تراجع مناخ الاعمال للشركات في ألمانيا خلال شهر يوليو 2024م، بشكل ملحوظ حيث انخفض مؤشر ifo إلى 87 نقطة بعد ان كان عند مستوى 88.6 نقطة في يونيو الماضي. ويعود السبب الرئيسي في هذا التراجع الى ان الشركات كانت أقل رضا عن مستوى الأعمال الحالي، بالإضافة الى زيادة الشكوك وحالة عدم الثقة في مستوى الاعمال المتوقع خلال الأشهر القادمة. ويؤشر كل ذلك الى ازدياد الصعوبات التي يواجها الاقتصاد الألماني في الوقت الحاضر.

     وانخفض مؤشر مناخ الأعمال في قطاع الصناعة بشكل ملحوظ في شهر يوليو حيث تراجع المؤشر الى مستوى (- 14.1 نقطة) بعد ان كان عند مستوى (-9.3 نقطة) في يونيو الماضي، وكان السبب في هذا الانخفاض الكبير تقييم الشركات الأكثر سلبية لمستوى الاعمال الحالي مقارنة بالشهر السابق هذا الى جانب تراجع تقييم الشركات لمستقبل الاعمال خلال الأشهر القادمة خصوصا مع انخفاض تراكم الطلبات وتراجع معدل استغلال قدرات التشغيل والإنتاج الى 77.5 في المئة، أي أقل بست نقاط مئوية من متوسط التشغيل والإنتاج خلال السنوات الماضية.

     وفي قطاع الخدمات، انخفض المؤشر مرة أخرى بعد التعافي في الأشهر الأخيرة حيث سجل المؤشر في يوليو مستوى 0.7 نقطة بعد ان سجل مستوى 4.2 نقطة في الشهر السابق. ويعزى ذلك بشكل رئيسي إلى التوقعات الأكثر تشاؤماً بمستوى الاعمال خلال الفترة القادمة، إضافة الى تصنيف شركات القطاع لمستوى اعمالها في الوقت الحاضر الحالي بأنه أقل جودة مما كان عليه في الأشهر السابقة.

     كما تراجع مؤشر مناخ الأعمال في قطاع التجارة والذي سجل في يوليو مستوى ( -27.8 نقطة) منخفضا من مستوى ( -23.6 نقطة) المسجل في يونيو، حيث كانت الشركات أقل رضا عن الأعمال الحالية، خصوصا للشركات العاملة في قطاع التجزئة، الى جانب تراجع كبير لتوقعات الاعمال في الفترة القادمة.

     وانخفض المؤشر في قطاع البناء بشكل محدود الى مستوى ( -26 نقطة) بعد ان كان عند مستوى ( -25.2 نقطة) وكانت شركات القطاع قد صنفت وضع أعمالها الحالي على أنه أسوأ إلى حد ما، فيما بقيت توقعاتها للأعمال في الفترة القادمة دون تغيير تقريبا واتسمت بالتشاؤم الواضح.

     من جانب أخر، اظهر تقرير لمكتب الإحصاء الاتحادي ان الإنتاج في ألمانيا قد انخفض بشكل مفاجئ في مايو 2024م. وبحسب التقرير فقد انخفض انتاج قطاع الصناعة وقطاع البناء بالإضافة الى انتاج شركات الطاقة معًا أقل بنسبة 2.5 في المئة مقارنة بالشهر السابق. بينما كان الخبراء ينتظرون زيادة لهذا الإنتاج بنسبة 0.2 في المئة خصوصا بعد ان ارتفع انتاج هذه القطاعات الأساسية في شهر أبريل بنسبة 0.1 في المئة. وبالمقارنة مع مستوى الإنتاج لهذه الصناعات مقارنة بنفس الشهر من العام الماضي، كان الإنتاج في مايو أقل بنسبة 6.7 في المئة.

     من جانبها اشارت وزارة الاقتصاد الاتحادية الى أن “الانخفاضات المستمرة في الطلبات، جنبًا إلى جنب مع التراجع الأخير في توقعات الأعمال في قطاع الصناعة، تشير إلى انخفاض الإنتاج الصناعي في الأشهر المقبلة”. وأضافت الوزارة أن الإنتاج قد يستقر فقط في حال انتعاش التجارة العالمية تدريجياً وارتفاع الطلب على المنتجات الصناعية. وقد سجل الإنتاج الصناعي في ألمانيا في مايو 2024م، انخفاضًا بنسبة 2.9 في المئة مقارنة بالشهر السابق. وانخفض إنتاج السلع الاستثمارية بنسبة 4 في المئة، بينما تراجع إنتاج السلع الوسيطة بنسبة 2.7 في المئة. وانخفض إنتاج السلع الاستهلاكية بنسبة 0.2 في المئة.  كما انخفض الإنتاج في قطاع البناء في شهر مايو ايضًا بنسبة 3.3 في المئة مقارنة بالشهر السابق، حيث يواجه القطاع حالياً ركوداً في الطلبات.  ووفقا لتقرير مكتب الإحصاء الاتحادي ايضًا انخفضت الطلبات على المنتجات الصناعية في مايو للشهر الخامس على التوالي بنسبة 1.6 في المئة مقارنة بالشهر السابق، ولا يبدو أن هناك إمكانية للتحسن على المدى القصير، خاصة وأن حالة الصناعة في الأسواق الخارجية مثل الولايات المتحدة والصين ليست مشجعة أيضاً.

     علاوة على ذلك، انخفضت الصادرات الألمانية في مايو بمعدل يقارب ضعف المتوقع، في حين انخفضت الواردات بشكل أكبر. حيث انخفضت صادرات الشركات الألمانية في مايو 2024م بأكبر قدر منذ ديسمبر 2023م. إذ تراجعت الصادرات بنسبة 3.6 في المئة مقارنة بالشهر السابق لتصل إلى 131.6 مليار يورو. وكان الخبراء يتوقعون انخفاضاً بنسبة 1.9 في المئة فقط. بينما كانت الصادرات في أبريل قد ارتفعت بنسبة 1.7 في المئة. أما الواردات، فقد انخفضت في مايو بنسبة 6.6 في المئة لتصل إلى 106.7 مليار يورو. وكان الخبراء يتوقعون انخفاضاً بنسبة 1 في المئة فقط. وقد حقق ميزان التجارة الخارجية في مايو 2024م، فائضًا قدره 24.9 مليار يورو. فيما كان هذا الفائض في أبريل 2024م، عند 22.2 مليار يورو. هذا وكان الميزان التجاري الألماني قد حقق في شهر مايو من العام 2023م، فائض بنحو 16.8 مليار يورو.

     في سياق متصل، اظهر تقرير لمعهد ifo ان هنالك اختلافًا في معدلات النمو الاقتصادي بين الولايات الشرقية والولايات الغربية في ألمانيا حيث يتوقع باحثو المعهد أن يشهد الاقتصاد في شرق ألمانيا نموًا أعلى من المتوسط مقارنة بالاقتصاد الألماني ككل في السنوات القادمة إذ يُنتظر ان ينمو الناتج المحلي الإجمالي في الولايات الشرقية العام 2024م، بنسبة 1.1 في المئة وبنسبة 1.7 في المئة في العام 2025م، بينما من المتوقع أن ينمو الاقتصاد الألماني ككل بنسبة 0.4 في المئة فقط هذا العام، ثم بنسبة 1.5 في المئة في العام المقبل.

      ويرجع الخبراء هذا التفاوت في نسب النمو الى عدة عوامل من أبرزها ارتفاع القدرة الشرائية في الولايات الشرقية بعد زيادة المعاشات التقاعدية بنسبة 5.86 في المئة بينما كانت هذه الزيادة في الولايات الغربية عند نسبة 4.39 في المئة وذلك من اجل تحقيق المساواة في المعاشات التقاعدية في كل ألمانيا. كما يضاف الى هذا العامل ان نسبة المتقاعدين في الولايات الشرقية بالنسبة لعدد العاملين هي أعلي من تلك الموجودة في الولايات الغربية. الى جانب ذلك يستفيد الكثير من الأشخاص في شرق ألمانيا من زيادة الحد الأدنى من الأجور أكثر من الولايات الغربية.

     إلى جانب القوة الشرائية، هناك تأثير آخر جعل الناتج الاقتصادي في الشرق ينمو بشكل أقوى من نظيره في الغرب، إذ ان الصناعات الموجودة في شرق ألمانيا أقل اعتمادا على التصدير من الصناعات الموجودة في الغرب، ويوضح Klaus-Heiner Röhl، الخبير الاقتصادي في معهد الاقتصاد الألماني في كولونيا (IW) ان “قطاع الصناعة في الشرق موجه بشكل رئيسي نحو الاستهلاك الداخلي بينما تعتمد الصناعات في الولايات الغربية بشكل كبير على التصدير، وبالتالي وفي فترات ركود الاقتصاد العالمي كما نشهد حاليًا، يتأثر الأداء الاقتصادي في الغرب بمثل هذا الانكماش بشكل أكبر بكثير من نظيره في الشرق”. “بالأخص في الولايات الأقوى صناعيًا مثل بافاريا وبادن-فورتمبيرج التي تمتلك صناعات تعتمد بشكل كبير على التصدير، لا سيما صناعة السيارات وصناعة المعدات والآلات”.

     وحول إمكانية ان يصبح اقتصاد الولايات الشرقية محرك النمو لألمانيا بأكملها، يؤكد Joachim Ragnitz، نائب مدير فرع معهد ifo في دريسدن ان ” شرق ألمانيا يمثل 16 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي لألمانيا فقط، وهذا يعني انه لا يمكن بالتالي وصف اقتصاد الولايات الشرقية لألمانيا بأنه ‘محرك للاقتصاد الألماني بأكمله’،”.

سوق العمل: ارتفاع طفيف للبطالة وأداء متميز لألمانيا في دمج اللاجئين في سوق العمل

     ارتفع عدد العاطلين عن العمل في شهر يونيو بشكل طفيف بنحو 4 الاف شخص مقارنة بالشهر الذي سبق ليصل إلى 2.727 مليون على العكس مما هو معتاد في هذا الوقت من العام حيث كان يتوقع ان يتراجع عدد العاطلين عن العمل.  وبالمقارنة مع نفس الشهر من العام الماضي، ارتفع عدد العاطلين عن العمل بمقدار 172.000 شخص. وعزت Andrea Nahles، رئيسة وكالة العمل الاتحادية (BA)، هذه الأرقام بشكل رئيسي إلى ضعف الاقتصاد، وأوضحت أن “الضعف في سوق العمل لا يزال مستمراً”. وأشارت إلى أن البطالة ونقص العمالة قد زادا بشكل ملحوظ حيث لا تزال العديد من الشركات متحفظة في التوظيف. وفي الأشهر الماضية تسبب الأداء الضعيف للاقتصاد في ضعف الانتعاش المعتاد في سوق العمل في فصل الربيع.

 وبحسب وكالة العمل، لم تتغير نسبة البطالة في يونيو مقارنة بشهر مايو حيث بقيت عند 5.8 في المئة، وهو ما يمثل أعلى بنحو 0.3 نقطة مئوية مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي.

     في جانب برنامج العمل بدوام مختصر الحكومي بلغ عدد المسجلين الجدد في البرنامج خلال الفترة من 1 يونيو وحتى 24 يونيو، حوالي 42 ألف شخص وهو ما يقارب العدد المسجل في نفس الفترة من الشهر السابق. إذ يظهر ان الأداء الضعيف للاقتصاد لم يتسبب بعد في دفع الشركات لتسجيل المزيد من موظفيها في البرنامج. وبحسب أحدث البيانات التي نشرتها وكالة العمل الاتحادية بلغ مجموع المستفيدين من برنامج العمل بدوام مختصر في شهر أبريل 2024م، نحو 242 ألف شخص بعد ان كان 223 ألف شخص في مارس و201 ألف في فبراير. من جهة أخرى بلغ عدد الوظائف الشاغرة المسجلة لدي وكالة العمل الاتحادية في شهر يونيو 701 ألف وظيفة، أي أقل بـ 69 ألف وظيفة مقارنة بالعام السابق.

     في سياق متصل، اظهر تقرير صادر عن منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OECD) فيما يتعلق بدمج اللاجئين في سوق العمل في الدول الأعضاء، ان ألمانيا حققت نتائج إيجابية في دمج اللاجئين في سوق العمل. وقالت المنظمة إن “نسبة التوظيف بين اللاجئين في ألمانيا بلغت رقمًا قياسيًا قدره 70 في المئة في عام 2022م، وهي نسبة أعلى بكثير من معظم الدول الأوروبية الأخرى”.   وأشار التقرير إلى أن استثمارات ألمانيا في دمج اللاجئين قد أثمرت، حيث “ان الفروق في ظروف المعيشة غالبًا ما تكون أقل من البلدان الأخرى، ونسب التوظيف بين المهاجرين مرتفعة بالمقارنة الدولية.” وأضاف التقرير أن ما يقرب من ثلثي المهاجرين الذين يعيشون في ألمانيا منذ خمس سنوات على الأقل يتحدثون الألمانية بمستوى متقدم. وهنا تُظهر ألمانيا نتائج إيجابية بشكل خاص عند مقارنتها مع البلدان الأخرى حيث “تحسنت مهارات اللغة بين المهاجرين في ألمانيا بشكل أكبر مما هي عليه في معظم الدول الأوروبية الأخرى”.

     وقالت مفوضة الاندماج في الحكومة الألمانية، Reem Alabali-Radovan، إن “كل يورو يتم استثماره في هذا المجال هو مال مستثمر بشكل جيد”. وأضافت “الاندماج في ألمانيا يعمل بشكل أفضل بكثير مما يُعتقد.” ومع ذلك، ما زال هناك الكثير مما يجب فعله. “نظامنا التعليمي ليس مهيأ بعد لمجتمع الهجرة الذي أصبحنا عليه منذ زمن طويل.” وأشار تقرير منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OECD) إلى أن الأطفال الذين ولدوا في ألمانيا لأبوين مهاجرين يستفيدون بشكل جيد جدًا من النظام التعليمي، حيث ان مستوى تعليمهم يتجاوز القيم المسجلة في معظم الدول الأخرى. لكن هذه النتائج لا تسري على الأطفال الذين ولدوا خارج ألمانيا قبل القدوم اليها حيث، وبغض النظر عن العمر، تكون النتائج أسوأ من الدول المقارنة، اذ لم يتم إحراز أي تقدم في هذا المجال.

     ووفقًا لدراسة منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية توجد حاجة لتحسين الإجراءات المتعلقة بالنساء المهاجرات اللاتي لديهن أطفال صغار، وخاصةً القادمين مؤخرًا من أوكرانيا. حيث ان مستوى دمجهن في سوق العمل أسوأ من الدول الأخرى. فمنذ بدأ الحرب الروسية الأوكرانية لجأ أكثر من مليون شخص من أوكرانيا إلى ألمانيا. وبحسب بيانات مسح القوى العاملة الذي نشره مكتب الإحصاء الاتحادي في ألمانيا فانه وعلى الرغم من المستوى التعليمي العالي، إلا أن واحدة فقط من كل خمس نساء اوكرانيات مهاجرات في سن العمل لديها وظيفة حتى الآن.

     وبحسب تقرير منظمة التعاون (OECD)، فان الانتقادات التي تقول إن عددًا قليلاً جدًا من طالبي اللجوء يجدون وظائف ويعتمدون بدلاً من ذلك على المساعدات الحكومية، تتركز لدي شريحة المهاجرين الذين لديهم تعليم ابتدائي فقط. “هذه المجموعة تشكل أكثر من سدس المهاجرين، والتي زادت نسبتهم في السنوات العشر الأخيرة.” حيث ان نصف هذه الشريحة فقط يحصلون على وظائف، وربعهم فقط يصلون إلى مستوى متقدم في اللغة الألمانية بعد خمس سنوات من الإقامة.

الائتلاف الحاكم يقر مشروع موازنة الحكومة الاتحادية للعام 2025م

     توصل قادة أحزاب الائتلاف الحاكم وبعد مفاوضات طويلة الى اتفاق حول مشروع موازنة الحكومة الاتحادية للعام 2025م، ونص الاتفاق الذي توصل اليه كل من المستشار الألماني أولاف شولتس (الحزب الاشتراكي الديمقراطي)، ووزير المالية كريستيان ليندنر (الحزب الديمقراطي الحر)، ووزير الاقتصاد روبرت هابيك (حزب الخضر)، على ان لا تتجاوز موازنة 2025م مبلغ 481 مليار يورو مع الالتزام بالمادة الدستورية الخاصة بكابح الديون والتي تنص على ان لا تتجاوز الديون الجديدة للحكومة الاتحادية نسبة 0.35 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، والتي تم تعطيلها بموافقة البرلمان الاتحادي (البوندستاج) خلال الأعوام 2020م،2021م و2022م بسبب جائحة كورونا لإتاحة المجال للحكومة الاتحادية لتمويل برامج الدعم الاقتصادي المختلفة من خلال الاقتراض.

     في الموازنة الاتحادية لعام 2025م، تم تخصيص إجمالي نفقات بقيمة 481 مليار يورو. وهو ما يعني ان الحكومة ستقوم بإجراء تخفيضات في موازنة العام القادم مقارنة بموازنة العام 2024م، والذي من المتوقع ان تبلغ 489 مليار يورو. وتخطط الحكومة الاتحادية في العام المقبل لاقتراض جديد بقيمة 44 مليار يورو. وشدد وزير المالية كريستيان ليندنر على أن هذه القروض ستتم في إطار الحد الذي يسمح به “كابح الديون”. كما تضمن مشروع الموازنة ايضًا ان يتم استثمار 57 مليار يورو. واكد ليندنر أن موازنة 2025م، وبالرغم من التخفيضات ليست ميزانية تقشفية على الإطلاق، حيث تمت مراجعة كل بند في الموازنة لخفض النفقات حيثما أمكن.

     ومن ضمن طرق خفض النفقات ترى الأوساط الحكومية ان يكون هنالك على سبيل المثال، “تقديرًا أكثر واقعية” للمساهمات التي تدفع للاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى ذلك، وبعد خفض الفائدة في منطقة اليورو والتوقعات باستمرار إجراءات الخفض خلال الفترات القادمة فمن المتوقع ان تنخفض ايضًا قيمة الفوائد التي ستدفعها الحكومة عن الديون الاتحادية. كما تتحدث مصادر في الائتلاف عما يسمى بالتخفيضات العامة، وهذه تخفيضات في النفقات غير المحددة بدقة ويعتمد الائتلاف على أن الوزارات ستنفق أموال أقل مما تم تخصيصه لها في الموازنة.

     وفي تفاصيل مشروع الموازنة، اقر الائتلاف مبلغ 53.2 مليار يورو لوزارة الدفاع وهو المبلغ الأعلى بنحو 1.2 مليار يورو مقارنة بموازنة العام 2024م، ولكنه أقل من الزيادة التي كان قد طلبها وزير الدفاع والتي كان من المفترض ان لا تقل عن 6.5 مليار يورو. كما تضمن مشروع الموازنة زيادة المبلغ المخصص للأطفال (Kindergeld) ليصل الى 255 يورو لكل طفل شهريًا بداية من العام القادم، كما سيتم رفع المبلغ المعفى من الضرائب من دخل الاسرة بما يسمى مخصصات الأطفال بمقدار 228 يورو ليصل الى مبلغ 9540 يورو. فيما أقر مشروع الموازنة خفض مخصصات عدد من الوزارات بأقل مما حصلت علية في موازنة العام الحالي، وتشمل هذه الوزارات وزارة التعاون الدولي والتنمية (ناقص 937 مليون يورو)، وزارة الخارجية (ناقص 836 مليون يورو) ووزارة الاقتصاد وحماية البيئة (ناقص 833 مليون يورو). بينما ستتلقى عدة وزارات أموال أكثر مما تلقته في العام 2024م، ومن ضمن هذه الوزارات وزارة العمل (زائد 3.6 مليار يورو)، وزارة النقل (زائد 2.5 مليار يورو).

     كما تضمن مشروع موازنة 2025م، برنامج لتحفيز النمو باسم “حزمة النمو” تتضمن العديد من الإجراءات التي تستهدف رفع إضافي للناتج المحلي الإجمالي بما يزيد عن 0.5 في المئة أو ما يساوي 26 مليار يورو. ويندرج تحت هذه الإجراءات تسريع عملية تنفيذ المشاريع الاستثمارية وتقديم دعم اضافي للبحث العلمي. كما تعتزم الحكومة الاتحادية تقليل البيروقراطية من خلال إدخال اختبارات عملية ملزمة في جميع الوزارات. كما ستمنح الحكومة خصومات ضريبية خاصة للسيارات الكهربائية المستخدمة تجاريًا. هذا بالإضافة الى تبسيط قوانين حماية البيانات لتخفيف العبء على الشركات الصغيرة بشكل خاص. كما تضمنت الحزمة تعليق قانون سلاسل التوريد الألماني حتى يدخل القانون الأوروبي في هذا الجانب حيز التنفيذ وبالتالي تخفيف الأعباء على الشركات الألمانية.

     وقد تلقت الشركات ومعاهد الأبحاث الاقتصادية بارتياح تسوية احزاب الائتلاف لخلافتها وتوصلها الى مشروع لموازنة العام القادم، ولكن العديد من ممثلي الاقتصاد يرون أن التدابير المتخذة ليست كافية. حيث قال Dirk Jandura، رئيس الاتحاد الألماني لتجارة الجملة والتجارة الخارجية BGA، معلقًا على خطط الموازنة للحكومة الاتحادية لهذا العام والعام المقبل: “مبادرة النمو جيدة، ولكنها ليست كافية بعد”. وهو الرأي الذي اتفق معه العديد من ممثلي الاقتصاد الآخرين، على سبيل المثال، وصف اتحاد الصناعات الكيميائية (VCI) حزمة النمو بأنها “ليست خطوة كبيرة”، في حين تحدث Marcel Fratzscher، رئيس المعهد الألماني للبحوث الاقتصادية DIW، عن “الكثير من الألغام السياسية” التي يتضمنها مشروع الموازنة الاتحادية لعام 2025م، والتي قد تثير خلافات بين احزاب الائتلاف عندما يأتي وقت تنفيذها.

     وبعد موافقة مجلس الوزراء على مشروع الموازنة من المخطط أن تُجرى أولى المناقشات في البرلمان الاتحادي (البوندستاج) في منتصف سبتمبر، فيما يُتوقع أن يتم إقرارها في نوفمبر أو ديسمبر القادم.

مليوني شقة فارغة في ألمانيا

     أعلن مكتب الإحصاء الاتحادي (Destatis)، نتائج إحصاء السكان والمساكن في ألمانيا والذي اجري في 15 من مايو 2022م، وهو التعداد الذي يجري كل عشر سنوات، حيث كان التعداد السابق قد اجري في 2011م، وبسبب جائحة كورونا، تم تأجيل الاحصاء المفترض في 2021م إلى العام 2022م.  وقد أظهرت نتائج التعداد ان عدد سكان ألمانيا قد بلغ حوالي 82.7 مليون نسمة. ومقارنة بالأرقام الافتراضية المسجلة لعدد السكان يعد هذا انخفاضًا بنحو 1.4 مليون نسمة عما كان يُعتقد سابقًا. اما بالنسبة لعدد المساكن فقد بلغ عدد المباني نحو 20 مليون مبنى كما ان هنالك 43.11 مليون شقة وهو ما يمثل زيادة بنحو 2.5 مليون شقة عن تعداد العام 2011م. وقد جاءت هذه الأرقام بناءً على المعلومات التي قدمها ما يقرب من 23 مليون مالك عقار بالإضافة الى 8000 شركة إسكان.

     وعلى الرغم من أزمة السكن المتفاقمة في العديد من مدن ومناطق ألمانيا، الا ان هناك ما يقرب من مليوني وحدة سكنية خالية في ألمانيا وفقًا لمكتب الإحصاء، حيث كان هنالك في 15 مايو 2022م، حوالي 1.9 مليون وحدة سكنية غير مستخدمة لأسباب مختلفة، مما يمثل نسبة شغور تبلغ 4.3 في المئة.  ويتركز الجزء الأكبر من هذه المساكن بشكل خاص في المدن الكبرى. ففي برلين وحدها كان هناك أكثر من 40,000 وحدة سكنية شاغرة وفي ميونخ أكثر من 20,000 وحدة. وفي مدن كبرى أخرى كان هناك آلاف الوحدات السكنية الشاغرة، في هامبورغ كان هناك أقل من 20,000 وحدة، وكذلك كان عدد الشقق الفارغة في لايبزيج 20 ألف وحدة. في دريسدن كان هناك حوالي 13,000 وحدة سكنية خالية. بينما كان عدد الوحدات السكنية الشاغرة أقل في المدن الصغيرة ففي مدينة ايرفورت عاصمة ولاية تورنجن كان هناك حوالي 5,000 وحدة سكنية شاغرة، وفي توبنجن حوالي 1,000 وحدة، وفي مدينة ماربورغ الجامعية كان عدد الوحدات السكنية الشاغرة حوالي 1,000 وحدة أيضًا. أكثر من نصف هذه العقارات الشاغرة (55 بالمئة) لم تُسكن منذ أكثر من عام، ونحو أكثر من ثلث الشقق الفارغة (38 بالمئة) كانت جاهزة للسكن في الأشهر الثلاثة التالية.

     في الولايات المدينة مثل هامبورغ وبريمن وبرلين، كانت نسبة هذه الشقق الجاهزة للسكن تتراوح بين 52 و61 بالمئة. كما كان من المخطط إجراء أعمال بناء أو تجديد لما يقرب من ربع الشقق الفارغة (24 بالمئة). وكانت نسبة الهدم مقتصرة على 4 بالمئة فقط من الشقق الشاغرة. بينما كان من المخطط بيع 7 بالمئة من الشقق أو استخدامها من قبل الملاك أنفسهم.

     وبحسب مكتب الإحصاء الاتحادي فقد ارتفع متوسط مساحة المساكن في ألمانيا منذ تعداد 2011م بمقدار ثلاثة أمتار مربعة ليصل إلى 94.4 متر مربع لكل شقة. وقد اختلفت زيادة مساحة المساكن بين الولايات الشرقية والولايات الغربية حيث ارتفعت في الولايات الألمانية الشرقية مثل ساكسونيا، ساكسونيا-أنهالت وتورينجن بمقدار خمسة أمتار مربعة تقريبًا، وهو معدل أعلى من الولايات الألمانية الغربية التي زادت بمقدار ثلاثة أمتار مربعة، أما في المدن التي تعد ولايات مثل هامبورج وبرلين زادت المساحات بأقل من متر مربع. ومن الناحية الرياضية البحتة، تعد مساحة المساكن في ألمانيا كافية، الا انه بإلقاء نظرة على مساحة المساكن في المناطق الحضرية وعلى مساحة المساكن في الريف يظهر أن مساحة المعيشة موزعة بشكل غير متساو.

     كما وفر إحصاء 2022م، ولأول مرة، بيانات حول الإيجارات الصافية بدون حساب تكاليف التدفئة والمياه والتكاليف الأخرى للشقق لكل البلديات والمدن في ألمانيا بحيث أصبحت تكاليف الإيجار قابلة للمقارنة على مستوى البلاد. وبناء على هذه البيانات بلغ متوسط الإيجار الصافي لكل متر مربع في شقة سكنية في ألمانيا نحو 7.28 يورو. ومع ذلك، هناك اختلافات كبيرة بين الأقاليم والمدن. ففي ولاية هامبورج، كان صافي الايجار لكل متر مربع في شقة سكنية هو الأعلى بمعدل 9.16 يورو، تليها بافاريا (8.74 يورو)، هيسن (8.21 يورو)، وبادن-فورتمبيرج (8.13 يورو). بينما كان صافي الايجار الأرخص في ولاية ساكسونيا-أنهالت، بمتوسط 5.38 يورو، تليها تورينجن (5.65 يورو) وساكسونيا (5.72 يورو). فيما يتعلق بمتوسط الإيجار الصافي لكل متر مربع في شقة سكنية في المدن الكبرى، تتصدر ميونيخ القائمة بحوالي 12.89 يورو، فرانكفورت أم ماين (10.58 يورو)، شتوتجارت (10.39 يورو)، وهايدلبرج (10.02 يورو). وتأتي برلين في الوسط بمتوسط 7.67 يورو لكل متر مربع.

مخاوف من نزاع تجاري بعد فرض المفوضية الأوروبية رسوم جمركية على السيارات الصينية

     فرضت المفوضية الأوروبية ابتدًأ من 5 يونيو 2024م، رسومًا جمركية على واردات السيارات الصينية او المنتجة في الصين، وقد تصل قيمة هذه الرسوم الاضافية الى نسبة 38.1 في المئة، اعتمادا على مدى الدعم الذي تتلقاه الشركة المصنعة من الحكومة الصينية وأيضا مدي تعاونها مع الإجراءات الرسمية للاتحاد الأوروبي، حيث سيتم فرض رسوم إضافية متفاوتة فبالنسبة لشركة BYD، ونظراً للتعاون الجيد والمساعدات الحكومية الأقل، سيتم فرض أدنى نسبة وهي 17 في المئة، بينما سيتوجب على مجموعة Geely دفع 20 في المئة كرسوم إضافية. كما ستبلغ الرسوم الإضافية على شركة SAIC التي يقع مقرها الرئيسي في شنغهاي، والمعروفة في أوروبا بعلامة MG، حوالي 38.1 في المئة نظراً لعدم تعاونها. أيضاً شركة تسلا، التي يتم تصنيع موديل 3 الخاص بها لأوروبا في شنغهاي، من المحتمل أن تواجه رسوم إضافية بنسبة 21 في المئة. كما تتأثر الشركات المصنعة الغربية التي تصنع في الصين، بما في ذلك شركة فولفو السويدية التي تعود ملكيتها إلى مجموعة Geely الصينية منذ عام 2010م.

     وقد اعتبرت المفوضية الاوروبية ان لها الحق وفقًا لقواعد التجارة الدولية، في زيادة رسوم الاستيراد على السيارات الكهربائية الصينية لأن حكومة الصين تدعم شركات السيارات المحلية بشكل غير مبرر وأيضا من أجل حماية الصناعة المحلية داخل دول الاتحاد. ومع هذه الرسوم الإضافية تظل النسبة التي فرضها الاتحاد على واردات السيارات الكهربائية من الصين أقل من تلك التي فرضتها الولايات المتحدة الامريكية والتي بلغت 100 في المئة.

     وكانت قد جرت مباحثات غير رسمية بين المفوضية الأوروبية ومفاوضين صينيين وأيضا مع ممثلين عن عدد من شركات صناعة السيارات الصينية مثل شركة SAIC الصينية المملوكة للدولة والشركة الرائدة في صناعة السيارات الكهربائية BYD وعدد من الشركات الأوروبية التي تنتج عددا من سياراتها في الصين مثل BMW وفولكس فاجن، للتوصل الى خارطة طريق لتقليل الممارسات الضارة المدعومة التي تم انتقادها في تصنيع السيارات الكهربائية في الصين، الا ان نتائج هذه المباحثات لم تؤدي الى الوصول الى حل ودي.

     وتعتبر هذه الرسوم الإضافية مؤقتة حتى اجتماع دول الاتحاد الأوروبي في نوفمبر القادم والتي ستبحث ما إذا كانت هذه الرسوم ستظل دائمة أم لا. وبينما تعارض ألمانيا قرار المفوضية الاوروبية حيث حققت شركات السيارات الألمانية في العام الماضي ثلث إيراداتها في الصين، تؤيد فرنسا هذا القرار وكذلك إيطاليا وإسبانيا. فيما تقوم أغلبية دول الاتحاد حالياً بموازنة الإيجابيات والسلبيات الخاصة بالقرار خصوصًا مع احتمال حدوث نزاع تجاري متصاعد مع ثاني أكبر اقتصاد في العالم. وتشمل هذه الدول اليونان، جمهورية التشيك، أيرلندا، بولندا، بلجيكا وهولندا.

     ومن المقرر أن يتم في الاجتماع المخطط له في نوفمبر اتخاذ القرار النهائي حول استمرار هذه الرسوم الإضافية على واردات السيارات الصينية لمدة خمس سنوات مبدئيًا.  ويمكن أن يتم عرقلة القرار إذا صوتت “أغلبية مؤهلة” من 15 دولة عضو على الأقل أو ما يمثل 65 في المئة من سكان الاتحاد الأوروبي ضده. وهو الامر الصعب حدوثه لان دول فرنسا وإيطاليا واسبانيا المؤيدة للقرار تمثل نحو 40 في المئة من سكان الاتحاد.

     وتعترض صناعة السيارات في ألمانيا على الرسوم الجمركية العقابية، معتبرةً أنها حماية ضارة وغير مجدية لا للاتحاد الأوروبي ولا لألمانيا. حيث تُعد الصين أكبر سوق للسيارات في العالم، ووفقاً لاتحاد مصنعي السيارات الألماني VDA، كانت الصين ثالث أكبر سوق تصدير للسيارات الألمانية في عام 2023م، بعد الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، حيث بلغت قيمة صادرات السيارات الألمانية إلى الصين في عام 2023م، حوالي 15.1 مليار يورو، بينما بلغت قيمة الواردات 4 مليارات يورو. كما أن قطع غيار السيارات المصدرة إلى الصين تبلغ قيمتها 11.2 مليار يورو، وهي أربعة أضعاف ما يتم استيراده منها. لهذا تخشى صناعة السيارات الألمانية أن تكون الإجراءات المضادة من بكين أكثر ضررًا من الرسوم الجمركية نفسها. كما يُخشى أن تؤدي الرسوم الجمركية المتبادلة إلى تصعيد متبادل في القيود التجارية قد يمتد إلى قطاعات اقتصادية أخرى.

     وفيما يتعلق برد الفعل الصيني المحتمل، تتوقع بعض المصادر أن تقتصر الإجراءات المضادة الصينية على فرض رسوم جمركية إضافية على السلع الفاخرة من فرنسا وإيطاليا، وهو ما يعني ان الصين قد تستهدف الدول التي كانت أكثر تأييدًا للرسوم الجمركية وتتجنب الاضرار بعلاقتها الاقتصادية مع دول أخرى وبشكل خاص ألمانيا، خصوصا ان نصيب السيارات المصنوعة في الصين من سوق السيارات الكهربائية في أوروبا في العام 2023م، لم يتجاوز 19 في المئة وفي ألمانيا 15 في المئة. وان أكثر من نصف هذه السيارات جاءت من شركات غربية مثل تسلا، بي إم دبليو، ورينو-داسيا، التي تُصنع سياراتها للسوق الأوروبي في الصين.