مرتفعاً جداً ولم ينقص، وكذلك العدد الاجمالي للعاملين في البلاد الذي بلغ في مايو 45,11 مليوناً، بزيادة تبلغ 484 ألفاً عن العام الماضي. وأضافت وكالة العمل أن الطلب على الأيدي العاملة لا يزال عالياً أيضاً، إلا أنه بدأ يؤشر إلى بعض التراجع. وبلغ عدد الذين يتلقون إعانات مالية خلال تفتيشهم عن عمل ثلاثة ملايين و 997 ألف شخص، بزيادة 21 ألفاً عن العام المنصرم. مع ذلك أظهر الاستطلاع الذي نشره اتحاد غرف التجارة والصناعة الألمانية DIHK أواخر شهر مايو الماضي أن أخطار لجوء شركات ألمانية إلى تسريح عمال فيها بسبب تراجع الصادرات إلى الخارج أصبحت ملموسة مثلما كانت عليه قبل خمس سنوات، خصوصاً في المجال الصناعي. صحيح أن الطلب على الأيدي العاملة لا يزال مستمراً، إلا أنه أصبح أقل من السابق.
على صعيد البطالة في دول منطقة اليورو التي تضمّ 19 دولة انخفضت المعدلات فيها أخيراً إلى أدنى حدّ يسجّل منذ انفجار الأزمة المالية الدولية في عام 2008، الأمر الذي فاجأ خبراء الاقتصاد الذين كانوا يتوقعون العكس. فقد ذكر مكتب الإحصاء الأوروبي Eurostat في تقرير صادر عنه في الرابع من يونيو الجاري أن معدل متوسط البطالة في منطقة اليورو انخفضت من 7,7 في المئة في شهر مارس إلى 7,6 في المئة في شهر إبريل المنصرمين، أي إلى أدنى حدّ منذ عام 2008. أما على مستوى الاتحاد الأوروبي الذي يضم 28 دولة فبقيت نسبة البطالة كما هي، أي 6,4 في المئة، وبالتالي بقيت على أدنى مستوى لها منذ عام 2000. وتعتمد بروكسل حسابات مختلفة بعض الشيء عن وكالة العمل الألمانية تؤدي إلى معدلات مختلفة للبطالة، إلا أن كليهما يؤشران إما إلى وجود تحسّن أو إلى تراجع. وأفضل النتائج حققتها دول التشيك (2,1 في المئة)، ألمانيا (3,2)، هولندا (3,3). أما أسوأ النتائج فكانت في كل من اليونان (18,5 في المئة)، اسبانيا (13,8) وإيطاليا (10,2). وعلى صعيد البطالة بين الشباب لا يزال المعدل عالياً في عدد من دول جنوب القارة الأوروبية على الرغم من انخفاضه بعض الشيء. أما في المانيا فبلغ المعدل 5,3 في المئة في أبريل الفائت، وهو الأقل بين دول الاتحاد الأوروبي في مجال بطالة الشباب.
هل يهدد اندماج “رينو” و”فيات” العملاق الألماني فولكسفاغن
هل سيبرز قريباً عملاق أوروبي ـ عالمي جديد في قطاع صناعة السيارات يتشكّل من شركة Renault الفرنسية وشركة Fiat Chrysler الإيطالية ـ الأميركية؟ سؤال يطرح نفسه اليوم، خاصة وأن الأمر سيؤدي إلى إنشاء ثالث أكبر تكتّل في صناعة السيارات في العالم بعد Volkswagen و Toyota في السوقين الأوروبي والعالمي. ويهدف التحالف الجديد المنتظر إلى توفير مليارات الدولارات مع توجّه صناعة السيارات نحو انتاج المركبات الكهربائية والذاتية التحكم. وأوضحت شركة “فيات كرايزلر” للسيارات”، أن 50 في المئة من أسهم الشركة المندمجة ستكون لمساهميها، بينما سيمتلك مساهمو شركة “رينو” النصف الثاني. وعلى الأثر سجّلت أسهم “رينو” و “فيات كرايزلر” ارتفاعاً سريعاً بنسبتي تسعة وثمانية في المئة لكل منهما. لكن ما أن جرى الإعلان عن الاتفاق على الاندماج مطلع يونيو الجاري حتى أعلنت “فيات كرايزلر” في السادس منه التوقف عن تنفيذ الفكرة، والسبب على ما يبدو رفض الحكومة الفرنسية خفض حجم الأسهم الذي تمتلكه في شركة “رينو” والبالغ 15 في المئة. ولم يمض يومان حتى عادت الاتصالات من جديد بين الأطراف المعنية بعد أن أعلن وزير الاقتصاد الفرنسي Bruno Le Maire استعداد حكومته لخفض حصتها هذه، مشدداً على أهمية تنفيذ مشروع الاندماج أعلاه.
وفي كل الأحوال يتضمن مشروع الاندماج التأكيد على أنّ تحالف “رينو” الحالي مع شركتي “نيسان” و”ميتسوبيشي” اليابانيتين سيستمر، ويسمح للشركات هذه بالاستفادة من الحجم الاقتصادي الضخم للتحالف أعلاه، مع الحفاظ في الوقت نفسه على هيكليّات مستقلة. ويتعرّض تحالف “نيسان ـ ميتسوبيشي” إلى ضغوط مؤخراً بسبب اعتقال رئيسه السابق Carlos Ghosn في اليابان بتهمة سوء السلوك المالي. أما التحالف الأكبر بين شركات “رينو” – “نيسان” ـ “ميتسوبيشي”، فيجعل منها المُصنّع الأكبر لسيارات الركاب في العالم. وجاء في بيان “فيات كرايسلر” إنّ الشركة ستنتج بعد الاندماج 8,7 مليون سيارة سنوياً وستوفر عن الشركات خمسة مليار يورو سنويّاً عِبر المشاركة في البحوث وعمليات الشراء وغيرها من الأنشطة. ولا يُعتقد أنّ الصفقة تتضمن إغلاق مصانع تابعة لأحد منها، علما أن البيان لم يتناول تخفيضات محتملة في الوظائف. وتوافق الحكومة الفرنسيّة المساهة في شركة “رينو” على فكرة الاندماج مع شركة “فيات ـ كرايسلر”، غير أنّها تريد دراسة شروط الصفقة. وصرّح مصدر حكومي “بأنّ من الضروري أن تكون الظروف التي يحصل فيها هذا الاندماج مناسبة أيضاً لنمو “رينو” اقتصادياً، وتطورها صناعياً، وكذلك الحال بالطبع بالنسبة إلى عمال الشركة”.
وكتبت صحيفة Frankfurter Allgemeine في 27 مايو 2019 أن نشوء تكتل جديد من كبريات صنّاع السيارات في العالم سيشكل بالتأكيد التكتل الأكبر في العالم، وتحدياً مباشراً لكل من متزعِمي بيع السيارات فيه “فولكسفاكن” و “تويوتا”. هذا وسيكون المقر الرئيسي للمارد الجديد في هولندا، وسيدخل لوائح بورصات ميلانو وباريس ونيويورك، وبذلك سيتمكن من التموضع عالمياً. ويبحث التكتل الجديد عن التكامل، ففي الوقت الذي تتمتع فيه شركة فيات ـ كرايسلر بمواقع جيدة في الولايات المتحدة من خلال بيعها سيارات نقل صغيرة فان مبيعاتها في أوروبا قليلة بعكس شركة “رينو” التي تُعتبر اليوم رائدة في مجال السيارات الكهربائية ولها أعمال مزدهرة في الدول النامية، إنما دون منفذ إلى أسواق الولايات المتحدة. ومعروف أن مساهمة الدولة الفرنسية في أسهم شركة “رينو” يعطيها كلمة فاصلة ومسموعة فيها. وقالت الناطقة بلسان الحكومة الفرنسية Sibeth Ndiaye: “نحن بحاجة اليوم إلى عملاق صناعي يتكوّن في أوروبا”، مضيفة أن مفاوضات الاندماج جرت دون مشاركة من جانب الحكومة الفرنسية. وذكرت مصادر رسمية مطلعة في باريس أن شروطاً محددة يجب تأمينها قبل إتمام الاندماج، من ذلك الحفاظ على التحالف القائم بين “رينو” مع كل من “نيسان” و “ميتسوبيشي” اليابانيتين وتقويته إلى جانب حماية مصالح العمال والموظفين في التكتل. وتعمل شركة “رينو” الفرنسية منذ فترة طويلة مع الشركتين اليابانيتين أعلاه وبلغت مبيعاتها المشتركة في العام الفائت 10,76 ملايين سيارة مقابل بيع “فولكسفاكن” 10,83 ملايين سيارة. وينتظر المرء أن تبلغ مبيعات المارد الفرنسي ـ الإيطالي ـ الأميركي ـ الياباني في حال قيامه أكثر من 15 مليون سيارة في السنة. ورغم أن معظم شروط الاندماج متوافرة، إلا أن الأيام القليلة القادمة ستُظهر ما إذا كان التكتل أعلاه سيرى النور أم لا.
المانيا تشجع شركات ألمانية وأوروبية على الاستثمار في أفريقيا
بمبادرة من الحكومة الألمانية اتخذت “قمة العشرين” التي انعقدت في ألمانيا عام 2017 قراراً بتعزيز التعاون مع الدول الأفريقية بهدف ضمان نمو اقتصادي مستدام فيها. وقامت المستشارة الألمانية Angela Merkel على الأثر بجولة على دول غرب أفريقيا لتأكيد الدعم القادم إليها، وتعهّدت خلال الجولة بإنشاء صندوق جديد للتنمية من أجل التصدي للبطالة في أفريقيا، وهي مشكلة تدفع إلى الهجرة الجماعية. كما انعقدت في برلين قمة في 30 أكتوبر 2018 حضرها 12 رئيس دولة وحكومة بينهم رؤساء مصر عبد الفتاح السيسي، والرئيس التونسي الباجي قائد السبسي ورئيس جنوب أفريقيا سيريل رامابوسا، ورواندا بول كاجامي، ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد بالإضافة الى مشاركة المغرب بهدف إظهار أن القارة مقصد مستقر للاستثمارات الألمانية. وشاركت في القمة أيضاً مديرة صندوق النقد الدولي Christin Lagarde وإلى جانبها عدد من مسؤولي التنمية الدوليين. وفي هذا الوقت وضعت الوزارات والمؤسسات المعنية في برلين خطة عمل تهدف إلى تشجيع شركات ألمانية متوسطة وصغيرة على الاستثمار في القارة السوداء، وتقديم قروض مالية ومساعدات عينية لها لتنفيذ مشاريع تؤدي إلى إرساء بنى تحتية أساسية في دول افريقية عديدة تفتقد ذلك، إلى جانب زيادة المساعدات الإنمائية الألمانية من جهة، وتعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري مع الدول الأفريقية المتطورة نسبياً بهدف زيادة وتيرة نموها وازدهارها من جهة أخرى لتصبح بدورها قادرة على تقديم المعونة والمساعدة لجاراتها الضعيفة اقتصادياً.
وللمبادرة الألمانية هدف آخر يتمثّل في وقف الأعمال الإرهابية والنزاعات العرقية وانعدام الاستقرار في المنطقة، ما يزيد من حركات الهجرة في اتجاه أوروبا. وخلال جولتها الأفريقية بعثت مركل بإشارة دعم من حكومتها ومن أوروبا إلى الحكومات المنتخبة ديمقراطيا في القارة السوداء. وأكد وزير الإنماء الألماني Gerd Müller أكثر من مرة على أنه “إذا لم نحل المشكلات في أفريقيا، فإنها ستأتي إلينا”. لذلك هو على قناعة “بأنه “بمساعداتنا في المنطقة نستطيع تحقيق تأثير مضاعف مئات المرات أكثر مما نفعله عندما يصل إلينا لاجئون”.
وتعمل مؤسسة “شركات الإنماء الألمانية” DEG التابعة للبنك الإنمائي الألماني الحكومي KfW خصيصاً لمساعدة رجال الأعمال الألمان على انشاء شركات صغيرة ومتوسطة في البلاد الافريقية لتعزيز الحركة الاستثمارية والإنتاجية فيها من خلال برنامج AfricaConnect. ومهمة المؤسسة أعلاه ليس حثّ الشركات الألمانية فقط، بل والأوروبية أيضاً، على التفكير في تنفيذ مشاريع استثمارية في الدول الافريقية مع الحصول على كل تسهيل أو مساعدة مطلوبة منها ومن وزارة الانماء الألمانية التي تدعم المؤسسة مالياً أيضا. وعلى الرغم من ذلك فيبدو أن عدد الراغبين في تنفيذ أعمال في أفريقيا لا يزال حتى الآن أقل من الحدّ المطلوب والمرغوب فيه لمساعدة الدول الأفريقية على النهوض لتحسين أوضاعها الاقتصادية. ويرى مسؤولو قسم من الشركات الصغيرة والمتوسطة الألمانية أن الدعم المالي واللوجستي المقدم لهم لا يكفي حتى الآن كي يجازفوا في تنفيذ هكذا مشاريع في دول ينقصها الكثير الكثير من المعدات الضرورية والأيدي العاملة الكفؤة. ويرى وزير الانماء الألماني موللر أنه يوجد في أفريقيا ما بين ست وعشر دول تتميّز بوجود قدرات وإمكانات فيها للتقدم اقتصادياً في فترة زمنية غير طويلة، وكشف أن القروض التي يمكن أن تؤمن للشركات الألمانية والأوروبية للبدء بالمشاريع هناك تراوح بين 750 ألف وأربعة ملايين يورو لكل مشروع ينفذ.
وقالت رئيسة المؤسسة Christiane Laibach في مؤتمر صحافي في برلين مع الوزير موللر: “في العديد من الدول الأفريقية يسجل المرء وجود نمو في الفئة المتوسطة من الشعب، ويقدم هذا الواقع حوافز لممارسة الأعمال هناك والاستثمار فيها”. والشرط الموضوع للحصول على قروض ومساعدات وتسهيلات من المؤسسة في هذا المجال هو أن يقدّم كل راغب في الاستثمار هناك “خطة بيئية واجتماعية واقتصادية لمشروعه كشرط لحصوله على استثمار من المؤسسة”. وحددت رئيسة المؤسسة عدداً من الدول المرغوب الاستثمار فيها حالياً وهي: مصر، اثيوبيا، بنين، بوركينا فاسو، شاطئ العاج، غانا، غينيا، المغرب، رواندا، السنغال، توغو، وتونس. وأضافت أنه في حال رغبت الشركات الألمانية والأوروبية الكبيرة في الاستثمار في أفريقيا فإنها ستجد لدى مؤسستها استعداداً لتقديم ما يحتاجه المرء من تسهيلات ومساعدة شرط تقديم خطط للأعمال والمشاريع المرغوب إقامتها تبعاً للشروط التي حددتها المؤسسة الألمانية.
الرئيس الأميركي يوسّع حروبه التجارية ويداهن أوروبا مؤقتاً
واصل الرئيس الأميركي Donald Trump مداهنة الاتحاد الأوروبي في موضوع فرض رسوم تجارية على صادرات الحديد والألمنيوم إلى بلده، ومدّد أخيراً من جديد لستة أشهر أخرى فترة الحسم التي كان قد حددها لاتخاذ قراره النهائي بزيادة الرسوم. ولا تزال أوروبا ترفض التهديدات الأميركية لها وتدعو إلى التفاوض والاحتكام إلى منظمة التجارة الدولية في أي خلاف تجاري يقع. ويرى مراقبون أن ترامب فضّل أن يداهن الاتحاد الأوروبي حالياً لأنه سيكون صعباً عليه مواجهة مجموعة كاملة من الدول الرئيسية في العالم دفعة واحدة، لذا أجّل الصدام مع أوروبا في الوقت الراهن، خاصة وأنه وسّع إطار الدول التي يسعى إلى اخضاعها لتشمل الهند وسويسرا والمكسيك إضافة إلى الصين.
ورداً على حربه التجارية الحمائية ضد الصين بدأت بكين في 13 مايو الفائت برفع الرسوم الجمركية التي كانت قد فرضتها على معظم الواردات الأمريكية المدرجة على قائمة تتضمّن سلعاً بقيمة تبلغ 60 مليار دولار تقريباً. وتأتي الخطوة هذه كرد انتقامي على تصعيد واشنطن الحرب التجارية ضدها. ويفرض الإجراء الصيني رسوما جمركية إضافية بنسبة 20 و25 في المئة على أكثر من نصف المنتجات الأمريكية القادمة إلى الصين بعد أن اكتفت، بداية، برفع الرسوم من 5 إلى 10 في المئة فقط. ولم يتحدد موعد لجولة جديدة من المحادثات بين كبار المفاوضين من الجانبين منذ أن وصلت الجولة السابقة إلى طريق مسدود في شهر مايو المنصرم. وتُقدّر قيمة السلع التي ستفرض عليها الولايات المتحدة الرسوم الجمركية بـ 200 مليار دولار. واتهمت الصين واشنطن بـ “الافتقار إلى الصدق” وتعهدت بعدم الرضوخ لمطالب الإدارة الأميركية.
وزادت لهجة الصين صرامة منذ أن وضعت واشنطن شركة Huawei technologies co. ltd الصينية العملاقة على قائمة سوداء تحظر عليها عملياً ممارسة الأعمال مع الشركات الأميركية، وبدأت محاربتها دولياً. ويقول ترامب إن العجز الكبير في الميزان التجاري مع الصين يُضرّ باقتصاد بلده. وحذرت الصحف الصينية أخيراً من أن بكين “مستعدة لاستخدام موقعها القوي في سوق المعادن النادرة للرد على الولايات المتحدة. والمعادن النادرة هي مجموعة من 17 عنصراً كيماوياً تُستخدم في صناعات شتى، تبدأ في الإلكترونيات العالية التكنولوجيا ولا تنتهي في المعدات العسكرية. وذكرت غرفة التجارة الأميركية في الصين أن تصاعد التوتر في النزاع التجاري، بما في ذلك التضييق على شركة الاتصالات الصينية “هواوي”، يثير القلق بين المستثمرين في الصين بعد أن أضافت إدارة ترامب أخيراً شركة “هواوي” إلى قائمة الشركات الممنوعة من الحصول على التكنولوجيا الأمريكية دون موافقة واشنطن. امام ذلك هددت الصين على الأثر بالتوقف عن تصدير “المعادن النادرة” إلى الولايات المتحدة، وهي معادن حسّاسة تحتاج إليها بشدة الصناعات الأميركية المختلفة. واتهمت بكين واشنطن “بإدارة حرب سياسية” ضدها، وعقّبت “صحيفة الشعب” الناطقة بلسان الحزب الشيوعي الصيني بالقول: “لا تقولوا إننا لم نحذّركم”. وذكر معهد الاقتصاد الألماني IW في كولونيا أن تنفيذ الصين لتهديدها “سيشكل ضربة قاصمة” لأميركا التي تحتاج إلى المعادن النادرة.
إلى ذلك طالب عدد من أكبر شركات صناعة الأحذية في العالم مثل Nike و Adidasالرئيس الأميركي بإنهاء الحرب التجارية مع الصين مع التحذير من تأثيراتها الكارثية على المستهلك. ووقّعت 173 شركة لصناعة الأحذية في العالم رسالة تقول “إن قرار ترامب برفع الضرائب والتعريفات الجمركية على واردات بلاده من الصين سيؤثر على العاملين في هذا الحقل”، مشيرة في الوقت ذاته إلى أن الرسوم الجديدة تهدد أيضاً مستقبل عدد غير قليل من هذه الشركات. وذكرت الشركات أعلاه التي وقّعت على الرسالة “أن إضافة 25 في المئة إلى الرسوم الموجودة يعني أن العائلات الأميركية من الطبقة العاملة قد تدفع الرسوم الجمركية المقدرة بنسبة 100 في المئة على الأحذية التي تشتريها”. وأضافت: “حان الوقت لإنهاء هذه الحرب التجارية”. ورد ترامب على الشركات مطالباً إياها بخفض كلفة نقل الإنتاج إلى الولايات المتحدة، فردّت بأنها بدأت في نقل إنتاجها إلى خارج الصين، إلا أن صناعة الأحذية تحتاج إلى سنوات من التخطيط لاتخاذ هكذا قرار، ولا تستطيع نقل مصانعها بين عشية وضحاها”. ونشرت الغرفة التجارية الأمريكية في الصين نتائج استطلاع أجرته بأن أكثر من 40 في المئة من الشركات الأميركية نقلت أو تفكر في نقل إنتاجها إلى خارج الصين لتفادي ارتفاع الرسوم عليها، وأن ثلث الشركات قرر تأجيل أو إلغاء استثمارات مقررة في الصين.
من جهة أخرى واصل الرئيس الأميركي ضم دول أخرى إلى لائحة العقوبات التجارية لأسباب مختلفة. فقد قرر إنهاء صفة “الوضع التفضيلي” للهند كـ “دولة نامية” من جانب بلده بدءاً من الخامس من شهر يونيو الجاري وإعادة سريان الرسوم الجمركية على الصادرات والواردات إليها ومنها، والحجة أن الهند “لا تسمح للولايات المتحدة بدخول أسواقها بصورة عادلة ومقبولة”. وسيكون على الهند الآن دفع رسوم سنوية على الفي مُنتَج مصدّر منها إلى السوق الأميركية بقيمة تبلغ 5,6 مليار دولار. واستكمالاً لمحاولاته المستمرة لمنع الهجرة غير الشرعية إلى الولايات المتحدة من جارته المكسيك قرر ترامب فرض رسوم من خمسة في المئة على جميع السلع القادمة من هذا البلد ابتداء من العاشر من يونيو الجاري، لكنه عاد وجمّد القرار بعد اتفاق الحكومة المكسيكية والحكومة الامريكية على اتخاذ إجراءات تساعد على الحد من الهجرة منها. وبدوره حذر وزير الخارجية الأميركي Mike Pompeo سويسرا بشدة أخيراً من التعامل مع شركة “هواوي” في تكنولوجيا الهاتف المحمول الذي تنتجه “حتى لا تقع ضحية تجسس صيني عليها”. وخلال انعقاد مؤتمر وزراء اقتصاد وتجارة الدول الـ 20 في اليابان مطلع الشهر الجاري للتحضير للقمة الدولية التي سيعقدها رؤساء دول وحكومات هذه الدول، ويحضرها الرئيسان الأميركي والصيني، ظهر بوضوح أن الوفد الأميركي يضغط بكل امكاناته لعرقلة الاتفاق على تطبيع العلاقات التجارية والاقتصادية في العالم. وكشف صندوق النقد الدولي خلال المؤتمر أن النزاعات الدولية الحالية ستخفض نمو الاقتصاد العالمي للعام الجاري بمقدار 0,5 في المئة.