أعلن مكتب الإحصاء الاتحادي ان الناتج المحلي الإجمالي (BIP) في ألمانيا قد تراجع في العام 2024م، بنسبة 0.2 في المئة مقارنة بالعام السابق 2023م، والذي كان قد شهد بدوره تراجعاً في الناتج المحلي الاجمالي بنسبة 0.3 في المئة. وكانت آخر مرة شهدت فيها ألمانيا سنتين متتاليتين من الركود عامي 2002م/2003م. وقالت Ruth Brand، رئيسة مكتب الاحصاء، في إطار شرح أسباب هذا التراجع ان “العوائق الاقتصادية والهيكلية أعاقت تحقيق تطور اقتصادي أفضل في عام 2024م.” وأضافت: “تشمل هذه العوائق تزايد المنافسة التي تواجهها الصادرات الألمانية في الأسواق الرئيسية وارتفاع تكاليف الطاقة واستمرار ارتفاع مستويات الفائدة وكذلك التوقعات الاقتصادية غير المستقرة.” وقد تأثرت حركة الاقتصاد الألماني في العام الماضي بعدة عوامل. فبالرغم من توقع حدوث طفرة استهلاكية بفضل ارتفاع الأجور الحقيقية، إلا أن هذا لم يتحقق لأن الخسائر في القوة الشرائية خلال السنوات السابقة لم يتم تعويضها بعد. كما أن القلق بشأن فرص العمل عاد ليتزايد لدى العديد من الألمان، مما دفعهم للاستمرار في الادخار.
علاوة على ذلك، لا تزال صناعة البناء تواجه طلبًا ضعيفًا، حيث أصبح امتلاك منزل خاص بعيد المنال بالنسبة للكثيرين بسبب ارتفاع تكاليف التمويل وارتفاع أسعار مواد البناء. أما القطاعات الصناعية التي تعتمد على التصدير، فتواجه تحديات متزايدة نتيجة ضعف الطلب القادم من الصين. كما أضافت حالة عدم الاستقرار السياسي مزيدًا من الضغوط، بدءًا من الحرب الروسية الأوكرانية وصولًا إلى الاضطرابات في السياسات المالية للحكومة الألمانية وانهيار الائتلاف المكون للحكومة الاتحادية.
كما تدفع النتائج غير المؤكدة للانتخابات البرلمانية الألمانية العديد من الشركات إلى التردد في الاستثمار، حيث لا تزال السياسة الاقتصادية المستقبلية للحكومة الاتحادية القادمة غير واضحة. وأظهر استطلاع أجراه معهد ifo في ميونيخ في ديسمبر الماضي شمل حوالي 9000 من القيادات الاقتصادية ورؤساء الشركات أن مناخ الاعمال في الاقتصاد الألماني في نهاية العام 2024م، كان الأسوأ منذ أزمة كورونا. وقال Clemens Fuest، رئيس المعهد، “ضعف الاقتصاد الألماني أصبح حالة مزمنة”.
في غضون ذلك تحسن مناخ الاعمال في ألمانيا بشكل طفيف. فقد ارتفع مؤشر ifo في شهر يناير إلى 85.1 نقطة (بعد أن كان عند مستوى 84.7 نقطة في ديسمبر). ويُعزى هذا التحسن بشكل رئيسي إلى تقييم الشركات بشكل أكثر إيجابية للوضع الحالي لأعمالها. لكن توقعات مستوى الاعمال خلال الأشهر القادمة استمرت في التراجع، حيث لا تزال الشركات متشائمة.
في قطاع الصناعة، تراجع مناخ الأعمال بشكل أكبر في يناير حيث سجل مستوى (- 25.3 نقطة) فيما كان عند مستوى (- 24.9 نقطة) في ديسمبر الماضي. إذ أصبحت شركات القطاع أكثر تشككًا بشأن مستوى اعمالها في الأشهر القادمة. على الرغم من ان تقييم الشركات للوضع الحالي للأعمال كان بشكل أفضل. وتشتكي الشركات الصناعية من ان الطلبات الواردة لا تزال مستمرة في الانخفاض. وظلت نسبة استغلال الطاقة الإنتاجية عند 76.5 في المئة دون تغيير يُذكر، وهي بذلك أقل بكثير من المتوسط طويل الأجل البالغ 83.4 في المئة.
وسجل مؤشر مناخ الاعمال في قطاع الخدمات ارتفعاً بشكل ملحوظ، فقد وصل في شهر يناير الى مستوى (-2.2 نقطة) وهو أعلى بوضوح من المستوى المسجل في ديسمبر والبالغ ( -5.6 نقطة). وكانت الشركات قد قيّمت الوضع الحالي للأعمال بشكل أفضل بكثير. كما أصبحت التوقعات الخاصة بالأعمال خلال الفترات القادمة أكثر إيجابية، لكنها لا تزال مشوبة بشيء من التشاؤم. وكانت شركات خدمات تكنولوجيا المعلومات تحديدًا أقل سلبية في تقييم توقعاتها.
وظل مناخ الأعمال في قطاع التجارة في يناير دون تغيير عند مستوى ( -29.5 نقطة). إذ قيّمت شركات القطاع وضع اعمالها الحالي بشكل أكثر إيجابية، وكان ذلك واضحًا بشكل خاص في قطاع الجملة. بينما كانت التوقعات لمستوى الاعمال خلال الأشهر القادمة أكثر تشاؤمًا بعض الشيء، وخصوصا في الشركات العاملة في قطاع تجارة التجزئة.
وعاد مناخ الاعمال في قطاع البناء الى التراجع مرة أخرى مسجلا مستوى (-28.2 نقطة)، في يناير فيما كان قد سجل في ديسمبر مستوى (-26.2 نقطة)، ويعود ذلك إلى التوقعات السلبية للشركات لمستوى الاعمال خلال الفترة القادمة. ومع ذلك، كانت الشركات قد قيمت الوضع الحالي لأعمالها على أنه أفضل قليلاً من الشهر السابق.
من جانب أخر، أشار تقرير صادر عن مكتب الإحصاء الاتحادي ان التباطؤ الاقتصادي أثر على المالية العامة أيضًا في العام الماضي. حيث سجلت الدولة الألمانية في عام 2024م، زيادة في الديون الجديدة. حيث تجاوزت نفقات الحكومة الاتحادية وحكومات الولايات والبلديات والتأمين الاجتماعي الإيرادات بمقدار 113 مليار يورو، و”كان هذا أكثر بحوالي 5.5 مليار يورو مقارنة بعام 2023م”.، وتعادل هذه القيمة عجزًا بنسبة 2.6 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وهي نفس نسبة العجز المسجلة في عام 2023م. ويقل عن القيمة المرجعية البالغة 3 في المئة المنصوص عليها في ميثاق الاستقرار والنمو الأوروبي كحد اقصى للعجز المسموح به في ميزانية الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. وأوضح التقرير أن “العجز في ميزانيات الولايات والبلديات والتأمين الاجتماعي قد زاد”. “ويرجع ذلك بشكل رئيسي إلى زيادة الإنفاق على المعاشات التقاعدية “. كما تم إنفاق مبالغ كبيرة على الرعاية الاجتماعية ومساعدات البطالة التي تسمى (Bürgergeld). أما الحكومة الاتحادية فقد تمكنت، على عكس الاتجاه العام، من تقليل العجز المالي في ميزانيتها بشكل ملحوظ، حيث انخفض هذا العجز من حوالي 95 مليار يورو في عام 2023م، إلى ما يزيد قليلاً عن 59 مليار يورو في العام 2024م.
ومع ذلك، تبقى التوقعات الاقتصادية سلبية، حيث يتوقع معظم الخبراء الآن نموًا طفيفًا فقط في أفضل الأحوال خلال العام الحالي. حيث خفض البنك المركزي الألماني توقعاته للاقتصاد الألماني، ويتوقع الآن نموًا ضئيلًا في عام 2025م، بنسبة 0.2 في المئة فقط. أما مجلس الخبراء الاقتصاديين (حكماء الاقتصاد) فيتوقع نموًا بنسبة 0.4 في المئة. كذلك قامت الحكومة الألمانية بتخفيض توقعاتها الاقتصادية بشكل كبير، حيث تتوقع الآن نموًا اقتصاديًا بنسبة 0.3 في المئة فقط للسنة الجارية. أما بالنسبة لعام 2026م، فتتوقع الحكومة نموًا اقتصاديًا أقوى نسبيًا، حيث تشير التوقعات الى نمو بنسبة أكثر بقليل من 1 في المئة. كما خفض صندوق النقد الدولي (IMF)، توقعاته لألمانيا مرة أخرى، حيث يتوقع الآن نمواً اقتصادياً بنسبة 0.3 في المئة فقط لهذا العام. وبالنسبة للعام القادم 2026م، يتوقع صندوق النقد الدولي نمواً بنسبة 1.1 في المئة في ألمانيا. وهذا أقل بمقدار 0.5 نقطة مئوية للعام الحالي و0.3 في المئة بالنسبة للعام القادم عن التوقعات التي أعلنها الصندوق في الخريف الماضي، مما يعكس اتساع الفجوة بين الاقتصاد الألماني وبقية الاقتصادات الصناعية.
وتشير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)، إلى أن أكبر اقتصاد في أوروبا سينمو في عام 2025م، بوتيرة أبطأ من أي دولة صناعية أخرى. وعلق Cyrus de la Rubia، كبير الاقتصاديين في بنك هامبورغ التجاري، على هذا التطور قائلاً: “إذا نظرنا إلى الستين عامًا الماضية، فإن ألمانيا تسير في طريق يجعل هذا العقد الأبطأ نموًا على الإطلاق”. وأضاف: “من عام 2020م إلى 2024م، لم تسجل سوى زيادة في الناتج الاقتصادي الحقيقي بنحو نصف بالمئة فقط”. علاوة على ذلك، من المرجح أن تستمر حالة الضعف الاقتصادي في بداية العام. وهذا ما تدعمه حالة الركود في طلبات الصناعة وقطاع البناء، بالإضافة إلى ضعف ثقة المستهلكين في السوق.
سوق العمل: ارتفاع البطالة في العام 2024م ورقم قياسي في اجمالي عدد العاملين
اظهر تقرير وكالة العمل الاتحادية (BA)، عن تطورات سوق العمل في ألمانيا خلال العام 2024م، ان معدلات البطالة ارتفعت بشكل واضح في عام 2024م، مقارنةً بالعام السابق. ومع ذلك، وعلى المدى الطويل، لا تزال هذه المعدلات منخفضة نسبيًا. ويعود هذا الارتفاع بشكل أساسي إلى الركود الاقتصادي وضعف نمو التوظيف، مما جعل من الصعب على العاطلين عن العمل العثور على وظائف جديدة. وبهذا، ارتفع عدد العاطلين عن العمل في ألمانيا بمقدار 178,000 شخص ليصل إلى 2,787,000 شخص مقارنةً بالعام السابق. كما ارتفع معدل البطالة بنسبة 0.3 نقطة مئوية ليصل الى مستوى 6 في المئة.
وفي هذا السياق صرحت Andrea Nahles، رئيسة مجلس إدارة وكالة العمل الاتحادية (BA)، “النظرة إلى الوراء تُظهر أن الركود الاقتصادي المستمر في عام 2024م، قد ترك آثارًا أعمق على سوق العمل. ومع ذلك، ظل السوق بشكل عام متماسكًا إلى حد كبير”.
كذلك ارتفع الميل إلى برنامج العمل بدوام جزئي بشكل ملحوظ في 2024م، حيث اعتمدت الشركات بشكل أكبر على البرنامج كإجراء لمواجهة الركود الاقتصادي وحماية الوظائف مقارنةً بالعام السابق. ووفقًا لبيانات وكالة العمل الاتحادية، بلغ متوسط عدد العاملين المسجلين في برنامج العمل بدوام جزئي في عام 2024م، حوالي 320,000 شخص مقارنةً بـ 241,000 شخص في عام 2023م. وبحسب التقديرات ساهم برنامج العمل بدوام جزئي في حماية حوالي 90,000 وظيفة وحال دون تعرض العاملين للبطالة (ولو بشكل مؤقت).
وفيما يتعلق بعدد الوظائف الشاغرة المسجلة لدى وكالة العمل الاتحادية فاظهر التقرير ان الطلب المُسجل على موظفين جدد أصبح أضعف بشكل ملحوظ منذ النصف الثاني من عام 2022م. واستمر هذا الاتجاه خلال العامين الماضيين. بمتوسط سنوي قدره 694,000 وظيفة شاغرة مُسجلة، وكان الطلب على القوى العاملة في عام 2024م، أقل بمقدار 67,000 وظيفة مقارنة بعام 2023م. كما استمرت فرص العمل الجديدة، التي تعد مؤشرا أفضل على استعداد الشركات حاليا للتوظيف، في الانخفاض بسبب ضعف الاقتصاد. وبالمجمل، تم الإعلان عن 1,500,000 وظيفة جديدة في عام 2024م، أي أقل بـ 132,000 وظيفة عن عام 2023م، وبالتالي أقل من أي وقت مضى خلال السنوات الخمس والعشرين الماضية.
وبالرغم من ارتفاع عدد العاطلين عن العمل والتراجع النسبي في عدد الوظائف الشاغرة الا ان اجمالي عدد العاملين في ألمانيا في العام 2024م، سجل رقماً قياسياً على الرغم من ضعف الاقتصاد، فبحسب مكتب الإحصاء الاتحادي بلغ متوسط عدد العاملين في ألمانيا 46.1 مليون شخص “وهو أعلى رقم منذ الوحدة الألمانية في عام 1990م.” ومقارنة بالعام السابق، زاد عدد العاملين بنحو 72,000 عامل أي بنسبة 0.2 في المئة. وبحسب تقرير مكتب الإحصاء الاتحادي” باستثناء عام 2020م الذي تأثر بجائحة كورونا، ازداد عدد العاملين في ألمانيا باستمرار منذ عام 2006م”، ومع ذلك، فقد تباطأت هذه الزيادة بشكل واضح منذ منتصف عام 2022م.
وأشار التقرير إلى أن الزيادة الجديدة في عدد العاملين تعود إلى الهجرة من القوى العاملة الأجنبية بالإضافة إلى زيادة المشاركة في سوق العمل بين السكان المحليين. وذكر مكتب الإحصاء الاتحادي أن “هاتين الدفعتين للنمو تفوقتا على التأثيرات المثبطة للتغير الديموغرافي، الذي يؤدي إلى تزايد خروج الفئات العمرية الكبيرة من سوق العمل”. وفي الوقت نفسه، أوضح التقرير أن الزيادة في التوظيف حدثت حصريًا في قطاع الخدمات. حيث ارتفع عدد العاملين هناك مقارنة بالعام السابق بمقدار 153,000 شخص ليصل إلى 34.8 مليون شخص، بما في ذلك في العاملين في مجالات الخدمات العامة، التعليم، الصحة، وكذلك في قطاعي البنوك والتأمينات. أما في قطاعي الصناعة والبناء، فقد ترك الركود الاقتصادي أثره السلبي حيث انخفض التوظيف في هذين القطاعين.
وفيما إذا كان ارتفاع معدل التوظيف سيستمر أم لا، يبقى محل شك. فبحسب استطلاع أجراه معهد الاقتصاد الألماني (IW)، توقع 25 اتحاد اقتصادي تخفيض عدد الوظائف في عام 2025م، في حين تتوقع سبع اتحادات اقتصادية فقط زيادة في عدد العاملين. ومن المتوقع أن يكون هناك تراجع في عدد الوظائف بشكل رئيسي في العديد من القطاعات الصناعية، مثل قطاع الحديد والصلب، صناعة الآلات والمعدات، وقطاع البناء. وفي المقابل، من المتوقع أن تشهد قطاعات مثل صناعة الأدوية وصناعة الطيران والفضاء زيادة في الوظائف.
الاتحادات الاقتصادية الألمانية تحذر من سياسة الإدارة الامريكية الجديدة
مع بداية تولي دونالد ترامب ولاية ثانية في منصب رئيس الولايات المتحدة الامريكية، حذرت اتحادات اقتصادية ألمانية من أوقات صعبة قادمة، حيث قد يصبح التبادل التجاري أكثر تعقيدًا. ومع ذلك، ترى هذه الاتحادات أنه لا ينبغي للاتحاد الأوروبي وألمانيا التراجع أو الاختباء. وأشار اتحاد الصناعة والتجارة الألماني (DIHK) إلى صعوبات متوقعة. وصرّح Peter Adrian، رئيس الاتحاد “على الاقتصاد الألماني أن يستعد لمزيد من السياسات الحمائية وزيادة الحواجز التجارية خلال فترة ترامب الثانية”. وأضاف: “من المحتمل أن يصبح التعامل التجاري مع الولايات المتحدة أكثر صعوبة بشكل ملحوظ”.
وأكد Adrian، أن الولايات المتحدة تمثل اهم سوق تصديري للشركات الألمانية، حيث بلغت قيمة صادراتها إلى الولايات المتحدة، من يناير حتى أكتوبر 2024م، حوالي 136 مليار يورو، وهو ما يفوق صادراتها إلى أي دولة أخرى. وتشكل هذه الصادرات أكثر من عشرة بالمئة من إجمالي الصادرات الألمانية. وقال Adrian: “إذا قرر ترامب فرض رسوم جمركية شاملة على الواردات من الصين والاتحاد الأوروبي كما هدد مرارًا، فسيكون ذلك بمثابة نكسة كبيرة للاقتصاد الألماني، خاصة في ظل الوضع الاقتصادي المتوتر حاليًا”.
من جانب آخر، ينظر الاتحاد الألماني للتكنولوجيا الرقمية (Bitkom) بقلق إلى الوضع في الولايات المتحدة. وأوضح Ralf Wintergerst، رئيس الاتحاد، أن 79 بالمئة من شركات التكنولوجيا ترى أن فوز ترامب في الانتخابات الرئاسية أضعف أو دمر الثقة في الولايات المتحدة، كما يعتقد 78 بالمئة أن هذا الفوز سيضر بالاقتصاد الألماني. جاء ذلك بناءً على استطلاع رأي شمل 329 شركة من قطاع التكنولوجيا الرقمية.
وأضاف Wintergerst: “المهمة واضحة بالنسبة لألمانيا: يجب أن نصبح أقوى وأكثر مرونة ونتطلع نحو الفرص”. وأكد أن ألمانيا بحاجة إلى تحقيق مزيد من الاستقلالية التكنولوجية والاقتصادية. واعتبر أن السيادة الرقمية ستلعب دورًا حاسمًا في الحفاظ على قدرة ألمانيا على التصرف والاعتراف بها كلاعب قوي على الساحة الدولية. كما حذر Wintergerst من أن اعتماد ألمانيا على الولايات المتحدة قد ازداد في السنوات الأخيرة، مؤكدًا: “يجب علينا الآن عكس هذا الاتجاه”.
من جهة أخرى، يرى الاتحاد الألماني لتجارة الجملة والتجارة الخارجية والخدمات (BGA)، أنه لا يوجد سبب للقلق. وقال Dirk Jandura، رئيس الاتحاد، “من المهم بالنسبة لنا ألا نصاب بالذعر”. وأضاف: “الولايات المتحدة ستظل شريكنا الأهم مهما كانت الظروف”. وأوضح أن ترامب شخصية بارعة في إبرام الصفقات، وأن العديد من تصريحاته تهدف إلى خلق أوراق تفاوضية ليتمكن لاحقًا من تعزيز مواقفه وتحقيق مطالبه بشكل أفضل. ومع ذلك، أشار Jandura، إلى أن فرض رسوم جمركية عقابية على الواردات من الاتحاد الأوروبي سيؤثر على ألمانيا كدولة تعتمد على التجارة الخارجية. وأضاف: “كما أن حربًا تجارية بين أكبر شركائنا التجاريين، الولايات المتحدة والصين، ستكون عبئًا ثقيلًا”.
ودعا Jandura، الحكومة الألمانية المقبلة والمفوضية الأوروبية إلى عدم اتخاذ موقف دفاعي، بل التساؤل عما يمكن تحقيقه مع الولايات المتحدة بناءً على رؤية مشتركة. وأكد أن الاتحاد الأوروبي بحاجة إلى الوحدة في اتخاذ القرارات، وتغليب المصالح المشتركة، ووجود حكومة ألمانية قوية تتولى دورًا قياديًا على المستوى الأوروبي. وأشار أيضًا إلى ضرورة تقليل الاعتماد على الواردات من خلال استهداف أسواق جديدة وتوسيع التجارة الحرة، “نحتاج إلى المزيد من حرية التجارة لتحقيق ذلك”. .
من جانبه، اعتبر اتحاد الشركات العائلية أنه من الحكمة الاستعداد للصراعات التجارية المحتملة والعمل على تنويع الأسواق. وقالت Marie-Christine Ostermann، رئيسة الاتحاد، “علينا، بالرغم من كل شيء، أن نحاول تعزيز العلاقات عبر الأطلسي وفي الوقت نفسه تعزيز التعاون داخل الاتحاد الأوروبي”. وأضافت أن أحد الأساليب يجب أن يكون تحديد المصالح المشتركة بين أوروبا والولايات المتحدة، خاصة فيما يتعلق بالصين، والعمل على تحقيقها واستغلالها.
تحسن طفيف في موقع ألمانيا في تصنيف الدول الأفضل لعمل الشركات العائلية
بحسب التصنيف الجديد لأفضل مواقع الاستثمار والعمل للشركات العائلية الذي أعده مركز البحوث الاقتصادية الأوروبية (ZEW) في مانهايم، بتكليف من مؤسسة الشركات العائلية (Stiftung Familienunternehmen)، جاءت ألمانيا في المرتبة 17 من بين 21 دولة صناعية شملها التصنيف. وكانت ألمانيا قد احتلت قبل عامين المركز 18. لكن وفقاً لمركز ZEW، فإن التقدم الذي حققته ألمانيا في التصنيف يعود فقط إلى تراجع المجر بسبب تدهور مؤسساتها القانونية. ومنذ بدء هذا التصنيف في عام 2006م، تراجعت ألمانيا خمس مراتب. ويؤكد الاقتصادي Friedrich Heinemann، الذي يقود مشروع التصنيف “كان تدهور موقع ألمانيا قد بدأ قبل الحكومة الاتحادية الحالية، لكن الحكومة لم تفعل الكثير لوقف هذا التدهور”.
تلعب الشركات العائلية دوراً مهماً في ألمانيا، حيث تشكل 90 في المئة من إجمالي الشركات، وتوظف 57 في المئة من العاملين في ألمانيا. وتظهر نتائج التصنيف، من وجهة نظر Ulrich Stoll، عضو مجلس إدارة مؤسسة الشركات العائلية، مدى الحاجة الماسة إلى وضع أجندة لتحسين الاقتصاد. يقول Stoll: “انتخابات البرلمان الاتحادي القادمة ستكون حاسمة لتحديد ما إذا كنا سنشهد تحولاً في السياسات الاقتصادية”. حيث يشير تصنيف موقع الاستثمار الذي أعده مركز ZEW ومؤسسة الشركات العائلية إلى أن المشكلات في ألمانيا ذات طبيعة هيكلية، مما قد يؤدي إلى استمرار ضعف النمو الاقتصادي أو انخفاضه لفترة طويلة.
تتصدر التصنيف دول مثل الدنمارك والسويد، تليها كندا والولايات المتحدة. وبالنسبة ل Ulrich Stoll، فان هذه نتيجة مشجعة حيث تثبت ان “الظروف الاقتصادية في أوروبا ليست سيئة للغاية كما يبدو، وان ألمانيا لديها القدرة على تحسين وضعها الاقتصادي والعودة إلى المسار الصحيح”. ويستند تصنيف موقع الاستثمار إلى إحصائيات واستطلاعات في ستة مؤشرات: الضرائب، العمل، التنظيم، التمويل، البنية التحتية والمؤسسات، والطاقة.
الضرائب (المرتبة 20): فيما يتعلق بالضرائب على الشركات العائلية، تأتي ألمانيا في الترتيب ما قبل الأخير وتتقدم فقط على اليابان في هذا المجال. يشمل تحليل مركز البحوث الاقتصادية الأوروبية ZEW، العبء الضريبي، وتعقيد النظام الضريبي، والقواعد الخاصة بالأنشطة التجارية عبر الحدود. وتُعتبر ضريبة الميراث ذات أهمية كبيرة في هذا المؤشر الفرعي، حيث تبلغ نسبتها في ألمانيا بين 7 في المئة و50 في المئة. بينما على سبيل المثال، لا تفرض السويد ضريبة ميراث على الإطلاق. وتتصدر هذا المؤشر الدول الأوروبية الشرقية مثل سلوفاكيا، التشيك، وبولندا بفضل العبء الضريبي المنخفض إجمالاً.
العمل (المرتبة 20): يشمل هذا المؤشر تكاليف العمل، الإنتاجية، ومستوى التعليم. ولا تزال إيرلندا في المقدمة بسبب إنتاجيتها العالية وتكاليف العمل المنخفضة. أما ألمانيا، فتواجه تكاليف عمل مرتفعة مع إنتاجية منخفضة نسبياً، بالإضافة إلى الأداء السيئ في اختبارات “بيزا” للتعليم. وتأتي إيطاليا فقط خلف ألمانيا في هذا المجال.
التنظيم (المرتبة 17): يركز هذا المؤشر على الإجراءات البيروقراطية المطلوبة لتأسيس الشركات وإدارتها، وتنظيم سوق العمل، وسهولة التجارة مع الشركاء الدوليين. ويعتبر أداء ألمانيا ضعيفاً في هذا المؤشر بسبب نظام المشاركة القوي في القرارات داخل الشركات. بينما على النقيض، تتمتع الدول الأنجلوسكسونية بحرية أكبر في اتخاذ القرارات الإدارية. رغم ذلك، يشير الخبراء إلى أن التنظيم الجيد والتنسيق بين الأطراف الفاعلة يمكن أن يكون له أثر إيجابي. على سبيل المثال، تقدمت فرنسا في الترتيب بعد انخفاض الإضرابات في القطاع العام. وتتصدر الولايات المتحدة وإيرلندا هذا المجال، يليهما الدنمارك والسويد من دول الاتحاد الأوروبي.
التمويل (المرتبة الأولى): فيما يتعلق بالتمويل، يتضمن المؤشر حماية الدائنين، سهولة الوصول إلى القروض، ومستوى ديون الدولة. تستمر ألمانيا في الصدارة بسبب قدرتها على تقديم معلومات دقيقة عن الجدارة الائتمانية للشركاء المحتملين. ومع ذلك، يظل الوصول إلى سوق القروض بحاجة إلى تحسين، خاصة بالنسبة للشركات العائلية الناشئة، التي تواجه صعوبات في تمويل مراحل نموها.
البنية التحتية والمؤسسات (المرتبة العاشرة): لا تزال الدول الثلاث الأولى في هذه الفئة دون تغيير: الدنمارك، سويسرا، وهولندا. وبحسب Heinemann، فإن أحد الأسباب وراء انتقال المزيد من الشركات العائلية إلى سويسرا هو أن ظروف العمل هناك تُعتبر أفضل، رغم ارتفاع تكاليف الأجور. وتأتي ألمانيا في مرتبة متوسطة. وتتمثل نقاط القوة في ألمانيا في هذا المجال في التحكم في الفساد. ومع ذلك، تُظهر نتائج سيئة للغاية في مجال البنية التحتية، خاصة في قطاع السكك الحديدية. كما تدهور وضع ألمانيا فيما يتعلق بمستوى التهديدات الإرهابية.
الطاقة (المرتبة الثامنة): حققت ألمانيا تقدمًا ملحوظًا في مؤشر الطاقة، حيث كانت قبل عامين في المرتبة 18. يقول Heinemann: “هذا ربما هو الأمر المفاجئ”. يعود السبب في ذلك إلى تعامل ألمانيا مع صدمة الطاقة الناتجة عن الحرب الروسية الاوكرانية. وقد تمكنت البلاد من تعويض النقص في الغاز الروسي بشكل كبير، مما أدى إلى تقليل مخاطر استيراد الطاقة. ومع ذلك، تظل الشركات العائلية في ألمانيا تعاني من ارتفاع أسعار الكهرباء، خاصة بالمقارنة مع الولايات المتحدة وكندا.
مصادر الطاقة المتجددة تساهم بأكثر من 62 في المئة من انتاج الكهرباء في ألمانيا العام 2024م
سجلت مساهمة مصادر الطاقة المتجددة في انتاج الكهرباء في ألمانيا خلال العام 2024م، رقماً قياسياً، فبحسب تقرير لمعهد فراونهوفر، تم إنتاج حوالي 275.2 تيراوات/ ساعة من الكهرباء عبر مصادر الطاقة المتجددة وهو ما يمثل 62.7 في المئة من إجمالي الكهرباء المُنتجة. بزيادة قدرها 4.4 في المئة مقارنة بالعام 2023م، ووفقًا لما ذكره التقرير. كانت طاقة الرياح هي المصدر الأهم للكهرباء بحصة بلغت 33 في المئة، رغم أن إنتاج محطات طاقة الرياح على اليابسة كان أقل مما كان عليه في عام 2023م.
ثاني أهم مصدر للطاقة المتجددة كانت أنظمة الطاقة الشمسية والتي غطت حوالي 14 في المئة من إجمالي الإنتاج. ووفقًا لمعهد فراونهوفر، شهدت هذه الأنظمة زيادة كبيرة بنسبة 18في المئة مقارنة بالعام السابق. وقد تجاوز التوسع في أنظمة الطاقة الشمسية مرة أخرى أهداف الحكومة الاتحادية “فبدلاً من الهدف المحدد عند 13 جيجاوات، تم بالفعل إنشاء 13.3 جيجاوات بحلول شهر نوفمبر 2024م.” كما ساهمت طاقة الكتلة الحيوية بنسبة 8.9 في المئة من انتاج الكهرباء في العام 2024م، وساهمت الطاقة الكهرومائية بنسبة 5 في المئة. أما إنتاج الكهرباء بالطاقة النووية فقد انخفض تمامًا إلى الصفر في العام الماضي بعد إغلاق آخر ثلاث محطات للطاقة النووية في أبريل 2023م. وفي آخر عام تشغيل كامل، كانت الطاقة النووية قد ساهمت بنحو 6.3 في المئة من إجمالي الكهرباء العامة. وأوضح التقرير أن “هذا النقص تم تعويضه بالطاقة المنتجة من مصادر الطاقة المتجددة.”
في الوقت نفسه، استمر الانخفاض الكبير في إنتاج الكهرباء من الفحم. حيث قدمت محطات توليد الكهرباء من الفحم البني طاقة أقل بنسبة 8.4 في المئة، بينما انخفض إنتاج محطات الفحم الحجري بنسبة 27.6 في المئة. وفي المقابل، زاد إنتاج الكهرباء من الغاز الطبيعي بنسبة 9.5 في المئة. ويرجع الانخفاض في إنتاج الكهرباء من الفحم بشكل أساسي إلى ارتفاع تكلفة شهادات ثاني أكسيد الكربون (CO2). وبدلاً من تشغيل محطات الطاقة الأحفورية، تم الاعتماد بشكل أكبر على استيراد الكهرباء الأرخص من دول الاتحاد الأوروبي.
وقد وصلت ألمانيا في عام 2024م، إلى أدنى مستوى تاريخي في توليد الكهرباء من الفحم، حيث وصل اجمالي مساهمة الفحم في انتاج الكهرباء الى أقل من 29 في المئة. بينما حققت إنتاجاً قياسياً من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. وأدى كل هذا الى انخفاض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بشكل أكبر من المتوقع. حيث بلغ إجمالي انبعاثات الغازات الدفيئة في عام 2024م، حوالي نصف مستوى عام 1990م. وتم تحقيق أهداف المناخ المحددة من قبل الحكومة الاتحادية لهذا العام، حيث بلغت الانبعاثات 656 مليون طن، بانخفاض قدره ثلاثة في المئة مقارنة بعام 2023م. كما يمثل هذا الانخفاض أقل بنسبة 48 في المئة مقارنة بعام 1990م.
على المستوى الأوروبي، انخفضت نسبة استخدام مصادر الطاقة الأحفورية في الاتحاد الأوروبي إلى أدنى مستوى على الإطلاق، حيث تم توليد 47 في المئة من الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة، وذلك وفقًا لدراسة جديدة صادرة عن مركز الأبحاث Ember لعام 2024م، والتي اشارت إلى زيادة الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة في إنتاج الكهرباء داخل الاتحاد الأوروبي. وصرّح Chris Rosslowe، خبير الطاقة لدى Ember، قائلًا: “الوقود الأحفوري يفقد تأثيره على إمدادات الطاقة في الاتحاد الأوروبي”.
وتجاوزت الطاقة الشمسية الفحم كمصدر للطاقة، حيث شكّلت 11 في المئة من إجمالي إنتاج الكهرباء في الاتحاد الأوروبي. كما أن طاقة الرياح حققت تقدمًا على الغاز للسنة الثانية على التوالي، حيث غطت 17 في المئة من احتياجات الكهرباء. بشكل إجمالي، تأتي 47.5 في المئة من الكهرباء في الاتحاد الأوروبي من مصادر الطاقة المتجددة، بما في ذلك الطاقة الكهرومائية والطاقة المستمدة من الكتلة الحيوية. واظهرت بيانات إنتاج الكهرباء واستهلاكها في جميع دول الاتحاد الأوروبي الـ 27. أن التحول إلى الطاقة المتجددة مكّن أوروبا منذ عام 2019م، من توفير ما يعادل حوالي 58.6 مليار يورو من واردات الوقود الأحفوري المستخدمة في توليد الكهرباء.
وفقًا لمركز الأبحاث، انخفضت نسبة الكهرباء المولدة من الفحم إلى أقل من 10في المئة، كما استمر توليد الكهرباء من الغاز في الانخفاض للعام الخامس على التوالي، حيث بلغت نسبته في عام 2024م، حوالي 16 في المئة فقط. وبإضافة مصادر الوقود الأحفوري الأخرى مثل النفط، شكّلت مصادر الوقود الأحفوري حوالي 29 في المئة من إجمالي توليد الكهرباء في الاتحاد الأوروبي. أما الطاقة النووية، فقد شكلت ما يقارب 24 في المئة من مزيج الطاقة في عام 2024م.
أحد الأسباب الرئيسية وراء تقدم التحول الطاقي في أوروبا هو الاتفاقية المسماة الاتفاق الأخضر الأوروبي (Green Deal)، الذي تم إقراره عام 2019م. وقال Rosslowe: “عند بدء الاتفاق الأخضر الأوروبي، لم يتوقع الكثيرون أن تصل أوروبا إلى هذا المستوى من التقدم في التحول الطاقي”. بموجب هذا الاتفاق، رفع الاتحاد الأوروبي سقف طموحاته، حيث يهدف إلى خفض انبعاثات الغازات العادمة بنسبة 55 في المئة بحلول نهاية هذا العقد، وجعل أوروبا محايدة للكربون بحلول عام 2050م.