أشار مؤخراً مؤشر ifo لمناخ الأعمال، الى تحسّن المزاج تدريجياً بين مديري الشركات الألمانية. حيث ارتفع المؤشر إلى 92.1 نقطة في شهر ديسمبر الماضي، بعد ان كان عند 90.9 نقطة في نوفمبر. وكان رواد الأعمال أكثر رضى عن وضعهم التجاري الحالي، بالإضافة الى انهم أقل تشككًا بشأن الأشهر الستة المقبلة. وبينما يؤثر الإغلاق على الصناعات الفردية بشدة، فإن الاقتصاد الألماني ككل يظهر أنه مرن.

ففي قطاع الصناعات التحويلية، ارتفع المؤشر بشكل ملحوظ، حيث تحسنت تقييمات الوضع الحالي إلى أعلى مستوى لها منذ يناير 2020م. كما زاد بشكل ملحوظ التفاؤل بشأن الأشهر المقبلة. وقد ساهمت الصناعات الكيميائية وقطاع صناعة المعدات والآلات على وجه الخصوص في هذا التطور.

في قطاع الخدمات، انتعش مؤشر مناخ الأعمال بشكل طفيف. اذ كانت الشركات أكثر ارتياحًا لأعمالها الحالية فيما كانت التوقعات أيضًا أقل تشاؤمًا. كان هذا التطور مدفوعًا بشكل أساسي بشركات النقل والخدمات اللوجستية بالإضافة إلى العقارات والإسكان. الا ان منظمو الرحلات وصناعة الضيافة والعاملين في المجال الثقافي لا يزالوا يعانون بشدة من الأزمة. في صناعة البناء، ظل مؤشر مناخ الأعمال دون تغيير. وبينما كانت تقييمات الوضع الحالي أكثر إيجابية، ازداد التشاؤم بخصوص مستقبل الاعمال خلال الستة الأشهر الأولى من العام 2021م.

في سياق متصل اظهر تقرير لمكتب الإحصاء الاتحادي ان الناتج المحلي الإجمالي في ألمانيا تراجع خلال العام الماضي 2020م بنسبة 5 في المئة مقارنة بالعام السابق. وبعد مرحلة نمو استمرت عشر سنوات متواصلة، تسببت أزمة كورونا في تراجع الاقتصاد الألماني بطريقة تصل الى مستوى التراجع الأخير خلال الأزمة المالية العالمية 2008/2009.  ووفقًا للحسابات الأولية، كان التراجع الاقتصادي في عام 2020م أقل حدة بشكل عام مما كان عليه في عام 2009م والذي وصل حينذاك الى نسبة -5.7 في المئة.

وقد تركت جائحة كورونا علامات واضحة في جميع القطاعات الاقتصادية تقريبًا في عام 2020م. وفي بعض الحالات، تم تقييد الإنتاج بشدة في كل من قطاعات الخدمات وقطاع التصنيع. ففي قطاع الصناعة التحويلية، بدون صناعة البناء، والتي تشكل ربع الاقتصاد الألماني ككل، انخفض الناتج الاقتصادي 9.7 في المئة مقارنة بعام 2019م، ووصل التراجع في قطاع الصناعة التحويلية إلى 10.4 في المئة. ويرجع تأثر قطاع الصناعة بشكل خاص بعواقب جائحة كورونا في النصف الأول من العام، الى تعطيل سلاسل التوريد العالمية مؤقتاً وتراجع الصادرات بشكل كبير. هذا فيما كانت صناعة البناء أحد القطاعات القليلة التي استطاعت تجاوز الأزمة، حيث حقق القطاع نموا بحوالي 1,4 في المئة خلال العام 2020م مقارنة بالعام السابق.

وكان التراجع الاقتصادي واضحًا بشكل خاص في قطاعات الخدمات المختلفة، والتي سجل بعضها انخفاضًا حادًا أكثر من أي وقت مضى. حيث أدت القيود الشديدة واغلاق النشاط الاقتصادي الى تراجع كبير وغير مسبوق في قطاع المطاعم وفي صناعة الضيافة والنقل والتجارة، والذي كان ناتجها الاقتصادي، أقل بنسبة 6.3 في المئة مقارنة بعام 2019م. من جهة أخرى كانت هناك تطورات معاكسة تماماً حيث زادت التجارة عبر الإنترنت بشكل كبير، بينما كانت التجارة الثابتة تعاني من خسائر كبيرة.

كما شهد العام 2020م انخفاضاً كبيراً في الطلب المحلي والأجنبي، فعلى عكس الأزمة المالية عام 2009م، عندما دعم الاستهلاك المحلي الاقتصاد، انخفض الإنفاق الاستهلاكي الخاص في عام 2020م بنسبة 6 في المئة، وهو التراجع الاكبر من أي وقت مضى. من ناحية أخرى، كان لزيادة الإنفاق العام للدولة تأثير في تحقيق نوع من الاستقرار، حيث زاد هذا الانفاق اثناء جائحة كورونا بنسبة 3,4 في المئة والذي ساهم فيه، من بين أمور أخرى، شراء معدات الحماية وخدمات المستشفيات.

وكان لجائحة كورونا أيضًا تأثير كبير على التجارة الخارجية، اذ انخفضت في عام 2020م الصادرات والواردات من السلع والخدمات لأول مرة منذ عام 2009م، حيث تراجعت الصادرات بنسبة 9.9 في المئة، وانخفضت الواردات بنسبة 8.6 في المئة.

وفي جانب مالية الدولة، وبحسب الحسابات الأولية لمكتب الإحصاء الاتحادي، فقد أنهت موازنات الدولة عام 2020م بعجز مالي بلغ 158.2 مليار يورو. وهذا أول عجز منذ عام 2011م وثاني أعلى عجز منذ توحيد ألمانيا، ولم يتجاوزه سوى العجز القياسي لعام 1995م. وكان للحكومة الاتحادية وبقيمة 98.3 مليار يورو، النصيب الأكبر من عجز الموازنة، تليها الولايات الفيدرالية بـ 26.1 مليار يورو، والضمان الاجتماعي بـ 31.8 مليار يورو، والبلديات بـ 2.0 مليار يورو. وبهذا المبلغ سيبلغ العجز الحكومي نسبة 4.8 بالنسبة للناتج المحلي الاجمالي في عام 2020م. بينما تبلغ القيمة المرجعية لميثاق الاستقرار والنمو الأوروبي المسموح بها 3 في المئة فقط من قيمة الناتج المحلي الإجمالي. وكان البرلمان الألماني (البوندستاج) قد علق العمل بما يسمي “كابح الدين الوطني” لعامي 2020م و2021م بسبب جائحة كورونا.

مؤخراً أعلنت الحكومة الاتحادية مع رؤساء حكومات الولايات الفيدرالية تمديد الاغلاق الى 15 فبراير القادم وتشديد قيود التواصل الاجتماعي وتشجيع الشركات على السماح لموظفيها العمل من المنزل عندما يكون ذلك ممكناً. وتثير هذه الإجراءات الجديدة التساؤلات حول مدى اثارها على الاقتصاد وعلى مختلف القطاعات الاقتصادية، خصوصا تلك التي تأثرت بشكل كبير خلال العام 2020م.

وبشكل عام، يتفق الخبراء بانه كلما طال الإغلاق، زادت العواقب والاثار السلبية على الاقتصاد. ويهدد استمرار الاغلاق لفترة طويلة بفقد كبير للوظائف يقدرها الخبير الاقتصادي جابرييل فيلبرماير، بنحو 600 ألف وظيفة، كما ستتضرر القطاعات التي شهدت بالفعل تغيرات هيكلية واضرار كبيرة خلال العام 2020م بسبب جائحة كورونا، مثل صناعات الطيران والسياحة أو البيع بالتجزئة. وتتجاوز اثار كورونا قضية خسائر الإيرادات واستنزاف المخزونات والارصدة المالية الى قضية التغير الهيكلي في الصناعة بمجملها، حيث ستغير جائحة كورونا، على سبيل المثال، تجارة التجزئة على المدى الطويل، بحيث حتى مع رفع الاغلاق وعودة النشاط الاقتصادي فان ازمة هذا القطاع لن تنتهي بسبب النمو الكبير لقطاع البيع بالتجزئة عبر الانترنت خلال الجائحة، والذي أدى الى تغيير سلوك المستهلكين وأضاف أعباء على القطاع وقلل من قدرته التنافسية، حيث تجبر متاجر البيع بالتجزئة المختلفة على دفع الإيجارات والاغلاق أيام الاجازات بينما لا تعاني متاجر البيع بالتجزئة عبر الانترنت من هذه التكاليف والمحددات. وهو الامر الذي يسري أيضا على قطاعات المطاعم والفنادق والأنشطة الترفيهية والثقافية. وعلى الرغم من ان هذه القطاعات لا تمثل نسبة كبيرة من الناتج المحلي الإجمالي (تدور التقديرات حول مساهمة هذه القطاعات بنحو 4 في المئة فقط من الناتج المحلي الإجمالي) فان أثرها سوف يمتد الى سوق العمل وكذلك الى معدل الاستهلاك الداخلي اللذان يلعبان دورا مهما في النمو الاقتصادي.

سوق العمل في ألمانيا في 2020م: معّدل البطالة يرتفع بنحو 19 في المئة مقارنة بالعام 2019م وتجنب الأسوأ

انتهت مرحلة الزيادة في التوظيف الطويلة في ألمانيا بأزمة كورونا. ووفقًا للخبراء، فانة بالإمكان العودة الى ارتفاع فرص وأماكن العمل في الاقتصاد الألماني مرة أخرى بداية من عام 2022م على أقرب تقدير.

وقد نجا سوق العمل في ألمانيا بشكل أساسي من عملية تسريح واسعة النطاق للموظفين والعاملين بسبب كورونا في العام 2020م بفضل برنامج العمل بدوام مختصر، حيث بلغ متوسط عدد العاطلين عن العمل خلال العام الماضي 2,7 مليون شخص وهو ما يمثل زيادة بنحو 429 ألف شخص او ما يساوي 19 في المئة مقارنة بالعام 2019م.

وقال رئيس مكتب العمل الاتحادي Detlef Scheele، إن الزيادة في اعداد العاطلين عن العمل ترجع بالكامل تقريبًا إلى جائحة كورونا، حيث كانت هناك عمليات تسريح للعمال، خاصة في ربيع العام الماضي. ومع ذلك، فإن الأمر الأكثر تأثيرا بشكل سلبي على سوق العمل هو أن عددًا أقل من العاطلين عن العمل تمكنوا من العثور على وظيفة مرة أخرى خلال أزمة كورونا. وبشكل عام، وصلت البطالة إلى نفس المستوى المنخفض نسبيًا لعام 2016م. وهذه “نتيجة إيجابية نسبيًا”. وسجلت أكبر الخسائر في الوظائف في قطاع العمالة المؤقتة، والمطاعم والصناعات المعدنية والكهربائية.

وبالنسبة الى الوضع المتوقع لسوق العمل خلال العام 2021م فان العديد من الخبراء يربطون حالة السوق بعدد من العوامل الأساسية منها ما إذا كانت أجزاء من الاقتصاد ستضطر إلى الإغلاق بعد يناير إذا كان عدد الإصابات لا يسمح بالتخفيف من إجراءات الاغلاق وكذلك مدى سرعة حملة التطعيم في مقابل سرعة انتشار العدوى. وفي هذا الجانب أكد الرئيس التنفيذي لاتحاد أرباب العمل الألماني (BDA)على انه يوجد “الآن شيء واحد واضح” هو ان “زيادة سرعة التطعيم هي ميزة تنافسية رئيسية. وكلما تم تطعيم اعداد كبيرة من السكان بشكل أسرع، زادت سرعة تعافي الاقتصاد وبالتالي تأمين فرص العمل “.

وعلى الرغم من ان الصورة لم تتضح بشكل كامل بعد الا ان توقعات مكتب العمل الاتحادي كانت إيجابية بحذر، وفق وصف رئيس المكتب، الذي يتوقع أن عدد العاطلين عن العمل سينخفض ​​مرة أخرى في المتوسط ​​ خلال العام 2021م بحوالي 100 ألف شخص ليصل إلى 2.6 مليون عاطل عن العمل.

كما يتوقع مكتب العمل الاتحادي ان يستمر، في المتوسط، نحو 700 ألف عامل في برنامج العمل بدوام مختصر خلال العام 2021م، بعد ان بلغ هذا المتوسط خلال العام 2020م 2,9 مليون شخص والذي بلغ ذروته في شهر ابريل من العام الماضي بنحو ستة ملايين شخص.

وتتشارك العديد من معاهد الأبحاث الاقتصادية التفاؤل الذي أظهرته تقديرات مكتب العمل الاتحادي حول معدل البطالة المتوقع في العام الحالي والذي وصل مع نهاية العام 2020م الى نسبة 5,9 في المئة، حيث تدور التوقعات لمعدل البطالة في العام 2021م حول نسب تتراوح بين 5,7 و6,0 في المئة تقريبًا. وسيكون هذا المعدل أقل بكثير من معدل 8,1 في المئة للبطالة التي تم تسجيلها خلال الازمة المالية العالمية العام 2009م. مع العلم بانة لم يتم تسجيل معدلات بطالة اقل من معدل 5,7 في المئة في ألمانيا منذ تحقيق الوحدة الا خلال عامي 2018م و2019م.

ويذهب المعهد الألماني للبحوث الاقتصادية (DIW) الى ان ​​معدل البطالة سيعود إلى 5,3 في المئة في وقت مبكر من عام 2022م، وبالتالي يقترب من معدل البطالة الذي تم تسجيله ما قبل الأزمة.

من جهتها أظهرت بيانات مكتب الإحصاء الاتحادي عن سوق العمل في ألمانيا خلال العام 2020م تراجع عدد العاملين بنحو 477 ألف شخص ليبلغ المجموع الكلي للموظفين والعاملين الى 44,8 مليون شخص وبانخفاض بنسبة 1,1 في المئة بالمقارنة بعددهم في العام 2019م. وبهذه الأرقام تنتهي مرحلة ارتفاع الوظائف في ألمانيا والتي استمرت 14 عاما.

وسجلت القطاعات الأكثر تضررا من الإغلاق أكبر انخفاض في عدد العاملين. حيث تراجع عدد العاملين في قطاعات التجزئة والنقل والضيافة بمقدار 207 آلاف عامل وموظف، حيث يوفر قطاع الضيافة وظائف لنحو 2,4 مليون شخص فيما يعمل في قطاع تجارة التجزئة حوالي 3,1 مليون شخص. اما بالنسبة لمقدمي خدمات الشركات، والتي تشمل أيضًا العمل المؤقت، فقد وصل الانخفاض الى نسبة 2,5 في المئة من اجمالي القوة العاملة في القطاع.  

وبشكل عام يتوقع رئيس مكتب العمل الاتحادي Scheele ان يتعافى سوق العمل ببطء خلال هذا العام لكنه يرى ” أننا لن نصل إلى مستوى ما قبل الأزمة مرة أخرى حتى منتصف عام 2022″. ويبعث تعافي قطاع الصناعة في ألمانيا والذي يوفر العمل لما يقرب من 7,6 مليون شخص الامل في تحسن سوق العمل خلال العام الحالي. بالإضافة الى التوقعات بأن يكون للإغلاق الثاني تأثير أقل على سوق العمل مقارنة بالأول. لأن الحدود ليست مغلقة وسلاسل التوريد تعمل، وهو أمر مهم بشكل خاص للصناعة المعتمدة على التصدير.

الصفقات المتوقعة للاندماج والاستحواذ على الشركات في ألمانيا عام 2021م

بعد ذروة ازمة كورونا في العام 2020م وتراجع حجم صفقات الاندماج والاستحواذ على الشركات توافر لدي المستثمرين الماليين في جميع انحاء العالم ما يقرب من 750 مليار دولار، وهم يبحثون بشكل عاجل عن فرص الاستثمار، ويتطلعون بشكل متزايد إلى ألمانيا. وهو الامر الذي يرفع التوقعات بحصول طفرة حقيقية في الصفقات الضخمة للاستحواذ على أسهم الشركات الألمانية في عام 2021م. ويؤكد Joachim Ringer، الرئيس المشارك للخدمات المصرفية الاستثمارية في مصرف Credit Suisse في ألمانيا والنمسا، إنه خلال النصف الأول من العام الجاري “من الممكن إجراء صفقتين إلى ثلاث صفقات كبيرة تتجاوز قيمتها 10 مليار يورو، حيث يتحد العديد من المستثمرين الماليين لتقديم عطاءات مشتركة”.  وتتداول الدوائر المالية أسماء شركة Bilfinger للصناعة وشركة تجارة الصلب Klöckner  وشركة Reebok احدى الشركات الفرعية لشركة Adidas كأهداف استحواذ محتملة.

وترى العدد من صناديق الاستثمار، والتي شهد نشاطها تراجعاً خلال جائحة كورونا، فرصاً كبيرة لعقد صفقات للاستحواذ او شراء جزء كبير من أسهم الشركات الألمانية، حيث تشير تقديرات مجموعة بوسطن الاستشارية Boston Consulting Group، الى إن أكثر من 100 شركة ألمانية تمثل هدفاً لصفقات استحواذ المستثمرين الناشطين.

ويتوقع الخبراء موجة حقيقية من الصفقات الجديدة للاستحواذ ولشراء أسهم الشركات خلال العام 2021م اعتمادا على الأسباب التالية:

  • الضغط من قبل المساهمين النشطاء:

صناديق الاستثمار في الأسهم الخاصة تكون مستعدة للشراء عندما يضغط المساهمون النشطون على أعضاء مجلس إدارة الشركات او المجموعات التجارية او الصناعية المساهمين فيها للتركيز على النشاط الأساسي للشركة او المجموعة، مما يتيح بيع أجزاء من المجموعة. ويفترض مستشارو مجموعة بوسطن الى ان 90 في المئة من التكتلات الصناعية والتجارية معرضة لضغوط المساهمين بها، ويتم تقديم مثال شركة Bayer كنموذج لذلك، حيث ترتكز المجموعة على ثلاث نشاطات اقتصادية وصناعية وهي الأدوية وصحة المستهلك وحماية المحاصيل. ويرغب المستثمرون النشطين في أن تركز الشركة على قطاع الأدوية.

  • الصناديق الكبيرة تحتاج إلى صفقات كبيرة:

ان عدم وجود عائدات مجزية لصناديق الاستثمار الأساسية مثل صناديق التقاعد وشركات التأمين اتاحت تدفق مزيد من الأموال للاستثمار في شراء الأسهم في الشركات وفي عمليات الاستحواذ عليها. لهذا تمتلك شركات ومجموعات الاستثمار المالي الكبرى مثل Blackstone وCVC وCarlyle وApollo وEQT عشرات المليارات من الأموال في متناول اليد. ويتزايد الضغط على هذا الشركات بسبب ان الصناديق الأساسية للاستثمار تتوقع عائدات كبيرة لرأس المال الذي ضخته في هذه الشركات وتتوقع منها عقد صفقات ضخمة للاستحواذ على الشركات او شراء نسبة كبيرة من أسهمها. وتمثل شركة Bilfinger للخدمات الصناعية الألمانية أحد اهم أهدف الشركات الاستثمارية المالية العالمية الى جانب شركة Klöckner   لتجارة الصلب خصوصا بعد قيام الشركة برقمنة جزء كبير من اعمالها. كما تمثل شركة Reebok، احدى شركات علامة اديداس لصناعة المستلزمات والسلع الرياضية، والتي تحسنت ربحيتها بشكل كبير خلال العام 2019م أحد الشركات التي تسعى العديد من شركات وصناديق الاستثمار المالي الى الاستحواذ عليها.

  • عمليات تبسيط الشركات:

تعاني عدد من الشركات والمجموعات الصناعية من تعقيد وتعدد أنشطتها واعمالها وهو ما يعيق في كثير من الحالات تطوير هذه الاعمال، ولذلك تولد اتجاه لتبسيط اعمال الشركات وجعلها أكثر تخصصا عبر بيع بعض افرعها او اقسامها المتخصصة. وفي هذا الاطار يأتي بيع قسم المصاعد في Thyssen-Krupp  كأحدث معلم في تبسيط هياكل المجموعة الصناعية في ألمانيا. ويتيح تبسيط أنشطة الشركات وفصلها عن النشاط الرئيسي فرصة لأسواق المال وللمستثمرين لإبرام صفقات استحواذ او شراء نسبة كبيرة من الأسهم في هذه الشركات.

  • الرقمنة:

يركز المستثمرون الماليون بشكل متزايد على الصفقات المتعلقة بالرقمنة أو التقنيات المتجددة. حيث وبعدد 57 صفقة، كانت معظم صفقات شراء الأسهم الخاصة في ألمانيا في عام 2020م في مجال تكنولوجيا المعلومات، تليها 40 صفقة في القطاع الصناعي. ووفقًا للخبراء، تتطلع صناديق الاستثمار في الأسهم الخاصة بشكل متزايد إلى شركات التكنولوجيا في عام 2021 بالإضافة كذلك الى المنصات الرقمية.

  • إصلاح الميزانية العمومية بعد أزمة كورونا:

على الرغم من الدعم الحكومي، سيكون عام 2021م عام جرد الشركات للأضرار الناجمة عن أزمة كورونا. وهنا سيستهدف المستثمرون الماليون الشركات التي عانت بشكل أكبر والتي تحتاج الى ضخ مزيد من الأموال في راس مالها لتجاوز او تخفيف حدة اضرار كورونا على اعمالها. وتبدوا هنا الشركات العاملة في قطاع السياحة وقطاعي المطاعم والبيع بالتجزئة بالإضافة الى شركات الطيران الأكثر ترشيحا لعمليات إعادة الهيكلة وكذلك بيع جزء من أسهمها او بيع الشركة بالكامل للمستثمرين الماليين.

  • بيع شركات صناديق الاستثمار المالي:

خلال العام 2021م لا يتوقع أن يقوم كبار المستثمرين الماليين بالشراء فقط بل سيقومون ببيع الشركات او جزء من أسهم الشركات التي يمتلكونها أيضا اما عن طريق الاكتتاب العام او عن طريق بيع الشركات الى صناديق استثمارية أخرى. وتبرز كمثال في هذا الجانب النوايا الخاصة بعملية طرح أسهم شركة Suse المصنعة للبرنامج والتي تمتلكها شركة الاستثمار المالي EQT للاكتتاب العام خلال هذا العام. كذلك نية شركة الأسهم الخاصة BC Partners لبيع شركة Ceramtec المختصة في صناعة السيراميك. 

ونظرا لهذه العوامل والأسباب يتوقع الخبراء مستوى مرتفعًا جدًا من النشاط من صناديق الأسهم الخاصة ومن المستثمرين الماليين في الأشهر المقبلة من العام 2021م في ألمانيا والذي سيشمل جميع الصناعات والتي تعتبر فرصا استثمارية خصوصا في قطاعات البرمجيات والرعاية الصحية والتجارة الإلكترونية والتكنولوجيا الطبية.

هذا وكانت نسبة استحواذ وشراء أسهم الشركات في ألمانيا في العام 2020م من قبل صناديق الاستثمار المالي العالمية قد بلغت 35 في المئة من اجمالي صفقات الاستحواذ وشراء الأسهم في السوق الألماني، وبقيمة وصلت الى 57 مليار دولار امريكي. وتعد عملية شراء قسم المصاعد في شركة Thyssen-Krupp الألمانية بقيمة 18,8 مليار دولار أكبر صفقة استحواذ اجنبية على شركة ألمانية في العام 2020م.

الشركات الناشئة في أوروبا أكثر ربحية واقل عرضة للفشل

اظهر أحدث تحليل للبيانات الخاص بالشركات الناشئة ان الشركات الأوروبية التكنولوجية الناشئة أكثر ربحية للمستثمرين واقل عرضة للفشل من نظيرتها الامريكية والآسيوية، وهو ما جعلها أكثر جاذبية للمستثمرين. فخلال الخمس سنوات الماضية بلغ معامل الربحية للشركات الناشئة في أوروبا مستوى 11,9 نقطة بينما كان المعدل بالنسبة للشركات الامريكية 9,9 نقطة وللشركات الاسيوية 9,1 نقطة.

ويرى المستثمرون إمكانية ربح عاليا بشكل خاص في الشركات المتخصصة في توفير مساحات تخزين سحابية لشركات قطاع الصناعة وكذلك في الشركات المتخصصة بتقديم الحلول البرامجية للشركات متوسطة الحجم. وفي هذا المجال “تأتي اغلب الشركات الرائدة من أوروبا” بحسب Luciana Lixandru مديرة مكتب شركة الاستثمارات الامريكية Sequoia Capital في أوروبا.

لقد أدرك المستثمرون الأمريكيون على وجه الخصوص نقاط القوة في أوروبا منذ وقت مبكر، حيث ضاعفت أكثر من 30 شركة أمريكية للاستثمار في راس المال، منذ العام 2010م، نسبة الشركات الأوروبية في محافظها الاستثمارية من متوسط ​​أربعة إلى تسعة في المئة. كما تضاعف عدد صفقات الاستثمار أيضا خلال نفس الفترة بثلاث اضعاف من 8 صفقات الى 25 صفقة، ويعود ذلك ليس فقط بسبب العوائد الأعلى، ولكن أيضًا بسبب نسبة المخاطر الأقل بالمقارنة مع الشركات الامريكية.

الشركات الاوروبية الناشئة أكثر ربحية: فيما يتعلق بما يسمى “كفاءة رأس المال” أظهرت الشركات الأوروبية قدرتها على تحقيق عائدات أكبر، حيث مقابل كل يورو مستثمر، حصل المستثمرون في الشركات الناشئة الأوروبية التي تم بيعها بنجاح أو إدراجها في سوق الأوراق المالية على متوسط عائد ​​يتراوح بين سبعة إلى اثني عشر يورو، بينما في الولايات المتحدة بلغ متوسط العائد من أربعة إلى عشرة يورو، وفي آسيا من ثلاثة إلى تسعة يورو فقط.  وعلى هذا تطورت كفاءة رأس المال في أوروبا بدرجة اعلى من الولايات المتحدة وآسيا وبالتالي يمكن استخدام الأموال بشكل مربح في قطاع الشركات الناشئة الأوروبي أكثر من بقية الدول.

ويرجع الخبراء تفوق الشركات الأوروبية الناشئة في هذا المجال الى ان العديد من الشركات الأوروبية ركزت على العملاء الصغار والمتوسطين، كما ركزت على تطوير المنتجات التي تناسب عملائها حقًا، حيث ليست هناك حاجة ” إلى مؤسسة مبيعات باهظة الثمن”. إذا نجحت الخطة، فستنتشر المنتجات من تلقاء نفسها، وهذا هو في الواقع سبب كفاءة رأس المال في الشركات الاوربية مقارنة بالعديد من الشركات الأمريكية.

ويشير محللون الى نقطة أخرى في اختلاف تقييم الشركات الناشئة الاوروبية والأمريكية والمتعلق بعدد الشركات الناشئة التي تجاوز تقييمها في الأسواق حاجز المليار دولار، اذ وفق هذا التقييم يوجد في الولايات المتحدة 276 شركة، و271 شركة في آسيا و65 شركة فقط في كل أوروبا. لكن هل يعني ذلك حقًا أن شركات التكنولوجيا الأمريكية الناشئة أكثر قيمة؟

في هذا الجانب أشار الخبير الاستثماري Retterath من مؤسسة Earlybird الى انه يتم تصنيف الشركات الامريكية وفق معايير مختلفة عن الشركات الأوروبية، حيث كان على أي شركة أمريكية ناشئة في السنوات الخمس الماضية أن تجمع 175 مليون دولار حتى يتجاوز تقييمها المليار دولار، بينما كان على أي شركة ناشئة في ألمانيا ان تحقق 250 مليون دولار حتى يتم تصنيفها كشركة فوق المليار دولار. اما بالنسبة للشركات الناشئة الأوروبية فكان عليها جمع 208 مليون يورو لحصولها على هذا التقييم.  وبناءً على هذا يشير العديد من المختصين الى ان التقييم هو مجرد قيمة وهمية يتفق عليها المشاركون. تصبح القيمة الفعلية لشركة ما واضحة فقط عند خروجها، أي عندما يتم بيع الشركة أو طرحها للاكتتاب العام.

الشركات الأوروبية الناشئة اقل عرضة للفشل: اعتادت الشركات الأوروبية أن تواجه مشاكل كبيرة في جمع مزيد من الاستثمارات المالية لتحقيق مزيد من النمو السريع، أو ما يسمى التوسع، وذلك بعد حصولها على التمويل الأولي لبدء التشغيل. وقد اُعتبر هذا أحد أوجه القصور في أوروبا وألمانيا ومثّل حافزًا قويًا للراغبين في تأسيس اعمالهم والمستثمرين للذهاب إلى الولايات المتحدة الأمريكية.

لكن هذا الواقع تغير خلال الفترة الماضية حيث، وفيما يتعلق بمعدلات البقاء، لحقت الشركات الأوروبية الناشئة بنظيراتها الأمريكية في السنوات الأخيرة. واستطاعت ألمانيا تجاوز الولايات المتحدة أيضا في هذا المجال. وتشير التقارير الصادرة عن مؤسسات مالية واستثمارية متخصصة مثل Dealroom وMattermark وMcKinsey إلى نتائج واستنتاجات مماثلة.

ويؤكد توبياس هينز، خبير الشركات الناشئة في شركة McKinsey ان متوسط معدل نجاح الشركات الناشئة في ألمانيا أعلى من متوسط نجاح الشركات الناشئة في ​​الاتحاد الأوروبي وكذلك في الولايات المتحدة الأمريكية، وان احتمال فشل هذه الشركات وتوقف أعمالها في ألمانيا أقل من الشركات الناشئة في الولايات المتحدة ايضاً. حيث تتمتع ألمانيا ببيئة صناعية متميزة توفر للشركات الناشئة الحجم المناسب من العملاء والمشترين وكذلك المستثمرين. ويضيف Karel Dörner، الخبير المالي في McKinsey ” يأتي أحدث جيل من الشركات الناشئة التي تتجاوز قيمتها مليار دولار من مجالات مثل الأتمتة في القطاع الصناعي، وبالنظر الى وجود الشركات المختصة والمهارات المؤهلة في هذا المجال في ألمانيا، فان ذلك يتيح احتمالية عالية لنجاح الشركات الناشئة”.

وبشكل عام، لا يزال لدى أوروبا بعض إمكانات اللحاق بالركب في مجال تمويل الشركات الناشئة حتى بيع الشركة او طرح أسهمها في سوق الأوراق المالية. حيث تحقق خُمس الشركات الناشئة في الولايات المتحدة، تقييمًا بمليار دولار أو بيعًا جديرًا بالملاحظة، في أوروبا ما تزال النسبة أقل بقليل من السدس. ويعيد Dörner السبب في ذلك الى انه “في الولايات المتحدة، تلعب صناديق التقاعد دورًا رئيسيًا في التمويل اللاحق لتأسيس الشركات الناشئة وبدئها للعمل”. بينما توجد في ألمانيا عقبات قانونية في مجال رأس المال الاستثماري لمثل هذه الصناديق وشركات التأمين. ويدعو اتحاد الشركات الألمانية الناشئة بشدة إلى تغيير ذلك. بحيث ان المزيد من الاستثمار من قبل هذه المؤسسات الاستثمارية الكبيرة سيمثّل خطوة هامه في تحويل أوروبا الى بيئة أكثر مناسبةً لنجاح الشركات الناشئة.

ترليون يورو استثمارات أوروبية لإنتاج الكهرباء الخضراء

تخطط شركات انتاج الطاقة الأوروبية الى الاستثمار بشكل مكثف في مصادر الطاقة المتجددة لإنتاج ما يطلق عليه “الكهرباء الخضراء”، وسيتركز هذا الاستثمار في طاقة الرياح والطاقة الشمسية حتى العام 2030م. وتشارك شركات الطاقة الألمانية مثل RWE وEnBW في الاستثمار القياسي بمليارات اليورو في هذا الجانب. الى جانب شركات أوروبية أخرى مثل شركة الطاقة الإسبانية Iberdrola التي تنوي وحدها استثمار 34 مليار يورو في الطاقات المتجددة بحلول عام 2025م، وشركة Enel من إيطاليا بمشاريع استثمار بحوالي 70 مليار يورو بحلول عام 2030م.

وبشكل عام، تشير المعلومات الأولية ان الشركات الأوروبية تنوي استثمار ما لا يقل عن 650 مليار يورو خلال العقد الممتد بين عامي 2021م و2030م في تعزيز الطاقات المتجددة. ووفقًا لنتائج تحليل أجرته شركة الاستشارات Kearney إذا كانت الظروف الإطارية جيدة، من خلال مواصلة الدعم الحكومي لطاقة الرياح والطاقة الشمسية لفترة زمنية أطول، وكذلك الصفقة الخضراء للاتحاد الأوروبي والتي اقرت نهاية العام 2019م وتهدف الى التحول الى اقتصاد صديق للبيئة، فان الاستثمارات الأوروبية الكلية في مجال توليد الكهرباء الخضراء قد تتجاوز خلال العقد حاجز ترليون يورو. وأكد ماركوس كريببر، المدير المالي والرئيس المعين لشركة RWEالألمانية لإنتاج الطاقة إن “الأموال المخصصة للصفقة الخضراء للاتحاد الأوروبي، وكذلك مساعدات كورونا، تفتح فرصة عظيمة لبناء صناعة جديدة ومستدامة بشكل أسرع مما سيكون عليه الحال في الأوقات العادية”.

وترجع بداية النمو القوي لمساهمة الطاقات المتجددة في توليد الكهرباء في أوروبا الى منتصف العقد الماضي حيث ارتفعت حصتها في إنتاج الكهرباء من حوالي 20 إلى 40 في المئة. ومع رفع سقف أهداف الاتحاد الأوروبي المناخية لعام 2030م، مقارنة بعام 1990م، من المقرر الآن خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنسبة 55 في المئة بدلاً من 40 في المئة السابقة، يتوقع تسارع عملية التحول في الطاقة وزيادة مساهمة الطاقات المتجددة. وعلى هذا الأساس يتوقع الخبراء زيادة كبيرة في الاستثمارات في مجال الطاقة المتجددة خلال الفترة القادمة، بالإضافة الى عوامل أخرى تلعب دورا في ارتفاع حجم الاستثمارات منها تعويض الاستثمارات المتأخرة ومحاولة اللحاق بالركب حيث شهدت الاستثمارات ركودًا مؤخرًا بسبب حالة عدم يقين بشأن الشروط المتعلقة بصناعة الطاقة المتجددة في العديد من البلدان الأوروبية، بما في ذلك ألمانيا. ولهذا يتوقع أن تزيد الاستثمارات السنوية في الطاقات المتجددة في أوروبا إلى 90 مليار يورو في وقت مبكر من عام 2022م، من حوالي 60 مليار يورو في عام 2020م.

كما يساهم أيضا في ازدهار الاستثمار في هذا المجال الدعم السياسي من قبل الحكومات الأوروبية للتحول في مجال الطاقة، وبالذات في مجال صناعة سيارات صديقة للبيئة وكذلك التدفئة عن طريق مصادر الطاقة المتجددة. الى جانب تقنية الهيدروجين الأخضر، والذي من خلاله سيتم تقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.  وهو ما سيؤدي أيضا بدورة الى زيادة الحاجة الى كميات هائلة من طاقة الرياح والطاقة الشمسية.

كما تزداد تنافسية صناعة الطاقة المتجددة مع التقدم التكنولوجي الكبير الذي حققته الصناعة خلال الفترات السابقة وزيادة قدرات توربينات الرياح وخلايا توليد الطاقة الشمسية من توليد الكهرباء وهو ما ساهم بشكل جذري في استمرار انخفاض تكاليف طاقة الرياح والطاقة الشمسية في جميع انحاء العالم بشكل متسارع. وهو الامر الذي أدركته شركات الطاقة والتي تمسكت بالوقود الاحفوري لوقت طويل لكنها الان تتوجه الى الطاقات المتجددة كمجال نمو رئيسي، خصوصا مع الدعم المالي من قبل المستثمرين حيث معدلات الفائدة المنخفضة والتي وفرت الكثير من الأموال في السوق. بالإضافة الى الدعم الحكومي الذي تتلقاه شركات انتاج الكهرباء عبر مصادر الطاقة المتجددة على الرغم من ان صناعة الطاقات المتجددة أصبحت قادرة على المنافسة وتوافرت في العديد من البلدان ظروف سوق حرة للكهرباء الخضراء. ففي عام 2020م، عندما اهتز الاقتصاد العالمي بسبب جائحة كورونا، أثبتت الطاقات الخضراء أنها مقاومة للأزمات. حيث كانت العديد من الصناعات تكافح خسائر بالمليارات، بينما كانت صناعات الرياح والطاقة الشمسية تحقق أرقام قياسية تلو الأخرى.

جاذبية سوق الطاقات المتجددة المتزايدة دفعت شركات النفط الكبرى الى الاستثمار في السوق، حيث تخطط شركات النفط العملاقة الأوروبية BP وShell وTotal وEquinor وEni أيضاً لاستثمار ما يقرب من 130 مليار يورو في مصادر الطاقة المتجددة خلال السنوات الخمس إلى العشر القادمة. حيث ان الاتجاه السائد نحو مزيد من حماية البيئة دفع هذه الشركات للاستثمار في الطاقات المتجددة بالرغم من انها لم تتخل بعد عن إنتاج النفط. ان التغير الهيكلي الذي يشهده قطاع الطاقة ووضع العديد من الدول في أوروبا وكذلك الاتحاد الأوروبي لأهداف مناخية طموحة، دفع الشركات الى تغير استراتيجيتها وفقًا لذلك.

ويسعى الاتحاد الأوروبي الى أن تصبح اوروبا أول قارة محايدة مناخياً بحلول عام 2050م. حيث قدم نائب رئيس مفوضية الاتحاد الأوروبي، فرانس تيمرمانز، ومفوض الاتحاد الأوروبي للطاقة، كادري سيمسون، بالفعل استراتيجية واضحة للاتحاد الأوروبي للطاقة البحرية، أي للكهرباء الخضراء التي يتم توليدها قبالة السواحل البحرية. حيث تهدف الاستراتيجية الى توسيع قدرة توليد الكهرباء في مزارع الرياح البحرية الأوروبية من مستوى الإنتاج الحالي البالغ 12 جيجاوات إلى مستوى 60 جيجاوات على الأقل بحلول عام 2030م وحتى مستوى 300 جيجاوات بحلول عام 2050م. بالإضافة إلى ذلك، سيتم توليد حوالي 40 جيجاوات من طاقة المحيطات والطاقة المتجددة البحرية من مصادر أخرى مثل الرياح العائمة وأنظمة الطاقة الشمسية بحلول عام 2050م. وتتوقع المفوضية الأوروبية ان تبلغ الاستثمارات في مجال الطاقة البحرية الأوروبية فقط حتى العام 2025م نحو 800 مليار يورو.

عقوبات أمريكية جديدة على خط انابيب الغاز الروسي الى ألمانيا (Nord Stream 2)

كما هو متوقع، وقبل يوم واحد من نهاية فترة إدارة الرئيس دونالد ترمب، فرضت الحكومة الأمريكية عقوبات على سفينة روسية متخصصة بمد خطوط الانابيب تحت البحر والشركة المالكة لها في النزاع على خط أنابيب نورد ستريم 2. وأعلن وزير الخارجية الأمريكي المنتهية ولايته مايك بومبيو، فرض عقوبات على السفينة “فورتونا” وشركة KVT-RUS الروسية. كما هدد بمزيد من الإجراءات العقابية.

وكانت وزارة الاقتصاد الاتحادية الألمانية قد أكدت بالفعل أن واشنطن أبلغت برلين بالعقوبات المرتقبة ضد “فورتونا” وKVT-RUS. وقال متحدث باسم الوزارة “أحطنا علما بالإعلان بأسف”. يهدف خط الأنابيب إلى زيادة إمكانات توصيل الغاز الروسي إلى ألمانيا بشكل كبير، لكنه يثير الكثير من الخلافات داخل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.

ورفضت إدارة ترامب بشدة بناء خط الأنابيب وكانت قررت بالفعل فرض عقوبات على مشغلي السفن العادية في نهاية عام 2019م. لذلك تم تعليق أعمال التمديد في ديسمبر 2019م. ووفقًا لشركة التشغيل Nord Stream 2 AG، فقد تم انجاز ما نسبته 94 في المئة من المشروع. الذي يستثمر فيه بالإضافة إلى عملاق الطاقة الروسي Gazprom ومجموعات Uniper وWintershall من ألمانيا، المجموعة الفرنسية Engie والمجموعة البريطانية الهولندية Shell وشركة OMV من النمسا.

وتبعا لذلك ولاستكمال المشروع بشكل نهائي لا يزال يتعين مد حوالي 120 كيلومترًا من خطوط الأنابيب في المياه الإقليمية الدنماركية وما يزيد قليلاً عن 30 كيلومترًا في المياه الألمانية. وتريد روسيا إنهاء خط أنابيب بحر البلطيق المثير للجدل نورد ستريم 2 على الرغم من العقوبات الأمريكية. ونقلت مصادر إعلامية عن المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف قوله إن موسكو تعتزم ” العمل المتواصل لاستكمال هذا المشروع”.

ومن المفترض ان ينقل خط انابيب (Nord Stream 2) عند انهائه الى جانب خط الانابيب السابق الذي تم الانتهاء منه عام 2011م (1Nord Stream) نحو 55 مليار متر مكعب إضافية من الغاز الطبيعي من روسيا إلى ألمانيا كل عام عبر الخطين.  بينما تعارض الولايات المتحدة مد خط أنابيب الغاز لأنها ترى أن شركائها في أوروبا سوف يعتمدون بشكل كبير على الطاقة من روسيا. لكن الانتقادات توجه الى الولايات المتحدة باتهامها بأنها تريد فقط بيع غازها المسال بشكل أفضل في أوروبا.

وتتجاوز تأثيرات العقوبات الامريكية الشركات التي تستهدفها الى شركات أخرى تعمل في المشروع او تساهم فيه وإن بطريقة غير مباشرة، حيث كانت العقوبات الامريكية على خط الانابيب قد دفع شركة التأمين (مجموعة زيوريخ للتأمين) للانسحاب من المشروع، اذ كان من المقرر أن تضمن زيورخ إنشاء خط الأنابيب. وهو ما يعتبر نكسة أخرى لـ Nord Stream 2. وجاء قرار زيورخ في أعقاب انسحاب المصدق النرويجي DNV GL، وهي شركة تصنيف دولية ومزود خدمة في مجالات الاستشارات الفنية والخدمات الهندسية والشهادات وإدارة المخاطر والشركة الهندسية الدنماركية Ramboll في الأسابيع القليلة الماضية من المشروع.

وبدون تأمين وشهادة مستقلة، ستواجه شركة غازبروم صعوبات جمة في استكمال وتشغيل المشروع، حتى لو كانت تستخدم سفنًا ترفع العلم الروسي. وقد أعلنت شركة Nord Stream 2 AG أنها لن تعاود العمل في بناء خط الأنابيب في المياه الدنماركية في الوقت الحالي، على الرغم من حصولها على التصريح لبدء العمل من وكالة الطاقة الدنماركية.  وقال متحدث باسم الشركة ان السبب في ذلك يرجع الى ضرورة “فحص المعدات التقنية أولاً “.

من ناحية أخرى، فإن قرار تأجيل استئناف العمل على مشروع الانابيب، على الأقل لبضعة أسابيع، يتماشى بالتأكيد أيضًا مع رغبات الحكومة الألمانية، التي لا ترى انه من المناسب سياسيًا تحميل عبء اتخاذ قرار تجاه المشروع حال استئنافه في الوقت الحاضر على الإدارة الجديدة للرئيس جو بايدن. حيث لا تأمل برلين وحدها في أن العلاقات مع الولايات المتحدة ستهدأ، اذ تريد حكومة بايدن أيضًا أن تضع استعادة الشراكة عبر الأطلسي، التي انهارت بعد أربع سنوات من حكم ترامب، في قلب أجندة سياستها الخارجية. الا ان الخلاف حول نورد ستريم 2 ما زال ينعكس على علاقة الطرفين، حيث يواجه خط الأنابيب أيضًا رفضًا حادًا في الحزب الديمقراطي، لذا فإن مساحة المناورة امام إدارة الرئيس بايدن محدودة. خصوصا مع اعتبار جزء كبير من الأوساط السياسية في واشنطن ان العقوبات وسيلة فعالة لوضع روسيا في مكانها ومواجهة مساعي الكرملين إلى مزيد من النفوذ الدولي.

وكان بايدن قد أكد مؤخرًا أنه يعتبر نورد ستريم 2 “صفقة سيئة بشكل أساسي” ولكن دون دعم صريح لسياسة عقوبات الكونجرس وإدارة ترامب. كما يجد مستشاري الرئيس أن العقوبات تمثل إشكالية لأسباب تتعلق بسياسة التحالف بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

ويعزز هذا الرأي إن وزير الخارجية الأمريكي المعين أنتوني بلينكين كان قد ألف كتابًا عن علاقات الطاقة بين أوروبا الغربية وموسكو، قال فيه إنه “في التحالف الغربي، لا يمكن لأي عضو أن يعطي أوامر للدول الأخرى”. وإلا، حذر بلينكين، من أن التحالف عبر الأطلسي “لا يمكن تمييزه عن حلف وارسو”، الذي كان يقوم على “التخويف والسيطرة”.

لكن قيام بايدن وبلينكين برفع العقوبات ببساطة ومشاهدة كيفية اكتمال خط الأنابيب أمر يصعب تصوره. صحيح أن قانون العقوبات، الذي شدده الكونجرس قبل أسبوعين فقط، يعطي للحكومة خيار الامتناع عن فرض عقوبات تجارية معينة لأسباب تتعلق بالأمن القومي. لكن من الناحية السياسية، سيكون استخدام هذا البند مخاطرة كبيرة بسبب المعارضة الشديدة لخط الأنابيب في الكونجرس.