انخفض مؤشر ifo لمناخ الاعمال للاقتصاد الألماني خلال شهر مايو الى مستوى 91.7 نقطة، بعد ان كان قد سجل مستوى 93.4 نقطة في شهر أبريل الماضي. وهذا هو أول انخفاض للمؤشر بعد ست زيادات متتالية. ويرجع هذا الانخفاض الى التوقعات الغير إيجابية لمستوى الاعمال خلال الأشهر القادمة وكذلك بسبب ان الشركات كانت أقل رضا إلى حد ما عن مستوى أعمالها الحالي.
في قطاع الصناعة، انخفض مؤشر مناخ الأعمال بشكل ملحوظ حيث سجل المؤشر مستوى (-0.3 نقطة) في شهر مايو بعد ان كان عند مستوى 6.3 نقطة في شهر ابريل. ويعود السبب الرئيسي لهذا الانخفاض الى التراجع الكبير في التوقعات بمستوى الاعمال خلال الأشهر الستة القادمة، وكانت آخر مرة حدث فيها انخفاض حاد في التوقعات في مارس 2022م، بعد بدء الحرب في أوكرانيا. وقد أثر تدهور التوقعات على جميع الصناعات تقريبًا. بالإضافة الى ذلك قيمت الشركات العاملة في القطاع مستوى اعمالها الحالي بشكل أقل إيجابية بعد تراجع الطلب على المنتجات الصناعية.
في قطاع الخدمات، ظل مؤشر مناخ الاعمال دون تغيير تقريبًا حيث سجل مستوى 6.8 نقطة في مايو بينما كان عند مستوى 6.9 نقطة في ابريل الماضي. وكانت الشركات أكثر رضا عن مستوى اعمالها الحالي. وبالرغم من ذلك فان توقعاتها للأعمال في الأشهر المقبلة كانت أقل ايجابية.
في قطاع التجارة، انخفض مؤشر مناخ الاعمال في القطاع بدرجة كبيرة حيث تراجع المؤشر من مستوى (-10.7 نقطة) في شهر ابريل الى مستوى (-19.1 نقطة) في مايو. وعاد المؤشر الى الانخفاض بعد خمسة أشهر من التحسن النسبي. ويعود هذا الى ان الشركات في هذا القطاع كانت اقل رضا عن اعمالها في الوقت الحاضر، كما كانت توقعاتها للأعمال في الأشهر القادمة، وبشكل خاص الشركات العاملة في البيع بالجملة، أكثر تشاؤما.
في قطاع البناء، سجل مؤشر مناخ الأعمال في شهر مايو مستوى (-18.2 نقطة) منخفضاً عن مستوى (-16.6 نقطة) الذي تم تسجيله في الشهر السابق. حيث استمرت شركات القطاع في تقييم اعمالها الحالية بمستوى ضعيف فيما لم تتغير توقعاتها الغير إيجابية لمستوى الاعمال خلال الأشهر القادمة.
في سياق متصل، سجل مؤشر ifo لتوقعات أعمال التصدير للشركات الألمانية انخفاضا كبيرا في شهر مايو ليسجل مستوى 1.8 نقطة بعد ان كان عند مستوى 6.5 نقطة في شهر ابريل الماضي. وهذا هو أدنى مستوى للمؤشر منذ شهر نوفمبر 2022م. وارجع Klaus Wohlrabe، رئيس الدراسات الاستقصائية في معهد ifo هذا التراجع الكبير الى “بدأ ظهور اثار زيادات أسعار الفائدة العالمية على الطلب”، معتبرا ان “اقتصاد التصدير الألماني يفتقر إلى الزخم”.
الشركات العاملة في قطاع صناعة السيارات تتوقع حدوث انخفاض في صادراتها خلال الأشهر القادمة بعد ان كانت تتوقع سابقا نمواً إيجابياً لهذه الصادرات. كذلك تتوقع الشركات العاملة في صناعات المعادن والمنسوجات أيضًا انخفاض مبيعاتها الدولية. اما شركات قطاع الصناعات الكيميائية ومصنعي الأجهزة الكهربائية فلم تتغير توقعاتهم السابقة لحجم صادراتهم خلال الأشهر القادمة، في الجهة المقابلة تتوقع شركات صناعة معدات معالجة البيانات والشركات العاملة في صناعة الملابس نمو أعمالها الدولية.
من جانب أخر اظهر تقرير صادر عن مكتب الإحصاء الاتحادي (Destatis)، ان الناتج المحلي الإجمالي في الربع الأول من عام 2023م، انخفض بنسبة 0.3 في المئة مقارنةً بالربع الرابع من عام 2022م. ويأتي هذا الانخفاض للربع الثاني على التوالي حيث كان الناتج المحلي الإجمالي قد انخفض في الربع الرابع من العام 2022م، بنسبة 0.5 في المئة. وبهذا يكون الاقتصاد الألماني قد دخل فيما يسمى بالركود التقني وهو التراجع السلبي للناتج المحلي الإجمالي لربعيين متتاليين. ولعبت معدلات التضخم العالية دوراً أساسياً في تراجع الناتج المحلي حيث أدت الأسعار المرتفعة الى خفض الإنفاق الاستهلاكي الخاص، والذي تراجع بنسبة 1.2 في المئة في الربع الأول من عام 2023م، وكان إحجام الأسر عن الشراء واضحًا في مجالات مختلفة حيث أنفقت الأسر الخاصة على الأطعمة والمشروبات والملابس والأحذية والأثاث أقل من مستوى انفاقها في الربع السابق. بالإضافة إلى ذلك، تم شراء عدد أقل من السيارات الجديدة من قبل الأسر، والذي يرجع من بين أمور أخرى، إلى إيقاف دفع الحكومة الاتحادية للمكافآت التشجيعية لشراء السيارات الهجينة العاملة بمحركات كهربائية ومحركات احتراق داخلي وكذلك خفض قيمة المكافآت التشجيعية لشراء السيارات الكهربائية الجديدة والذي دخل حيز التنفيذ بداية من العام 2023م. الى جانب ذلك تراجع الانفاق الاستهلاكي الحكومي بنسبة 4.9 في المئة مقارنة بمستوى هذا الانفاق في الربع السابق. من ناحية أخرى، شهد الربع الأول من العام 2023م، عدداً من المؤشرات الاقتصادية الإيجابية حيث ارتفعت الاستثمارات بنسبة أكبر من الربع السابق، فمن جانب ارتفعت الاستثمارات في قطاع البناء بشكل ملحوظ بنسبة 3.9 في المئة، ويرجع ذلك إلى الطقس الجيد في الربع الأول من العام الحالي. كما زادت الاستثمارات في المعدات الاستثمارية التي تشمل الآلات والمعدات والمركبات بشكل ملحوظ وبنسبة 3.2 في المئة مقارنة بالربع السابق. كذلك أظهرت التجارة الخارجية في الربع الأول من العام 2023م، أداءً أفضل مقارنة بالربع الرابع من العام 2022م، فقد ارتفعت الصادرات من السلع والخدمات بنسبة 0.4 في المئة، وسجلت الصادرات من المنتجات البلاستيكية والمعادن زيادة ملحوظه. في المقابل، تراجعت الواردات في نفس الفترة بنسبة 0.9 في المئة، ويعزى ذلك جزئيًا إلى تراجع أسعار الوقود المعدني مثل النفط الخام ومنتجات الزيوت المعدنية، فضلاً عن المنتجات الكيماوية.
من جانبه يتوقع البنك المركزي الألماني (Bundesbank) ان يحقق الاقتصاد الألماني نموًا طفيفًا على الأقل في الربيع. وبحسب تقرير البنك لشهر مايو “في الربع الثاني من عام 2023م، يفترض أن يرتفع الناتج الاقتصادي بشكل طفيف مرة أخرى”. حيث يفترض ان يضمن التخفيف من اختناقات التسليم وتراكم الطلبات المرتفعة وانخفاض أسعار الطاقة التعافي في قطاع الصناعة. ويتوقع البنك أن “هذا من شأنه أن يدعم الصادرات أيضًا، خاصة وأن الاقتصاد العالمي قد استعاد بعض الزخم”.
اما فيما يتعلق بأداء الاقتصاد الألماني خلال مجمل العام 2023م، فان توقعات الحكومة الاتحادية حتى الان تشير الى أن الناتج المحلي الإجمالي سيحقق نمواً بنسبة 0.4 في المئة هذا العام. على ان يحقق في عام 2024م، نمواً أكبر بواقع 1.6 في المئة. هذا فيما بلغ نمو الناتج المحلي الإجمالي في العام 2022م، نسبة 1.8 في المئة.
سوق العمل: تراجع طفيف في البطالة وارتفاع اجمالي العاملين في الربع الأول من العام 2023م
انخفض عدد العاطلين عن العمل في شهر ابريل 2023م، بشكل طفيف وبحدود 8 الاف شخص مقارنة بالشهر السابق ليصل اجمالي عدد العاطلين في ألمانيا إلى 2586000 شخص. ويمثل هذا العدد من العاطلين اعلى بنحو 276000 شخص بالمقارنة مع شهر أبريل من العام الماضي. وقد ساهم احتساب اللاجئين الاوكرانيين من ضمن العاطلين عن العمل في رفع عدد العاطلين لهذا الشهر مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي. وبلغ معدل البطالة في شهر ابريل 5.7 في المئة وهو نفس المعدل المسجل في الشهر السابق الا انه أعلى بنحو 0.7 نقطة مئوية مقارنة بنفس الشهر من العام 2022م. وقد اعتبرت Andrea Nahles رئيسة وكالة العمل الاتحادية (BA) ان “أثر انتعاش الربيع على سوق العمل كان ضعيفًا في أبريل، وأحد أسباب ذلك هو تباطؤ الاقتصاد. لكن وبشكل عام، فإن سوق العمل في حالة مستقرة “.
بالنسبة الى برنامج العمل بدوام مختصر الحكومي فقد بلغ عدد المسجلين الجدد خلال الفترة من 1 إلى 24 أبريل نحو 36 ألف شخص. وبحسب أحدث بيانات مكتب العمل الاتحادي فقد بلغ العدد الإجمالي للمستفيدين من تعويضات البرنامج خلال شهر فبراير 2023م، نحو 162 ألف شخص.
اما فيما يتعلق بعدد الوظائف الشاغرة المسجلة في مكتب العمل الاتحادي فقد بلغت في شهر أبريل 773 ألف وظيفة، أي أقل بـ 79 ألف وظيفة بالمقارنة بنفس الشهر من العام الماضي. وكان عدد الوظائف الشاغرة في اتجاه تنازلي منذ أوائل صيف العام الماضي. وبالرغم من ذلك لا يزال عدد هذه الوظائف عند مستوى مرتفع نسبيًا.
في سياق متصل، ارتفع عدد العاملين في ألمانيا في الربع الأول من عام 2023م، ليصل الى حوالي 45.6 مليون شخص، وفقًا لتقرير صادر عن المكتب الاتحادي للإحصاء (Destatis)، وقد ارتفع عدد الأفراد العاملين بمقدار 150.000شخص او ما نسبته 0.3 في المئة مقارنة بالربع السابق وذلك بعد ان كان عدد العاملين قد ارتفع في الربع الرابع من العام 2022م، بنحو 118.000 شخص، كما كان عدد العاملين قد ارتفع أيضا في الربعين الثالث والثاني من العام الماضي بحوالي 46000 شخص و133000 شخص على التوالي. وبذلك يكون الاتجاه الإيجابي للتوظيف قد استمر في بداية عام 2023م.اما بالمقارنةً بالربع الأول من عام 2022م، فقد ارتفع عدد الأشخاص العاملين بمقدار 446000 شخص او ما نسبته 1 في المئة.
في الربع الأول من عام 2023م، قدمت قطاعات الخدمات مرة أخرى أكبر مساهمة في زيادة عدد الأشخاص العاملين مقارنة بالربع نفسه من العام السابق حيث ارتفع عدد العاملين في هذه القطاعات بما يقرب من 388000 شخص او ما يساوي نسبة 1.1 في المئة، وكانت أكبر زيادة مطلقة في التوظيف في قطاعات البيع بالتجزئة والنقل والضيافة مع 123000 موظف جديد.
تم تسجيل ثاني أكبر زيادة مطلقة في الربع الأول من عام 2023م في مجال مقدمي الخدمات العامة والتعليم والصحة بزيادة بلغت 106000 شخص ونسبة زيادة 0.9 في المئة، يليها مزودو خدمات الشركات والتي تشمل أيضًا توظيف العمالة المؤقتة مع 98000 شخص (1.6 في المئة).
في قطاع المعلومات والاتصالات، كان النمو في التوظيف أكثر ديناميكية مع 61000 موظف جديد وبالتالي زيادة بنسبة 4.1 في المئة. وعلى العكس من هذا الاتجاه، استمر الاتجاه التنازلي الذي كان واضحًا لسنوات سابقة في عدد موظفي قطاع مقدمي الخدمات المالية والتأمينية حيث تراجع عددهم بشكل طفيف بنحو 1000 موظف وبنسبة 0.1 في المئة.
في قطاع الصناعة استمر عدد الأشخاص العاملين في الارتفاع بشكل طفيف في الربع الأول من عام 2023م، مقارنة بالعام السابق حيث زاد عدد الموظفين في هذا القطاع بحوالي 37000 شخص وهو ما يساوي 0.5 في المئة من مجموع موظفي القطاع. كما ارتفع التوظيف في قطاع البناء بنحو 17000 شخص وهو ما يمثل زيادة بنسبة 0.7 في المئة. في قطاعات الزراعة والغابات ومصايد الأسماك، ارتفع عدد الأشخاص العاملين مرة أخرى للمرة الأولى منذ الربع الثاني من عام 2014م، بمقدار 4000 شخص او ما نسبته 0.8 في المئة.
وبشكل عام، ارتفع عدد العاملين بمقدار 478،000 شخص (1.2 في المئة) إلى 41.7 مليون في الربع الأول من عام 2023م، مقارنة بالربع الأول من عام 2022م. من ناحية أخرى، استمر عدد العاملين لحسابهم الخاص بمن فيهم العاملون في اعمال تمتلكها الأسرة في الانخفاض. حيث انخفض عددهم بنحو 32 ألف شخص (-0.8 في المئة) إلى 3.9 مليون مقارنة بالربع الأول من العام السابق.
استقرار مستوى الاستثمارات الأجنبية في ألمانيا
استمر مستوى استثمارات الشركات الأجنبية في ألمانيا في العام 2022م، مستقرا الى حد بعيد على الرغم من الازمات المختلفة التي واجهها الاقتصاد الألماني خلال الفترات الماضية مثل جائحة كورونا واثار الحرب في أوكرانيا وأزمة الطاقة، فوفقا لبيانات مؤسسة ألمانيا للتجارة والاستثمار (GTAI) التابعة لوزارة الاقتصاد وحماية المناخ الاتحادية، تم تسجيل ما مجموعه 1783 مشروع استثماري ما بين مشاريع جديده تماماً او توسيع مشروعات قائمة من قبل شركات اجنبية خلال العام 2022م. وعلى الرغم ان هذه المشاريع اقل بنحو 23 مشروع عن المشاريع الاستثمارية المسجلة في العام 2021م، الا انها أكثر بحوالي 101 مشروع بالمقارنة مع العام 2020م. وقال Robert Hermann المدير العام للمؤسسة انه ” وبالنظر الى الظروف المعاكسة من الحرب في أوكرانيا وأزمة الطاقة وتداعيات جائحة كورونا، فان هذا المستوى من المشاريع الاستثمارية الاجنبية يعتبر نجاحاً”.
وساهم الاهتمام المتزايد للشركات من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وتركيا في إبقاء الاستثمارات الأجنبية في ألمانيا مستقرة حيث ظلت الشركات الأمريكية في المركز الأول في قائمة أكثر الشركات الأجنبية استثمارا في ألمانيا بعدد 279 مشروعًا. واعتبر Hermann ” ان هذا يمثل امرا إيجابيا للغاية بالنظر الى الدعم الهائل للاستثمارات المحلية في الولايات المتحدة من خلال ما يسمى بقانون خفض التضخم (IRA)”. في المركز الثاني جاءت الشركات السويسرية مع 208 مشروعًا، بينما حلت الشركات البريطانية في المركز الثالث بحوالي 170 مشروعا استثمارياً، وما يميز البلدين الأوروبيين انهما لا ينتميان إلى الاتحاد الأوروبي، لكنهما يريدان موطئ قدم داخل الاقتصاد الأوروبي لذا يتم تفضيل ألمانيا صاحبة أكبر اقتصاد ضمن منطقة اليورو والاتحاد الأوروبي. وجاءت الصين في المركز الرابع بـ 141 مشروعًا، وهو اقل عدد من المشاريع الاستثمارية للشركات الصينية في ألمانيا منذ عام 2014م. ويرجع المدير العام لمؤسسة ألمانيا للتجارة والاستثمار سبب هذا التراجع الى تأثيرات جائحة كورونا والسياسة الصارمة التي اتبعتها الحكومة الصينية لمنع انتشار الفيروس وهو الامر الذي جعل عقد الصفقات الاستثمارية أكثر صعوبة وساهم في تأخيرها او حتى في منع العديد منها. في اتجاه مغاير صعدت تركيا إلى المركز الخامس بـ 139 مشروعًا وهو ما يمثل رقم قياسياً لاستثمارات الشركات التركية في ألمانيا.
وتتمتع ألمانيا كموقع للاستثمار بمزايا عديدة للمستثمرين الأجانب من أهمها مشاريعها الطموحة في مجال الطاقات المتجددة، مثل طاقة الرياح أو الطاقة الشمسية، وفي هذا المجال صرح Achim Hartig الخبير في GTAI “سواء كانت الشركات الراغبة في الاستثمار في ألمانيا شركات كبرى او شركات متوسطة فإن المساهمة الكبيرة للطاقة المتجددة في تأمين امدادات الكهرباء هو الآن ميزة حقيقية لألمانيا”. حيث نمت حصة مصادر الطاقات المتجددة من إجمالي انتاج الكهرباء إلى 46 في المئة في عام 2022م، وينتظر ان تبلغ 80 في المئة بحلول العام 2023م.
من جانب أخر اعتبر Robert Hermann ان توفير المساحة الكافية مسألة مهمة بالنسبة للاستثمارات الكبيرة مثل استثمارات شركات Intel لصناعة الرقائق الالكترونية أو Tesla لصناعة السيارات الكهربائية، والتي غالبًا ما تحتاج إلى مساحات تبلغ 100 هكتار وأكثر، وعلى الرغم من إشكالية توفير هذه المساحات الا انه ما يزال بالإمكان ايجادها في الولايات الشرقية. اما في يتعلق بالنقص في العمالة الماهرة وتأثيرها على جذب الاستثمارات الأجنبية فيرى Hartig ان ذلك لا يشكل عقبة او عائقاً رئيسياً لان “كل الدول الأوروبية تواجه هذا النقص في العمالة المؤهلة”.
وبحسب جمعية GTAI ارتفع عدد الوظائف الجديدة التي ستخلقها مشاريع الاستثمار وتوسعة الاعمال للشركات الأجنبية إلى 33500 وظيفة. كما بلغت قيمة هذه المشاريع الاستثمارية نحو 25 مليار يورو، يعود جزء كبير منها إلى مشروع انشاء مصنع للرقائق الالكترونية التابع لشركة Intel الامريكية في مدينة ماجدبورج عاصمة ولاية ساكسونيا انهالت. ووصف رئيس جمعية GTAI قيمة هذه الاستثمارات بانها رقم رائع، معتبرا ان ألمانيا تظل موقعاً جذاباً للاستثمارات الأجنبية خصوصاً للشركات الأجنبية التي تستثمر بشكل متزايد في التقنيات المستقبلية مثل تقنيات أشباه الموصلات وإنتاج البطاريات وإعادة التدوير.
الحاجة الى تطوير البنية التحتية للهيدروجين في ألمانيا
ضمن خطط ألمانيا للوصول الى الحياد المناخي بحلول العام 2045م، يلعب الهيدروجين الأخضر دوراً اساسياً لتحقيق هذا الهدف. فمن جهة يفترض ان تقوم محطات انتاج الكهرباء العاملة بالهيدروجين بتعويض الطاقة الكهربائية عندما تعجز المحطات العاملة بطاقة الرياح او الطاقة الشمسية عن انتاج الكمية الكافية بسبب عدم هبوب الرياح بالقوة اللازمة لتوليد الطاقة او تقلص الوقت الذي تشرق خلاله الشمس. كما سيلعب الهيدروجين دوراً مهماً في صناعة الحديد والصلب، والتي تعد من أكثر الصناعات استهلاكا للطاقة، حيث يجب ان يحل الهيدروجين محل الفحم والغاز الذي تعمل به افران صهر الحديد في الوقت الحاضر. كما ازدادت أهمية الهيدروجين كمصدر للطاقة بعد اتخاذ الحكومة الاتحادية قرارا منتصف شهر ابريل 2023م، بمنع تركيب أجهزة تدفئة جديدة عاملة بالغاز الطبيعي بداية من العام القادمة على انه يمكن ان يتم استخدام أجهزة التدفئة التي تستخدم الهيدروجين (ما يسمى بسخانات الغاز H2-ready).
هذا الاحتياج العالي للهيدروجين يتطلب قدرة تخزينية كبيرة وهو ما لا يتوافر في الوقت الحاضر في ألمانيا، حيث أظهرت دراسة لاتحاد مبادرة تخزين الطاقة (INES) والذي يمثل مشغلي منشآت تخزين الغاز والهيدروجين، انه يجب مضاعفة سعات التخزين في ألمانيا إلى أكثر من الضعف لتلبية الحاجة المتزايدة من الهيدروجين حيث ان مرافق تخزين الغاز الطبيعي تحت الأرض في ألمانيا بعيدة عن أن تكون كافية لمتطلبات تخزين الهيدروجين المتوقعة في المستقبل. وقال Sebastian Bleschke، المدير التنفيذي لمبادرة تخزين الطاقة “أظهرت دراساتنا أنه يمكن توفير سعة تخزين هيدروجين تبلغ 32 تيرا وات/ ساعة من حجم السعة الحالية لمرافق تخزين الغاز، بينما ستكون هنالك حاجة الى سعة تخزين للهيدروجين تتراوح بين 72 إلى 74 تيرا وات/ ساعة، من أجل تنفيذ اهداف التحول في الطاقة وفقًا للسيناريوهات طويلة المدى، وبالتالي فان إمكانات التخزين التي يمكن استخدامها حاليًا للهيدروجين يجب ان تزيد بالضعف على الأقل “.
من جهة أخرى ونتيجة محدودية قدرة ألمانيا على انتاج الهيدروجين الأخضر الكافي لتغطية احتياجاتها فإنها ستعتمد بشكل كبير على استيراده وبالتالي تنشأ الحاجة الى وسيلة لنقل الهيدروجين والذي يتم عبر شبكات الأنابيب. في الوقت الحاضر توجد ثلاث شبكات إقليمية لنقل الهيدروجين في ألمانيا، حيث يمتد أطول خط أنابيب لنقل الهيدروجين في منطقة حوض الرور في ولاية شمال الراين-وستفاليا بطول 240 كيلومترًا. اما في المنطقة التي تسمى بالمثلث الكيميائي والمتركزة حول مدن Bitterfeld وSchkopau وLeuna في ولاية ساكسونيا انهالت، فيبلغ طول شبكة انابيب نقل الهيدروجين 150 كيلومترًا. وفي ولاية Schleswig-Holstein، يمتد خط أنابيب نقل الهيدروجين لمسافة تزيد عن 30 كيلومترًا. ومع محدودية طول وانتشار انابيب نقل الهيدروجين تخطط الشركات الصناعية الكبرى لشراء خطوط أنابيب الغاز الطبيعي من شركات الطاقة لاستخدامها في نقل وتوزيع الهيدروجين.
وبحسب اتحاد الغاز والمياه الألماني (DVGW)، يبلغ طول شبكة الغاز الطبيعي الألمانية 550 ألف كيلومتر وتبلغ قيمتها الإجمالية حوالي 300 مليار يورو. لذلك فإن استخدامها لنقل الهيدروجين سيكون فعالاً من حيث التكلفة وسريع التنفيذ. الا ان اختلاف التركيب الكيميائي للغاز الطبيعي عن التركيب الكيميائي للهيدروجين يفرض اجراء تعديلات على شبكة انابيب نقل الغاز الطبيعي لتناسب نقل الهيدروجين، ويوضح Jörg Höhler، رئيس DVGW ان دراسة أعدها اتحاد الغاز والمياه قدرت نفقات تعديل البنية التحتية الحالية لنقل الغاز لتناسب نقل الهيدروجين بحوالي 30 مليار يورو. كما يؤكد Höhler ان مشغلي البنية التحتية اليوم سيلعبون دورًا حاسمًا في نقل وتوزيع الهيدروجين في المستقبل، حيث يمكن الاستفادة من خبرتهم الطويلة في تشغيل خطوط الانابيب والتعامل الآمن مع الغازات”.
رقم قياسي لاستثمارات مصنعي السيارات الألمان والأوروبيين في الصين
وصلت الاستثمارات الأوروبية في قطاع السيارات الصيني إلى رقم قياسي جديد، إذ بلغت الاستثمارات الأوروبية المباشرة في عام 2022م، في قطاع صناعة السيارات الصيني 6.2 مليار يورو بينما بلغت قيمة الاستثمارات الأوروبية في بقية القطاعات الاقتصادية الأخرى مجتمعة 1.5 مليار يورو. ويتضح حجم نمو هذه الاستثمارات بالمقارنة مع إجمالي الاستثمارات الأوروبية في صناعة السيارات الصينية العام 2018م، والتي بلغت1.7 مليار يورو، الى جانب ـ 5.5 مليار يورو استثمارات في القطاعات الأخرى.
فعلى الرغم من العلاقات المتوترة بين الدول الغربية والصين، الا أن المستثمرين الأوروبيين لا يزالون حاضرين بقوة في مشهد الاستثمار في القطاع. ففي الربع الأول من عام 2023م، بلغ إجمالي صفقات سوق رأس المال في قطاع السيارات الصيني، بما في ذلك الشركات الأجنبية مثل الشركات الأمريكية، 9.6 مليار دولار أمريكي، وتشمل هذه الصفقات عمليات الاندماج والاستحواذ والاستثمارات في الأسهم. ومع هذا الحجم الكبير من الاستثمارات الغربية الا ان الخبراء يحذرون من أن هذا الإنفاق الكبير لا يضمن أن شركات صناعة السيارات التقليدية مثل فولكس فاجن وفورد وجنرال موتورز وتويوتا ستستعيد حصتها في السوق الصيني، أكبر سوق للسيارات في العالم، حيث تتمتع الشركات الصينية بميزة على المنافسين الأجانب من خلال الإعانات الحكومية وسلاسل التوريد المتكاملة.
قبل خمس سنوات، كانت العلامات التجارية الألمانية واليابانية والأمريكية لا تزال تهيمن على ما يقرب من ثلثي مبيعات السيارات في الصين. لكن حصة هذه الشركات الأجنبية مجتمعة الآن هبطت إلى حوالي النصف. ووفقًا لبيانات من شركة Automobility للاستشارات، فإن ثمانية من أفضل 10 موديلات كهربائية مبيعًا في الصين في العام 2023م، كانت من علامات تجارية صينية. من بينها شركة BYD الرائدة في صناعة السيارات الكهربائية، والتي سجلت نموًا في المبيعات بنسبة 80 في المئة تقريبًا في الربع الأول من هذا العام مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، وهو ما أدى الى ان تحل شركة صناعة السيارات الصينية محل شركة فولكس فاجن كأكبر شركة من حيث المبيعات في السوق الصيني، وهو المركز الذي احتفظت به الشركة الألمانية منذ منتصف ثمانينات القرن العشرين.
وقد دفعت هذه التغيرات في سوق السيارات الصيني الشركات الألمانية الى الاستثمار بشكل أكبر في شركات تطوير تقنيات صناعة السيارات في الصين بدلا من ألمانيا حيث، وعلى سبيل المثال، استثمرت فولكس فاجن أكثر من ملياري يورو في شركة البرمجيات الصينية Horizon Robotics، بالإضافة الى استثمار الشركة مليار يورو أخرى في مركز ابتكار جديد في مدينة Hefei جنوب الصين.
وتتركز المنافسة بين الشركات الألمانية، بشكل خاص والأجنبية بشكل عام، مع الشركات الصينية في مجال تطوير تقنيات السيارات الكهربائية التي يزيد عليها الطلب في الصين. وهو ما يجد فيه مصنعي السيارات الألمان صعوبة، فبينما قدمت فولكس فاجن وBMW ومرسيدس سيارات كهربائية جديدة بالكامل في أكبر معرض سيارات في العالم في شنغهاي. أكد Oliver Zipse، رئيس شركة BMW، في معرض تقديم سيارة BMW i7 الكهربائية الجديدة، إن هناك “بالفعل العديد من الميزات” في سيارات الشركة مستوحاة من تقنيات تم تطويرها في الصين.
وبعض النظر عن سياسة الاتحاد الأوروبي لتقليل الاعتماد على السوق الصيني وبالرغم من اعلان رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين في مارس 2023م، عن نهج أكثر صرامة تجاه الصين كجزء من استراتيجية “التخلص من المخاطر” ووعودها بفرض قيود أكثر صرامة على تصدير التقنيات الحساسة الى الصين. أكد Ola Källenius رئيس شركة مرسيدس أن قطع العلاقات التجارية مع الصين “لن يكون من الممكن تصوره بالنسبة لجميع قطاعات الصناعة في ألمانيا”.