تراجع مناخ الاعمال للاقتصاد الألماني خلال شهر سبتمبر بشكل كبير حيث انخفض مؤشر IFO لمناخ الأعمال إلى مستوى 84.3 نقطة في سبتمبر، بعد ان كان عند مستوى 88.6 نقطة في أغسطس. وتعد هذه هي أدنى قيمة للمؤشر منذ مايو 2020م. وقد شمل التراجع جميع القطاعات الاقتصادية الأربعة، حيث صنفت الشركات أعمالها الحالية على أنها أسوأ بكثير، كما ازداد التشاؤم حول مستوى الاعمال خلال الأشهر المقبلة، حيث انخفضت التوقعات إلى مستوى قياسي بسبب مواجهة الاقتصاد العديد من التطورات الحرجة، اهمها حرب روسيا في أوكرانيا والتي زادت من انعدام الأمن، بالإضافة إلى أزمة الطاقة والمشاكل في التجارة العالمية وارتفاع أسعار الفائدة الرئيسية التي تجعل القروض أكثر تكلفة. الى جانب الإشكاليات المستمرة نتيجة جائحة كورونا وإجراءات مكافحتها، فعلى سبيل المثال، تتسبب سياسة الصين لمكافحة كورونا بشكل متكرر في حدوث مشكلات في التجارة العالمية بسبب تعطل العمل في الموانئ أو المصانع بسبب إجراءات احتواء الجائحة. وعلق Clemens Fuest رئيس معهد ifo على هذه التطورات بالقول “ان الاقتصاد الألماني ينزلق الى الركود”.

     في قطاع الصناعة انخفض المؤشر بشكل ملحوظ من مستوى (-6.2 نقطة) في شهر أغسطس الى مستوى (-14.2 نقطة) في سبتمبر، نتيجة لان شركات القطاع كانت أقل رضا عن مستوى أعمالها الحالية، كما عبرت عن قلقها لمستوى الاعمال في الأشهر الستة المقبلة، خصوصا مع التراجع المستمر لحجم الطلبات.

     في قطاع الخدمات شهد المؤشر تراجعا كبيراً حيث سجل المؤشر مستوى (-32.3 نقطة) في سبتمبر متراجعاً عن مستوى (-25.8 نقطة) في اغسطس. وقيمت شركات القطاع مستوى اعمالها الحالي على انه أسوأ بكثير، كما تتوقع الشركات أيضًا تراجعاً كبيرًا آخر في مستوى الاعمال في الأشهر المقبلة. وتستعد شركات قطاع الضيافة بشكل خاص لمواجهة أوقات صعبة.

     في قطاع التجارة، تراجع مؤشر مناخ الأعمال مرة أخرى، وسجل للمرة الأولى منذ شهر فبراير 2021م، قيماً سلبية حيث سجل المؤشر مستوى (-8.9 نقطة) في سبتمبر متراجعاً من مستوى 1.4 نقطة في أغسطس، وقد قيمت شركات القطاع اعمالها الحالية بانها اسواء وبقيت توقعاتها للأعمال خلال الأشهر القادمة سلبية. كذلك شمل التراجع مؤشر اعمال قطاع البناء الذي سجل في سبتمبر مستوى (-21.6 نقطة) بعد ان كان عند مستوى (- 14.8 نقطة) في أغسطس الماضي، وكما هو الحال في شركات القطاعات الاقتصادية الأخرى كانت شركات البناء أقل رضا عن وضعها الحالي، كما كانت توقعاتها للأعمال في الأشهر القادمة أكثر تشاؤما مما كانت عليه في الشهر السابق.

     علاوة على ذلك، تراجعت توقعات الصادرات للشركات الألمانية خلال شهر سبتمبر حيث سجل مؤشر ifo لأعمال التصدير مستوى (-6 نقاط) متراجعا من مستوى (- 2.8 نقطة) المسجل في شهر أغسطس الماضي، وهذا هو أدنى مستوى للمؤشر منذ مايو 2020م. ففي الوقت الحالي لا يوجد نمو في الصادرات ونظراً لضعف الاقتصاد العالمي، لا يُتوقع حدوث تغيير كبير على المدى المتوسط ​​أيضًا. وفي هذا الإطار تتوقع شركات الصناعات الكيميائية انخفاضاً كبيراً لصادراتها، وهو نفس الحال لدي شركات صناعة الأثاث. كما أصبحت شركات صناعة المعادن أكثر تشاؤمًا بشأن أعمال التصدير للأشهر الثلاثة القادمة. من جانب آخر تميل توقعات شركات صناعة المشروبات مرة أخرى نحو التفاؤل بمستوى اعمالها خلال الأشهر القادمة، كذلك تتوقع صناعة السيارات أيضًا ارتفاع الصادرات في الربع الرابع من هذا العام.

     وفي سياق متصل، خفض معهد ifo توقعاته لنمو الاقتصاد بشكل كبير لهذا العام والعام المقبل. حيث يتوقع المعهد أن يتراجع الناتج المحلي الإجمالي للعام 2023م، بنسبة (- 0.3) في المئة فيما سيسجل الناتج المحلي الإجمالي خلال العام 2022م، نمو بنحو 1.6 في المئة، وقال Timo Wollmershäuser، رئيس قسم الابحاث الاقتصادية في المعهد “إننا ندخل في ركود شتوي”. إذ أدى قطع إمدادات الغاز من روسيا في الصيف وما نجم عن ذلك من زيادات كبيرة في الأسعار إلى إحباط الانتعاش الاقتصادي بعد كورونا، كما تسببت معدلات التضخم المرتفعة في ذوبان الدخل الحقيقي للأسر الألمانية وتراجع قيمة مدخراتها وتقليل قوتها الشرائية. حيث ان الارتفاع الحاد في الأسعار، والذي لا يقتصر على الطاقة فحسب بل شمل جميع السلع الأخرى تقريبًا، يحد من التفاؤل بنمو الاقتصاد، اذ كان المستهلكون قد راكموا مدخرات مالية كبيرة ​​خلال عمليات الإغلاق مع كورونا. وكان من المتوقع أنه بعد انتهاء الإجراءات سيتم إنفاق المزيد من الأموال وسيرتفع معدل الاستهلاك والذي كان من شأنه أن يدعم نمو الاقتصاد. لكن الأسعار المرتفعة الآن تلتهم المدخرات وتقيد الاستهلاك الخاص بدرجة أكبر. ووفقًا لـمعهد كييل للاقتصاد العالمي IfW، فقد تراجعت القوة الشرائية للأسر الألمانية بسبب التضخم هذا العام بأكبر مستوى منذ إعادة توحيد ألمانيا.

      والى جانب معهد كييل للاقتصاد العالمي IfW، يتوقع معهد لايبنيز للأبحاث الاقتصادية في هاله (IWH) أيضاً أن ينكمش الاقتصاد الألماني بشكل ملحوظ في عام 2023م. فبينما يتوقع معهد كييل للاقتصاد العالمي IfW ان يسجل الاقتصاد نموا في العام الحالي بنسبة 1.4 في المئة، فانة يتوقع ان ينكمش الاقتصاد في العام القادم 2023م، بنسبة (- 0.7) في المئة. من جهته يتوقع معهد (IWH) نمو اقتصاديا للعام 2022م، بنحو 1.1 في المئة، الا ان تقديراته تشير الى انكماش اقتصادي في العام 2023م، بنحو (- 1.4 في المئة). وعندما يتم ترجمت نسب الانكماش المتوقعة الى ارقام فانه من المتوقع ان الناتج المحلي الإجمالي في العام 2023م، سيكون أقل بما يتراوح بين 130 و150 مليار يورو عن التقديرات السابقة.

     من جانبه يتوقع معهد مانهايم للأبحاث الاقتصادية الأوروبية ZEW تراجع أداء الاقتصاد خلال الأشهر القادمة حيث أظهرت نتائج استطلاع للمعهد لخبراء الأسواق المالية ان الاقتصاد سيسجل اداءً سلبيا وان السبب الرئيسي لذلك هو تفاقم أزمة الطاقة. وأوضح رئيس المعهد Achim Wambach أن “احتمال حدوث اختناقات في قطاع الطاقة في الشتاء يجعل التوقعات لأجزاء كبيرة من الصناعة الألمانية أكثر سلبية”. وبالإضافة إلى أزمة الطاقة، فإن خبراء الأسواق المالية قلقون أيضًا بشأن الآفاق الاقتصادية للصين، أحد أكبر الشركاء الاقتصاديين لألمانيا. ووفقًا لـ Wambach، تظهر الأرقام الإحصائية الحالية للاقتصاد الصيني بالفعل انخفاضًا في الطلبات الواردة والإنتاج والصادرات. ومن المرجح أن يستمر هذا الاتجاه. كما انخفضت التوقعات الاقتصادية لمنطقة اليورو بأكملها.

     من جهتهم يرى الخبراء في البنك المركزي الألماني (Bundesbank) ايضاً إشارات متزايدة على أن الاقتصاد الألماني ينزلق إلى الركود، وهو ما يعني انخفاضًا واضحًا وواسع النطاق وطويل الأمد في الناتج المحلي الإجمالي. حيث انه من المرجح أن ينخفض ​​هذا الناتج إلى حد ما في الربع الحالي وأن يتقلص بشكل كبير في أشهر الشتاء، وذلك بحسب التقرير الشهري للبنك المركزي لشهر سبتمبر. ويستشهد الخبراء الاقتصاديون بالأزمة القائمة في تأمين إمدادات الطاقة نتيجة للحرب الروسية ضد أوكرانيا باعتباره السبب الرئيسي لذلك. ويتابع الخبراء أن “التضخم المرتفع وعدم اليقين فيما يتعلق بإمدادات الطاقة وتكاليفها لا يؤثر فقط على صناعة الغاز والكهرباء المكثفة وأعمال التصدير والاستثمارات، بل يؤثر أيضًا على الاستهلاك الخاص ومقدمي الخدمات الذين يعتمدون عليه”.

 

سوق العمل: ارتفاع البطالة بسبب العطلة الصيفية واستمرار تسجيل اللاجئين الأوكرانيين

     استمر عدد العاطلين عن العمل في ألمانيا في الازدياد في شهر أغسطس الماضي بسبب العطلة الصيفية وكذلك بسبب استمرار تسجيل اللاجئين الاوكرانيين، حيث وبالمقارنة بالشهر السابق ارتفع عدد العاطلين عن العمل في أغسطس بواقع 77 ألف شخص تقريباً ليصل مجموع عدد العاطلين عن العمل إلى 2547000 شخص، وبالتالي ارتفع معدل البطالة بنحو 0.2 نقطة مئوية ليصل الى معدل 5.6 في المئة. وبالرغم من ارتفاع مستوى البطالة الا انه يظل اقل من عدد العاطلين عن العمل المسجل في نفس الشهر من العام الماضي بنحو 31 ألف شخص. وقالت Andrea Nahles رئيسة وكالة العمل الاتحادية (BA) تعليقا على هذه الزيادة “على الرغم من حالة عدم اليقين الاقتصادي والسياسي، فإن سوق العمل ما يزال قوياً. وان ارتفاع البطالة مرة أخرى في أغسطس شيء معتاد في هذا الوقت من العام، الى جانب تأثير تسجيل اللاجئين الأوكرانيين”.

     وفيما يتعلق ببرنامج العمل بدوام مختصر فد بلغ عدد العمال والموظفين الذين قامت الشركات العاملين بها بتسجيلهم في البرنامج خلال الفترة الممتدة بين 1 الى 25 أغسطس بحوالي 36 ألف شخص. وبشكل اجمالي وبحسب أحدث البيانات المتاحة من وكالة العمل الاتحادية فقد بلغ مجموع العاملين المستفيدين من تعويضات برنامج العمل بدوام مختصر في شهر يونيو 2022م، 259 ألف شخص، وهو ما يمثل استمرارا للتراجع في عدد المسجلين بالبرنامج مقارنة بالشهور السابقة. كما ان الطلب على الموظفين الجدد ظل عند مستوى مرتفع، إذ تم تسجيل 887 ألف وظيفة شاغرة في شهر أغسطس لدي وكالة العمل الاتحادية وبزيادة 108 ألف وظيفة مقارنة بنفس الشهر من العام الماضي.

     في سياق متصل، أظهرت أحدث بيانات مكتب الإحصاء الاتحادي (Destatis)، ان عدد الموظفين والعاملين في شركات القطاع الصناعي التي تشغل 50 موظفا أو أكثر قد وصل في نهاية شهر يوليو 2022م، الى أكثر من 5.5 مليون شخص، وهو ما يمثل زيادة بنحو 42200 شخص أو 0.8 في المئة مقارنة بشهر يوليو من العام الماضي. وهذه الزيادة في عدد العاملين في الشركات الصناعية هي الزيادة السابعة على التوالي، وبالمقارنة مع شهر يونيو من العام 2022م فقد زاد عدد الموظفين الصناعيين بحوالي 4200 شخص أو 0.1 في المئة من اجمالي موظفي القطاع.

     وقد استمر ارتفاع عدد العاملين في معظم القطاعات الصناعية الرئيسية، بينما استمر الانخفاض في قطاع صناعة السيارات، حيث ارتفع عدد العاملين في تصنيع معدات معالجة البيانات والمنتجات الإلكترونية والبصرية بنسبة 3.9 في المئة، وفي تصنيع المعدات الكهربائية بنسبة 3.8 في المئة بشكل ملحوظ فوق المتوسط ​​في يوليو 2022م، مقارنة بنفس الشهر من العام السابق. بينما كان النمو في عدد العاملين في إنتاج المعادن وتصنيعها بواقع 1.3 في المئة وإنتاج الأغذية والأعلاف الحيوانية بحوالي 0.9 في المئة أعلى بقليل من المتوسط. وعلى العكس من ذلك انخفض عدد العاملين في صناعة السيارات وقطع غيارها بنسبة 1.6في المئة.

     وعلى الرغم من ارتفاع عدد الموظفين الا ان ساعات العمل في قطاع الصناعة قد تراجعت في يوليو 2022م، بنسبة 3.2 في المئة إلى 655 مليون ساعة مقارنة بشهر يوليو 2021م، مع العلم أن شهر يوليو 2022م، كان لديه يوم عمل واحد أقل بالمقارنة مع نفس الشهر من العام الماضي. وقد بلغ مجموع رواتب الموظفين في القطاع الصناعي في شهر يوليو من العام الجاري حوالي 25.9 مليار يورو وهو ما يمثل زيادة بنسبة 7.1 في المئة مقارنة بشهر يوليو من العام 2021م.

 

الائتلاف الحاكم في ألمانيا يتفق على برنامج مساعدات بمبلغ 65 مليار يورو لتخفيف الأعباء على المواطنين

     أعلنت الحكومة الألمانية عن خطة مساعدات لتخفيف الأعباء المالية عن الأسر والشركات بسبب استمرار معدلات التضخم في الارتفاع، والذي وصل الى 7.9 في المئة خلال شهر أغسطس الماضي، بالإضافة الى الارتفاعات الكبيرة في أسعار الطاقة سواء من الغاز أو البنزين او الكهرباء. والتي من المتوقع ان تستمر في الارتفاع بعد قطع روسيا لإمدادات الغاز الى ألمانيا بشكل كامل منذ 30 أغسطس دون تحديد موعد لاستئنافها.

وقد بلغت قيمة حزمة المساعدات الجديدة 65 مليار يورو، وتشمل اهم بنود هذا البرنامج التالي:

  • دفع 300 يورو ولمرة واحدة لأصحاب المعاشات التقاعدية في الأول من ديسمبر 2022م، لمساعدتهم في دفع تكاليف الطاقة المتزايدة.
  • 200 يورو تدفع ولمرة واحدة أيضا للطلاب والمتدربين.
  • رفع مبلغ الاعانة الشهرية المقدمة لكل طفل في ألمانيا بنحو 18 يورو بداية من يناير 2023م.
  • رفع الحد الأدنى للأجور المعفية من مساهمات الضمان الاجتماعي الي 2000 يورو بداية من العام 2023م، كان القانون ينص بالفعل على أن هذا الحد سيرتفع من 1300 إلى 1600 يورو في 1 أكتوبر 2022م.
  • وضع كابح لأسعار الكهرباء للاستهلاك الأساسي للمواطنين.
  • اصلاح مساعدة السكن وتوسيعها لتشمل مليوني مواطن ومنح مساعدة لتحمل تكاليف التدفئة للفترة من سبتمبر-ديسمبر 2022م، لمرة واحدة بمبلغ 415 يورو للشقة التي يسكنها شخص واحد و540 يورو للشقة التي يسكنها شخصان، ومن ثم يتم إضافة 100 يورو لكل شخص إضافي.
  • بدأ تنفيذ برنامج ” Bürgergeld” الخاص بمساعدة العاطلين عن العمل من الأول من يناير 2023م، ليحصل الشخص ضمن هذا البرنامج على دعم شهري بمبلغ 500 يورو بدلا عن مبلغ الدعم الحالي ضمن برنامج ” Hartz-IV” والبالغ 449 يورو.
  • سيتم تخفيض ضريبة المبيعات على جميع استهلاك الغاز من 19 إلى سبعة في المئة حتى نهاية مارس 2024م.
  • يتفاوض الائتلاف الحاكم مع حكومات الولايات الفيدرالية على اصدار تذكرة للتنقل المحلي بديلة عن تذكرة 9 يورو، على ان تتراوح قيمتها ما بين 49 و69 يورو،
  • تمديد التسهيلات الخاصة بالتسجيل في برنامج العمل بدوام مختصر الى ما بعد سبتمبر 2022م.
  • تمديد خفض ضريبة القيمة المضافة في قطاع المطاعم من 19 في المئة الى 7 في المئة.

     وأعلنت مصادر في الحكومة الاتحادية ان تمويل هذه الخطة سيتم من دون الاستدانة وان جزء من هذا التمويل سيتم من خلال ضريبة ستفرض على شركات الطاقة التي ستحقق أرباحا إضافية نتيجة ارتفاع أسعار الطاقة، حيث ان تسعير الكهرباء يتم بناءً على أسعار الغاز على الرغم من ان كثير من شركات انتاج الكهرباء لا تستخدم الغاز في انتاجها.

     ومع مبلغ برنامج المساعدات الجديد البالغ 65 مليار يورو يصل حجم إنفاق الحكومة الاتحادية على برامج المساعدات المعد لمواجهة أثار ارتفاع معدلات التضخم وارتفاع أسعار الطاقة الى ما يقرب من 100 مليار يورو خلال العام 2022م.

 

هل ستعاني ألمانيا من ازمة نقص في الغاز في الشتاء القادم؟

     تتزايد المخاوف في ألمانيا من حدوث عجز في كمية الغاز الطبيعي اللازمة لضمان تدفئة المنازل خلال الشتاء وضمان استمرار الإنتاج في القطاعات الاقتصادية كثيفة الاستهلاك للغاز مثل الصناعات الكيميائية وصناعة الحديد والصلب الى جانب انتاج الكهرباء عبر المحطات العاملة بالغاز. ومع الوقف التام لإمدادات الغاز الروسي الى ألمانيا بدأً من 31 أغسطس والتخفيضات الكبيرة في هذه الامدادات منذ منتصف شهر يونيو الماضي بسبب اعمال الصيانة للأنابيب والتوربينات، وفقاً لشركة غازبروم الروسية، ارتفعت حالة عدم اليقين حول قدرة الحكومة الألمانية لضمان توفير الكميات الكافية من الغاز.

     وفقًا لوزير الاقتصاد الاتحادي، روبرت هابيك، فإن ألمانيا لديها فرصة لتجاوز فصل الشتاء على الرغم من وقف إمدادات الغاز الروسي. على ان يتم تحقيق شروط معينة من اهمها اولاً، توفير الكثير من الغاز عبر الحد من الاستهلاك. ثانياً، ان يكون الطقس في الشتاء القادم معتدلاً وليس شديد البرودة. ثالثاً، ان تكون مرافق تخزين الغاز ممتلئة. وفي هذا الجانب وعلى الرغم من توقف شحنات الغاز من روسيا في نهاية أغسطس، فإن منشآت تخزين الغاز الألمانية ممتلئة الآن بنسبة تزيد عن 90 في المئة. فيما تسعى الحكومة الألمانية الى أن تكون مرافق التخزين ممتلئة بنسبة 95 في المئة على الأقل بحلول الأول من نوفمبر 2022م، وتتوافق كمية الغاز المخزنة عند هذا المستوى تقريبًا مع كامل الاستهلاك على مستوى ألمانيا في يناير وفبراير 2022م، او ما نسبته 60 في المئة من استهلاك ألمانيا من الغاز خلال فصل الشتاء بدون دخول واردات الغاز من روسيا في الحسبان.

     كما يمكن لألمانيا الاعتماد على دعم دول الاتحاد الأوروبي الأخرى ومدها بالغاز في حالات الطوارئ او الانخفاض الشديد في مخزونات الغاز الطبيعي خصوصا ان مستوى مخزونات واحتياطيات الغاز لدى عدد منها وصل الى نسب عالية في شهر سبتمبر، مثل البرتغال التي وصل مستوى ملء خزاناتها الى نسبة 100 في المئة وبولندا بأكثر من 99 في المئة الى جانب فرنسا بمستوى ملء بأكثر من 94 في المئة، بالإضافة الى ذلك تعتمد ألمانيا على واردات الغاز الطبيعي عبر خطوط أنابيب من النرويج وهولندا وبلجيكا.

      الى جانب ذلك يُتوقع ان يتم تشغيل أول محطتين لاستقبال الغاز الطبيعي المسال (LNG) على موانئ ألمانيا على ساحل بحر الشمال في نهاية العام الحالي او بداية العام القادم وذلك لتأمين الحصول على الغاز المسال القادم من دول مثل الولايات المتحدة الامريكية وأستراليا وقطر. حيث تخطط الحكومة الألمانية في الاجمال لبناء خمس محطات للغاز الطبيعي المسال على شكل سفن خاصة مملوكة للدولة، كل منها بسعة لا تقل عن 4.5 مليار متر مكعب سنوياً، حيث تقوم هذه السفن الخاصة بتبخير الغاز الطبيعي المسال وتحويلة الى غاز ومن ثم ضخه في شبكة توزيع الغاز. وستكون أول محطة عائمة للغاز السائل هي “Höegh Esperanza” في ميناء فيلهلمس هافن Wilhelmshaven. ووفقًا لخطط الحكومة، سيتم استيراد الغاز الطبيعي المسال عبر هذه المحطة اعتبارًا من نهاية العام الحالي وبكمية تصل إلى 7.5 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي سنويًا، وهو ما يتوافق مع حوالي 8.5 في المئة من احتياجات الغاز الألمانية الحالية. كذلك يتوقع ان يتم الانتهاء من بناء ثاني المحطات العائمة للغاز المسال وبدأ تشغيلها بداية العام 2023م في ميناء Brunsbüttel وبطاقة عمل تبلغ خمس مليارات متر مكعب من الغاز سنويًا وسيتم استبدالها بمحطة برية في عام 2026م، والتي ستكون قادرة على التعامل مع عشرة مليارات متر مكعب سنوياً. وبحسب وزارة الاقتصاد الاتحادية ستبلغ السعة الكلية بعد الانتهاء من بناء جميع المحطات العائمة للغاز المسال 25 مليار متر مكعب على الأقل من الغاز الطبيعي المسال سنويًا.

فيما يتعلق بخفض استهلاك الغاز أكد klaus Müller رئيس الوكالة الاتحادية لشبكات توزيع الكهرباء والغاز، ان عملية ترشيد استهلاك الغاز من الممكن ان تجنب ألمانيا السيناريوهات الأسوأ، مشيرا الى ان استهلاك القطاع الصناعي للغاز قد انخفض في شهر أغسطس الماضي بنسبة 22 في المئة، ويرجع ذلك جزئيًا إلى التحول إلى مصادر الطاقة الأخرى، مضيفا انه إذا استمرت الأمور على هذا النحو فسوف يساعد ذلك في تجنب اجراء التخفيضات القسرية لإمدادات الغاز للقطاع الصناعي.

     ومع كل هذه المؤشرات الإيجابية عن إمكانية عدم وجود نقص او ازمة ملحة في تأمين امدادات الغاز في ألمانيا خلال فصل الشتاء فان رئيس وكالة الشبكات الاتحادية المسؤولة عن توزيع الغاز Müller يؤكد صعوبة التوقع بعدم حدوث أي ازمة او حدوث حالة طوارئ تتعلق بالغاز في الشتاء، اعتمادا على ان استهلاك الغاز متذبذب ومتعلق بحالة الطقس وسلوك التدفئة “إذا أصبح الشتاء شديد البرودة، فإننا نواجه مشكلة”، كما ان النقص في الغاز قد يحدث في مناطق معينة من ألمانيا وليس بشكل شامل. وان وكالة شبكة التوزيع “لا يمكنها توقع استهلاك الغاز لأكثر من أسبوع ونصف”.

 

استثمارات الشركات الألمانية الكبرى في تطوير مهارات موظفيها

     أدت عمليات رقمنه الاقتصاد وأتمتة العمليات الصناعية المتزايدة الى احداث تغييرات في الوظيفة لملايين الأشخاص وبما يمكن ان يتسبب في فقدان ما يصل إلى 85 مليون وظيفة في البلدان الصناعية بحلول عام 2025م، وفي نفس الوقت خلق نحو 97 مليون وظيفة ذات مواصفات ومتطلبات جديدة. ولهذا السبب تزداد أهمية قيام الشركات بالاستثمار في التدريب الإضافي لموظفيها. حيث وبحسب Hansjörg Fetzer، المدير الإداري لأكاديمية Haufe. سيحتاج 50 في المئة من جميع الموظفين في الدول الصناعية إلى إعادة تدريب وتأهيل بحلول عام 2025م. ويؤكد Fetzer “اليوم، أصبح التعلم أكثر أهمية من أي وقت مضى”. و”بدون تحسين المهارات وإعادة صقلها، لا يمكن للشركات ولا الموظفين تشكيل المستقبل بنجاح”. حيث ان مزيدا من التأهيل والتدريب يعني زيادة تطوير المهارات وبالتالي ضمان القابلية للنمو في المستقبل بشكل مستمر.

وفي هذا الجانب تستثمر الشركات الألمانية الكبرى بشكل مكثف في إعادة تأهيل وتدريب موظفيها حيث استثمرت شركة BMW لصناعة السيارات في العام 2021م، أكثر من 222.6 مليون يورو في إجراءات تدريب وتأهيل إضافية لموظفيها كما انفقت شركة سيمنز حوالي 165 مليون يورو على التدريب. في مرسيدس بنز، تم تخصيص حوالي 155 مليون يورو للتدريب والتعليم الإضافي في عام 2021م. وتبلغ ميزانية التدريب في شركة باير للصناعات الدوائية والكيميائية للعام الحالي 25 مليون يورو. وبشكل عام ارتفعت مخصصات التدريب لدي الشركات الألمانية الكبرى المدرجة على مؤشر داكس في العام 2021م، والعام الحالي بالمقارنة بالعام 2020م، والذي شهد انخفاضا في نفقات التدريب والتأهيل نتيجة جائحة كورونا، فعلى سبيل المثال أكد متحدث باسم شركة كونتيننتال لإنتاج قطع غيار وأجزاء السيارات انه خلال فترة كورونا، “تم إنفاق أقل بشكل أساسي على برامج التدريب” بالإضافة الى ان الدورات التدريبية الافتراضية أرخص من التدريبات والبرامج التدريبية في الموقع، والتي يمكن أن تتم الآن مرة أخرى وتعويض التدريب الذي لم يكن بالإمكان إجراؤه أثناء الإغلاق بسبب قواعد كورونا.

     فيما يتعلق بأهم المهارات والدورات التدريبية التي تركز عليها الشركات الألمانية، تحظي الدورات التدريبية في مجال مهارات القيادة بالأولوية، إذ تؤكد شركة deutsche Post إنها تضع “تركيزًا خاصًا على تطوير الإدارة وقيادة الفريق”. ويبدو أن الطلب الداخلي من قبل الموظفين يساهم في تحديد قرارات الشركات واختيارها لبرامج التدريب، حيث تتفق اغلب الشركات على أن الدورات التدريبية الإدارية لموظفيهم هي الأكثر طلبًا. فعلى سبيل المثال أفادت شركة Infineon لصناعة اشباه الموصلات أن الدورات التدريبية التي تتناول موضوع الإدارة الافتراضية تحظى بشعبية خاصة بين موظفيها.

     من المواضيع والبرامج الرئيسية التي تركز عليها الدورات التدريبية في الشركات الألمانية الكبرى، وخاصة شركات صناعة السيارات، برامج التدريب الخاصة بتقنيات المستقبل. فبحسب شركة مرسيدس بنز فإن “تطوير المهارات المستقبلية المستهدفة” يلعب دورًا مركزيًا في مجموعة الدورات التدريبية الإضافية للموظفين. ووفقًا للشركة، فقد قامت بالفعل بتدريب ما يقرب من 7000 موظف في مجال تكنولوجيا البطاريات في السنوات الأخيرة، ويأتي ذلك في إطار التحول الذي تشهده شركات صناعة السيارات نحو التركيز على انتاج السيارات الكهربائية والتخلي عن صناعة السيارات ذات محرك الاحتراق الذاتي.

     الى جانب ذلك تأتي الدورات التدريبة الإضافية في مجال تحليل البيانات كأحد اهم البرامج التدريبية لمعظم الشركات الكبرى، فعلى سبيل المثال، قامت Allianz للتأمين وإعادة التأمين بتوسيع نطاق دوراتها التدريبية في مجال تحليل البيانات، كما تسمي شركة Henkel لمنتجات العناية الشخصية والعناية المنزلية وشركة بي إم دبليو لصناعة السيارات أيضًا “تحليلات البيانات” كأحد أهم محتويات برامجها التدريبية. وفي هذا المجال يقول خبير التدريب Fetzer: “البيانات الضخمة مهمة حقًا في كل مجال عمل، لقد مررنا بتحول مذهل في السنوات الست إلى الثمانية الماضية”. “القدرة على تفسير البيانات والقدرة على استخلاص النتائج الصحيحة هي مؤهلات يجب اكتسابها في العديد من ملفات تعريف الوظائف.” وهذا هو السبب في أن موضوع تحليل البيانات مدرج بكثافة على جدول برامج التدريب الإضافية للشركات.