تحسّن مناخ الأعمال لدى مدراء الشركات الألمانية في مختلف القطاعات خلال شهر ابريل بشكل طفيف، حيث ارتفع مؤشر ifo لمناخ الأعمال إلى 96.8 نقطة في أبريل، من 96.6 نقطة في شهر مارس الماضي. حيث عدلت الشركات تقييم وضع أعمالها الحالي بشكل أفضل، لكنها لم تعد متفائلة بشأن مستوى الاعمال خلال الأشهر الستة المقبلة نتيجة للموجة الثالثة من الإصابات بعدوى فيروس كورونا بالإضافة الى الاختناقات والتأخر في توريد المواد الأولية والتي أدت جميعها الى تباطؤ تعافي الاقتصاد الألماني.

     في قطاع الصناعة، تحسن مناخ الأعمال إلى أعلى مستوى له منذ مايو 2018م، حيث أبلغت الشركات عن مسار عمل أفضل بشكل ملحوظ مع مستوى جيد جدا للطلب على منتجاتها. وقد ارتفع مؤشر الاعمال في القطاع الصناعي الى مستوى 25,3 نقطة في شهر ابريل بعد ان سجل مستوى 24 نقطة في شهر مارس الماضي. وبالرغم من تحسن الاعمال الا ان التوقعات المتفائلة بمستوى الاعمال خلال الأشهر القادمة قد تراجعت بعض الشيء بعد ان أبلغت 45 في المئة من الشركات في القطاع عن اختناقات في استلام المواد الأولية، وهذه هي النسبة الأكبر من الشركات التي تبلغ عن ذلك منذ عام 1991م. ويعود ذلك بشكل رئيسي الى تأخر استلام الرقائق الالكترونية من المصنعين نتيجة زيادة الطلب على أجهزة الكمبيوتر والإلكترونيات الترفيهية خلال ازمة كورونا والذي دفع مُصنعيها في مختلف دول العالم الى شراء رقائق أكثر من المعتاد في السوق.

     في قطاع الخدمات، تراجع مؤشر مناخ الأعمال في ابريل الى 3,5 نقطة بعد ان كان قد سجل ارتفاعا كبيرا خلال الشهر الماضي عندما وصل الى مستوى 6,6 نقطة. اذ كانت الشركات في هذا القطاع أقل رضا عن وضعها الحالي، كما اختفى التفاؤل الذي ظهر في الشهر السابق، فبينما يستفيد قطاع الخدمات اللوجستية من الانتعاش في الصناعة، لا يزال قطاعا الضيافة والسياحة يعانيان.

     من جهة أخرى تحسن مناخ الأعمال في تجارة التجزئة حيث ارتفع مؤشر الاعمال في هذا القطاع الى (- 0,5 نقطة) في ابريل من مستوى (- 1,4 نقطة) في الشهر السابق، وكان هذا بسبب التقييمات الأفضل بشكل ملحوظ للوضع الحالي، لا سيما بين تجار السيارات. اما فيما يخص مستوى الاعمال خلال الأشهر المقبلة، فقد ازداد التشاؤم مرة أخرى بشكل ملحوظ. كما لا يزال المزاج في البيع بالجملة أفضل من البيع بالتجزئة.

     في صناعة البناء، انخفض مؤشر مناخ الأعمال الى 0,4 نقطة من مستوى 2,4 نقطة الذي سجله في شهر مارس، حيث كانت شركات البناء أقل رضا عن وضعها الحالي بالإضافة الى ان توقعاتها للأعمال خلال الفترة القادمة لا تزال تتسم بالتشكيك الواضح. وفي هذا القطاع ايضاً أبلغت العديد من الشركات عن نقص في تسليم المواد الاولية.

     من جهتها خفضت العديد من المعاهد الاقتصادية توقعاتها للنمو لعام 2021م، وأكد الخبراء إن الإغلاق المتجدد لكورونا يؤخر الانتعاش الاقتصادي، بالإضافة الى ان الموجة الثالثة من الفيروس تعيق بشكل كبير نمو الاقتصاد الألماني هذا العام.  واظهر تقرير الربيع لحكماء الاقتصاد الألماني تراجع التوقعات الخاصة بالنمو بدرجة مئوية كاملة مقارنة بتقرير الخبراء خريف العام الماضي، حيث تراجعت توقعات النمو من 4,7 في المئة الى نسبة 3,7 في المئة.

     وادي التراجع الاقتصادي في الربع الأول من هذا العام الى الضغط على الاقتصاد، حيث يؤكد تورستن شميدت، مدير معهد لايبنز للبحوث الاقتصادية RWI انه “بسبب الإغلاق المستمر، من المرجح أن يكون الناتج الاقتصادي في الربع الأول 2021م قد انخفض بنسبة 1,8 في المئة “. ويحذر الخبراء من أن “تطور الجائحة لا يزال يمثل الخطر السلبي الأكثر أهمية بالنسبة للنمو”.  بالإضافة الى بقاء احتمالية أن تكون هناك اختناقات وتأخيرات في تسليم اللقاحات والاختبارات السريعة للكشف عن الفيروس الى جانب إمكانية أن تؤدي الطفرات الفيروسية الجديدة أيضًا إلى منع الاقتصاد من الانفتاح واستمرار الإجراءات الاحترازية مما قد يؤدي إلى إبطاء الانتعاش مرة أخرى.

      وأشار شميدت الى ان التوقعات تستند إلى افتراض أن الإغلاق “سيستمر في الوقت الحالي وأن التخفيف الأخير في إجراءات التباعد الاجتماعي والاغلاق الاقتصادي سيتم عكسه، كما لا يُتوقع اتخاذ خطوات تخفيف جديدة حتى منتصف الربع الثاني من العام الحالي، فيما سيتم رفع القيود وتخفيف الإجراءات بحلول نهاية الربع الثالث “. ويؤكد الخبراء أن التعافي القوي للاقتصاد سيحدث بمجرد تجنب خطر الإصابة، خاصة من خلال التطعيم، ويتوقعون عودة الاقتصاد إلى مستوى ما قبل الازمة في بداية العام المقبل، وبذلك رفعت لجنة حكماء الاقتصاد توقعاتها بخصوص معدل النمو للعام 2022م من 2,7 في المئة في تقرير الخريف الى 3,9 في المئة في تقرير الربيع.

     وفي سياق متصل وبحسب دراسة لمعهد الاقتصاد الألماني (IW)الواقع مقرة في مدينة كولونيا، أثر الاغلاق الاقتصادي بشكل كبير على الاستهلاك في ألمانيا خلال العام الماضي بواقع 116 مليار يورو، وهو ما يمثل تراجعاً بنسبة 6,1 في المئة أقل بالمقارنة مع الانفاق الاستهلاكي في العام 2019م، وهو أكبر تراجع منذ 70 عامًا. وأظهرت الدراسة أن “السلع الاستهلاكية قصيرة العمر” مثل الملابس والأحذية تأثرت بشدة بالتراجع، كما انخفض شراء السلع الاستهلاكية المعمرة مثل السيارات والأثاث.

     من جانبه يتوقع صندوق النقد الدولي (IMF) أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي في ألمانيا بنسبة 3,6 في المئة العام 2021م، كما يتوقع أن ينمو الاقتصاد العالمي بوتيرة أسرع مما كان متوقعا هذا العام. ووفقًا لحسابات الصندوق، سينمو الاقتصاد العالمي بنسبة 6 في المئة في العام الحالي، وبنسبة 4.4 في المئة في عام 2022م. وهكذا فإن الاقتصاد العالمي يتعافى بشكل ديناميكي أكثر مما كان متوقعا.

     وتعد الولايات المتحدة والصين القوى الدافعة وراء هذا النمو للاقتصاد العالمي، حيث من المتوقع أن ينمو الاقتصاد الأمريكي (أكبر اقتصاد في العالم) بنسبة 6,4 في المئة خلال العام 2021م وبنحو 3,5 في المئة في العام 2022م، (وهذا يعني أن الولايات المتحدة ستعاود تحقيق ناتجًا محليًا إجماليًا أعلى في عام 2021 مما كان عليه قبل الجائحة)، بينما سينمو الاقتصاد الصيني (ثاني أكبر اقتصاد عالمي) بقوة بشكل خاص. وقالت جيتا جوبيناث، كبيرة الاقتصاديين في صندوق النقد الدولي، إنه من المتوقع ان ينمو اقتصاد الصين هذا العام بنسبة 8,4 في المئة ونسبة 5,6 في المئة العام القادم.

     ووفقاً لتقرير الصندوق فإن أوروبا تتعافى بشكل أبطأ من الولايات المتحدة والصين، إذ ان بطء وتيرة التطعيم يبطئ أيضًا نمو الاقتصاد. ومع ذلك رفع صندوق النقد الدولي توقعاته لمنطقة اليورو لهذا العام والعام المقبل، حيث من المتوقع أن ينمو الناتج المحلي لمنطقة اليورو العام 2021م بنسبة 4,4 في المئة وبنسبة 3,8 في المئة في عام 2022م. ووفقًا لصندوق النقد الدولي، تلوح نهاية أزمة كورونا في الأفق في البلدان الصناعية، على الأقل من وجهة النظر الاقتصادية، بفضل التطعيمات وحزم التحفيز الاقتصادي. هذا فيما تجد البلدان النامية صعوبة أكبر بكثير في التعامل مع أزمة كورونا بسبب الافتقار الى الأموال الكافية لدعم الاقتصاد، بالإضافة إلى انه لم تحصل البلدان الأفقر حتى الآن على أي إمدادات كبيرة من اللقاحات.

     في غضون ذلك، اقرت الحكومة الاتحادية الألمانية الحزمة الثالثة لما يسمى “مساعدات التجسير” والتي تضمنت تحسينات مهمة ودعم جديد للشركات المتضررة بشكل خاص من أزمة كورونا. حيث ستحصل الشركات التي تضررت بشدة من عمليات الإغلاق في سياق جائحة كورونا على منح إضافية جديدة. بالإضافة إلى ذلك، ستتحسن شروط الحصول على المساعدات بشكل عام.  وأكد وزير الاقتصاد الاتحادي بيتر التماير على ان “أزمة كورونا مستمرة في التأثير على العديد من الشركات والموظفين بشدة، اذ تم إغلاق بعض فروع الاقتصاد لأكثر من نصف عام. نحن نقدم عرضًا إضافيًا للمساعدة لهذه الشركات وموظفيها. من خلال منحة جديدة، نقوم من خلالها على الفور بتقوية موقف هذه الشركات ومساعدتها خلال هذه الأوقات الصعبة”.

     وشدّد وزير المالية الاتحادي اولاف شولتز على ان “سياسة المساعدة تعمل لأننا نتماسك بحزم في مواجهة الأزمة”. وأضاف ان ألمانيا اجتازت الجائحة بشكل أفضل بكثير من العديد من البلدان المماثلة، ومع ذلك، من الواضح أنه بمرور الوقت، ستؤثر أزمة كورونا على الشركات، هذا هو السبب في أننا نضيف الآن الكثير إلى برامج المساعدات حيث كان من المهم بشكل خاص بالنسبة لي أن نساعد الشركات التي تعرضت لأضرار كبيرة لفترة طويلة “.

     وتتضمن الحزمة الثالثة من برنامج مساعدات التجسير تلقّى جميع الشركات التي عانت من انخفاض في المبيعات بأكثر من 50 في المئة خلال ثلاثة أشهر على الأقل منذ نوفمبر 2020م منحة لدعم رأس المال. بالإضافة إلى ذلك، سيتم زيادة نسبة سداد التكاليف الثابتة للشركات التي تعاني من انخفاض في المبيعات بأكثر من 70 إلى 100 في المئة. وفي هذا الاتجاه اقرت الحكومة الاتحادية إضافة مبلغ 60,4 مليار يورو الى ميزانية العام 2021م، تُخصص لمواجهة نفقات ازمة كورونا والتي تتضمن تقديم المساعدات وشراء اللقاحات، الى جانب المتطلبات المالية الإضافية فيما يتعلق بالتعامل مع الجائحة، وبهذا المبلغ ترتفع النفقات الاجمالية للميزانية الى حوالي 547.7 مليار يورو، فيما يتوقع ان يبلغ اجمالي الإيرادات حوالي 307.3 مليار يورو، وبذلك سيبلغ عجز الميزانية أكثر من 240 مليار يورو في العام 2021م، والذي سيتم تمويله عبر الاقتراض.

 

سوق العمل: انتعاش التوظيف مع بداية الربيع

     مع بداية فصل الربيع انتعش سوق العمل بعض الشيء خلال شهر مارس وانخفض عدد العاطلين عن العمل إلى 2827000 شخص، أي أقل بمقدار 77 ألف شخص عن الشهر السابق، وبذلك انخفض معدل البطالة 0.1 نقطة مئوية إلى 6.2 في المئة. الا ان عدد العاطلين عن العمل خلال مارس من العام 2021م يبقى اعلى بمقدار 492 ألف شخص مقارنة بشهر مارس من العام الماضي، وهو ما يعني ان معدل البطالة ارتفع بنسبة 1,1 في المئة مقارنة أيضا بشهر مارس العام 2020م.

     كما ارتفع عدد الوظائف الشاغرة خلال شهر مارس أيضا بنحو 12 ألف وظيفة مقارنة بالشهر الذي سبق ليصل مجموع الوظائف الشاغرة المسجلة لدى مكتب العمل الاتحادي 609 ألف وظيفة، الا ان هذا العدد يظل أقل بـ 82 ألف وظيفة مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي.

     اما في يتعلق ببرنامج العمل بدوام مختصر فقد قدمت الشركات خلال الفترة ما بين 1 الى 25 مارس 197 ألف طلب لموظفيها لضمهم الى البرنامج، وبهذه الأرقام يقدر العدد الإجمالي للموظفين والعمال المسجلين في البرنامج بحوالي 3 ملايين موظف. ويرجع ارتفاع عدد الموظفين والعمال المسجلين في البرنامج منذ نوفمبر إلى تجديد إجراءات الاحتواء نتيجة لزيادة عدد الإصابات بفيروس كورونا.

     من جهة أخرى تتوقع العديد من معاهد البحوث الاقتصادية ان عدد العاطلين عن العمل سينخفض اعتباراً من شهر مايو القادم وان الانتعاش في التوظيف سوف يكتسب زخماً في الصيف بناءً على التخفيف المتوقع لإجراءات الاغلاق الجزئي. وفي المتوسط ​​السنوي سيبلغ معدل البطالة في العام الحالي 5,7 في المئة فيما سيسجل نسبة 5,2 في المئة في العام 2022م، ومع ذلك، سيظل معدل البطالة أعلى من مستوى ما قبل الأزمة البالغ 5 في المئة.

     في سياق متصل اظهر تقرير لمكتب الإحصاء الاتحادي (Destatis) ان عدد الموظفين والعمال في الشركات الصناعية في ألمانيا، والتي تضم 50 موظفًا أو أكثر، قد بلغ مع نهاية شهر فبراير 2021م حوالي 5,4 مليون موظف، وبهذا العدد يكون عدد العاملين في القطاع الصناعي قد انخفض بنحو 161 ألف موظف وعامل وبنسبة – 2,9 في المئة مقارنة بشهر فبراير من العام 2020م (شهر من بدء القيود بسبب جائحة كورونا في ألمانيا)، كما انخفض عدد العاملين أيضا بنسبة – 0,1 في المئة مقارنة بالشهر السابق (يناير 2021م).

وقد تم تسجيل الانخفاض في عدد العاملين في جميع فروع الصناعة التحويلية تقريبًا، حيث انخفض عدد الموظفين في شركات إنتاج المعادن ومعالجتها بنسبة -6,5 في المئة، كما انخفض عدد العاملين بشكل كبير في صناعة المنتجات المعدنية (-5 في المئة)، صناعة المعدات والآلات (-4,8 في المئة)، صناعة السيارات وقطع غيار السيارات (-3,7 في المئة)، وصناعة المطاط والبضائع البلاستيكية (-3,5 في المئة) وفي صناعة المعدات الكهربائية (-3 في المئة). كذلك انخفض عدد العاملين في تصنيع معدات معالجة البيانات والمنتجات الإلكترونية والبصرية بشكل طفيف (-0,9 في المئة). بينما تراجع عدد العاملين في تصنيع المنتجات الكيماوية قليلاً بنسبة -0,4 في المئة. وفي اتجاه معاكس ارتفع عدد العاملين في إنتاج المواد الغذائية والأعلاف في شهر فبراير 2021م بنسبة 1,7 في المئة مقارنة بنفس الشهر من العام الماضي. وتجدر الإشارة إلى أن الموظفين المسجلين في برنامج العمل بدوام مختصر يتم احتسابهم كموظفين وبالتالي لا يدخلون في إطار العدد الإجمالي للعاطلين عن العمل.

 

تقدم في استخدام تقنيات الثورة الصناعية الرابعة في ألمانيا

      قدم باحثون وعلماء كمبيوتر ألمان في عام 2011م، لأول مرة مفهوم الثورة الصناعية الرابعة (Industrie 4.0)، والذي يؤشر الى تحول كلي في عملية الإنتاج الصناعي واستخدام تقنيات حديثة تعتمد على الرقمنة والمعلوماتية. وبعد عشر سنوات من الإعلان عن هذا المفهوم الجديد، ووفقاً لتقرير صادر عن مكتب الإحصاء الاتحادي Destatis، حققت ألمانيا بشكل عام، وقطاعها الصناعي بشكل خاص، تقدما كبيرا في استخدام تطبيقات وتقنيات الثورة الصناعية الرابعة.  وبحسب التقرير فقد استخدمت كل خامس شركة تقريبًا تضم ​​أكثر من عشرة موظفين في قطاع الصناعة في ألمانيا الروبوتات الصناعية في عام 2020م، حيث ارتفعت نسبة عدد الشركات التي تستخدم الروبوتات من نسبة 16 في المئة عام 2018م الى 19 في المئة في العام 2020م.  الا ان الصورة تختلف نوعا ما بالنسبة للشركات الصناعية الكبيرة التي توظف أكثر من 250 موظفا، حيث تستخدم ثلث هذه الشركات الروبوتات في عملها فيما تستخدم 23 في المئة من هذه الشركات الطابعات ثلاثية الابعاد.

     الا ان تطبيقات وتقنيات الثورة الصناعية الرابعة (Industrie 4.0)، لا تقتصر على الروبوتات والاذرع الالية او طابعات  3D فقط بل يتجاوز مفهوم الثورة الصناعية ذلك عبر مفهوم التصنيع المعياري والقائم على ربط مراحل التصنيع وادارتها والتحكم بها عبر منصات وتطبيقات رقمية، والتي تتعامل وتعالج مختلف انواع البيانات. وخلال العشر سنوات الماضية، عملت شركات مثل Bosch وSiemens بنجاح على تحويل هذا المفهوم الى حقيقة واقعة، بحسب تعبير سيدريك نايكي، عضو مجلس الإدارة في شركة سيمنز والمسؤول عن التكنولوجيا الصناعية، والذي أكد ايضاً على ان المصنعين الالمان أدركوا أنهم “يدخلون عصرًا جديدًا من التكنولوجيا ونماذج الأعمال”. وفي هذا الجانب تقدمت صناعات السيارات والطيران على وجه الخصوص في السنوات الأخيرة. كما حققت صناعة المستحضرات الصيدلانية “قفزة كبيرة إلى الأمام”.

      إدراك الشركات الصناعية الألمانية لأهمية الثورة الصناعية الرابعة لم يأتي من كون ألمانيا رائدة في تطوير تقنياتها، ولكنه انعكس أيضًا في مدى انتشار تطبيق هذه التقنيات، اذ وفقًا لدراسة من قبل شركة الاستشارات الإستراتيجية Boston Consulting Group، لصحيفة Handelsblatt، فإن 88 في المئة من الشركات الصناعية الألمانية قد نفذت تطبيقًا واحدًا على الأقل من تطبيقات الثورة الصناعية الرابعة (Industrie 4.0)، في شبكات التصنيع الخاصة بها، ولا يتفوق على هذه النسبة سوى الشركات الصناعية الصينية التي تستخدم 90 في المئة منها تطبيقا واحدا على الأقل من تطبيقات الثورة الصناعية الرابعة في عمليات انتاجها.

       في مجال الهدف من استخدام تقنيات الثورة الصناعية الرابعة (Industrie 4.0)، تختلف الشركات على المستوى الدولي، فبينما تركز 73 في المئة من الشركات الألمانية على هدف خفض التكاليف، تأمل 66 في المئة من الشركات الصناعية الأمريكية في استغلال هذه التقنيات لتحقيق عمليات إنتاج أكثر مرونة. من جانبها، تريد 98 في المئة من الشركات الصينية أن تصبح أكثر استدامة بمساعدة هذه التقنيات. وتتفق جميع الشركات الصناعية على ان ” مستقبل التصنيع يكمن في تصنيع منتجات عالية الجودة ومخصصة للغاية وبأقل الكميات الممكنة”.

      رقمنه العمليات الصناعية والتي تتطلب شبكات وخوادم و “إدارة دورة حياة المنتج” وتعلم الآلة لجعل المصانع ذكية، دفعت بالشركات الصناعية الى الاعتماد على شركاء جدد من قطاع تقنية المعلومات، سواء كانت Microsoft أو Amazon Web Services (AWS)، Google، SAP، Oracle أو Servicenow. حيث ومنذ ظهور مفهوم الثورة الصناعية الرابعة ضاعفت شركات الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات من جهودها في تطوير خدماتها التقنية، بل تحولت الى التنافس مع الشركات الصناعية، فعلى سبيل المثال، طورت شركات تقنية المعلومات ما يطلق علية ” الصيانة التنبؤية” والتي تعتمد على قيام النظام تلقائيًا بجمع البيانات من عمليات الإنتاج وتحليلها من أجل التنبؤ بالعيوب والاختلالات المحتملة بناء على العديد من العوامل، منها على سبيل المثال، التغير في درجة الحرارة او الضغط او مصدر الطاقة. وتتيح هذه التقنية للشركات القدرة على صيانة أجهزتها ومعداتها بشكل استباقي دون بذل جهد كبير. وكان تطوير هذه التقنية في السابق حكراً على الشركات الصناعية.

     من جهة اخرى تسببت أزمة كورونا في ازدهار تقنيات الثورة الصناعية الرابعة (Industrie 4.0)، فقد اضطرت العديد من المصانع في اغلب دول العالم إلى الإغلاق بين عشية وضحاها لاحتواء انتشار الفيروس. وقد أدى ذلك إلى حدوث اضطرابات في سلسلة التوريد لم تكن معظم الشركات مستعدة لها. وهو ما دفع بالعديد من الشركات الى اللجوء الى تطبيقات الثورة الصناعية الرابعة للاستمرار بعمليات الإنتاج.

      ويؤكد العديد من الخبراء   أن الشركات تتحرك الآن بوتيرة أسرع بكثير عندما يتعلق الأمر بالرقمنة. حيث وبحسب الخبير نيكو موهر، من شركة ماكينزي ” قامت الشركات في كل من أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية برقمنة وأتمتة عملياتها ونماذج الأعمال الخاصة بها أثناء الجائحة بمعدل يصل من 20 إلى 25 مرة أسرع مما كانت قبلها”، “لقد أظهر الوباء مدى أهمية المرونة التشغيلية للحفاظ على الإنتاج أو لتغيير حجم الإنتاج بسرعة إذا لزم الأمر “. ووفقًا لموهر، فقد تم تحقيق معظم التقدم حتى الآن من قبل الشركات الكبيرة ذات الربحية العالية، حيث كانت هذه الشركات بالفعل رائدة قبل الأزمة واستثمرت الكثير من الأموال في الابتكار والأتمتة والرقمنة. “

 

نمو كبير في التجارة الالكترونية في ألمانيا

     أعطت أزمة كورونا البيع بالتجزئة عبر الإنترنت دفعة قوية حيث ارتفعت مبيعات السلع عبر التجارة الإلكترونية خلال العام 2020م إلى 83.3 مليار يورو، بزيادة 14.6 في المئة مقارنة بالعام 2019م، والذي بلغت قيمة المبيعات خلاله 72,6 مليار يورو.

     ولم تقتصر اثار ازمة كورونا على رفع قيمة المبيعات عبر الانترنت ولكنها ساهمت أيضا وبشكل جذري في تغيير سلوك المستهلك الألماني، فبحسب دراسة عن سلوك المستهلكين عبر الانترنت اعدت بطلب من اتحاد التجارة الإلكترونية الألماني Bevh، أصبحت الاسرة في ألمانيا تنفق ثامن كل يورو على السلع عبر التجارة الالكترونية، كما أمكن ملاحظة أن كبار السن يطلبون بشكل متزايد عبر الإنترنت، ففي حين أن نسبة المشترين عبر الانترنت ممن يتجاوزون ستين عاما كانت خلال العام 2019م اقل من الربع، وصلت في عام 2020م الى ان يكون كل ثالث متسوق عبر الإنترنت تقريبًا أكبر من 60 عاماً.  بالإضافة الى ذلك أصبح أربعة من كل عشرة متسوقين عبر الإنترنت يشترون الآن أكثر من مرة في الأسبوع، كما ذكر ثلاثة من كل أربعة متسوقين عبر الإنترنت أنهم يرغبون في رفع قيمة مشترياتهم او الشراء بنفس المبلغ على الأقل عبر الإنترنت في المستقبل. (قبل عام فقط، كان هذا المعدل شخص واحد من كل أربعة).

     وعلى الرغم من بقاء متاجر بيع المواد الغذائية والصيدليات مفتوحة خلال الازمة واستثنائها من الاغلاق، ارتفعت مبيعات المواد الغذائية عبر الانترنت خلال العام 2020م بنسبة 70 في المئة تقريباً، حيث ارتفعت قيمتها من 1,6 مليار العام 2019م الى 2,7 مليار يورو العام 2020م. كذلك كان هنالك طلب قوي على الادوية ومواد العناية الشخصية حيث بلغت قيمة مبيعات الادوية عبر الانترنت 1,2 مليار يورو وبزيادة بنسبة   53,9 في المئة عن العام السابق، بينما بلغت قيمة مبيعات مواد العناية الشخصية 2,8 مليار يورو وبزيادة بنسبة 35,4 في المئة مقارنة بالعام 2019م. كما زادت التجارة الإلكترونية بمستلزمات الحيوانات الأليفة من مبيعاتها بنسبة 15.8 في المئة لتصل إلى 1.4 مليار يورو بعد ان كانت  1,2 مليار يورو العام السابق.

     وحققت مبيعات الملابس والأحذية معًا إيرادات بقيمة 21,2 مليار يورو بعد ان كانت قد بلغت 18.7 مليار يورو في العام السابق، وهو ما يمثل زيادة بنسبة 13,2 في المئة. وفي نفس السياق ارتفعت مبيعات الكتب والكتب الإلكترونية والإلكترونيات وأجهزة الكمبيوتر وملحقاتها خلال العام 2020م بنسبة 10.5في المئة مقارنة بالعام السابق لتصل مبيعاتها إلى 28.5 مليار يورو.

     وتشير الدراسة الى ان ارتفاع الطلب على السلع عبر الانترنت لا يرجع إلى الإغلاق المؤقت فحسب، بل يرجع أيضًا إلى حقيقة أن التجار والموردين أصبحوا أفضل في تصور العملاء. فوفقًا لـ Bevh، قال أكثر من 95.3 في المئة ممن شملهم الاستطلاع إنهم “إما راضون جدًا أو راضون عن التسوق عبر الإنترنت”، على الرغم من التحديات اللوجستية خلال فترة الجائحة. وفي نفس السياق تشير Eva Stüber، خبيرة التجارة الإلكترونية في معهد البحوث التجارية IFH الى ان قنوات التواصل الاجتماعي مثل Instagram وFacebook شكلت أداة مثالية لتجار التجزئة لمخاطبة العملاء مباشرة في أوقات الإغلاق، بحيث أصبح يمكن الآن كسب عملاء جدد عبر هذه الوسائط بقليل من الجهد. وتضيف Stüber “هناك أيضًا سبب نفسي لذلك، اذ يمكن لوسائل التواصل الاجتماعي أن تجعل تجار التجزئة ودودين، فهي تحقق التبادل والتواصل المباشر الذي يفتقر إليه الجميع خلال وقت الاغلاق”، “كما يمكن ان تسهم وسائل التواصل الاجتماعي في توجيه العملاء وتقديم الاستشارة لهم والاجابة عن استفساراتهم بسرعة وبشكل شخصي”.

     وفي إطار مستقبل التطورات التي شهدتها التجارة الالكترونية خلال جائحة كورونا يقول جيرو فورشهايم، رئيس اتحاد التجارة الالكترونية Bevh   “لقد سرَّعت جائحة كورونا بشكل كبير من تطوير تجارة التجزئة نحو التجارة الإلكترونية”، مضيفاً “لم يعد من الممكن عكس هذا التطور”.” ويفترض الاتحاد ان التجارة الالكترونية ستكون قادرة على الحفاظ على جزء كبير من ارتفاع الطلب الذي تحقق خلال ازمة كورونا حتى لو أعيد فتح المتاجر”.

     وحول توقعات المبيعات خلال العام 2021م، أشار فورشهايم الى ان الاتحاد يتوقع نموًا في مبيعات السلع في التجارة الإلكترونية بنسبة 12,5 في المئة خلال العام الجاري، “حيث ستتخطى السلع والخدمات المباعة عبر الإنترنت بالتأكيد حاجز 100 مليار يورو”.

 

معدل الفائدة صفر في المئة وأثاره على الاستثمار والقطاع المصرفي الأوروبي

     في 10 مارس 2016م، أعلن الرئيس السابق للبنك المركزي الأوروبي ماريو دراجي (رئيس الوزراء الإيطالي حالياً) حقبة جديدة لأسعار الفائدة في منطقة اليورو، من خلال تأكيده على أن “أسعار الفائدة ستظل منخفضة ومنخفضة جدًا لفترة طويلة من الزمن” وذلك بعد ان اقر البنك خفض سعر الفائدة في منطقة اليورو الى مستوى صفر في المئة، بهدف أن تكون البنوك التجارية قادرة على إعادة التمويل بسعر أرخص من أجل تمرير القروض إلى الاقتصاد وتشجيع الاستثمار. وبالنظر الى الإحصاءات والبيانات فقد نجحت هذه السياسة الى حد ما، وبينما كان الإقراض للشركات والافراد قد استمر في الانكماش والتراجع بداية من عام 2012م إلى عام 2015م، انعكس الاتجاه مباشرة بعد اقرار سياسة صفر في المئة كفائدة، حيث ووفقًا للبنك المركزي الأوروبي، ارتفع حجم الإقراض من 1,2 في المئة سنوياً في مارس 2016م، ليصل بعد عامين الى ثلاثة في المئة.  

     وبحسب خبراء ماليين فأنه ” على الرغم من كل الانتقادات المبررة للسياسة النقدية للبنك المركزي الأوروبي، يتعين على المرء أن يعترف بأن البنك المركزي قد حقق هدفه المتمثل في إنشاء خيارات تمويل ميسورة للشركات، اذ نادرًا ما كانت القروض للشركات رخيصة جدًا ومتاحة للاستثمار والابتكار مثل ما هي الآن “.

     الا ان المستفيدين من أسعار الفائدة المنخفضة لم تكن فقط الشركات الخاصة، بل ايضا استفادت وبشكل كبير البلدان المثقلة بالديون في منطقة اليورو مثل إيطاليا، ويعد هذا أحد الأسباب في أن سياسة القروض الرخيصة تثير الجدل إلى حد كبير في الاوساط المالية الاوروبية. وحذّر يينس فايدمان، رئيس البنك المركزي الألماني وعضو مجلس البنك المركزي الأوروبي، من أن الدول يجب ألا تعتمد على أسعار الفائدة المنخفضة على المدى الطويل، وان على السياسة النقدية للبنك المركزي الاوروبي أن تحافظ على مسافة بعيدة عن تمويل الدولة النقدي، مؤكداً انه “إذا افترض السياسيون أن البنوك المركزية ستضمن في نهاية المطاف استدامة الدين الوطني، فقد تتراكم ديون إضافية وبالتالي تزيد الضغوط على ميزانيات الدول. وهنا تظهر المخاوف من تصاعد المطالب بأن على نظام اليورو إلغاء الديون على الدول الأعضاء “.

     من جانب أخر أوضح مايكل ستابيل، الخبير الاقتصادي في البنك التعاوني الألماني DZ أثر معدل الفائدة المنخفض على سوق العقارات “بالطبع، يمكن للمقترضين على وجه الخصوص، والافراد الذين يحصلون على قرض لشراء العقارات او بناء المنازل أن يكونوا سعداء بشكل خاص بشأن الحصول على مستوى سعر فائدة منخفض للغاية “. وإذا تم النظر فقط إلى أسعار الفائدة على الرهن العقاري، فإن المشترين للمنازل والعقارات يتمتعون حاليًا بظروف رائعة وفي المتوسط ​​يدفعون أقل بكثير من فائدة واحد في المئة.  لكن الامر في نفس الوقت، عكس نفسه على ارتفاع أسعار العقارات المتواصل منذ سنوات بسبب اتجاه صناديق التأمين والتقاعد والأفراد للاستثمار في العقارات.

     وفي سياق متصل، وضمن الظواهر المالية التي ارتبطت باستمرار معدل الفائدة عند صفر بالمئة، ظهر مصطلح “الذهب الخرساني”، والذي يعد ظاهره متعلقة بارتفاع غير حقيقي في أسعار العقارات يتجاوز قيمتها الحقيقية (فقاعة عقارات)، فنظرًا لأن الادخار التقليدي لم يعد مجديًا، يبحث المستثمرون عن فرص ومجالات جديدة لاستثمار الفوائض المالية، وكان قطاع العقارات أحد هذه المجالات المجزية، وقد أدى هذا إلى ارتفاع كبير في أسعار العقارات في السنوات لأخيرة، خصوصا في المدن الكبيرة.

     الا ان اهم قطاع اقتصادي تأثر بسعر الفائدة الصفري كان القطاع المصرفي في منطقة اليورو، حيث تراجعت ربحية هذا القطاع بشكل كبير، يتضح ذلك من خلال الأرقام الصادرة من البنك المركزي الأوروبي، حيث تكافح البنوك الكبرى في منطقة اليورو بشكل متزايد مع ضعف الأرباح، اذ انخفض ما يسمى بالعائد على حقوق الملكية للمؤسسات المصرفية إلى 1,53 في المئة فقط في الربع الرابع من عام 2020م، بينما كان قبل عام عند مستوى 5,16 في المئة. (يوضح هذا المعدل قيمة حصة الأرباح في رأس المال المستخدم.) ويعزو البنك المركزي الأوروبي حقيقة أن ربحية البنوك قد انخفضت بشكل حاد إلى جائحة كورونا الى جانب الصعوبات المتزايدة على المؤسسات المصرفية في جني الأرباح مع استمرار انخفاض أسعار الفائدة.  

     الى جانب ذلك تواجه المصارف الأوروبية إشكالية القروض المتعثرة والتي على الرغم من تراجعها إلى 2,63 في المئة في الربع الرابع من عام 2020م، بعد ان كانت 3,22 في المئة في نفس الفترة من العام 2019م. الا ان هنالك ما يقرب من 444 مليار يورو من هذه القروض المتعثرة لا تزال عالقة في الميزانيات العمومية للمصارف الأوروبية.

     ومع انخفاض ربحية المصارف والمؤسسات المالية الأوروبية تقوم المزيد من المؤسسات المالية بتحميل الأعباء على العملاء، حيث يقوم في الوقت الحاضر، أكثر من 300 بنك ومؤسسة توفير بفرض ما يعرف برسوم الحفظ او” الفائدة السلبية” على أموال المودعين بداية من الحسابات التي تتجاوز 50 ألف يورو.

     وعلى الرغم من الإيجابيات والفوائد التي حققها معدل الفائدة الصفري الا ان الخبراء الماليين يحذرون من انه كلما طالت فترة أسعار الفائدة المنخفضة، زادت خطورة الآثار الجانبية غير المرغوب فيها وزادت صعوبة تغيير مسارها.